45/04/22
الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد
كان الكلام في الاعتراضات الموجهة على مقدمية عدم احد الضدين لوجود الاخر بسبب التمانع الموجود بين الاضداد.
فالاعتراض الثالث وهو نظرية رابعة وان لم يرتضه صاحب الكفاية وهو ان عدم الضد في رتبة الشيء يعني الضد. فان كان عدم الضد الثاني في رتبة الضد الأول وليس هو سابق رتبة عليه فلم يكون بينهما مقدمية تحت ذريعة التمانع بين الشيء وضده ولا يستلزم عدم الضد الثاني مسابقا رتبة على وجود الضد الأول. بلحاظ ان عدم المانع من أجزاء العلة وأجزاء العلة سابق رتبة على المعلول وهو الشيء.
فهذا الاعتراض يحاول ان يقرر ان عدم الضد الثاني ملائم مع الضد الأول ونقيض الضد الثاني وهو عدم الضد الثاني ملائم مع وجود الضد الأول واذا كان متلائمين فهما في رتبة واحدة. هذه خلاصة الاعتراض الثالث. وهي نظرية رابعة.
هذا الاعتراض رد بردين من قبل المرحوم الاصفهاني. الرد الأول مختصر والرد الثاني مبسوط.
اما الرد المبسوط للمرحوم الاصفهاني على الاعتراض الثالث هوالذي مر بنا شطرا منه امس: ان المعية والتلازم في الزمن بين المتلازمين تنسحب احكام الزمان من احدهما الى الاخر. مع ما متقدم زمانا متقدم. مثلا عندنا شيئان متلازمان اذا قيس احدهما الى ثالث وكان متقدما زمانا لا محالة ملازمه الزماني أيضا متقدم واذا قيس هذان المتلازمان الى ثالث وكان احدهما متاخرا فلامحالة ملازمه متأخر زمانا وكذلك اذا كان مقارنا. اذا التقدم والتاخر والتقارن في المتلازمين زمانا يسري من احدهما الى الآخر. هذه قاعدة عقلية جيدة.
لابأس بمبحث توحيدي في العقائد ربما قصر عن توضيحه كثير من المتكلمين لكن الفلاسفة بينه بشكل جيد. الباري تعالى ليس انه ملازم زمانا مع الزمان السابق. ولا ملازم مع الزمان اللاحق. أولية الباري ليست زمانية. لان هذا التلازم في الزمان بين المتلازمين زمانا، الزمان ظرف يحيط بهما والله عزوجل لا يحيط به شيء. فعندما يقال معية الباري مع المخلوقات ليس معية الزمانية ان الله يحاط. ان الله مع كل شيء يعني يحيط به لا انه ظرف مشترك بين الله تعالى والمخلوقات وهذا هو الوهم الخاطئ المبتلى به العقول والاوهام. عندما يقال معية الله مع الأشياء ليس بمعنى انهما متلازمان وان الله في ظرف مشترك مع المخلوقات. الظرف أيضا مخلوق لله تبارك وتعالى. معيته معية قيومية ومحيط.
نرجع: اما المعية في الرتبة ان الملازمين في الوجود بلحاظ الرتبة لا يستلزم احكام الرتبة لاحدهما سرايته للثاني بلحاظ الثالث. مثل العلة لها ملازم وجودي والعلة مقدمة رتبة على المعلول فهذا لا يستلزم ان الملازم الوجودي للعلة ان يكون مقدما رتبة على المعلول. والعكس ان المعلول ماخر رتبة عن العلة وله ملازم وجودي. هذا لا يستلزم ان ملازم المعلول وجودا ان يكون متاخرا رتبة عن العلة. لماذا؟ لماذا لا يسري احكام الرتبة؟ هذا وهم يقع في كثير. في بحث التزاحم والتعارض والورود والحكومة والتوارد بحوث كثيرة في الأبواب الفقهية ربما جملة او عدة ولو ليست بالاكثر من الاعلام يسرون احكام الرتبة للمتلازمين. هذا غير صحيح. لماذا؟
ملازم العلة وجودا ليس متقدم رتبة على المعلول او العكس ان الملازم الوجودي للمعلول ليس متاخرا عن العلة. لماذا؟
قرروا في بحوث المعقول ان الرتبة ناشئة من الملاك الوجودي مثل ان العلة هي تفيض المعلول اما ملازمها لا يفيض المعلول. فحينئذ ملازم العلة ليس متقدما بلحاظ حيثية العلية والافاضة. كذلك العكس ان المعلول متأخر رتبة عن العلة لكن لا يستلزم ان يكون الملازم الوجودي للمعلول ان يكون متاخرا عن المعلول لان الملازم الوجودي للمعلول له علة أخرى. وان تلازما في الوجود. فهذه نكتة مهمة.
