الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ، مبحث الأوامر، مبحث الضد

 

كان الكلام في كلام الميرزا النائيني في الاعتراض على الاستدلال بمقدمية ترك احد الضدين لوجود الضد الآخر، باعتبار ان الوجه الأول في اصل الاستدلال على ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده كان متكونا من التنافي والتنافر بين الضدين والنقطة الثانية من ان عدم المانع من أجزاء علة الشيء فيكون عدم احد الضدين من أجزاء علة الآخر وبالتالي يكون عدم الضد له وجوب مقدمي للشيء. ولما يكون عدم الشيء واجبا فبالتالي وجوده منهي عنه. هذه نقطة رابعة كما مر بنا لم يدلل عليه. هذه اربع نقاط يتم بالوجه الأول.

قبل الدخول في الاعتراضات الأربعة لمقدمية عدم احد الضدين للضد الآخر وهذا مبحث عقلي وان الضد مانع عن الضد الآخر فعدمه جزء العلة. هذا المبحث في الفلسفة لم ينقح. لا المشاء ولا الاشراق ولا فلسفة ملا صدرا. ما خاضوا فيها تفصيلا. خاضوا في ان الشرط الذي هو جزء العلة. المعلول يولد من رحم المقتضي اذا كان العلة مادية. المهم بحث المقتضي بحث والعلل الأربعة اما صورية واما مادية واما فاعلية واما غائية وتختلف بعضها البعض. ولدينا علة إعدادية. طبعا القرآن يبين في آخر سورة الواقعة وسور كثيرة ان أفعال الموجودات المادية ليست علل فاعلية حقيقية. عالم المادة كلها تأثير المواد على بعضها البعض ليس من قبيل العلل الفاعلية بتاتا بل ليست الا من قبيل العلل الإعدادية وهي اضعف من العلة المادية. المادية مادة الشيء لكن العلة الإعدادية اقل واضعف. هذا مبحث معرفي ومهم. «افرأيتم ما تمنون» افرأيتم ما تشربون» وافرأيتم ما تزرعون» وبين ان الانسان ليس الدور فيها العلة الفاعلية بل هو علة إعدادية وهي خارجة عن العلل الأربعة وهي محركة وتوجب اعداد الأرضية. المواد عموما هكذا. هذا بحث مفصل في العلوم المادية والتجربية ان الكثير منها ليس علل مادية. في مورد قرآن يقول لا انتم علل مادية ولا علل إعدادية. «افرأيتم ما تشربون» ما لكم أي دور. البقية قد تكون علل اعدادية.

اجمالا البحث في عالم المادة يؤثر في الاعتقاد بالغيب وتأثيرات الغيب وان النسبة بين المادة والغيب ما هي؟ الذي يطعمني ويسقيني واذا مرضت فهو يشفيني» يعني هذا حقيقة لكن اكثر الناس لا يعلمون. على كل هذا مبحث مفصل ولسنا في صدده. القرآن دوما يبين ان جانب المادة شيء وجانب الغيب شيء آخر. «لو ان اهل القرى آمنوا واتقوا...» يعني ان البركات المادية ليست على النظام المادي. مع ان القرآن لا يدعو الى التواكل بل يدعو الى التوكل والعمل لكن هذا العمل لا يغرنك. العمل ضروري ولابد منه ورزق الله مرهون به لكن لا يغرنك وهو ليس كل شيء. لا انه خمسين بالمأة هذا الجانب وخمسين بالمأة ذاك الجانب. لا. ولا عشرة وتسعين. انما إعداد يعني الاستعطاء والعطاء من الله. عمل الانسان استجداء ولابد منه. العمل دعاء. من اكثر طرق الباب اوشك ان يفتح. أصلا العمل هو الدعاء. حتى في القلب ومجرد الخواطر بدون العمل ليس دعاء. لكن السعي العملي يعتبره القرآن دعاء. السعي هو دعاء. فالنسبة بين عالم المادة وعالم الغيب دعاء واستجداء والفيض والإفاضة من الله تعالى. بالعمل اصدقوا الدعاء.

هذا بحث طويل الذيل ولسنا في صدد الخوض فيه. في هذا المبحث في الفلسفة لم يبحث. ان عدم احد الضدين جزء وجود الضد الآخر. من ثم اضطروا الاصوليون في البحث عنه واختلفوا وانصافا السجال بينهم مداقة لطيفة عندهم. حتى المتكلمين لم يبحثوا هذا المبحث.

اثنان من المراجع العليا في زمان واحد تعاصروا. الميرزا محمد باقر السبزواري الخراساني وآغا حسين الخونساري. مثل السيد يزدي وصاحب الكفاية رحمة الله عليهما. وبسط النفوذ كان متقاربا شيئا ما الآخند كان اكثر.

