الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/05/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد

 

كان الكلام في الدلالة الالتزامية للامر بالشيء بالنهي عن ضده ومر ان بحث الضد هو بالدقة بحث في التزاحم.

طبعا المقصود من التزاحم ليس بالضرورة هو التزاحم بين مضيقين بل قد يكون بين المضيق والموسع. لو كانا موسعين ليسا من التزاحم في شيء فلا يكون الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده على مبنى من يذهب الى ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده والنهي مقتض للفساد هذا انما يكون في المتزاحمين ولا يكون الحكمان الواجبان او الواجب او الحرمة او الحرمة والحرمة متزاحمين الا اذا كان احدهما مضيقا او كلاهما مضيقين. اما اذا كانا موسعين ليسا من المتزاحمين لانهما ليسا ضدين. مادام موسعين ليس ضد بعضهما البعض. فاذا الضد كموضوع بحث التزاحم هو ان يكون احدهما مضيقا فالمضيق الامر به يقتضي النهي عن ضده والا اذا كانا موسعين فليس بين الواجبين تضاد. فالتضاد النقطة الأساسية فيه التنافي والتنافر واما اذا كانا موسعين فاي تناف وتنافر بينهما. بخلاف ما اذا كان احدهما مضيقا على الاق.

نرجع الى ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده من باب الدلالة الالتزامية ومر انها قد تكون لفظية بينة سواء البينة بالمعنى الأخص او بالمعنى الاعم وقد تكون الدلالة غير اللفظية. ومر التقسيمات وان كانت غير مصرح بها او غير مجموعة في مكان واحد عند الاعلام لكنها هامة جدا في بحث الضروري وبحث التواتر وغيرها

اجمالا، في منشأ الدلالة الالتزامية في اقتضاء الامر النهي عن ضده ذكرت عدة مناشئ. كل منها مستقل. من ثم جمعوها في وجه واحد مع انها وجوه وليست وجها واحدا. لكنها باعتبار انها دلالة التزامية جمعوها في وجه واحد.

المنشأ الأول بمعنى وان كان ثاني بلحاظ الأدلة: ان المتلازمين لا يصح ان يحكما بحكمين متخالفين. مثل ان الشارع يأمر باستقبال القبلة لاهل العراق وينهى عن استدبار الجدي في القطب الشمالي. يلازم استقبال القبلة وهي جنوبية في العراق ان يستدبروا الجدي في القطب الشمالي. فبالتالي مثلا ينهى عن استدبار الجدي ويأمر باستقبال الكعبة فيصير تناف بين الحكمين. فلابد ان يكون المتلازمان محكومان بحكم واحد.

والامر بالشيء ملازم لعدم تركه لرفع نقيضه. الامر بالشيء رفع لنقيض الشيء ونقيض الشيء عدمه فرفع للعدم. رفع العدم يلازم الوجود. فالامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده والامر برفع ضده يعني النهي عن ضده. فرفع النقيض ملازم للشيء. مثلا الامر بتطهير المسجد ملازم لرفع عدم الازالة فعدم عدم الازالة وترك عدم الازالة ملازم للازالة والتطهير. فرفع عدم الازالة متلازم مع التطهير فالمتلازمان لابد ان يحكمان بحكم واحد. وجوب ترك عدم الازالة متلازم مع الازالة. فحينئذ وجوب الترك او رفع النقيض يعني النهي عن ضده باعتبار ان نقيضه يصدق على اضداد متعددة. مثل ان الصلاة نقيض والصلاة مصداق لترك الازالة. فرفع ترك الازالة او وجوب رفع ترك الازالة يصدق على النهي عن ترك الازالة ويصدق على الصلاة التي هي ترك الازالة. باعتبار ان الصلاة ترك الازالة والنهي عن ترك الازالة نهي عن الصلاة او أي فعل آخر نقيض للازالة. رفعه نهي عنه فالامر بالشيء نهي ضده. وجود الصلاة من مصاديق نقيض الازالة. رفع النقيض رفع للصلاة ووجوب تركها.