مثل الملازمات العامة مثل الوجود والشيئية والإنية. هذه الملازمات العامة ليست كالعلة وامعلول لكنها متلازمة وليست معلولي علة واحدة. فاذا التلازم الوجودي بين شيئين لا يسري احكام الرتبة من احدهما الى الاخر بلحاظ شيء ثالث وان كان وهم الانسان وذهن الانسان ينخدع. المعلول من رحم العلة وليس من رحم ملازم العلة. من باب المثال. ان العلة بمثابة الام والمعلول بمثابة الابن. هذا من باب المثال والا الام ليست علة مادية وكذلك الاب. كما يذكرها القرآن الكريم. ان الاب والام علتان إعداديتان لبدن الابن وليسا علتان ماديتان باصطلاح الفلسفي ولا علتان صوريتان. «افرأيتم ما تمنون» لا هما علة مادية ولا هما علة صورية ولا غاية ولا علة فاعلية. بل علة خامسة إعداد وارضية.
فاذا التلازم الوجودي لايسري احكام الرتبة من احد الملازمين الى الاخر بلحاظ الثالث. وسنرى كرات مرات كيف يستثمرها الاعلام. فهنا كيف يكون الرد من الكمباني على الاعتراض الثالث.
الرد باعتبار ان الضدين بينهما التمانع. ادعي ان عدم الضد ملائم وفي رتبة الأول. عندنا الشيء وهو الضد الأول وضده وهو الضد الثاني. عدم الضد الثاني مقدمة لوجود الضد الأول. هذا الاعتراض الثالث يقول ان عدم الضد الثاني ملائم للضد الأول وليس مقدما. رد الاصفهاني الأول يقول ان الملائمة لا تعني عدم اختلاف الرتبة والرد الثاني ان هذا التلازم بين عدم الضد والشيء في الوجود لا يعني وحدة الرتبة. لان التلازم في الوجود يعني وحدة الزمان في التلازم الزماني صحيح لكن التلازم الوجودي لا يعني الوحدة في الرتبة. فكون نقيض الضد الثاني ملازم وجودي للضد الأول لا يعني الوحدة في الرتبة. هذه خلاصة الرد الثاني للمرحوم الكمباني.
السيد الخوئي يحاول ان يرمم او يكمل الاعتراض الثالث بترميم او تفسير يجنب الاعتراض الثالث عن الرد الأول والثاني للمرحوم الكمباني. بان يقرر ان الاعتراض الثالث لا ينطلق من الملائمة كي يستشكل المرحوم الاصفهاني بالاشكالين. ان كان انطلاقه من التلازم الوجودي او الملائمة فالاشكال في محله لكن السيد الخوئي يقول ان هذا الاعتراض الثالث ينطلق من منشأ انه اذا فقد ملاك التقدم الرتبي بين عدم الضد الثاني مع وجود الضد الاول وفقد ملاك التأخر الرتبي فلا محالة يبقى التلازم الرتبي. هذا تفسير السيد الخوئي وتكميله للاعتراض الثالث.
هذا بيان عجيب لانه ما عندنا شقوق ثلاثة. اما متقدم رتبة او متأخر رتبة او مقارن. أصلا فيه أشياء متباينة اجنبية عن بعضها البعض. أصلا بينها ليست رتبة. لا رتبة التقارن ولا رتبة التأخر ولا رتبة التلازم. نفي التقدم الرتبي ونفي التاخر الرتبي لا يعين التقارن الرتبي. فيه شق رابع وانه شيء اجنبي لا ربط له. فلا يكون متقدما ولا مقارنا ولا متاخرا. يعني حتى التقارن في الرتبة يحتاج الى ملاك وموجب ومنشأ. طبعا السيد الخوئي والاخوند يردان برد آخر على الاعتراض الثالث.
