45/04/16
الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد
كان الكلام في مقدمية عدم احد الضدين للضد الآخر يعني في الاضداد باعتبار التمانع والتنافي الموجود فالتنافي هو التمانع فهل يا ترى احد الضدين تمانعه وتنافيه مع الضد الآخر هو المانع المصطلح فلسفيا كلاميا منطقيا ام ماذا؟
مر بنا ان هذا البحث فلسفيا ما نقح في الفلسفة لا في بحث الطبيعيات ولا في بحث الالهيات. بحثوا في التضاد لكنهم لم يبحثوا عن ان الضد مانع اصطلاحي وعدمه جزء العلة لوجود الجزء الآخر ام لا؟ لذلك هناك سجال بين اعلام الأصوليين الاماميين في تصوير هذا المبحث ومر بنا ان أهمية هذا المبحث ليس من اجل مدعى المسألة ان الامر بالشي يقتضي النهي عن ضده. الذي يتكون في الدليل الأول عن أربعة عناصر بل أهمية هذا المبحث قضايا الرتبة بين الأفعال او الاحكام او الاضداد. بحث الرتبة بحث مهم في الاحكام لان التقدم والتأخر الرتبي حلال المشاكل في الاحكام المتنافية او المتخالفة. سواء في مبحث التزاحم او مبحث التعارض او في مباحث أخرى كما مر بنا ان الاولي مقدم على الثانوي والموضوعي مقدم على الحكمي والثبوتي مقدم على الظاهري. كيف يراعي هذه الرتب الفقهاء والاصوليين. اذا النظم بين الاحكام بالالتفات الى الرتبة ومراعاة الرتبة. وان كان هذا المبحث كعنوان عام وكضابطة عامة فيه لغط بين الأصوليين كيف يراعى وكيف لا يراعى. هل تراعى احكام الرتبة مطلقا او لا؟ مثلا لعل المرحوم الاصفهاني والسيد الخوئي كذلك وجماعة من تلاميذ الكمباني ان الرتبة والمراتب انما تراعى في الاحكام الشرعية بشرط فرض وجودها الزماني. لا نريد ان ندخل في التفاصيل بل استعرض ان مباحث الرتبة مباحث مهمة في الأبواب الأصولية والابواب الفقهية جميعا وموارد عديدة. فالرتبة هل تراعى مطلقا او تراعى بشرط وجود الزماني؟ هذا مبحث قانوني من أصول القانون.
هل نظام ومنظومة القوانين يراعى فيها الرتبة مطلقا او بشرط الوجود الزماني او او ؟ مبحث حساس. في هذه المسألة الضد والتضاد او المسائل الأخرى الكثيرة هل تراعى الرتبة ام لا تراعى؟ فمبحث مهم. ما هي ضابطة الرتبة؟ هل الرتبة وجودية او الرتبة فرضية او معية؟ التقارن في الرتبة والعرضية والتقارن والمعية في الرتبة او ان التقارن اعم من المعية؟ التقدم والتاخر الرتبي والتاخر والتقدم الزماني. هذه المباحث كلها تلاحظ. مبحث الضد بسطه الصور والشقوق والوجوه كلها شرباك طويلة لكن اصل المبحث هو هذا. التدقيق في الرتبة. متى تراعى في الاحكام.
العلة والمعلول ضرورة ان يكونا متقارنين زمانا لكنهما رتبة مختلفان. مثلا قاعدة من القواعد الفلسفية اثارها المرحوم الاصفهاني كثيرا وهي ان ما مع المتقدم متقدم وما مع المتاخر متأخر. هل هذه القاعدة صحيحة؟ قالوا انها صحيحة في الزمان وليس صحيحة في الرتبة. هذه القاعدة يجب ان تضبط. ما مع المتقدم زمانا متقدم زمانا وما مع المتاخر زمانا متأخر زمانا. اذا كان التقدم والتاخر زمانيا اما اذا كان التقدم والتاخر رتبيا لا يجب ان يكون معه رتبة. وما مع المتاخر رتبة ليس من الضروري ان يكون متأخر رتبة. ما مع المتقدم رتبة معيته زمانية او معيته رتبية؟ خذ من هذه الشقوق الى ما شاء الله والتشقيقات والصور. لا باس ان ندخل فيها اجمالا. لكن هي غرضها الأساسي هذه القاعدة من أصول القانون: هل في منظومة القانون وطبقات القانون تلاحظ الرتبة ام لا تلاحظ؟ اما الذي لاحظ ان المهم في الاحكام الشرعية هو الوجود الزماني لا الوجود الفرضي التقديري في موارد عديدة رفض السيد الخوئي والكمباني رفضا عن ان يكون العلاج بالفرض والتقدير الرتبي. مثلا في بعض البيوع المعقدة تتضارب قواعد معينة. فصاحب الجواهر عالج تعارض القواعد بالتقدم والتاخر الرتبي فيصير النتيجة ملائمة لمجمع القواعد. لكن السيد الخوئي يرفضه قال هذا نوع من مراعاة الرتبة في الفرض والتقدير في الاحكام الشرعية وليس المراتب والرتبة في فرض الوجود الزماني. فلاحظ عند السيد الخوئي هذا المبنى ان الرتبة تلاحظ في الاحكام الشرعية بشرط الوجود الزماني اما اذا لوحظ الرتبة في الفرض والتقدير الوجودي وليس في الفرض الوجود الزماني الخارجي بل في الوجود التقديري لا يفرض هنا مراعاة الرتبة. خلافا لأكثر المتاخرين الاعصار. المقصود هذا مبحث الرتبة مبحث مهم اجمالا. ماذا ضوابطه وقوانينه اصل المبحث النصف الأول من مبحث الضد بهذا اللحاظ مهم.
