الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد

 

كنا في الاعتراض الثالث على المقدمية وهو ان المقدمية والتمانع بين الضدين اذا كان بمعنى جزء العلة يستلزم الدور او يستلزم التسلسل باعتبار ان كل ضد مانع عن الضد الاخر وعدم الضد مقدمة لوجود الضد الاخر فوجود الضد الأول سبب ومانع عن وجود الضد الثاني. باعتبار ان التمانع من الجهتين. فعدم الضد الثاني معلول لوجود الضد الأول ووجود الضد الأول من أجزاء علته عدم الضد الثاني. فبين عدم الضد الثاني ووجود الضد الأول توقف من كلا الطرفين بناء على التمانع بين الاضداد فيستلزم الدور.

واجيب عنه ان كل دور ليس بمحال مثلا ان الدور المعي ليس بممتنع. بعبارة أخرى الف وباء مثلا ان الالف يعتمد على باء من جهة أولى والباء يعتمد على الف من جهة ثانية. لا مانع في البين. كل يغني الاخر من جهة واحدة مثل التبادل التجاري بين الدول. لان جهة الغنا والفقر مختلفة في كل منهما. فاذا ليس كل دور محال وانما الدور محال اذا كان جهة توقف الف على باء نفس جهة توقف باء على باء لانه يلزم ان يكون كلاهما من جهة واحدة فقيرين وغنيين ومستحيل وخلف.

هنا عدم الضد الثاني في بعض الصور سببه عدم مقتضيه او انتفاء الشرط فليس عدم الضد الثاني متوقفا على وجود الضد الأول. عدم الضد له ثلاث صور: اما بسبب عدم وجود المقتضي او المتقضي موجود لكن المقتضي الاخر اقوى او بسبب عدم وجود الشرط والصورة الرابعة بسبب وجود الضد الأول. ففي ثلاث صور عدم الضد الثاني ليس معلولا لوجود الضد الأول. ففي هذه الصور يمكن لعدم الضد الثاني ان يكون اسبق رتبة وهو السبب لوجود الضد الأول وهذا الدور ليس دورا محالا. عبر عنه بعض الاعلام ان التوقف ليس فعليا من كلا الطرفين. فاذا التمانع لا يستلزم دورا. لاختلاف الصور واختلاف الرتبة وهذا لا يصلح الاعتراض على المقدمية.

قبل ان نختم هذا الوجه الأول والدليل الأول نقول خلاصة عن بحث الرتبة وهو بحث مهم بغض النظر عن بحث الاضداد.

فالرتبة نستثمرها في الاحكام الشرعية وهذه فائدة الرتبة كما في الورود وتقدم الدليل الاجتهادي على دليل الأصل العملي ومثل تقدم الموضوع على المحمول مع ان الموضوع والمحمول متزامنان وتراعى الرتبة فالعلاج الموضوعي او التصرف في الموضوع مقدم على التصرف في المحمول سواء في باب التعارض او التزاحم. فكيف لا نراعي الرتبة. فاي معنى لكلام السيد الخوئي ان الاحكام الشرعية منوطة وتناط بالوجود الزماني لا بالوجود الرتبي. اما اذا كان مجرد فرض الوجود الرتبي لا تناط به الاحكام الشرعية.

هذا المطلب او المدعى كضابطة عامة تمسك بها السيد الخوئي في موارد عديدة، هل هو انكار الرتبة مطلقا ام له معنى آخر؟ فلابد من التدبر فيها.

اذكر مثالا جيدا صاحب الجواهر التزم به والشيخ الانصاري: عندنا جملة من القواعد والأدلة

ان الانسان لا يملك عموديه. ان الابن لا يملك ابوبه الرقين ولا يسوغ ملكهما. قاعدة ثانية عندنا انه نص ورد انه اذا يشترى الابن احد ابويه ينعتق نلقائيا وعندنا قاعدة أخرى وهي لا عتق الا في ملك. فثلاث قواعد. كيف يلتزم هنا بصحة البيع. مقتضى صحة البيع هو التملك فكيف نجمع بين هذه الضوابط الثلاث؟

بعضهم قال بالتخصيص انه لا يجوز شراء العمودين اذا أراد ان يملكهما ملكية مستقلة يعني حاول ان يخصص بعض هذه العمومات الثلاث. صاحب الجواهر قال يمكننا ان نوفق بين هذه الأدلة والقواعد. قال ان نلتزم بالملك التقديري آنا ما. ما هو معنى الملك التقديري؟ هل المعنى هو الوجود الرتبي للملك. الاعلام حاولوا ان يفسروا كلام صاحب الجواهر.