هذا المبحث والدوران في الاستدلال سيأتي في اكثر مناشئ التي ستأتي من الاعلام. لوضوح اكثر لهذه المناشئ وصحتها وسقمها جيد ان نلتفت الى هذا المبحث. بغض النظر عن مبحث الضد نفس هذا المبحث قيم.

السيد الخوئي استظهر في مثال فقهي ان التروك للاحرام في احرام العمرة او الحج ليست نواهي او محرمات الإحرام. تعبير الروايات والفقهاء انها محرمات الإحرام. السيد الخوئي يقول هذه الحرمات بالدقة ليست ناشئة من المفاسد. النهي ينشأ من المفسدة. شرب الخمر فيه مفسدة . لكن هذه التروك من قبيل تروك الصوم. فيه مصلحة بالترك لا مفسدة في الفعل. في الصوم يقولون ان المصلحة في التروك ترويض النفس عن مشتهايتها فالصوم في الحقيقة ليس ناشئا من المفاسد في الأفعال التي تترك. الاكل والشرب والجماع. وانما ناشئ من مصلحة في التروك وهي الترويض. حينئذ بالدقة هذا الحكم ليس حرمة بل حكم الوجوب لان الوجوب ينشأ من المصلحة اما الحرمة الأصل فيها ان تنشأ من المفسدة. فهذه نكتة مهمة. طبعا ان الوجوب ينشأ من المصلحة والحرمة تنشأ من المفسدة متفق عليه. طبعا في خصوص صوم شهر رمضان كالمتسالم عند الفقهاء. عندنا حكمان حكم وجوب الصوم وعندنا حكم آخر حرمة الإفطار. الصحيح هو هذا. طبعا يترتب عليه آثار في الكفارات او شيء آخر. ففي خصوص شهر رمضان ليس لدينا حكم واحد وهو وجوب الصوم بل لدينا حكمان. في أنواع الصيام الاخر كما ذكر السيد الخوئي لكن في خصوص صوم شهر الرمضان لدينا حكمان. وان كان ظاهر السيد الخوئي عدم التسليم بحرمة الإفطار وانما سلم الوجوب وهذا خلاف الأدلة وخلاف المتسالم عند الاعلام تقريبا. لكن اجمالا في خصوص شهر رمضان هناك مصلحة بالترك ومفسدة في الإفطار. قليل في الأبواب هكذا.

المقصود انه قليل من الموارد ان يكون هناك مصلحة في الفعل ومفسدة في الترك او العكس في شهر رمضان مصلحة في الترك ومفسدة في الفعل. بعض الأحيان مصلحة في الفعل ومفسدة في الترك او غالبا مصلحة في الفعل او مفسدة في الفعل غالبا كالمحرمات كشرب الخمر والفجور. اما المصلحة في الترك شيء آخر. وتارة مفسدة في الفعل ومصلحة في الترك او مفسدة في الترك ومصلحة في الفعل. يعني ليس الضروري ان يكون النقيضان كالمتلازمين ذا ملاك لكن بعض الأحيان يمكن. هذا مبحث في نفسه مهم بغض النظر عن المقام.

ان المتلازمين في الوجود او الوجود والعدم او أي ما فرضت أنهما ليس من الضروري ان يشتركا في سنخ الملاك. الصلاة معراج وتنهى عن الفحشاء والترك. لكن ترك الصلاة ليس من الضروري ان يكون فيه مفسدة. رفع ترك الصلاة ملازم لوجود الصلاة لكن ليس من الضروري ان يكون في ترك الصلاة مفسدة. لكن في بعض الموارد هكذا ان الفعل فيه ملاك والترك فيه ملاك لكن ليس ضروريا. هذه نكتة صناعية من أصول القانون والتقنين. ليس من الضروري ان المتلازمين كل منهما واجد للملاك. في تروك الاحرام السيد الخوئي يستظهر ان في الترك مصلحة الترويض. ان الله يريد ان يروض المحرم. مثل رياضة الصيام. فعلا الحج عجيب يعني بيئة ترويض مع وجود الفتنة سيما اذا كان رجال ونساء. فالمقصود هذا المطلب استظهر السيد الخوئي ان الاحرام دورة تربوية لرياضة النفس. لا ان أفعال التروك فيها مفسدة. لكن الاستظهار في محله لكن هل الفعل ليس فيه المفسدة. لابد ان يتدبر فيه بلحاظ الأدلة.

