الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/04/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد

 

مر الاستدلال على مدعى ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده والدليل الأول هو المقدمية يعني ان عدم الضد مقدمة للشيء فيكون واجبا واذا كان واجبا فوجوده منهي عنه.

اعترض عليه بأربع اعتراضات والاعتراض الأول ما اعترض الميرزا النائيني وخلاصته انما يسند عدم الشيء الى وجود الضد مع وجود مقتضيه ووجود شرطه. والا اذا كان المقتضي ليس موجودا والشرط أيضا ليس بموجود اسناد العدم الى المانع ليس صحيحا عقليا. كما اذا لم يحترق الورق لاجل ان النار ليس بموجود.

اللطيف هنا الميرزا النائيني في بحث الإعدام يقول ان عدم احتراق الورق لابد ان يستند الى عدم النار وعدم المقتضي. يعني بين الإعدام نظام ورتبة. كيف بين الأعدام نظام ورتبة بناء على ان الأعدام المقيدة لها حظ وحظوظ من الوجود يعني انه ليس عدما محضا.

فاذا عدم احتراق الورق عقلا لا يصح ان تسنده الى المانع اذا المقتضي ليس بموجود. الكل يتفق مع الميرزا النائيني. يعني ان بين الأعدام المقيدة نظام ورتب. كذلك لو كان الشرط غير موجود يعني ان النار بعيدة لا يصح ان تسند عدم الاحتراق الى وجود الرطوبة بل يجب ان تسنده الى عدم الشرط وعدم القرب. في الرتبة الأولى يجب ان يكون المقتضي موجودا والرتبة الثانية يجب ان يكون الشرط موجودا والرتبة الثالثة يجب عدم المانع والا اسناد عدم الاحتراق غير سديد عقلا الى المانع. فعلى كلام الميرزا النائيني هناك مراتب في العدم وهذا متفق عليه عندهم. هذا في نفسه مبحث مهم في مبحث الأعدام.

الميرزا النائيني يريد ان يدعي ان عدم الشيء لا يسند الى وجود الضد بل دائما عدم الشيء يسند الى عدم المقتضي. لا ينفي وجود الموانع لكن هذه الموانع يدعي الميرزا انها ليست الاضداد. بل هذا التمانع ليس بين الاضداد بل انما التمانع بين مقتضيات الاضداد. يقول ان التضاد والتنافي والتنافر بالدقة موجود بين مقتضيات الاضداد. يعني مثلا مقتضي الضد الثاني لا يسمح بوجود مقتضي الشيء.

بعبارة أخرى انت تريد ان تسند عدم الشيء لضده كمانع. لما تريد ان تسند عدم الشيء لضده انت قد افترضت ان مقتضي الضد موجود وهو يمانع مقتضي وجود الشيء. فقبل ان تصل النوبة الى الممانعة بين ضد الشيء والشيء تكون الممانعة بين مقتضي الضد ومقتضي الشيء. فاذا مانع مقتضي الشيء فاسناد عدم الشيء الى عدم المقتضي لا اسناد عدم الشيء الى الضد. فاذا مدعى الميرزا النائيني ان التمانع بين مقتضيات الاضداد هو الأساس لا التمانع بين الاضداد. فاي مورد تريد ان تفترض ان المانع عن الشيء هو ضده سترى ان مقتضي الضد الموجود يمانع مقتضي الشيء فمقتضي الشيء ليس بموجود وعدم الشيء يسند الى عدم المقتضي لا الى المانع.

ما الدليل على ان التمانع بين المقتضيين؟ يقول ان الدليل على ان التمانع بين المقتضيين لان التضاد ممتنع ووجود الضدين في محل واحد وزمان واحد ممتنع. فكيف يمكن ان نفترض وجود المقتضيين لشيء ممتنع. فالتمانع يسري او يسبق الضدين الى التمانع بين مقتضيي الضدين فاصل التمانع بين المقضيين للضدين وعلل الضدين. فعدم الشيء لعدم مقتضيه لا لوجود المانع. ومر انه لا يصح اسناد العدم الى المانع مع عدم وجود المقتضي. الورق لم يحترق لان النار ليس بموجود لا انه رطب. هذا استدلال الميرزا النائيني.

عنده استدلال اخر يقول لو كان التمانع بين الضدين حقيقة لا بين مقتضييهما لكان أيضا بطريق أولى التمانع بين النقيضين. لم أولى؟ لان النقيضين كما مر بنا في علم المنطق هو أساس التنافر والتنافي. حتى انه هناك قول منطقي ان التنافي بين الضدين او الملكة وعدمها والمتضايفين مجاز عقلي لان التناقض الموجود في ضمن الضدين هو سبب التنافي. التناقض الموجود ضمن الملكة وعدمها وضمن المتضايفين هو سبب التنافي. هذا نظرية منطقية ان التنافي ليس الأربع بل واحد موجود في ضمن الأربع. والا بين الضدين الوجوديين او الاضداد الوجودية ليس التنافي الحقيقي بل التنافي الحقيقي هو التناقض بين التضاد.

بالتالي عند الميرزا مقدمية المقتضيين ليس مقدمية الضدين. ويستدل باستدلال آخر على عدم المقدمية بين الضدين قال لو كان بين عدم احد الضدين مقدمية للضد الاخر بطريق أولى لازم ان يكون بين المتناقضين والحال ان دعوى رفع النقيض مقدمة للنقيض دعوى باطلة واضحة عند الكل. ليس بين المتناقضين أن يكون رفع احدهما مقدمة للنقيض الآخر. فكيف يكون بين الضدين. هذا هو الاستدلال الثاني للميرزا النائيني. المقدمية ملاكها الرتبة ليس ضرورة السبق. مر بنا ان اصل أهمية هذا البحث مبحث السبق في الرتبة وهذا مبحث مهم في الاحكام والموضوعات والمتعلقات. هذا كلام الميرزا النائيني.

