الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/05/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد

 

هناك ادلة أخرى ذكرها الاصوليون في مجال احكام التضاد بين بين الاحكام او بين متعلقات الاحكام. مر بنا ان مبحث الضد هو مبحث التزاحم بين الاحكام او التزاحم بين متعلقات الاحكام.

الدليل الثاني الذي يأتون لان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده هو التلازم. ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام او ضده الخاص وجوديا او عدميا (لعل مرادهم ضده العدمي) ودليل الثاني هو التلازم. وهذا التلازم يستدل ويقرب بعدة مناشئ فيكون ادلة متعددة.

لان التلازم يحتاج الى منشأ والتلازم بغض النظر عن هذا البحث بين القوسين نقطة مفيدة مقدمية وهو ان التلازم كما ذكر في مباحث علم الأصول تارة تلازم في الدلالة وتارة تلازم بحسب العقل وتارة تلازم بحسب الشرع وتارة تلازم بحسب العرف. يعني منشأ التلازم.

فالتلازم الاثباتي في الدلالة والثبوتي في الواقع ثم منشأ التلازم اما عرفي او عقلي او شرعي. هذه تقسيمات للتلازم. هذه التقسيمات ليس بالضرورة ان تندرج كلها في الدلالة اللفظية الالتزامية. فما الفارق بين الدلالة اللفظية الالتزامية والدلالة الالتزامية غير اللفظية. هذه تقسيم لازم ان نلتفت اليه.

الدلالة الالتزامية اللفظية أيضا قد تكون منشأها العرف او العادة او الطبع او العقل او الشرع. طبعا في مقام الاحتجاج او ضبط الدلالة اللفظية ان المفروض ان يدلل بشواهد او بشاهد على المنشأ هل هو العادة والعرف او العقل في حين كونها دلالة التزامية لفظية.

ما الفارق الأساسي بين الدلالة الالتزامية اللفظية وغير اللفظية موضوعا وحكما. الفارق الموضوعي ان الدلالة الالتزامية اللفظية يجب ان تكون بينة. نعم، بينة عند من؟ بحث آخر، سواء البينة بالمعنى الاعم او بالمعنى الأخص. المعنى الأخص هو سرعة الانتقال من المفاد المطابقي الملزوم الى اللازم والبينة بالمعنى الاعم ان الانتقال يتم بعد الالتفات الى الطرفين. يعني بمجرد الالتفات الى المفاد المطابقي لا يتم الانتقال الى اللازم في البين بالمعنى الاعم. لكن عندما يلتفت الى ذات المفاد المطابقي وذات اللازم يحصل لديه الالتفات بالتلازم. ففيه الفرق بين البيّن بالمعنى الأخص والمعنى الاعم. في المعنى الاعم اقل وضوحا لكنها بينة. يعني شرط التلازم في التلازم بالمعنى الاعم انه لو التفت الى كلا الطرفين لحكم بالملازمة. يعني ربما يغفل عن الطرف الثاني ويمكن. لكن تضل الدلالة بينة بالمعنى الاعم. ما المراد من البينة بالمعنى الاعم وعند من؟ فيه كلام. لا سيما اذا كان المنشأ عقليا او شرعيا غامضا. هذا نفس البحث الذي سبق في الظهور واستعرضناها في الأصول. مر ان الظهور الموضوعي هو الذي يكون طبق القوانين اللغوية لا الذي يدرك من قبل الكل. لو اطلع عليه الكل خالي الذهن نعم يكون ظاهرا. كذلك البيّن. من ثم في عالم الظهور يمكن ان يتفاوت الاستظهار من متن واحد بحسب قدرات السامعين. وهي حجة مع ذلك. لا ان الظهور بمتن واحد او بدائرة معينةو حدود معينة يجب ان يكون متفقا عند الكل. ليس كذلك. يعني ان زمخشري يستظهر من آيات القرآن لا يتنبه كثيرون وهذا ذكره في علم البلاغة علم المعاني وعلم البيان. ان الذي يحذلق وبقوة ونكات لا سيما اذا يستعين بعلوم أخرى ثابتة مقررة بالتالي يستظهر ما لا يتمكن غيره من الاستظهار. هذا بحث في نفسه كلي. هذا عموما في الدلالة الالتزامية اللفظية البينة اما اذا لم تكن بينة قالوا هل تكون حجة من باب الدلالة؟ قالوا ليس حجة من باب الدلالة بل حجة من باب آخر سواء من باب العقل او الشرع. من ثم القسم الثاني الدلالة الالتزامية غير اللفظية ذات منشأ عقلي او شرعي حجيتها بلحاظ المنشأ. يعني حكم العقل مثلا او حكم الشرع. الدلالة الالتزامية العقلية تابعة للمفاد المطابقي العقلية او الشرعية.