اجمالا المتلازمان ليس من الضروري ان يكون كل منهما ذا ملاك. فماذا يريد القائل بالامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده؟ يريد ان يقول ان الامر بالشيء لمصلحة النهي عن ضده لان فيه مفسدة مستقلة؟ ام لا، المفسدة هي فوت المصلحة؟ كما تذكرون ان مبحث الضد ليس في ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده فقط بل بالعكس ان النهي الأصيل هل يقتضي الامر بضده؟ مثلا نهانا الشارع عن الفجور فاذا يأمرنا بمقدمات ترويضية لتجنب الفجور. كما ان الفجور فيه المفسدة ترويض النفس عن الوقوع في الفجور او المعاصي فيه المصلحة. هل هكذا ممكن؟ سواء الامر بالشيء يقتضي النهي التبعي او النهي الأصيل يقتضي الامر. هذا الامر والنهي التبعي ناشئ عن الملاك؟ ام ماذا؟ كما ان النهي بالشيء اذا كان اصالة يقتضي الامر بالضد هل الامر ناشئ عن الملاك الاخر او ملاك نفس النهي؟ فماذا يراد عن الادعاء؟ الامر اصالة باشيء يقتضي النهي تبعا عن ضده هل هذه النهي التبعي ذو ملاك؟ النهي اصالة عن الشيء يقتضي الامر تبعا بضده هل في الحكم التبعي ملاك مستقل متلازم؟ واذا لم يكن يريد هذا المطلب فما الثمرة اذا لم يكن في الحكم التبعي ملاكا؟ كانما سراب. هذه نكتة صناعية من أصول القانون بغض النظر عن التزاحم والضد.

فوجوب تطهير المسجد الفوري او انقاذ الغريق زاحم الصلاة. حينئذ هل الصلاة بسبب الحكم التبعي يحدث فيها مفسدة تفسدها؟ التلازم ماذا يريد ان يقول؟ هذه نكات من أصول القانون مهمة في اصل فهم تصور البحث. كثيرا ما الانسان يتخيل اليه ان المبحث عنوانها واضح وعندما يسأل عنه أسئلة معقدة يرى انها معقد. اصل فرض المبحث معقد.

اذا المنشأ الأول في التلازم قالوا: ان المتلازمين يجب ان يكونا متوافقين في الحكم. اعترض على هذا الاستدلال ان المتلازمين «ان الامر بالصلاة يقتضي رفع ترك الصلاة» غاية ما يقتضيه المتلازمان عدم الحكم عليهما بحكمين متنافيين. مثل ان استقبل الكعبة ويحرم عليك استدبار الجدي. فمن جهة يوجب عليه استقبال الكعبة الجنوبية ومن جهة يحرم عليك استدبار الجدي الشمالية فلا يمكن. الحكم على المتلازمين لا يمكن ان يحكمان بالحكمين المتنافيين. لكن ليس من اللازم اذا اوجب عليك استقبال القبلة ان يوجب عليك استدبار الجدي الشمالية. المتلازمان لا يحكمان بحكمين متنافيين او متناقضين لكن ليس من الضروري ان يحكمان بحكمين متوافقين. هذا المبحث مهم بغض النظر عن مبحث الضد.

هل الكراهة منافية للوجوب. مثلا اذا كان وجوب استقبال الكعبة وكان استدبار الجدي الشمالي مكروه هل يمكن؟ او الشارع يقول باستحباب الكعبة ووجوب استدبار الجدي الشمال هل يصير؟ او اللازم ايجاب احدهما والآخر لا اقل مباح. التنافي بين الوجوب والحرمة فقط او بين الوجوب والكراهة تنافي؟ مثلا يحرم شرب الخمر وشرب الخمر يلازم لشيء مستحب مثلا؟ هل يمكن؟ هذا مبحث. هل التنافي بين المتلازمين فقط بين المتلازمين الوجوب والحرمة؟ او الكراهة التي هي من جنس الحرمة والاستحباب الذي هو من جنس الوجوب.

تتمة الكلام فيما بعد ان شاء الله