الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/04/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد

 

كان الكلام في المقدمية والاعتراضات عليها. الاعتراض الثالث كان بدعوى انه في حين كون التمانع بين الاضداد، عدم احد الضدين يلائم الضد الآخر. فلما يكون ملائما فلابد ان يكون في رتبته. سبق ان نقحنا هذا المبحث.

نصل بالتالي الى الاعتراض الرابع على مقدمية عدم الضد للضد الآخر. الاعتراض الآخر هو الاعتراض بالدور او التسلسل.

قبل ان نتعرض الى الاعتراض الرابع نتعرض الى تفصيل تبناه آغا حسين الخونساري ونسب تبنيه الى الشيخ الانصاري. نستطيع ان نقول هذه نظرية خامسة.

التفصيل هو بين الضد الموجود والضد العدمي. الشيء هو الضد الأول مع الضد الثاني. فتفصيل بين الضد الموجود للشيء فعدمه لابد ان يكون مقدمة لوجود الشيء والضد الأول. فلابد ان يزال وجود الضد الثاني الى العدم كي ينوجد الشيء والضد الأول. بخلاف ما اذا كان الضد الثاني عدميا وليس موجودا. فهنا عدم الضد الثاني ليس مقدمة لوجود الشيء والضد الأول.

فاذا كان الضد الثاني موجودا فعدمه مقدمة أما اذا كان الضد الثاني ليس موجودا وهو من الأول معدوم فهنا ليس مقدمة لوجود الضد الأول. اذا هذا تفصيل في مقدمية الضد للشيء.

ما هو الدليل: كانما يفرغ آغا حسين الخونساري والشيخ الانصاري بين الرفع والدفع. الضد الموجود لابد ان يرفع ويخلي المحل كي ينوجد الشيء اما اذا كان المحل في نفسه خلو من الاضداد والضد الثاني فلا حاجة للرفع. هذا هو الاستدلال التفرقة بين الضد الموجود فرفعه وتخلية المحل منه مقدمة وبين الضد الغير الموجود.

كما مر بنا الأغا حسين الخونساري كان في زمانه المرجع الأعلى في الفقه والفلسفة في الاصفهان في قبال الميرزا محمد باقر السبزواري أيضا كان المرجع الأعلى في الفقه والفلسفة.

هذا التفصيل تفصيل عرفي اكثر مما يكون تفسيرا دقيا عقليا. لانه بناء على المباني الصحيحة خلافا لمتكلمي الاشاعرة والمعتزلة الممكن محتاج الى علته حدوثا وبقاء كانما هذا التفصيل يتناسب مع القائلين بان الممكن يحتاج الى العلة حدوثا لا بقاء. لانه يبقى المعلول وهو الضد الثاني فيحتاج الى الرفع ولابد من عدمه. حتى انه قالوا بالدقة العقلية ان رفع الموجود يرجع الى الدفع لا الى الرفع. لان الممانعة عن البقاء هي في الحقيقة ممانعة عن حصص وجود الشيء بقاء. فلما يرفع في المستقبل في القطعة اللاحقة من الزمان يعني انه ما وجد في تلك الحصة المستقبلية كي يرفع فالرفع بالدقة العقلية مسامحة. لان الحصة الماضية او الحاضرة موجودة ولا تنقلب عما هي عليه والحصة المستقبلية واللاحقة الى الان في الوجود ما بقي. يعني بالنظرة التوحيدة الدقية العقلية هذه الموجودات وجودها في الماضي والحاضر فهو، لكن وجوها في المستقبل اول الكلام. ليست هذه الموجودات وجودها قائما بنفسها بل قائم بفيض من الله عزوجل. «والسماوات مطويات بيمينه ان امسكهما احد من بعده وان زالتا» يعني اصل وجودها لا يعني الزوال انها تتحركون من مكان الى مكان. الإمساك ليس بمعنى الإمساك الجغرافي بل بمعنى امساك وجودها. «ان الله يمسك السماوات والأرض ان تزولا» يعني ان تنمحيا. مثل اشرقت السموات والأرض بنور ربك» اشرقت ليس بمعنى اشراق البلدان والاشراق يكشف عن وجود البلدان. ليس بمعنى هذه. اشرقت السماوات والأرض يعني اصل ظهور ووجود وجودها. الله نور السماوات يعني هو مصدر فيض وجود السماوات. لا انها موجودة ويصير مكشوفة. اصل الوجود هو الظهور. وجود الشيء هو الظهور. الاشراق يعني بروز وانوجاد وجود المخلوقات. ليس الاشراق العرضي. بل الاشراق الجوهري. بالدقة العقلية اذا ما عندنا الرفع بل الرفع نظرة مسامحية. والا كل رفع بالدقة العقلية دفع وليس رفعا. هذه دقة عقلية مهمة كما ان اشرقت يعني اصل وجودها. وباسمك الذي أشرقت به السماوات و الارضين. يعني اصل وجود السماوات والارضين باسم من اسماءه يعني فيض الله باسم من اسماءه. الاشراق والامساك يعني الوجود.

