الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد

 

محصل البحث ان الاحكام الشرعية ان تفرض لها وجود رتبي وتقديري وافتراضي وبالتالي بهذا المقدار تعالج العلاقة والنسبة بين الاحكام بتوسط الترتب الرتبي وان لم يفرض لها وجود زماني؟

هذا المطلب الذي يذكره الاعلام ويخالف فيه السيد الخوئي رحمة الله عليه مر بنا ان هذا الوجود التقديري والافتراضي ليس وجودا افتراضيا منقطعا من رأس ومحضا عن الوجود الزماني والخارجي بل هو مرتبط به، غاية الامر بادراك العقل ان العقل يرى في هذا الوجود الزماني الخارجي ما لا يراه الحس ولا مانع منه. نظير ادراك العقل وانتزاع العقل للجزئية عبر الواسطتين او ثلاث وربما ينتزع انتزاعا رابعا طوليا. هذا يقال انه وجود تقديري افتراضي لكن لا انه ليس له ارتباط بالوجود العيني الخارجي. فعلى كل هذا التفصيل من السيد الخوئي في قبال النائيني والكمباني وصاحب الجواهر لا نرى له وجاهة. بل الصحيح مراعاة الرتبة والترتب.

شبيه التقدم الرتبي في الوجود الزماني للغسل كما مر بنا ا والوضوء مع انه ليست محسوسا خارجيا بل بالادراك العقلي. المهم ان يكون الترتب او الرتبة منضبطة.

الفارق بين الرتبة العقلية او الرتبة الشرعية ما هو بحث آخر يقع في موطنه والاثار الرتبة العقلية يختلف عن الرتبة الشرعية ام لا يختلف.

اجمالا هذا المقدار مر بنا في مبحث المقدمية وتحصل ان التمانع موجود والمقدمية موجود نعتبرها سواء بين الضدين او مقتضيي الضدين غاية الامر كما مر بنا تارة المقدمية فعلية من جانب وتارة المقدمية غير موجود للتفصيل الذي ذكره النائيني اسناد عدم المعلول يأخذ صور وحالات مر بنا ذكرها إما لعدم المقتضي او لعدم وجود الشرط او لضعف تأثير المقتضي او لوجود المانع وهذه كلها بالتالي في بعض الصور والحالات لها مقدمية. نعم ليس عدم الضد مقدمة بقول مطلق لكن لا انه ليس مقدمة مطلقا. وربما عدم تأثير مقتضيه يكون مقدمة مع وجود المقتضي له لكنه اضعف. فعدم وجود المقتضي الأقوى للضد الثاني قد يكون مقدمة فالمقدمية غير مطردة بقول مطلق ولا يمكن ان يستدل بها المدعي في المقام. وعلى فرض المقدمية غاية الامر وجوب غيري اشبه بالانتزاعي. هذا هو المختار في وجوب المقدمة انه وجوب غيري انتزاعي من رشحات التبعية للوجوب النفسي الأصلي يعني المجعول بالتبع وليس مجعولا بالاصالة.

اذا خلاصة الاعتراض على الاستدلال بالمقدمية هو ان المقدمية غير مطردة صغرويا وكبرويا أيضا غاية الامر يكون الوجوب تبعيا غيريا شرعيا في الجملة.

بين القوسين سبق ان ذكرنا لكن ينسى: الوجوب التبعي اعم من ان يكون غيريا او نفسيا. مر بنا ان المراد من الوجوب التبعي تبعي ثبوتا وليس تبعيا دلالة. التبعي الدلالي يعني المدلول الالتزامي ولا يكون حكما نفسيا مستقلا اصيلا اما الوجوب التبعي ثبوتا يعني المنتزع مثل الجزئية. قد يكون غيريا وقد يكون نفسيا وقد يكون ضمنيا وقد يكون من الأنواع الأخرى. سياتي مزيد من البحث عن التبعي. والتبعي ثبوتا يختلف عن التبعي دلالة والتبعي دلالة قد يكون نفسيا وهو اهم. مثل دلالة «اوفوا بالعقود» دالة تبعا على الصحة. الصحة مقدمة رتبة على اللزوم المفاد المطابقي لاوفوا بالعقود. فالكلام ليس في التبعي دلالة بل الكلام في التبعي ثبوتا قد يكون نفسيا وقد يكون غيريا.

