الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد

 

كان الكلام حول مبحث الضد، ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده ومر ان اصل البحث في الحقيقة ليس في استلزام حكم احد الضدين النهي عن الآخر وان كان هذا من المباحث الاصلية في المبحث لكن الأهم في هذا المبحث مبحث التزاحم في مقابل التعارض وأنواع التزاحم في مقابل أنواع التنافي بين الاحكام سواء ا لتعارض او غيرها.

ومر بنا انه في الاحكام هناك أولية في الموضوع او أولية في الحكم وثانوية في الموضوع وثانوية في الحكم وهناك أيضا ظاهرية وواقعية من جانب آخر وهذه الجهات والحيثيات تستلزم التقدم والتأخر في اقسام وحيثيات الحكم.

بالتالي ليس الثانوية المراد به الظاهري بل قد يكون الثانوي ظاهريا وقد يكون واقعيا فهذه الاصطلاحات يجب ان نلتفت اليه لان لا يقع الخلط فيها.

أيضا مر بنا التنافي عند الفقهاء سواء في باب التعارض او في باب التزاحم او باب الورود والحكومة او التوارد وابواب والتنافي بين الاحكام بأي درجة منه واي نمط ونوع لها علاجات. هذه العلاجات التي يذكرها الفقهاء في التنافي بين الاحكام دائما العلاج الموضوعي مقدم على العلاج الحكمي والعلاج الاولي مقدم على العلاج الثانوي والعلاج الواقعي مقدم على العلاج الظاهري. فثلاث حيثيات وثلاث ضوابط تختلف عن بعضها البعض. فهناك تقدم وتأخر

اذا من غير السائغ عند الفقهاء والاصوليين تقديم العلاج الحكمي على العلاج الموضوعي سواء في باب التعارض او باب التزاحم او في أي باب من أبواب التنافي. هذه ضوابط لا يمكن رفع اليد عنها. من ثم في كلا الدورتين السابقتين يسجل مؤاخذة على متاخري الاعصار انهم اهتموا بالعلاج الحكمي عند التعارض وغفلوا عن العلاجات عند المتقدمين التي جلها علاجات موضوعية. ولم يكترسوا كثيرا المتقدمون بالعلاجات الحكمية. هذا حق طبعا لان العلاج الموضوعي مقدم على العلاج الحكمي والمحمولي. كما ان العلاج الاولي مقدم على العلاج الثانوي. الان طبعا عندما تختلط الجهات مع بعضها البعض كيف التقديم بحث آخر. كما مر بنا ان الاولي والثاوي في الموضوع والمحمول تنقسم الى أربعة اقسام واذا نضيف عليها الظاهري والواقعي تنقسم الى اقسام اكثر.

كيف أيضا الشيخ الانصاري وقبله مدرسة الوحيد البهبهاني عندهم حجية القطع مقدمة على حجية الظنون المعتبرة ومقدمة على الدليل الاجتهادي الظني كما ان الأدلة الاجتهادية الظنية مقدمة على ادلة الأصول والوظائف العملية. كما يقال هذه المراتب الثلاثة ناموس مبحث الحجج عند الأصوليين.

كما يقدم الدليل الاجتهادي على الدليل الفقاهتي كذلك يقدم القطع على الدليل الاجتهادي لان الدليل القطعي بمثابة الدليل الثبوتي لانك توصلت بالواقع والدليل الاجتهادي دليل ظاهري ظني. فاذا حيثية الدليل الثبوتي على الدليل الاثباتي هو تقدم القطع على الظن المعتبر. من ثم بحوث علم أصول القانون مقدمة على بحوث الظنون المعتبرة. لانها ظاهرية مهما يكون والدليل القطعي أي ثبوتي مقدم على الدليل الظني. هذه النكتة لابد من الالتفات اليه.