المقصود هذا التفصيل من الرائد في الفلسفة عجيب لانه ليس فرقا بين الرفع والدفع. الرفع بالدقة دفع. اذا مقدمية عدم الضد للشيء يقبل حتى في الضد العدمي. يعني لابد من توفير أرضية خلو المحل عن الاضداد. فالتفصيل هذا ضعيف عقليا والكلام عقلي وليس عرفيا من الاستظهار من الدلالة.

نظرية أخرى هذا الاعتراض الرابع. هو ينكر اصل المقدمية. يقول صحيح انه بين الاضداد تمانع. بعبارة أخرى هذه النظريات المتعددة في الاضداد واحراز الرتبة بالدقة يرجع الى ان التمانع بين الاضداد هل المراد نفس المانع الذي هو جزء العلة ام لا؟ هذا مبحث كما مر بنا في بداية البحث لم ينقحه الفلاسفة في المدارس الفلسفية المختلفة. والاصوليون نقحوه.

فاذا الاعتراض الرابع على المقدمية ينكر اصل ان التمانع الموجود ليس هو المانع المأخوذ عدمه جزء العلة. بماذا ينكر مطلقا؟ لا ينكر التمانع بين الاضداد لكن ينكر اخذه المانع المأخوذ عدمه جزء العلة. يقول لو تبنينا ان عدم الضد جزء العلة للشيء لاستلزم الدور او التسلسل. كيف؟

يستلزم الدور والتسلسل لان التمانع من الطرفين لا من طرف واحد. اذا كان التمانع من الطرفين معناها عدم كل منهما جزء العلة سابق رتبة على وجود الاخر. الضدان لا ثالث لهما او الضدان لهما ثالث أي منهما التمانع بينهما من الطرفين. فبالنسبة او النكتة كل منهما وجوده مانع عن الاخر. فيكون الوجود سابقا على العدم والحال اننا نقول ان العدم سابق على الوجود.

اعيد: الضدان الوجوديان بينهما تمانع، هذا يمنع عن ذاك وذاك يمنع عن هذا. نكتة لطيفة شبيهة ببحث التوارد وفرق الورود عن التوارد. توارد حالة كل حكم يريد ان يعدم موضوع الحكم الآخر. لذلك يعبرون عنه التوارد يعني التفاعل من الطرفين. التمانع أيضا هكذا. ان الأول مانع عن الثاني والثاني مانع عن الأول. فبالتالي فاذا كان تمانع. عدم احد المانعين جزء العلة بناء على المقدمية وسابق رتبة على وجود هذا المانع. فعدم الضد الثاني بسبب وجود المانع. اذا المقتضيان موجودان والشرطان موجودان احدهما يوجد والأخر لم يوجد. عدم الضد الثاني جزء العلة لوجود الأول. لكن الضد الأول أيضا مانع فهو مانع عن الضد الثاني فعدم الضد الأول أيضا جزء العلة لوجود الضد الثاني. فصارت تأخر وتقدم الدوري. عدم الضد الثاني متقدم على وجود الضد الأول والوجود أيضا بمعنى هو السبب للعدم فالعدم توقف عليه. عدم الضد الأول متوقف على وجود الضد الثاني وعدم الضد الثاني متوقف على وجود الضد الأول. لانه مانع. الضد الأول مانع ووجوده مانع. فصارت تمانع من الطرفين وبالتالي يكون دورا او يمكن تصوير التسلسل. فاذا اصل القول ان هذا المانع جزء العلة يسبب الدور او التسلسل. فهذا تمانع لكن ليس مانعا اصطلاحيا حتى يكون عدمه جزء العلة.