اذا هذا الاستدلال الأول وبحث المقدمية في الجملة نعم لا بالجملة. بناء على هذا الاستدلال لو كان مطلقا، الكعبي. احد علماء الجمهور ادعى مدعى انه ليس لدينا مباح. كل الأفعال اما واجبة او حرام. ماذا عن منطقة المباح؟ لان المحرمات المنهي عنها لكي نتجنب عنها متوقف علي وجود اضداد هذه المحرمات فالافعال المباحة الوجودية ضد لوجود المحرمات أي مقدمة بالتالي فالمباحات لانها ضد ووجودها ممانع عن المحرمات وامتثال النهي عن المحرمات لازم ومقدمته إيجاد الأفعال المباحة فيكون الأفعال المباحة واجبة بالوجوب الغيري وإن لم تكن واجبة بالوجوب النفسي اصالة. هذا مدعى الكعبي. هو لا ينكر الاباحة طبعا واقتضاء لكنه ينكر الاباحة الفعلية.

بين القوسين لا بأس بشرح الاصطلاح: الاحكام الشرعية لها تقسيمات كثيرة جدا وليس كل تلك التقسيمات المذكورة في الفقه بالضرورة استوعبها الاصوليون في علم الأصول. طبعا ذكروها في علم الأصول لكن لم يفتحوا لها تقسيما وبابا مستقلا. قد ذكروها طردا للباب. المهم تقسيمات الحكم مهم. من احد تقسيمات الحكم الشرعي الحكم الطبعي او الحكم الاقتضائي او الحكم الفعلي؟ ما هي الاحكام؟ نفس عنوان الحكم الاقتضائي له عدة اصطلاحات وعدة معاني عند الأصوليين والفقهاء. الحكم الحيثي وفي قباله الحكم المطلق. الحكم الطبعي في قباله الحكم الفعلي والحكم الاقتضائي أيضا في مقابل الحكم الفعلي. فالفعلي اصطلاحات، تارة مقابل الطبعي وتارة مقابل الاقتضائي. هذه اصطلاحات لازم ان نلتفت اليها في اقسام ومعاني الحكم الشرعي. هذه الأقسام للحكم الشرعي بعضها ناجم او متولد من مراحل الحكم الشرعي. ثلاث انشائية على اقل تقدير واثنتان فعلية «الفعلية الناقصة والفعلية التامة» والفاعلية التامة والفاعلية الناقصة والتنجيز والامتثال واحراز الامتثال. في مجموع كلمات الاعلام. هذه المراحل لها أسماء. مثلا احد أسماء الحكم هو التكليف والمكلف وغير المكلف وهو بالدقة الأصولية اسم للحكم الشرعي في مرحلة التنجيز وليس اسما للحكم في كل المراحل. وهذا ما اوجب غفلة مشهور المتاخرين او كثير من المتاخرين في ان نفي التكليف يعني نفي اصل الحكم والحال نفي التكليف نفي لمرحلة من الحكم. لكنه جرت هذه الغفلة بشكل وسيع حتى عند النائيني. وكذلك السيد الخوئي تلميذه وتلاميذ السيد الخوئي. المهم مشهور المتاخرين او كثير منهم ومتاخري المتاخرين طابقوا مطابقة حصرية بين التكليف والحكم وهذا من اخطر الاشتباهات. التكليف اسم لمرحلة التنجيز للحكم. الصبي غير مكلف شيء وليس له حكم شيء آخر. النائم غير مكلف شيء وليس له حكم شيء آخر وكذلك المجنون. هذا الخلط جرى في أبواب عديدة. اصطلاح واحد في الاحكام يسبب الارباك في الاحكام في كل الأبواب.

بعبارة أخرى نذكر ضابطة فوقية ان الحكم في كل مرحلة من مراحله له اسم. سواء الحكم التكليفي او الوضعي. وكثيرا ما يحصل الغفلة عند الاكابر من انتفاء ذاك الاسم ويحسبون انتفاء الحكم وليس هناك تلازم. لذلك من النخاع الشوكي في علم الأصول والفقه أسماء الحكم الشرعي. اذا لم يميز واحد يقع في التباسات كثيرة جدا.