اتعرض الى هذه التفاصيل في خصوص مبحث الرتبة لانها في خصوص هذا المبحث ضرورية. مبحث التوارد والورود والتعارض والتزاحم والحكومة مرتبط صناعة ببحوث الرتبة فلابد من التدقيق في الرتبة.
الرد من السيد الخوئي او الاخوند الى الاعتراض الثالث انه صرف التلازم الوجودي ليست وحدة الرتبة. التقارن الزماني الوجودي ممكن ان يكون بين المتقدم والمتاخر رتبة كالعلة والمعلول. او بعبارة أخرى يذكرها السيد الخوئي: هل التضاد من احكام الرتبة؟ هذه ضابطة مهمة في بحوث الرتبة. الرتبة بحث صناعي في عالم الصناعة في كل العلوم. هذا السؤال يطرحه السيد الخوئي. هل صفة التضاد او حالة التضاد والتنافر بين الوجوديين الضدين او الاضداد الكثيرة من احكام الرتبة او قل من احكام الوجود الرتبي او التضاد من احكام الوجود الزماني؟ هذا المبحث حساس حتى بغض النظر عن الرتبة. اثاره الاصفهاني أستاذ السيد الخوئي في مواطن وتمسك السيد الخوئي بهذه الضابطة. وهو يثيره اكثر شيء في الاحكام الشرعية. نستطيع ان نعنون هذه البحوث من أصول القانون. يحتاج اليها علم أصول القانون. بحث الرتبة. في كثير من الأنظمة في العالم، من المقدم رتبة؟ المحكمة الدستورية او المجلس البرلمان او القضاء او الرئاسة الجمهورية؟ بحث الرتبة شيء مهم في مفاصل القانون. كثيرا ما دائرة قانونية في الإدارات عنده المشكلة في التقدم والتاخر في القوانين والصلاحيات. اذا مبحث الرتبة مبحث حساس في علم القانون او قل أصول القانون. اصعب أنواع فقه القانون الفقه الدستوري واصعب بحوث علم الدستور انه يميز الرتبة بين الصلاحيات. اذا مبحث الرتبة لا نظننه مبحث سهل.
نعنون المبحث ونواصله غدا. عنوان هنا لم يثيره السيد الخوئي لكن اثاره في الفقه وابواب أخرى من الأصول. والاثارة هذه: هل مطلقا نجري احكام الرتبة على الاحكام الشرعة؟ دائما؟ ام ان الاحكام الشرعية نجري عليها احكام وشئون ونظام وآثار الوجودات الزمانية؟ أي منهما؟ هل فيه شق ثالث؟ كانما السيد الخوئي حصر في الشقين. اجمالا السيد الخوئي يحاول ان يختار الشق الثاني وينكر الشق الأول. طبعا مقصود السيد الخوئي ربما الشق الثالث. لانه يراعي الرتبة كيف يقول ان احكام الرتبة ما تجري؟ كتساؤل وبحث مهم وهو استثمار للرتبة.
بالدقة مراد الاصفهاني او السيد الخوئي في قبال الشيخ الانصاري او صاحب الجواهر انهما تبنيا الشق الأول فضلا عن الشق الثاني والثالث. التزم بها صاحب الجواهر لمعالجة الاحكام المتنافية بتنافي التعارض او التزاحم او تنافي شيء اخر. عالج الشيخ الانصاري او صاحب الجواهر بالشق الأول.
الخص العبارة بدون دخول فيه هل الاحكام الشرعية تجري عليها احكام الرتبة؟ او احكام الوجود الزماني؟ مر بنا قاعدتان التلازم الوجودي في الزمان يسيري من الأول الى الاخر اما التلازم الرتبي لا يسري من احدهما الى الاخر. هنا قاعدة أخرى في خصوص الاحكام الشرعية هل الاحكام الشرعية يلاحظ فيها احكام الوجود الرتبي او يلاحظ فيها فقط الحكام الوجود الزماني. والشق الثالث معجون من الاثنين. المهم سنتعرض ان شاء الله غدا الى هذا المبحث . هذا المبحث حساس في الأبواب باب التعارض والتزاحم واجتماع الامر والنهي وابواب فقهية كثيرة واصولية كثيرة. السيدالخوئي يشدد في ضبط هذا المبحث. في قبال صاحب الجواهر والشيخ الانصاري وجماعة كثيرين.