فضابطة الدلالة الالتزامية غير اللفظية ان حجيتها من باب العقل او الشرع هو كونها بينة لا اقل عند المستظهر. ربما شخص آخر بالنسبة اليه لا يكون بينة. هل البّين يمكن ان يكون نسبيا. هل الظهور نسبي او الظهور موضوعي؟ الظهور موضوعي تابع لنظام علوم اللغة او علوم أخرى مع علوم اللغة. فالظهور موضوعي تابع لنظام المعادلات والقوانين الا ان الافراد قدرتهم في الاستظهار تختلف فلا يتكوّن لغير الرواد دلالة لفظية بينة حينئذ تندرج الدلالة الالتزامية اما في حجية حكم العقل او حكم الشرع. هل يكون البيّن نسبي؟ هو موضوعي لكن ادراك هذا الشيء المنتظم بنظام القواعد قدرات الأشخاص تختلف لا انه نسبي. هو في نفسه موضوعي ومتحد الا ان ادراكه ليس من قبل الكل على مستوى واحد فقدرات الأشخاص تختلف لا انه في نفسه يختلف. فنسبية الظهور لا يعني ان الظهور مترقص. الظهور له نظام معين وانما الترقص او النسبية او التفاوت بسبب قدرات الأشخاص. لا مانع من ذلك.

في غير علم اللغة والدلالة كذلك في علم الفقه. فيه عند بعض الفقهاء تصبح المسألة عندهم قطعية او تتصاعد من القطعية الى البديهية والضرورية. لذلك قالوا فيه ضرورة فقهية فقط يدركها الفقهاء يعني عموم المومنين لا يدركونها لا لعدم وجودها بل وصول دلائل تلك الضرورة لا يمكن لغير الفقهاء. كذلك في علم الكلام فيه ضرورات ان الفقهاء من حيث الفقهاء غير مطلعين عليها. عند المحدثين علماء الحديث ضروريات غيرهم من أصحاب العلوم الدينية ان لم يكونوا متبحرين في علم الحديث لا يلتفتون اليه. لذلك الضروريات الدينية ليس من الضروري ان يدركها كل علماء الدين فضلا عن عموم المؤمنين. هل الضروري نسبي؟ لا، الضروري واقعي موضوعي وله دلائله وشواهده وهذه الدلائل ليست في قدرات الكل ان يقفوا عليها. من ثم يعبرون عنها الضرورات الخاصة يعني العلماء لا لكل المؤمنين. وهناك ضرورات بالمعنى الأخص يعني حتى لا يطلع عليه كل العلماء بل من العلماء يطلعون عليها. كعلماء الرجال لا كل العلماء او علماء الحديث. فالضرورات بالمعنى الأخص لا يطلع عليها الا فئة من العلماء وأصحاب علم خاص من العلوم الدينية. فيه اخص الأخص. يعني مثلا كون الماء القليل ينفعل بالمتنجس (لا بعين النجس وبالتغير) سواء المتنجس الأول او الثاني او الثالث. درجات خامسة واكثر من الحكم. المسائل الفقهية درجات. العلامة بحر العلوم في رد الفيض الكاشاني من انه قد يظهر منه ان الماء القليل لا يتنجس بغير التغير او بغير عين النجس. بحر العلوم أستاذ صاحب الجواهر ووقف على 300 مأة رواية والعجيب ان الفيض الكاشاني متبحر في علم الحديث لكن الالتفات الى دلالة الحديث شيء آخر قد يختفي. بالنسبة الى بحر العلوم المسألة من الضرورات لكن بالنسبة الى فيض الكاشاني المسألة ليست واضحة. فالضرورات درجات. الأخص الأخص لا يعرفها الا فئة من العلماء في كل علم من العلوم الدينية وهذا البحث حساس. ان الضرورة موضوعية وثابتة لا انها تتغير. لكن ادراك ذلك الشيء البديهي ليس في متناول قدرات الكل. هذه اخص الأخص. حينئذ لا يمكن لهذا الشخص الذي ثبت لديه ان المسألة ضرورة بالمعنى الأخص يتعامل مع الاخرين انها ضرورة وينكرون الضرورة. لانه لم تتحق الضرورة لديه. لا ان الضرورة غير موجودة لكن بالنسبة اليه ذلك غير مطلع عليها. ولو كان عالما او فقيها. فاذا الضرورة هكذا فكيف بك بدون الضرورة في المسائل القطعية واليقينية. يمكن ان يكون نسبيا في قدرات الأشخاص في ادراكه. القطع النظري متفاوت الافهام في ادراكه بل القطع البديهي قابل ان تتفاوت القدرات في ادراكه. ممكن وليس ممتنعا. هذه نكتة مهمة. في حين ان نحافظ على موضوعية الشيء وان يستند الى نظم وقواعد لكن ليس في قدرة الكل ان يدركوها. ولا يزعزع ضرورته لدى العالم الذي اثبت ضرورتها. لكنه لا يستطع ان يتعامل مع هذه الضرورة مع الاخرين المنكرين لها او المتوقفين تعامل منكري الضرورة. فهذه نكات مهمة في نظام البحث والاستدلال في كل العلوم لا سيما في مبحث الفقه وعلم الكلام والعلوم الدينية. فاذا الضرورة قد تكون الأخص الأخص وقد تكون الأخص وقد تكون الخاصة وتكون العامة والعامة أيضا درجات. تارة عامة بين اتباع مذهب معين. وتارة ضرورة عامة بين اتباع كل المذاهب الإسلامية. عموم الضرورة تختلف دوائرها. تارة بين كل المسلمين وتارة في اتباع مذهب خاص. الكلام الكلام. فالتعامل مع الضرورة اذا درجات ولا يخل بضرورة الضرورة او قطيعة القطع النظري لانه تتفاوت القدرات في ذلك. هذا المبحث حساس مهم في باب الحجج. من ثم التواتر أيضا دوائر ودرجات والكثير يغفلون ويجعلون للتواتر ضابطة واحدة في الدائرة. التواتر دوائر ولا يخل بالتواتر ضيق دائرته. لان التواتر يستند الى مناشئ موضوعية وقف عليها من وقف وجهلها ولم يقف عليها من لم يقف. بل يمكن ان تقول ان الكل لا يدرون لكن الشرائط الموضوعية للتواتر موجودة. لا سيما التواتر غير اللفظي. التواتر اللفظي أيضا نمطان فيه تواتر لفظي بالجمود على اللفظة وفيه تواتر لفظي بالمرادفات اللفظية. قد يغفل عنه الكثير. ايابكم ورجعتكم وكرتكم مرادفات لفظية وتواتر لفظية فضلا اذا صار تواتر معنوي وهو درجات قريب المأخذ وبعيد المأخذ. اذا اقسام التواتر والأدلة درجات الى ماشاء الله. قاعدة معينة في المعارف شخص متتبع مثل الشيخ محمد تقي تستري ينكر وجوده وهي احدى عشر طريقا فقط في كتاب البصائر الدرجات. وان كان متبحر في التتبع والمتضلع قد يغفل والعصمة لاهلها. فاذا هذه درجات في التواتر والدرجات في الضرورة. سيما اذا كان التواتر معنويا وهي اقسام ودرجات. فضلا عن التواتر الإجمالي.