كما مر بنا مرارا ان أصول القانون أي الدليل الثبوتي ليس مختصا بعلم أصول الفقه بل علم الفقه أيضا فيه بحوث ثبوتية مقدمة على الأدلة الاثباتية. هذه الأمور في الرتبة في العلاجات لا مفر منها في الاستنباط. اذا تسنى للفقيه ان ينقح حقيقة الشهر الهلالي القمري تكوينا او عرفا ان هو عرفي او تكويني لا تصل النوبة الى الاستدلال بظواهر بعض الأدلة لانه بحث ثبوتي اما ان تمسك بعموم «صم للرؤية وافطر للرؤية» هل العموم استغراقي او هذا العموم بدلي؟ اذا يكون بدليا يعني رؤية واحدة يكفي لكل الكرة الأرضية. هذه مقتضى العموم البدلي. اما اذا كان عموما استغراقيا يعني كل بلد يجب ان يروه. افترض الان استراليا شافوه وهو قبل ست ساعات في شرق استراليا واربع ساعات في غرب استراليا تقدما كما ان الفاصلة تأخرا هذه موجودة الى كندا من غربه الى شرقه. أيا ما كان لو رؤي في استراليا ولكن على القطع واليقين لا يرى في العراق لان حركة الهلال جنوبية كما في الشتاء فيرى في المناطق الجنوبة كجنوب الهند او استراليا او باكستان دون خط الاستواء لكن فوق خط الاستواء لا يرى، كيف يثبت لأستراليا مع انهم قبل لكنه لا يثبت لنا؟ عند مشهور المتاخرين يثبت لكن اقصد لمن يرى ان عموم صم للرؤية استغراقي. بناء على العموم الاستغراقي لا يثبت الهلال اما بناء على العموم البدلي يثبت او يتبنى حقيقة الهلال وحقيقة ا لتقويم. لا يمكن ان يدخل الاستراليا في الشهر القمري وهو شرقية بالنسبة الينا ولا يدخل اليوم بالنسبة الينا؟ هذه فوضة في التقويم الزماني. فاذا تم تنقيح الشهر ثبوتا وما هو التقويم الزماني فهذا بحث ثبوتي وفقهي من بحوث أصول القانون في الفقه. بحث الاثبات شيء آخر لكن الثبوت هكذا. التقويم الزماني هكذا ولكل الأرض تقويم زماني واحد سواء الشمسي او القمري. لانه لو اخذنا العموم الاستغراقي ربما يكون الفاصل في اول الشهر في بعض المناطق وبعض أخرى ثلاث أيام ليس يومين. اذا تمسكنا حرفيا على العموم الاستغراقي. وهذا يقع كثيرا. في أوروبا لا يرى القمر الا في الليل الثالثة. كلامنا في هذا الشاهد ان كان البحث ثبوتيا فهو م قدم على البحث الاثباتي. فبحوث أصول القانون ليس مختصا باصول الفقه بل كل علم من العلوم الدينية وغير الدينية يحتوي الثبوت والاثبات. هذه النكات جدا مهمة في معالجة التنافي بين الأدلة او معالجة التنافي بين مدلول الأدلة وهي نفس الاحكام.

هذا ناموس الاستنباط ان العلاج الموضوعي مقدم على العلاج الحكمي والعلاج الاولي مقدم على العلاج الثانوي. اذا اختلف الحيثيات يحتاج الى التدقيق الأكثر. الحيثية الثالثة الظاهري والواقعي فثلاث حيثيات تشترك في تقسيم الاحكام او موضوعات الاحكام.

هنا نقطة أخرى يتبناها الاصوليون والفقهاء: مر بنا تقديم العلاجات على بعضها البعض علاوة على كل ذلك هناك ضابطة أخرى اهم عند الفقهاء سواء في الاحكام الفردية او السياسية او الاجتماعية او العسكرية او الأمنية في الحاكم السياسي او المفتي او القاضي وهي ان العلاج بعدم التنافي أصلا بإزالة التنافي افضل من العلاجات الثلاثة.

يعني رعاية الاحكام موضوعا وحكما سواء كانت أولية او ظاهرية او واقعية وموضوعية او حكمية عدم العلاج بمعنى الوقاية افضل. الوقاية خير من العلاج. دفع التنافي افضل من رفع التنافي.

امس كنا مع بعض الاخوة ورأينا بعض الكتب في الإدارة الاستراتجية عندهم هذا المبدأ موجود ان الوقاية خير من العلاج وهذا مبدأ نبوي. قبل ان يجيء المرض والابتلاء تدفع المرض.

هذا مقدم على الثلاث حيثيات التي مرت بنمط ان الفقيه او القاضي او الحاكم السياسي او رب الاسرة او الانسان في تربية نفسه ان يراعي عدم وقوع التنافي افضل من يقع التنافي ثم يرفعه حكما او اوليا او واقعيا او ظاهريا. لماذا تتوصل بالدواء ولو كان اوليا وواقعيا وموضوعيا؟ هذه نكتة جدا مهمة عند الفقهاء.

