الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/04/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد

 

كان الكلام في ان مبحث الضد في الحقيقة مبحث لعنوان تزاحم الاحكام او تزاحم متعلق الاحكام. الواجبات في ما بينها او المحرمات فيما بينها او الواجبات والمحرمات في ما بينها. يعني يمكن ان يستبدل عنوان مبحث الضد بعنوان التزاحم. بعبارة أخرى يمكن عنونة هذا المبحث في أصول القانون بعنوان مبحث التزاحم. ولعله احرى.

مر بنا ان تقسيم الاحكام الى الاولي والثانوي وموضوعات الاحكام الى الاولي والثانوي والى الواقعي والظاهري وحيثية رابعة العلاج الموضوعي مقدم على العلاج الحكمي وهذا سبق ان تعرضنا اليه في الدورتين السابقتين في مبحث التعارض ان مشهور القدماء وهو الصحيح صناعيا عندهم ان العلاج الموضوعي مقدم على العلاج المحمولي. يعني العلاج في موضوع التعارض كالجمع بين دلالات المتعارضين مقدم على العلاجات المذكورة في الأدلة العلاجية في المتعارضين. لان الأدلة العلاجية في المتعارضين انما يتأتى نوبتها بعد فرض استحكام التعارض موضوعا. فاذا امكن الفقيه والمجتهد ان يعالج دلالة الطائفتين من الروايات المتعارضة لا تصل النوبة الى التعارض المستقر كي يأتي العلاج المحمولي المذكور في ادلة التعارض. دائما العلاج الموضوعي مقدم على العلاج المحمولي.

الاعلام هناك في مبحث التعارض أيضا بحثوا الفارق بين باب التعارض وباب التزاحم. وعلى كل مبحث الضد او مبحث اجتماع الامر والنهي او ان النهي يقتضي الفساد ومبحث المقدمة نتيجة هذه الأبواب الأربعة او الخمس اما تدرج الحالة التنافي بين الاحكام في التزاحم او تدرجها في التعارض. فلاحظ اذا هناك فارق جوهري وماهوي بين بحث التعارض وبحث التزاحم. واجتماع الامر و النهي او التضاد او التزاحم او ان النهي يقتضي الفساد هذه الحالات متى تندرج في التعارض ومتى تندرج في التزاحم؟ هذه الحالات أيضا هي ذات أنواع. اجتماع الامر والنهي أنواع لا انه فقط صور. النهي يقتضي الفساد في العبادات او المعاملات على أنواع واقسام والتزاحم أيضا على أنواع وليس على نوع واحد.

بعبارة أخرى: نستطيع ان نقول ما بين التعارض والتزاحم هو الآخر مراحل. ما قبل التعارض وعند التعارض وبين التعارض والتزاحم في الامتثال مراحل. فيا ترى التنافي في الاحكام ولو بلحاظ متعلقاته او شيء آخر هو مراحل و هل هذه المراحل كلها إما تعارض او تزاحم؟ ام ماذا؟

وبعبارة أخرى لتوسعة افق البحث: عند القدماء تزاحم لا في مقام الامتثال بل تزاحم في مقام الجعل. السيد الخوئي عنده الترتب في مقام الجعل مع ان الترتب في مقام الامتثال. لكن مع ذلك قال بتصوير الترتب في مقام الجعل. اجتماع الامر والنهي هل يمكن تصويره في مقام الجعل ومقام الامتثال ومقام الفعلية ومقام الانشاء؟ هذه المباحث كلها مهمة وحساسة. وان كان المعهود التزاحم حصريا في مقام الامتثال لكنه الصحيح هو اعم.

اجتماع الامر والنهي في مقام الامتثال ومقام الفعلية ومقام الجعل كلها قابل للتصوير. التضاد بين الاحكام في مقام الجعل ومقام المجعول الفعلي ومقام الامتثال كلها قابل للتصوير وموجود هذه الحالات.