هذه نكتة مهمة لانه ليست الدلالة الالتزامية ان يقف عليها بقية المجتهدين فضلا عن عموم الفضلاء. فضلا عن عموم الناس. يمكن ان تراجع نصوصا في الباب مع الدلالات الواضحة لكن عشرة قرون من العلماء غفلوا عنها. العصمة لاهلها. والد الشيخ البهائي التفت ان «لا تنقض اليقين بالشك» نصا في الاستصحاب بينما من القرن الرابع الى القرن العاشر سبعة قرون فحول العلماء واساطين العلماء غفلوا عن مفادها والتفت اليه الشيخ حسين عبد الصمد والد الشيخ البهائي. روايات محل التداول في باب الطهارة. العصمة لاهلها. مذهب اهل البيت مذهب مخطئة يعني ادراك المجتهدين ليس له عصمة. الى زمن العلامة الحلي كانوا يرون ان ماء البئر يتنجس. وهذا لا يعني انه ليس هناك انضباط في الأدلة. بل هناك انضباط لكن قدرات الأشخاص في الوقوف على هذه الضابطة والنظم والقواعد مختلفة. هذا فضلا عما تكون المسألة مغفولة عند الكل. هذه من مناهج الاستنباط ان قدرات المجتهدين مختلفة في العلوم الدينية. المهم هو الدليل. ربما تجزم موجود لتنجس الماء البئر لكن لا بشكل ضرورة. الأدلة شيء آخر. هذا مبحث مهم تفاوت المتجتهدين في القدرات. المهم ان النظام الموضوعي يبقى على حاله والقواعد والشواهد على حاله. يجب ان لا نفرط في اجتهاد العلماء والميزان هي الضوابط الموضوعية وليس الميزان آراء العلماء. هذا غلو في آراء العلماء. هذا مبحث مهم في علم الكلام او علم الفقه وبحث الحجية. هذه نكات جدا معقدة غامضة لكنها مهمة جدا.