الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد

 

كان الكلام في منشأ الدلالة الالتزامية سواء اللفظية او العقلية او الشرعية في الامر بالشيء واقتضاءه النهي عن ضده او في النهي واقتضائه الامر بضده.

المناشئ الأخرى التي ربما تذكر هي بعدة تقريبات اخري:

منها ان الامر بالشيء عين النهي عن ضده سواء قال الآمر ﴿اقيموا الصلاة﴾ او قال «لا تتركوا الصلاة» عرفا مفاد واحد. كما العكس في الحرمة «لاتشرب الخمر او اتركوا شرب الخمر» فمفاد واحد. هل هذا بنحو المفاد الواحد عينا يعني ان كل مفاد عين الآخر او قيل انه جزء المعنى بتقريب أن الوجوب هو البعث والتحريك نحو الشيء مع المنع عن الترك وهذا فرقه عن الاستحباب او في الحرمة هي الزجر عن الفعل مع الالزام بالترك وهذا فرقه عن الكراهة. جملة من القدماء بنوا على ان حقيقة الحكم الالزامي مركبة. فالنهي عن الضد جزء من معنى الوجوب. أو بتقريب الدلالة الالتزامية ان العقل ينتزع من الامر بالشيء النهي عن ضده.

عند الميرزا النائيني تفصيل ان هذه التقريبات تتم في الامر بالشيء والنهي عن الضد الذي لا ثالث له اما الاضداد المتعددة فلا يتم. واعترض عليه انه في الاضداد الرابع والخامس ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن الضد العام وهو الضد العدمي. وينطبق هذا الضد العام على الاضداد الوجودية. فالتقريب بهذا المقدار تام اجمالا.

هذا اجمال الاستدلال بالوجوب بمناشئ أخرى

اشكل على هذا الاستدلال ان الامر بالشيء ناشئ من المصلحة في المأمور به. لكن هل هذا الامر الناشئ من المصلحة يقتضي وجود النهي عن ضده الناشئ عن مفسدة في ضده؟ هذا اول الكلام. ولا يمكن ان نستظهر هذا المطلب. كيف يكون الامر بالشيء الناشئ عن مصلحة في الشيء هو عين النهي عن ترك الصلاة لكون الترك فيه المفسدة؟ الترك شيء والفعل الوجودي شيء آخر فأي عينية؟ وكذلك في الجزء او الالتزام او ما شابه ذلك. المصلحة الموجودة في الامر ليست عين المفسدة في الترك. أولا محلان مختلفان وثانيا سنخ الامر غير سنخ النهي وثالثا سنخ المصلحة غير سنخ المفسدة ورابعا الإرادة الباعثة غير الإرادة الزاجرة. كيف يكون عين بعضهما البعض.

نعم يسلم لهذا الاستدلال بانه يمكن انشاء الامر إما بأقيموا الصلاة او انشاء الصلاة بلا تترك الصلاة. هذا صحيح. في مقام الانشاء يمكن انشاء الامر هكذا بالامر ويمكن انشاء الامر بالنهي. هذا تفنن في الدلالة والانشاء ليس الا. لا انه واقع ثبوتي مجعول بجعلين ومجعولين والكلام ليس في فنون الدلالة في الانشاء وما شابه ذلك بل الكلام في المجعول ثبوتا والمفاد الثبوتي. البحث ليس في صياغات الدلالة ان هذه كناية او ان هذه مطابقة بل الكلام الأصلي في المجعول ثبوتا والمراد الجدي والمنشأ جدا. فهذه التقريبات لا تتكفل اثبات ان هناك مجعولين. هكذا اشكل جملة من الاعلام.