العرفاء عندهم استدلال لطيف في التوحيد ومأخوذ من بيانات اهل البيت سلام الله عليهم. لا أقول تعصبا لكن حقيقة مأخوذ. وهو ان التناقض وهم وما عندنا تناقض. لا يقع التناقض فالنقيضان ليسا بموجود. كيف مر بنا نظرية منطقية ان التنافي واحد وفقط بين النقيضين لا بين الضدين ولا بين الملكة وعدمها ولا بين المتضايفين. اصل التنافي هو النقيضان. اما البقية اسناد التنافي اليها مجاز عقلي خفي. ما الفرق بين المجاز العقلي الخفي والمجاز العقلي الجلي؟ هذا يفيد في الاستنباط. ما الفرق بين المجاز اللغوي الخفي والمجاز اللغوي الجلي والاخفى؟ هذا مبحث من مباحث عالم الالفاظ. مجاز عقلي خفي ومجاز اخفى ومجاز عقلي جلي. لها ثمرات. على كل هذا من مباحث الظهور. أولا ما الفرق بين المجاز العقلي والمجاز اللغوي؟ وثانيا ما الفرق بين المجاز الخفي والمجاز الاخفى والمجاز الجلي؟ الاخفى لا يلتفت اليها الا النبغاء. يقولون ان التناقض ما موجود. اصل كل تناف يرجع الى التناقض. وهؤلاء يقولون ان التناقض ليس بموجود. لماذا؟ يقولون لان معنى التناقض ما هو؟ التناقض هو بين الوجود والعدم لكن العدم ليس عدما مقيدا. لازم ان يكون مطلقا. العدم المطلق لا تقرر له أصلا. كل ما نحن نتصور من العدم هي اعدام مقيدة والاعدام المقيدة لها حظوظ من الوجود ولها تقرر وجودي. فاصلا شريك الاله وهم وسراب. لا يمكن. يعني هذه عظمة الواقعية الإلهية لا تسمح بتصور الشريك. لا ان الشريك متصور وممتنع. أصلا لا صورة له. فما عندنا العدم المطلق والعدم المقيد ليس نقيض وجود الشيء. فالباري لا نقيض له ولا شريك له. العقل يقول اسكت وما يكون شيء. هذا برهان الصديقين هو هذا. يعني كل ما تريد ان تتصور شيئا «ما رأيت شيئا الا رأيت الله معه وقبله وبعده» حتى شريك الباري تصوره يتوقف على الذات اللامتناهية الازلية. كما في بيان الامام امير المؤمنين اسئلك باسمائك التي ملئك اركان كل شيء.» ملئت يعني ما تتصور شيئا الا فيه أسماء الهية. هذا مبحث قد يفيدكم ان تلتفتون اليه.

كلام الميرزا النائيني: هو ينكر وجود المقدمية بين الاضدادو ينقل المقدمية بين مقتضيات الاضداد. ويستدل انه لو كان المقدمية بين رفع احد الضدين والضد الاخر لكان بين المتناقضين وليس بصحيح. لذلك على هذا المبنى ليس ابده البديهيات في التصديقات هو التناقض. ابده البديهيات تصورا وتصديقا هو الله والذات الازلية جل جلاله. لا التناقض ولا أي شيء. حتى العدم لما تفكر فيه عدم مقيد وله حظ وجودي. من كثرة عظمة الذات الازلية لا يمكن تصور العدم حتى. لا يمكن الفرار «في التصور» من حكومته. لا يمكن الفرار «في التصديق» من حكومته. «اسئلك باسمائك التي ملئت كلشيء» الأسماء لا المسمى. المقصود فالميرزا النائيني هكذا يستدل. ابده البديهيات هو الذات الازلية تصديقا وتصورا. «يامن لا هو الا هو» وهذا اعظم من «لا اله الا الله» وهو كان ذكر امير المؤمنين في معركة احد.

ما هو الرد لكلام الميرزا النائيني: كثير من المقدمات التي ذكرها سليمة الا ان المدعى فيه خلل. وجدانا نحن نرى تواجد ا لمقتضيين والمقتضيات للاضداد على صعيد لوجود الخارجي الا ان هذه المقتضيات لا توجد الاضداد معا. بل القوي منها يوجد والضعيف لا يستطيع ان يؤثر اثره. لا انها لا تتواجد مع بعضها البعض. النار موجودة وضد النار ومقتضي ضد النار مثل سبب البرودة الشديدة. فلما تكون النار اشد فالاشد في الاقتضاء هو الذي يؤثر. ففرق بين ان يقال ان المقتضيات للاضداد لا تنوجد معا وبين ان نقول انها تنوجد لكن يؤثر القوي منها. التنافي والتنافر في تأثير المقتضيات لا التنافي في اصل الوجود. هذا الرد هو بنفسه كما هو رد على الاعتراض الأول هو اعتراض ثاني على المقدمية.

هكذا اعتراض مستقل على المقدمية يعني ممانعة موجودة ليس بين المقتضيات ولا بين الضدين بل بين تأثيري المقتضيين. هذه نظرية خامسة في التمانع. ليس بين الضدين ولا بين مقتضيي الضدين بل بين تأثيري المقتضيين. هذا الوجه كثير من حذاق الفلسفة الاصوليون ذي البعد الفلسفي ارتضوه. ان التمانع ليس بين الضدين ولا بين المقتضيين بل بين تأثيري المقتضيات. بالتالي يسبب ويقرر ان المقدمية بين عدم تأثير المقتضي وتأثير المقتضي الآخر.

هناك أيضا اعتراض ثالث ورابع نتعرض عليها.