اذ االتزمنا الوجود الرتبي هو يشتري ابويه فيملكهما رتبة وتقديرا لا تحقيقا في الوجود الزماني ويكون الملك من الملك ويصح البيع الذي يقتضي الملك. وانه لم يملكهما في الوجود الزماني الخارجي وانما هذا هو الملك التقديري الرتبي فخارج عن دليل عدم ملكية الابوين. فالالتزام بالملك التقديري توليف بين الأدلة.

احد الإشكالات من السيد الخوئي هو ان الملك التقديري يعني الوجود الرتبي وهو في الاحكام الشرعية لا يمكن الالتزام به لان الاحكام الشرعية الملحوظ فيها الوجود الزماني والبيئة الزمانية اما الملك غير الزماني اشبه بالتحليل العقلي ولا يصح الالتزام بهكذا التطبيق والانطباق لمصاديق الحكم الشرعي.

وهذا ليس في باب البيع فقط بل في أبواب عديدة. مر بنا في باب الصلاة التناقض والتنافي في الأدلة على صعيد التزاحم او التعارض او التوارد يمكن حلها ومعالجتها بالرتبة. وهناك أيضا يجيء اشكال السيدالخوئي.

مثال آخر: الحدث مبطل للصلاة. مبطل ركني. اذا صدر الحدث قبل التسليم المخرج من الصلاة، يعني بين التشهد والتسليم او بين التشهد او قبل التشهد المهم بعد السجدة الأولى. ولو سجد السجدة الأولى قبل ان يرفع رأسه صدر الحدث. لماذا بعد السجدة الأولى لان السجدة الثانية بمفردها والتشهد والتسليم ليست بركن. فهنا هل يبنى على ان الصلاة صحيحة غاية ما نقص من الصلاة شيء ليس بركني فصلاته صحيحة وبين ان يقال ان الحدث ركن في الصلاة وقد وقع في اثناء الصلاة فمبطل للصلاة. مسألة علمية بين الاعلام في خلل الصلاة. بحوث خلل الصلاة بحوث صعبة ليس بسهولة وببساطة ان يقول الانسان هذا مبطل وهذا غير مبطل. هنا دقة هندسية معقدة في الصلاة. نكات صناعية مهمة في خلل الصلاة. وهنا نصوص موجودة ونصوص متعارضة فنصوص تصحح ونصوص تبطل. فما هي مقتضى القاعدة الصناعية.

مثلا لتصحيح الصلاة لا يكفي ان تقول المتروك من الصلاة غير ركني. اذا كان المتروك من الصلاة غير ركني رفع اليد عن السجدة الثانية والتشهد والتسليم وهو عاجز فالحدث سيقع خارج الصلاة. اذا رفعنا عن التسليم والتشهد والسجدة الثانية لانها غير ركنية فبالتالي الحدث سيقع خارج الصلاة. فالحدث لا يكون مبطلا للصلاة سالبة بانتفاء الموضوع.

ومتى يرفع اليد عن الأجزاء غير الركنية؟ اذا كان عاجزا عن الاتيان بها. ومتى يعجز عن الاتيان بها؟ اذا بني على ان الحدث مانع. فصارت صحة الصلاة متوقفة على ان يكون الحدث مبطلا وبطلان الصلاة وبطلان الصلاة يسبب صحة الصلاة فالمسألة دورية. هذا بحث الرتبة بين الاحكام.

فحول الصناعة الفقهية بين الاعلام معركة بينهم وبحث طويل وعريض. من هذا القبيل في الأبواب الفقهية كثير.