هذا المقدار من الاعتراض في نفسه متين لكنه هل هو اعتراض على الاستدلال على المدعى ام لا؟ امس مر بنا ان المدعى يجب ان يحدد تصورا. المدعى تصورا ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده مرادهم ليس بالضرورة ان يكون الضد فيه مفسدة كما ان الامر فيه مصلحة. المدعي يقر بان الحكم تبعي وليس اصليا. الحكم التبعي غالبا ليس المراد به انه ناشئ من الملاك المستقل فيه. شبيه الوجوب الغيري الشرعي في المقدمة بغض النظر عن من يسلم به او من ينكره ليس المراد من الوجوب الشرعي هو الوجوب الشرعي المستقل ذا ملاك بل المراد انه نحو من الوجوب الشرعي المنتزع المتولد، افترض مثل الجزئية ان الجزئية درجة من الجعل وان كانت بادراك العقل. ان كان المراد هذا فهذه الاعتراضات على هذه الوجوه ليست في محلها. تركزت الاعتراضات باستذكار ما مر بنا امس. امس مر بنا ان المجعول ابتداء في الصوم هو الوجوب مع ان متعلق الصيام هو التروك. لماذا صار وجوبا ولم يصير حرمة. قالوا لان التروك فيها مصلحة وجودية والوجوب يدور مدار المصلحة ولحرمة تدور مدار المفسدة. فسواء كان المصلحة في الترك او في الوجود فهو وجوب والوجوب يدور مدار المصلحة. والحرمة هي المفسدة سواء كانت في وجود الأفعال او في ترك الأفعال كما التزم الاعلام في متأخر العصر في صلة الرحم مثل السيد الخوئي او الكثير من محشي العروة او جملة منهم ان المجعول في باب صلة الرحم حرمة قطيعة الرحم لا وجوب صلة الرحم. في موارد مر بنا امس ان كلا من الفعل والترك فيه مصلحة ومفسدة. يمكن ان يكون الفعل فيه المصلحة والترك أيضا فيه المفسدة والشارع يجعلهما معا. ويمكن ان يكون الترك فيه المصلحة والفعل فيه المفسدة. فالذي التزم به السيد الخوئي وجماعة من الاعلام المعاصرين له ان قطيعة الرحم فيه المفسدة وحرام. فاذا كان هكذا بالتالي الحرمة تدور مدار المفسدة في الترك او الوجود والوجوب يدور مدار المصلحة سواء في الترك او في الوجود. لكن هذا في الحرمة الاصلية وليس في كل الاحكام كالحرمة الغيرية الشرعية او الحرمة التبعية وكذلك في الوجوب الأصلي والتبعي والغيري الشرعي ان المصلحة في الوجوب الأصلي. ان الحكم التبعي والغيري الشرعي أمواج تداعيات الحكم الأصلي. كما ان الحكم الأصلي يقتضي من امواجه ورشحاته وتداعياته وجوب المقدمة شرعا لكن لا نطالب ان يكون الوجوب الشرعي الغيري سنخه سنخ الوجوب النفسي لذي المقدمة. كما ان الحرمة النفسية لذي المقدمة يترشح منها حرمة المقدمة الشرعية الغيرية على القول بها. هناك لم يشكل احد ان الحرمة الغيرية ليست ناشئة من ملاك مستقل. ليس هكذا. ملاك المقدمية ليس ملاكا مستقلا بل ملاك الإعداد كما ان التمهيد أيضا لدينا في الوجوبات الاصلية النفسية ان بعض الاحكام الاصلية النفسية ليست ناشئة عن الملاك. بل ناشئة عن ملاك بنمط آخر وهو التهيئ لحكم آخر. فحكم تهيئي وإعدادي لكن لا مثل المقدمة. حكم نفسي اصالي لكن ليس الملاك في نفس الفعل بل ملاكه ان يهيئ ويعدّ. شبيه مثال آخر الحكم الامتحاني نفسي اصلي لكن ليس في متعلقه غرض اصلي. ومثال اخر ان بعض الاحكام مصلحتها في الجعل وليس في المجعول. فقضية المصلحة جعلها ميزانا ومدارا ليس في محله. اذا هذه الاعتراضات والردود على هذه الاستدلالات غير تامة بهذا المقدار. لان المدعى في ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده هو النهي التبعي. لا النهي الأصلي النفسي. كما لو عكسنا ان النهي الأصلي يقتضيي الامر التبعي لا الأصلي.

من جانب آخر: الإقرار بانه يمكن صياغة الانشاء باقيموا الصلاة او يمكن انشاءه بلا تترك الصلاة. هذا ليس صرف التفنن في الدلالة. هذا وحدة المعنى والمؤدى وان كان هكذا يعني كانما المجعول ثبوتا وجدا يمكن ان يقولب بقالبين. وان كنا نعترف ان احدهما اصلي والأخر تبعي ينتزعه العقل. فهذه الصياغات تثبت ان الامر بالشيء يقتضي النهي الانتزاعي الشرعي التبعي. بهذا المقدار تثبت كما التزمنا بذلك حتى في الوجوب المقدمي الشرعي. كانما يقال وجوب وحالة الوجوب لانها من شئون الوجوب. كما ان من شئون الوجوب ان يحرك ويبعث حتى قيل ان الوجوب انه حكم عقلي كما ان هناك بحث جدي مذكور في الأوامر ان عندنا امرا وعندنا وجوبا كما ان عندنا نهيا وعندنا حرمة فايهما مجعول؟ فقالوا ان الامر هي صياغة دلالية انشائية والمجعول وهو المراد الجدي وهو الوجوب والنهي هكذا انه صياغة انشائية لكن المجعول الأصلي هو الحرمة والبعض قالوا ان المنشأ هو النسبة الزجرية والنسبة الباعثة. اجمالا فوجوب او نسبة طلبية او اوامرية او نسبة زجرية او الحرمة بمعنى ضرورة الترك او امنتاع الفعل هذه معاني عديدة لحكم واحد. يعني نوع من تداعيات له وشئوناتها. يقال الأوامر او يقال وجوبات. يقال نواهي او يقال حرمات. يقال نسبة عدمية او نسبة وجودية او نسبة ايجادية. هذه المعاني التي ذكرت في باب الأوامر او باب النواهي كطبقات من المعاني شرعية بمعنى انها تداعيات وتحليلات وادراكات العقل لهذه المعاني للجعل والمجعول الواحد. بهذا المقدار نستطيع ان نقول ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده او العكس.