ميرزا محمد باقر صاحب كتاب الكفاية وكتاب الذخيرة ومعاصر شارح الدروس آغا حسين الخونساري. وكان الميرزا محمد باقر من نوادر الدهر ان اجتماع مثل اجتماع السيد الطباطبايي والسيد الخوئي في شخص واحد. اعلم علماء الامامية في عصره في الفلسفة والأستاذ الأول في الفلسفة وكان أيضا اعلم في الفقه. آغا حسين الخونساري أيضا هو اعلم في الفقه واعلم في الفلسفة. هذا من نوادر أجيال علماء الامامية. ان اثنين علمين اجتمعت فيهما العلوم العقلية والعلوم النقلية واثنيهما في زمان واحد. بين العلمين سجال طويل خمس رسائل حول مقدمية عدم الضد للضد الآخر. حجريا كانت مطبوعة والان طبعت حروفيا ما ادري. رسائل هذين العلمين. آغا حسين الخونساري في شرح الدروس ابتكر كثيرا من تنبيهات الاستصحاب يرجع اليه الشيخ الانصاري وهو والد آغا جمال الخونساري صاحب التحقيقات الكثيرة في شرح اللمعة وينقل عنه كثيرا الشيخ الانصاري في المكاسب.

نرجع: هذا المبحث لم ينقحه الفلاسفة وفيها انصافا مباحث مثل مبحث المعنى الحرفي وان بحثه الفلاسفة والبلاغيون لكن لا بالوسع الذي بحثه الاصوليون والدقة عندهم وهو وتيد الصلة في العلوم العديدة حتى في التوحيد والعرفان والفلسفة واللغة العربية. فنقح الاصوليون أمورا كثيرا فيه لم ينقحه الادباء ولا الفلاسفة. منها هذا المبحث بحث التضاد. هل عدم احد الضدين مقدمة للآخر ام لا؟ باعتبار ان بين الضدين تمانعا وان كان تمانع فلا بد ان يكون عدم المانع جزء العلة. فعدم الضد الأول جزء العلة للضد الثاني او العكس عدم الضد الثاني جزء العلة للضد الأول. هذه خلاصة الاستدلال للمقدمية.

النقطة الرابعة لم يستدل لها لنفترض انه مانع ومقدمة وعدمه واجب لكن كيف ننتقل الى ان وجوده منهي عنه. لم يستدل له. ولعل يستدل عليه ويغطيه الوجه الثاني في الاستدلالات على ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده. لانهما استدلالان رئيسيان احدها من باب المقدمية وفيها سجال طويل اربع اعتراضات وله اربع عناصر للاستدلال لكن العنصر المقدمية فيه اربع اعتراضات. وفيه استدلال آخر ووجه ثاني وهو ان الامر بالشيء يقتضي ذاتي ودلالي عن النهي عن الضد. هذا يستدل على العنصر الرابع في بحث المقدمية. وبعبارة أخرى البحث في الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده هل المقصود هو الضد الخاص او الضد العام؟ هذا فيه اختلاف الاقوال. مر بنا ان المقصود بالضد الخاص هي الاضداد الوجودية وقد يكون ضد واحد لا ثالث لهما وقد يكون للشيء اضداد مثل الألوان. اما الضد العام المقصود به النقيض. والبعض ربما يفسر الضد العام هو الضد الجامع الوجودي بين الاضداد. ولكن الأكثر اصطلاحا عند الأصوليين هو النقيض.

اصل المدعى ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده هل المقصود هو الضد الخاص المنطقي الوجودي او المقصود به الضد العام والنقيض؟ هذه بحوث يجب ان تنقح وتحرر. بغض النظر عن تمامية هذه المدعى والمبنى عدم تمامية نفس مبحث التضاد يفيد في أبواب عديدة كما مر وليس بلحاظ نفس المدعى والنتيجة التي عنونت هنا. نفس مبحث التضاد ورتبية التضاد له دور في الأبواب الأصولية والمعرفية.

مطلب آخر قبل ان ندخل في كلام الميرزا النائيني والاعتراضات عليه ان المناطقة عندهم هذه الدعوى ان التنافي اما بين المتناقضين او بين الضدين او بين الملكة والعدم او بين المتضايفين. المتناقضين وجود وعدم واما ضدان وجوديان. واما ملكة وعدم كالعمى والبصر فعدم مقيد. العمى عدم خاص والبصر وجود. والمتضايفان مثل الفوق والتحت النسبيان. هناك جملة من المناطقة ذكروا ان هذه الأقسام الأربعة اصل التنافي بينها منشأها التناقض فكانما كل هذه الأقسام الأربعة ترجع الى التناقض. فالضدان انما هما ضدان بسبب ان كل ضد مقارن مع عدم الضد الآخر. الضد الأول لم ينافي وينافر الضد الثاني؟ قالوا لان الضد الأول ملازم لعدم الضد الثاني والعدم للضد الثاني لا يجتمع مع وجود الضد الثاني. من ثم كان هناك تنافي وتنافر. هذا في قسم الاضداد. منشأه التناقض. هذه نكتة مهمة. اذا تتم. كذلك في العدم والملكة. التنافي بينهما بسبب التناقض وكذلك المتضايفان. الفوق يعني عدم التحت والتحت يعني عدم الفوق. فمن ثم بين المتضايفين تنافي. فاصل التنافي والتنافر آت حصر من التناقض. هذه نظرية منطقية موجودة.