الان ندخل في الاقوال والنكات والتدقيقات الهندسية لكن تفطن المغذى هو هذا مبحث الرتبة. ما هي ضابطة الرتبة؟ مر بنا في المدارس الفلسفية حتى اسفار والقدماء هذا المبحث لم ينقحوه وهو ان الضدين بينهما رتبة ام لا؟ هل تمانعهما تمانع اصطلاحي بين أجزاء العلة ام لا؟ مر بنا امس انه في القرن الثاني عشر تقريبا اغا حسين الخونساري «مدينة خونسار من ضواحي أصفهان» كان مرجع الأعلى في الفقه والفتيا الفقهية وكان المرجع الأعلى في العلوم العقلية وهذا من النوادر الذي اجتمع فيه الفقه والفلسفة. والأكثر عجبا ان اجتمعتا رئاسة العلوم العقلية ورئاسة الفقه في معاصريه ميرزا محمد باقر الخراساني السبزواري وكان بينهما سجالات علمية ممتعة. ذلك رئيس حوزة المشهد وذاك كان رئيس حوزة الاصفهان واثناهما كان في طبقة واحدة في المرجية العليا في الفقه والمعقول و المعارف. شبيه السيد المرتضى والشيخ الطوسي اجتمعت فيهما رئاسة علم الكلام ورئاسة علم الفقه. المحقق الحلي رغم انه كان قطب المراجع لكنه لم يكن قطب علم الكلام في زمانه. العلامة الحلي اجتمعتا فيه. آغا حسين الخونساري شارح الدروس وطبع حروفيا ومليئ بالنكات والنكات الأصولية والفقهية وعنده مبحث تداخل الاغسال والتحقيقات اللطيفة. ابنه وتلميذه آغا جمال الدين الخونساري ومن ظرائف الامر ان ميرزا محمد باقر صاحب كتاب الكفايةو الذخيرة شذ من علماء الامامية انه من الواجبات الملتقاة على الفقهاء إقامة الدولة الدينية في ارجاع الأرض كلها. ويلتزم بالجهاد الابتدائي ولا يعتبرها خاصة بالامام المعصوم سلام الله عليه ووافقه على ذلك السيد الخوئي ويعتبر ان من الوظائف الملقاة إقامة النظام العالمي لا في بلاد واحدة او بلدان إسلامية بل في ارجاع الأرض من الواجبات في الغيبة الكبرى إقامة النظام الواحد الديني. السيد الخوئي يذهب الى هذا فتوا واستدلالا في كتابه منهاج الصالحين. هذه من شذوذ علمي. لذلك السيد الخوئي يستشهد بكلام ميرزا محمد باقر في منهاج الصالحين في كتاب الجهاد. من اكبر وظيفة في الغيبة الكبرى عند السيد الخوئي توسعة رقع الدار الإسلامي والنظام الإسلامي العادل في كل ارجاع الأرض. دار الايمان. هذه مبنى السيد الخوئي. نعم من توفرت القدرة عنده. تحصيل القدرة أيضا واجبة عند السيد الخوئي. في البعد العسكري والبعد الاقتصادي. فاذا صاحب كتاب الكفاية والذخيرة في الفقه وفيهما نكات كثيرة وكان متأثرا بصاحب المدارك كثيرا. بين هذين العلمين الذين في كل منهما رئاسة المنقول والمعقول سجال علمي طويل في بحث الضد ومن بعدهم استفاد من هذا السجال.
اصل المبحث في الضد والتضاد هل التمانع الموجود بين الضدين سواء لا ثالث لهما او لهما ثالث، مانع اصطلاحي جزء العلة ام لا؟ هذا هو اصل المبحث. فيكون عدم احد الضدين مقدم رتبة على وجود الضد الثاني او العكس. هذا المبحث كما مر يستدل عليه بدليلين او الوجهين.