لكن هذا النهي التبعي ما هي قيمته وآثاره؟ هذا امر آخر. هل له فوائد او ليس له؟ كما اهو الحال في الوجوب المقدمي. ظاهرا هذه عمدة الأدلة التي استدلت بها.

الان في بحث الثمرة على القول باقتضاء الامر النهي.

اشكل على الثمرة بإشكالين. اشكال الشيخ البهائي واشكال آخر.

الاشكال الأول هو ان هذا النهي ليس ناشئا عن المفسدة فاذا لم يكن ناشئا عن المفسدة فلا يفسد العبادة. فما ثمرة الامر بالشيء انه يقتضي النهي عن ضده. عمدة الثمرة ان الامر بانقاذ الغريق يقتضي النهي الصلاة الموسعة فاذا يقتضي النهي يستلزم فسادا لعبادة.

اشكال آخر هو ان في باب التزاحم يمتنع الحكمان المتزاحمان فالعبادة فاسدة بسبب عدم الامر بها ولو واحد موسع وواحد مضيق. فتلقائيا فساد العبادة مقرر من جهة عدم الامر بالعبادة والفرض ان الامر بانقاذ الغريق اهم وهو فعلي بينما الامر بالصلاة لا اقل في خصوص الحصة المقارنة لإنقاذ الغريق لا امر فعلي لها لامتناع الامر بالضدين. فالعبادة في نفسها غير مأمور بها ففاسدة. فلا حاجة لاقتضاء الامر النهي عن ضده. لان الضد وهو عبادي غير مأمور به. هذان الإشكالات ذكرا على الثمرة.

ولكن نتعرض الى الاشكال الذي ذكره الشيخ البهائي وهو امر حساس في مبحث التزاحم

بسم الله الرحمن الرحيم. ههنا يبدأ المقام الثاني حقيقة التزاحم وآثار واحكام التزاحم. وسنرى من هذا البحث الى حد ما حقيقة الحكم التبعي بالدقة وماذا آثاره وهل له ثمرة ام لا.

البحث من هنا يبدأ الى نهاية الضد وحتى كل مبحث اجتماع الامر والنهي ومبحث ان النهي يقتضي الفساد ثلاث مباحث جحفيلة ثقيلة ومهمة في مبحث الأصول. تعتمد على حقيقة مراحل الحكم الشرعي. وهذا مبحث جدا حساس ومهم. بل حتى مبحث التعارض. اتفاقا هنا الثمرة التي انتهى البحث في المقام الأول ان هذا النهي التبعي يقتضي الفساد تنقيح تحرير هذا البحث يستلزم على حقيقةمراحل الحكم الشرعي. وكل ما ينقح حقيقة كل مرحلة بمرحلة تعداد المراحل وحقيقة كل مرحلة واثار كل مرحلة واسماءها. لان مراحل الحكم الشرعي يعطيك نظام ساري في كل منظومة الاحكام في كل طبقاتها وحتى تطبيقاتها وحتى تنافراتها وتشابكاتها و اندماجاتها.

هذه الحقيقة في مراحل الحكم الشرعي لا يمكن ان تستوفى في باب واحد. ومهما ان الانسان يريد ان يستوفيها في باب يجد انها في باب أخرى لها زوايا أخرى. استيفاء مراحل الحكم الشرعي امر مهم عصيب

نكتةاخرى في مراحل الحكم الشرعي ان هذه المراحل مع اختلاف الأنظار فيها كثيرا هناك مراحل الحكم الشرعي التكليفي وهناك مراحل الحكم الشرعي الوضعي. هل هي سيان او تختلف؟ اجمالا سيان وتفصيلا تختلف. هذه نكتة جدا مهمة.

نكتة أخرى اجمالا أيضا الحكم الوضعي في باب المعاملات غير الحكم الوضعي في غير باب المعاملات. اجمالا هذه المباحث حساسة

وعلى اثر هذه المباحث سنقف على كلمات عدة من الاعلام ان التزاحم أنواع. أنواع لا في مرتبة واحدة. وسنقف على كلمات بعض الاعلام غير النائيني ومدرسته ومنه السيد السيد الخوئي ومدرسته ان اجتماع الامر والنهي مراتب وليس مرتبة واحدة كما ان النهي يقتضي الفساد.

على أي حال عمدة القلب لهذه المباحث هو مراحل الحكم الشرعي وحقيقتها واسماءها واثارها.