النهي يقتضي الفساد في العبادات او المعاملات في مقام الجعل والفعلية والامتثال. حتى مقام الجعل مراتب. فبكلمة موجزة التزاحم والتعارض على أنواع ومراحل. اجتماع الامر والنهي على مراحل وأنواع والتضاد بين الاحكام على أنواع والمراحل.

يعني يمكن ان نقول ان المراحل الحكم الثمانية او اكثر او اقل في كل هذه المراحل قابل للتصوير التضاد او التزاحم واجتماع الامر والنهي وان النهي يقتضي الفساد. فاذا لا يقتصر افق الذهن في البحث عن اجتماع الامر والنهي او عن التضاد والتزاحم او ان النهي يقتضي الفساد او التعارض على انه في مرحلة واحدة بين الحكمين.

تارة التنافي بين مرحلة موازية في هذا الحكم ومرحلة موازية في ذلك الحكم مثل الجعل والجعل او الفعلية والفعلية ويمكن ان نتصور بين مرحلة في هذا الحكم الأول ومرحلة أخرى في ذلك الحكم الثاني ومحل الابتلاء في الأبواب الفقهية.

من باب المثال ان اجتماع الامر والنهي ليس خاصا بمرحلة الامتثال بل يمكن ان نتصوره في مرحلة الفعلية ومرحلة التنجيز وهلم جرا. وكذلك اذا يطرء النهي على المأمور به فيطرء عليه في مقام الامتثال او الجعل او الفعلية.

اذا مبحث التعارض او التزاحم ليس على مرحلة واحدة وعلى نوع واحد وليس التزاحم مقصور على التزاحم في الامتثال بل قابل للتصوير التزاحم في الجعل وكذلك اجتماع الامر والنهي. فالافق واسع في البحث وما هي ضابطة التعارض بانواعه وضابطة التزاحم بانواعه؟ بحث الورود والتوارد وهما يختلفان وسيأتي في مبحث الضد وفرقهما عن الحكومة والترتب ومباحث حساسة في التنافي بين الاحكام والمجمع لها التنافي بين الاحكام او بين الحكمين وهذا التنافي على مراحل معروفة للحكم الشرعي. فيه تزاحم في احراز الامتثال صوره الاصوليون. تضاد لكن لا في التنجيز ولا في الفعلية ولا في الجعل ولا في غيره بل في احراز الامتثال. هل الموافقة القطعية مقدمة على المخالفة القطعية او لا على العكس؟ يمكن في بعض الموارد ان امتثل قطعا لكن اخالف قطعا أيضا. هل الموافقة القطعية مع المخالفة القطعية أولى او الموافقة الاحتمالية مع المخالفة الاحتمالية أولى؟ التزاحم في مقام احراز الامتثال بين الواجب والحرام. فالتزاحم على مراحل والمراتب. وكذلك التعارض قابل للتصوير في مراحل متعددة في الانشاء.

لذلك من ابتكارات السيد الخوئي وانا ما وقفت على غيره انه ابتكر على الترتب في الجعل وهذا نوع من المعالجة. فاذا هذا المبحث مبحث الضد تسميته الأخرى بحسب أصول القانون باب التزاحم. الضد والتضاد في الاحكام إشارة الى بحث التزاحم وتارة يعالج بان النهي يقتضي فساد ضده وتارة يعالج بالترتب او يعالج بشيء آخر بحث آخر لكن اصل الموضوع مبحث التزاحم.

سبق أيضا امس ان الحكم اولي او ثانوي والموضوع اولي او ثانوي أربعة اقسام. كما ان الحكم ظاهري وواقعي. وحيثية ثالثة حيثية العلاج الموضوعي والعلاج الحكمي ويتقدم العلاج الموضوعي على العلاج الحكمي لتقدم الموضوع رتبة على الحكم. كما ان العلاج الواقعي مقدم على العلاج الظاهري وكما ان العلاج الاولي مقدم على الثانوي. اذا ثلاث حيثيات هناك للتقدم والتأخر. وهذه جدا مهمة في الأبواب الأصولية والفقهية ولابد من مراعاتها.