مثلا احد أسماء الحكم الخطاب الشرعي. وممتنع الخطاب الشرعي وممكن الخطاب الشرعي. الخطاب الشرعي اسم للحكم في مرحلة الفاعلية سواء التامة او الناقصة. كثير من الاعلام التبس عليه هذا الامر. بخلاف القدماء وذوي العرض الفقهية الوسيعة مثل صاحب الجواهر او الشيخ الانصاري او صاحب الكفاية او السيد اليزدي. اذا أسماء الحكم لكل مرحلة امر شديد الثمرة وشديد الحساسية وشديد الخطورة. خطاب معناه حالة باعثية وتحريك وزاجرية. يمكن في حكم من الاحكام الفاعلية ليست بموجودة لكن الفعلية موجودة. لان كل مرحلة من الحكم لها قيود ولها موانع لا تنحسب على مراحل قبلها وربما لا تنحسب على مراحل بعدها وهذا من عجائب الحكم الشرعي. المفروض ان المرحلة المتاخرة يأخذ فيها المرحلة القبل وزيادة لكن يحصل صور لحالات الاحكام الشرعية ان المرحلة المتاخرة موجودة لكن الوسطية غير موجودة. لذا يجب ان نلتفت ان كل مرحلة لها اسم وانتفاء تلك المرحلة لا تعني انتفاء باقي المراحل. سبق ان مر بنا مرارا مبنى عند المتقدمين ان التخصيص حقيقته ليست انعدام حكم العام في منطقة الخاص عند المتقدمين. حقيقة التخصيص عند المتقدمين تختلف عن حقيقة التخصيص عند المتاخرين. فالحكم لم ينعدم في منطقة الخاص بل جمد تجميدا تقنينيا. لذلك مراحل الحكم الشرعي مبحث شرياني في علم الأصول وعلم الفقه. وكثير من هذه القضايا مغفول عنها بسبب الغفلة عن أسماء الحكم.

المكلف اذا التفت... ليس ضروريا ان يكون مكلفا بل الانسان شرع له الحكم واعم من المكلف. فيشمل غيره.

مثلا الفعلية ممتنع ان تكون الفعلية للحكم الشرعي لكن هذا لا يعني ان الحكم الشرعي منتف. لانه قد يراد الفعلية التامة والحال ان الفعلية الناقصة موجودة. والفعلية الناقصة يسميها الاخوند والشيخ الانصاري وصاحب الجواهر ومشهور القدماء بالحكم الاقتضائي.

المقصود اذا الاصطلاحات عند الفقهاء او عند الأصوليين متعددة ومختلفة وهذا بحث صعب ومهم وحساس.

نرجع: فاذا الطبعي في مقابل الحكم الفعلي. هذا الماء المباح حلال انزل من السماء ماء طهورا لكن قد يكون مغصوبا فيكون حراما. الماء فعلا حرام لكنه طبعا حلال. حلية الماء حلية طبعية بحسب طبيعته وان كان حراما لانه مغصوب. فالمقصود ان الحكم الفعلي حرمة لكن الحكم الطبعي حلية. فلا تعارض بين الحكمين. اذا صرف الحلية من نوع من الحكم لا تناقض الحرمة من نوع آخر. فلابد ان نلتفت اليه .