يعني حتى التزاحم لا تظنن أيها الباحث انه علاج بالطبيعة الأولية. الطبيعة الأولية ان لا يكون في البين حاجة في العلاج. طبعا هذا قدرته أولا عند الله عزوجل ثم رسوله ثم اوصياء الرسول صلوات الله عليهم انك كيف تدير الأمور ان الدفع افضل من الرفع. هذه ضابطة رابعة وهي مقدمة على الكل. فانت أيها الفقيه في فتاواك وايها القاضي في حكمك وايها الوالي السياسي في سياستك يجب ان تحسب وتدرس الأمور قبل وقوعها وتدفع الشرور قبل وقوعها. لا انك تدفع الشرور بالعلاجات الأولية او الموضوعية بالتالي العلاج علاج والدواء طبيعتها الأولية سم. هذه حقيقة حتى في القوانين ان الثانوية يعني فيها التفريط وكرارا ومرارا مر في بيانات الائمة سلام الله عليهم ان التقية ديني ودين ابائي الا ان التقية فيها تداعيات سمية وسلبية خطيرة ان لم يراعيها الامام المعصوم. لو لم تكن فاطمة سلام الله عليها لكان تشتبه الامر حتى لكان تشتبه الامر حتى على سلمان. فاطمة سلام الله عليها كشفت الالتباس في الروايات. من ثم كانت الحوارية المعروفة بين فاطمة وعلي سلام الله عليهما لدفع هذه الالتباسات عن الخواص. «اشتملت يابن ابي طالب..» هذا كلام تدور في ذهن الاخرين شبيه الحوارية بين الله عزوجل وبين عيسى بلا تشبيه. لما في اذهان هؤلاء. كما ان الذي جرى بين هارون وموسى «يابن ام لا تأخذ بلحيتي». المقصود الى وصلت الأمور والى اين التبس الأمور. وظيفة امير المؤمنين الحفاظ على الإسلام ولو بضياء حقه لحفظ الكمال الوسط بدل الكمال الاكمل. وظيفة امير المؤمنين كانت تقية لكن هذه التقية لها تداعيات عقائدية سلبية حتى على مثل سلمان وابوذر ومقداد. فلو لا وجود فاطمة سلام الله عليها. فهي سلام الله عليها لم تطبق أي حكم ثانوي ابدا. لم تطبق أي علاج اولي او علاج ثانوي او ظاهري او واقعي. الدفع قبل الرفع. هذا صح اليقظة والبصيرة عند كل الأجيال. مع هذا قد يلتبس الامر على كثير من الوسط العلمي في مواقف امير المؤمنين او مواقف الامام الحسن او الائمة. فكما يحتاج الى الحسن يحتاج الى الحسين سلام الله عليهما. فالحسن حسني الفعل وحسيني الكلام والامام الحسين حسيني الفعل وحسني الكلام. خطب الامام الحسين هي نهج الامام الحسن وخطب الامام الحسن خطب حسينية. هذا يدل على العلاج له تداعيات سلبية. لذلك في بيانات اهل البيت مع ان التقية ديني انهم يستغفرون من التقية.

مثلا « فمن كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا» صحيح ان التقية ديني ودين ابائي لكن هذا التكلم باللسان كفر. استثناء متصل يعني الكفر ولو بالتقية كفر لساني لا كفر قلبي. لكن يجب ان يستغفر منه الانسان يعني ان يتبرم منه. هذه ضابطة من الاية في كل فصول التقية وكل درجات التقية. التقية واجبة عليك كما يقول رسول الله لعمار «ان عادوا فعد» لكن العمار يجب ان يبكي وكان يبكي من هذا الكفر اللساني واذا لم يتبرم من هذا الكفر اللساني يكون ممن شرح بالكفر صدرا. المقصود نكتة جيدة في باب التقية ان التقية مع انها علاج الا ان فيها تداعيات سلبية يجب ان تعالج. للعلاج علاج. حتى في الطب الدواء علاج لكن يجب ان تأخذ أمور أخرى ترفع عنك سموم الدواء.

هذه ضابطة رابعة ان الدفع أولى من الرفع. هذه الثلاث حيثيات التي مرت بنا مهما يكون هي علاج والأولى ان يهيئ الأرضية اعدادا قبل العلاج.

هذه بحوث نخاعية في مبحث التزاحم والتعارض. لذلك القدماء يحرصون على الجمع أولى من الطرح وان اصل الجمع بنحو يرفع التنافي أولى ان تتوصل بالعلاجات. حتى في باب التعارض. هذه نكتة مهمة

هذه ضوابط ا ربع يجب ان لا نغفل عنها.