نذهب الى كلام الميرزا النائيني: هو يقول ان الاستدلال بالمقدمية للمدعى عاطل وباطل. يخدش في المقدمية. ويستدل عليه باستدلالات. الميرزا النائيني المعروف انه قوي في علم المنطق جدا. فالطابع الغالب على المباني الأصولية عند الميرزا النائيني طابع منطقي مرتب. بخلاف العراقي قيل انه الطابع على مبانيه الأصولية علم الكلام والعرف والحسن والقبح والقوانين والتقنين باعتبار انه كان الأستاذ الأول في شرح التجريد. بينما المرحوم الاصفهاني كان الطابع على مبانيه الأصولية الفلسفة لانه كان الأستاذ الأول في الاسفار في النجف. قبل ان يتمحض في الفقه وبحوث الفقه والمرجعية. وتوفي نائيني قبل خمس سنين قبل الكمباني والعراقي والسيد ابوالحسن توفي خمس سنين بعد الكمباني. والعراقي والكمباني توفيا في شهر واحد. هذه ماضيات النجف. المقصود ان هذا هو البعد المنطقي. ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده من جهة العنصر المقدمية.

الميرزا النائيني يشكل على المقدمية. يشكل بان عدم المعلول كالضدين المعلولين، مجموع أجزاء علته المقتضي والشرط وعدم المانع. يقول عدم المعلول لا يستند الى المانع الا اذا كان المقتضي متوفرا والشرط متوفرا حينئذ يصح عقليا ان يستند عدم المعلول لوجود المانع. اما اذا كان المقتضي غير موجود. مثل الرطوبة لم يحترق الورق لانه رطب. أصلا النار ما موجودة. او النار موجودة لكن بعيدة. لا يقال انه لم يحترق الورق لان النار بعيدة. فلابد ان تكون النار موجودة ولابد ان يكون القرب موجودة حينئذ يستند عدم الحرق الى المانع و الرطوبة. هذا محصل استدلال الميرزا النائيني. ان عدم المعلول لا يستند ا لى المانع الا اذا توفر ووجد المقتضي والشرط. اذا كان هكذا اصل الاستدلال يقول الميرزا: عندما ندعي ان الضدين متمانعان. فلابد ان نفترض ان المقتضي والشرط موجودان حينئذ يستند عدم الضد بالضد الآخر. وهذا ما لا يتوفر. هذا الفرض غير متوفر. لماذا؟

يقول: لا تستطيع ان تجد في عالم المادة والماديات ان يكون المقتضي موجودا والشرط موجودا وعدم المعلول لاجل ممانعة ضده. هذا الفرض لا يمكن تحققه. يقول لان قبل التضاد بين الضدين فيه تنافر بين مقتضيي الضدين.

متى يكون احد الضدين مانعا عن الضد الآخر يعني يعدم الضد الآخر؟ لابد ان تفترض مقتضي الضد الأول وشرط الضد الأول وعدم مانع الضد الأول موجودة بوجود الضد الأول. هذا الضد الأول مع مقتضي الضد الثاني وشرط الضد الثاني لكن الضد الأول مانع عن الضد الثاني. بعبارة أخرى ثمان عناصر. الضد الأول فيه أربعة. أجزاء العلة الثلاثة والضد الأول فاربعة عناصر. وجود المقتضي ووجود الشرط وعدم المانع للضد الأول فوجد الضد الأول. ومقتضي الضد الثاني وشرط الضد الثاني متوفر الا ان الضد الأول يمانع عن وجود الضد الثاني. هكذا لابد ان يفترض. من يدعي ان بين الضدين تمانع ومقدمية واستناد عدم أحد الضدين لوجود الضد الآخر، هذا تتصور اذا كان المقتضيان موجودين والشرطان موجودين. عدم المانع في الضد الأول موجود لكن الضد الأول تمانع الضد الثاني. او العكس. غير هذه الصورة لا يمكن ان تسند عدم الضد الثاني لوجود الضد الأول. والا لو كان مقتضي الضد الثاني ما موجود عدم الضد الثاني يستند الى عدم مقتضيه. كالنار والقرب وعدم الرطوبة كما مر. هذه الصورة ممتنع تحققها. لانه قبل ان ينوجد الضد الثاني مقتضيي الضدين لا يجتمعان. تتمة ان شاء الله غدا.