في بداية الحديث عن مبحث الضد نقلنا عن الاعلام ان البحث في الضدين سواء الضد الوجود او الضد العدمي والنقيض عبارة عن دراسة عقلية عن ان التنافي والتنافر والتدافع بين الضدين والتمانع هل من المانع الاصطلاحي المذكور جزء العلة ام لا؟ ام انه تمانع آخر.

النائيني بنى على ان نفس الضدين المعلولين ليس من المانع الاصطلاحي انما التمانع في اصل وجود المقتضي لكل منهما. نقل التمانع من الضدين المعلولين الى المقتضي لكل منهما. لكن اشكال الدور والتسلسل هنا أيضا يجري. نظرية التأثير ان التمانع بين تأثير المقتضيين الكلام الكلام. فاذا هذا الاعتراض الثالث يقول ان التمانع موجود بين الاضداد او مقتضيي الاضداد او تأثير المقتضيات لكن هذا التمانع ليس من المانع الاصطلاحي المأخوذ عدمه جزء العلة.

سبق في بداية البحث ان اصل هذا المبحث ليس لاجل الوجوب الغيري للمقدمة. ولو هذا البحث مفيد في النهي التبعي. مسألة مهمة ومفيدة لكن الأهم بكثير من هذا البحث قضية احراز الرتبة والتقدم والتأخر وهذا يفيد في المباحث والابواب الأصولية والفقهية كثيرا. الرتبة هي مهمة. لذلك سيأتي بحث الترتب والورود كله هنا في المقام الثاني في بحث الضد، بحث الرتبة.

فاذا هذه نظرية سادسة واعتراض رابع.

أجاب الاخوند عن هذا الاعتراض الرابع او النظرية السادسة بان هذا الدور ليس محالا. ليس كل دور محالا. الدور المعي ليس بمحال. انما الدور الفعلي من حيثية واحدة محال. كما ان التسلسل ليس كلها محال. التسلسل التعاقبي ليس محالا. اربع شروط لاستحالة التسلسل. منها ان يكون دفعيا. طبعا لا نهاية شرط والعلة والمعلول شرط ثاني. ان يكون دفعيا شرط ثالث وفيه شرط رابع. فالتسلسل المحال هو الذي يكون دفعيا بين حلقات التسلسل. اما اذا كان تعاقبيا ليس بمحال. ينصرم اليوم السابق ويأتي اليوم اللاحق. وهلم جرا الى ما لا نهاية. في الدور أيضا هكذا. هنا نبه الاصوليون ان الدور الموجود ليس دورا محالا. لان هذا الدور من طرف فعلي وتوقف فعلي والتوقف الفعلي اذا قابله التوقف الفعلي المعكوس يصير محالا فيكون المقدم مؤخرا والمؤخر مقدما. كل معلول للآخر فيكون محالا. اما اذا كان من طرف فعليا ومن طرف تقديريا ليس بمحال. لان من طرف يكون التوقف والحاجة فعليا ومن طرف آخر يكون الحاجة تقديرية. مثلا الا وجود الضد الأول متوقف فعلا على عدم الضد الثاني. اما عدم الضد الثاني بالدقة لعل العدم بسبب عدم المقتضي او عدم وجو الشرط. فعدم الضد الثاني ليس متوقفا على وجود الضد الأول. الوجود متوقف على العدم لكن العدم ليس متوقفا على الوجود. هذه قصة الرتبة. كيف يمكن شيئان كل منهما متقدم ومتؤخر بدون التهافت واحدهما بالفعل والأخر بالتقدير. هل هذا يمكن تصويره؟ في الاحكام نستفيده. لا مانع من اعتماد كل من الطرفين على الاخر اذا كان احدهما فعليا والأخر تقديريا.

السيد الخوئي ما قبله وفيه مطلب للسيد الخوئي لازم ان نكمله ان الاحكام بلحاظ الوجود الرتبي او بلحاظ الوجود الزماني. ان شاء الله نتممه قبل ان ننتقل الى الوجه الثاني. أهمية الوجه الأول من جهة بحث الرتبة وبحث حساس مهم في كل العلوم الدينية.