الدليل الأول يتركب من أربعة عناصر. الأول: فيه تمانع والثاني ان عدم المانع جزء العلة والثالث فاذا كان عدم احد الضدين جزء العلة للضد الثاني اذا هو مقدمة فيكون بالتالي واجب شرعي. فاذا كان عدم الضد الأول واجب شرعا لوجود الضد الثاني. والرابع كل ما وجب عدمه فوجوده منهي عنه. هذه النكتة الرابعة ما استدلوا عليه واخذوها ارسال المسلمات. هذه أيضا بيت القصد.
نفس المبحث مبحث مهم. هل الامر بالشيء عين النهي عن ضده؟ او يستلزم او يقتضي ويتضمن؟ يقتضي هل بمعنى يتضمن او يتطابق او يستلزم فيها نظريات. هذه العناصر الأربعة والعمدة بحث المقدمية والرتبة. الميرزا النائيني عنده اشكال يعترض على المقدمية انه ليس بين عدم احد الضدين ووجود الضد الثاني مقدمية. الضدان وجودهما متنافي ومتضاد. التضاد في الوجود فاذا كان التضاد في الوجود فهل عدم احد الضدين جزء العلة للضد الاخر؟ قد يستدل بهذا بالمقدمية وهذه المقدمية اعترض عليها بأربع اعتراضات. الاعتراض الأول للميرزا النائيني. صاحب الكفاية عنده ثلاثة اعتراضات وقبل بعضها ورد على بعضها. فاذا هناك اعتراضات أربعة على المقدمية في الدليل الأول. والان كلامنا في الاعتراض الأول للدليل الأول. كلها تدقيقات دقية في مبحث الرتبة
الاعتراض الأول يتكون من النقاط وهذه النقاط في نفسها مفيدة. النقطة الأولى الامس مر بنا وهي ان اسناد عدم وجود المعلول اذا كان المقتضي غير موجود لا يسند الى وجود المانع ولا الى عدم وجود الشرط. لان العلة مركبة من ثلاثة أجزاء. وجود المقتضي ووجود الشرط وعدم وجود المانع. طبعا في المناطقة يشرحون الشرط الوجودي الذي هو جزء المقتضي ليس رحما للمعلول ولا ام للمعلول بل ام المعلول هو المقتضي في العلل المادية. اما الشرط ووجود الشرط دوره اما يكمل فاعلية الفاعل وفاعل المقتضي او يكمل قابلية القابل والمعلول. اذا الشرط على نوعان. متمم لفاعلية الفاعل او متمم لقابلية القبل. اما المانع فعدم وجوده جزء العلة لكي لا يمانع. سواء يمانع فاعلية الفاعل او يمانع قابلية القابل. النار مقتضي للاحتراق والقرب شرط وجودي والرطوبة مانع عن الاحتراق. الميرزا النائيني يقول ان عدم احتراق الورق لا يصح اسناده الى الرطوبة الا اذا فرض ان النار موجودة و القرب موجود. فمن ثم لا يحترق. هنا فقط يصح اسناد عدم الاحتراق وهو المعلول الى المانع. لم يخالف الميرزا النائيني في هذه النقطة لانه نقطة تمهيدية.
النقطة الثانية التي يمهدها الميرزا النائيني في كلامه ان المقتضي لكل من الضدين لا يجتمعان. هل هذه الدعوى صحيحة او لا؟ فسلمنا ان الكلام المدعى للميرزا صحيح. هذه قضية مهمة وحساسة في قضية الرتبة. نقلوا المعركة من الضدين الى المقتضيين. فقالوا ان اصل التنازع بين الضدين والتنافي والتنافر يرجع الى علتي الضدين ومقتضيي الضدين.
هل التنافي بين الضدين والمعلولين او بين علتي الضدين ومقتضيي الضدين او بين مقتضي احد الضدين والضد الثاني؟ فاحتمالات ثلاث في اصل مبحث التنافي والتمانع لان التمانع هو الذي يخلق ويقرر الرتبية والتقدم. فيا ترى هل هو بين الضدين او بين المقتضيين او بين المتقضي والضد الثاني؟ وقعوا في شرباكتها الاصوليون. فاذا مدعى الميرزا النائيني ان مقتضيي كل من الضدين هم في الأصل بينهما تمانع لا الضدين نفسهما. نقل النزاع من الضدين الى المقتضيين. هل هذه المدعى صحيحة وكيف يثبت مدعى الميرزا النائيني؟ على كل البحث طويل الذيل وانا اختصرها بالفهرسة كي لا نضيع النخاع الأصلي في البحث.