كذلك الحكم الحيثوي يعني فيه حيثية معينة يختلف عن الحكم الطبعي. هذا أشار اليه الشيخ الانصاري في المكاسب المحرمة في تولي ولاية الجائر. انه قال: ان ولاية الجائر وتوليه جائز. الاردبيلي كيف يمكن؟ والحال ان الحلية تعارض الحرمة؟أجاب عنه الشيخ الانصاري والسيد الخوئي ارتضى انه عندما يقول الفقهاء جائز ليس مرادهم جائز من كل جهة. بل جائز يعني الحرمة ترتفع او من جهة الاختيار الفردي. في قبال الوجوب العيني انه وجوب كفائي. لا انه ليس وجوبا، فعندنا يقولون تولي ولاية الجائر ينقسم هذا الفعل الى خمسة اقسام من الوجوب والحرمة والمباح والمكروه والمستحب ليس مرادهم المستحب او حلال من كل جهة. بل حيثية فرد المكلف او فرد الزمان او البعد الفردي. لا ان طبيعته بقول مطلق ليس بواجب كي لا يزاحم الحرمة. تارة وجوب كفائي كي يدافع عن كيان الإسلام وبيضة المومنين واساس الإسلام واساس الايمان. كما ان عندنا حسب الأدلة وفتاوى الفقهاء دار الإسلام ودار الايمان. وعندنا دار الكفر ودار الضلال دورا كثيرة وردت في الأدلة.

المقصود ان كلام الفقهاء في زيارة الحسين انها مستحبة يعني انها من حيثية واحدة مستحبة كذلك الحج المستحب. يعني من حيثية واحدة مستحب. ليس الحج الواجب فقط حج الاستطاعة. اصل الحج كطبيعة عامة واجبة كفائية. لو عطل المسلمون او المؤمنون بيت الله الحرام عاجلهم الله بالعقوبة وهذا في كل العتبات المقدسة. لو عطلت عوجلوا بالعقوبة. وهذا حدث وعطلت العتبات وحصلت العقوبات. هذه الأماكن والمشاعر شعرها الله ولايمكن ان تعطل. المقصود ان زيارة العتبات مستحبة يعني الجهة الفردية. اما هذا الزائر لبيت الله الحرام او العتبات في الحقيقة يقوم بواجب عظيم إقامة امارة هذه المشاعر المقدسة. «يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله» هذه بيت الصخرة فكيف بك في العتبات التي هي اعظم من الكعبة. هذه الغفلات في البحث الفقهي الى ما شاء الله. المقصود ان المستحب من حيثية. راجعوا مصباح الفقاهة للسيد الخوئي في مسألة تولي ولاية الجائر انها مستحبة. ان المراد حكم حيثي في الاستحباب لا انه حكم مطلق.من هذه الحيثية الفردية مستحب. شبيه ما التزمنا قديما ان الشهادة الثالثة ذاتا واجبة في التشهد وفرديا قد نقول انها مستحبة. ذاتا يعني كما يقول بحر العلوم ان الشهادتين بدون الشهادة الثالثة دين ناقص وليس دينا كاملا. فدين محرف. هذا شرحه بحر العلوم. وان لم تشتملها الأدلة الخاصة لكن الأدلة العامة دالة على الوجوب الركني. وان كان أخيرا وجدنا دلائل كثيرة في الوجود الفردي. المقصود هذا المطلب يجب الالتفات الى الحكم الحيثي. فتوى الفقهاء بالاستحباب حكم حيثي.

مثال خطير: كثير من الاعلام من المحقق الحلي رحمة الله عليه واعظم به لكن النقد العلمي على حاله. المحقق الحلي من زمنه سبب التحوير في الفقه وعدة تحويرات. وهذه التحويرات سلبية. اجمالا من فقه الدولة صار فقه فردي ومن فقه عام مستحبات وواجبات صار الفقه فقط في الواجبات وهذه يسبب آثار خطيرة لان الأبواب المستحبة صحيح انها مستحبة لكن من بعد واحد وحيثية واحدة مستحبة وهي مشاعر واجبة وفيه الزاميات كثيرة وتركت. وابواب المزار في الوسائل 110 بابا واقلا 800 رواية تركت. فيها واجبات عجيبة ركنية. صار انخداع بالحكم الحيثي عن الحكم الالزامي. كثير من أبواب المستحبات فيها احكام كفائية خطيرة ركنية تركت. هذه مشكلة. ولو اريد ان اعدد لم عن نماذج التزم بها المتاخرون وغفلوا نتيجة ترك باب المستحبات. قواعد فقهية قالوا دليلها فقط الاجماع. والحال ان دليلها وموجود في باب المستحبات المتروكة. هذه نتيجة الحكم الحيثي. هذا الحكم الحيثي مستحب وليس مستحبا بقول مطلق.