الأمثلة كثيرة في باب الصلاة وباب الصوم والخمس وغيرها كثيرة ويسمونها باب التوارد ان كل دليل يعدم موضوع الاخر. مثلا مسألة السفر قبل أداء الجمعة الواجبة. هذا السفر هل سفر معصية او سفر مباح؟ متى يكون السفر معصية؟ اذا يسبب فوات وجوب صلاة الجمعة بناء على انها تعيينية. ومن ناحية انه اذا سافر حكمه التقصير بالتالي يخرج موضوعا عن وجوب صلاة الجمعة. لان صلاة الجمعة واجبة على غير المسافر تعيينا وعزيمة. وان يسوغ له ترخيصا. فاذا بنينا على ان السفر يعدم موضوع الوجوب بالتالي لا معصية في البين فكيف يكون السفر؟ واذا كان السفر معصية فلم يكن صلاته قصر بل صلاته تمام فيجب عليه صلاة الجمعة. فهذا السفر كيف هل سفر معصية او لا؟ فوجوب صلاة الجمعة يوجب عدم فوت صلاة الجمعة. بالتالي كانما من جهة ان السفر معدم او مفوت فيصير معصية فمعصية السفر تعدم المعصية وعدم المعصية يوجب المعصية. بالتالي يسوغ له السفر وهو فوت لصلاة الجمعة. المهم فيه تحليل وتفسير وهي نوع من حالة الدور او الخلف.

اجمالا في موارد عديدة في هذا المبحث. إتمام الماء القليل المتنجس كرا. لا ان اضيف اليه الكر الطاهر بل اضيف اليه الأقل من الكر ويتممه كرا. هل هذا الماء طاهر او نجس؟ بحث الرتبة يجيء. الكر متى حدثت والنجاسة متى حدثت. حالة من الترقص بين الدليلين او بين القاعدتين. من هذا القبيل الى ما شاء الله في الأبواب. تريد ان تسميه حالة التوارد او حالات أخرى يعني حالة من التدافع واللطيف تدافع بين محمول احد الطرفين وموضوع الطرف الاخر. موارد عديدة

علاج الفقهاء في هذه الموارد ببحث الرتبة وهي حلالة المشاكل. كذلك مثال آخر سيأتي عن قريب بحث الترتب بين المتزاحمين. الترتب اخذ فيه الرتبة. فكيف قبل السيد الخوئي هناك ترتب رتبي ومن جهة يقول لا رتبة في الاحكام.

اذا مراد السيد الخوئي ما هو؟ بغض النظر عن ان مراده صحيح او لا؟ كيف هو يلتزم بمراعاة الرتبة ف الأبواب ومن جهة يقول ليس المدار على الرتبة؟ هذا تساؤل في مدعى السيد الخوئي بغض النظر عن صحة كلامه او عدم صحته.

مراد السيد الخوئي ومحل النزاع ليس نفي الرتبة مطلقا. حقيقة مراده هو التفصيل. اذكر هذا المثال المهم. الأدلة الواردة في الغسل الارتماسي والغسل الترتيبي وهي اسهل من الوضوء الترتيبي والارتماسي. وجدت ان الغسل الارتماسي ليس مباينا للغسل الترتيبي. لان المراد من الترتيب في الغسل الترتيبي او الوضوء الترتيبي ليس الترتيب الزماني وانما المراد الترتيب الرتبي. وما الفرق في الوضوء او الغسل بين الرتيب الرتبي والترتيب الزماني. هذه لها صلة بتفسير السيد الخوئي كالشرح. ما هو المراد بين الترتيب الزماني والترتيب الرتبي؟ قالوا في الترتيب الرتبي يعني المتأخر رتبة لا يصح ان ينوجد اسبق زمانا. هذا هو نفس المبحث الذي نحن فيه. ولكن يصح ان ينوجد مقارنا زمانا. المعلول متأخر عن العلة لكن المعلول مقارن زمانا بالعلة. فالتقديم الرتبي بين العلة والمعلول لا ينافي التقارن الزماني. اما اذا كان الترتيب زمانيا ينافي المقارنة الزمانية. المشهور التزموا في الوضوء مسح الرجلين بين اليمين واليسار تقدم رتبي. لو مسح اليسار زمانا قبل اليمين بطل وضوءه اما لو مسح اليمين واليسار مقارنا زمانا صح الوضوء. مع ان اليمين متقدم رتبيا لا زمانا. اذا فرق بين التقدم الرتبي والتقدم الزماني وفرق بين الترتب بنحو الزمان او الترتب بنحو الرتبة.