من ثم دليل الاجتهادي مقدم على الدليل في الأصول العملية لنفس النكتة. كما ان القطع مقدم على حجية الظنون كخبر الواحد او الظهور. لان القطع توصل الى الثبوت بينما الظنون اثبات وظاهرية. فمباحث القطع قدمها الاصوليون على مباحث الظن لتقدم الثبوت على الاثبات. وليس مباحث القطع من الاحكام العقلية فقط بل قد تكون من الاحكام الشرعية لكن توصلك الى الثبوت فمقدمة على الظنون. تراكم الظنون حتى غير المعتبرة اذا اوصلك الى القطع مقدمة على الظن المعتبر. لان الظن المعتبر ظن منفرد بينما تراكم الظنون اوصلك الى القطع.

لا يخفى على الاخوان هذا الاصطلاح. عدم اعتبار الظن وعدم حجية الظن لها معنيان. تارة مثل الظن الحاصل من السحر والقياس فهذا أصلا ممنوع ومردود عنه سواء بنحو التراكم او بنحو منفرد. كالسحر وايحاء الجن وتسخير الجن والكهانة هذه الظنون اذا القى في القلب يظن نفسه انه نبي من الأنبياء وهذه مشكلة المكاشفات والعرفاء. حتى الالهام الرباني لا يجعلك سيد الأنبياء ولا يمكن ان تترك دين سيد الأنبياء على أساس انك الهمت بشيء. هذا طبعا كلام نفس العرفاء هم يقرون بهذا الشيء. القيصري في شرحه على فصوص ابن عربي في مقدمته وفيها مباحث من علم أصول الفقه مهمة وهناك يذكر اعترافهم من الصوفية والعرفاء ان الميزان هو الثقلين لا المكاشفات.

عدم اعتبار الظنون له معنيان. القياس ليس بحجة. يعني الشارع لا يرخص لك ان تعتمد عليه في تراكم الظنون ابدا. كالسحر وقول الشياطين. كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا» وكذلك في التنجيم وان كان التنجيم اصله علم من علوم الأنبياء لكن الموجود منها ناقص ويسبب الضلال.

فالمقصود ان بعض الظنون التي ردع عنها الشارع ونهى عنها فاكثر من عدم الحجية. هذه المباحث في علم الأصول فوقية وجحفلية. فاذا عندنا ظنون ردع عنها الشارع لا فقط لا يعطيها الحجية. وعندنا ظنون لم يعتبرها الشارع لكن حرم ردعها. الخبر الضعيف بضرورة مذهب اهل البيت وكلامنا في التقليديين من رجال الدين لا العلمانيين. الخبر الضعيف باجماع الأصوليين والاخباريين غير حجة لكن يحرم رده. غير معتبر يعني لا تعتمد عليه بمفرده. يحرم رده يعني لا تقل انها باطل. فتكذب الله فوق عرشه. النفي يحتاج الى الدليل وقد ورد روايات متواترة بحرمة رد الخبر الضعيف. حتى آية النبأ أيضا دالة عليه. «ان جاءكم فاسق بنبأ» فتبينوا وفي قرائة فتثبتوا» فالفحص عن المتن مهم. معنى حرمة الرد يعني لا ترد ولا تحكم بالبطلان.

للأسف يريد ان يختصر البحار ولا يكون القيم على تراث الشيعة لا فقيه والفقهاء ولا جيل من العلماء. القيم على تراث اهل البيت مجموع علماء الامامية. ليس القيم عالم او عالمان ولا النجاشي ولا الغضائري. تراث اهل البيت فوق العلماء. الهدف الأعظم من علم الرجال كما يقول النجاشي والطوسي في الصفحة الأول في كتابهما ان يكون برهانا على هوية المذهب والتراث هوية وعقائديا. هذا هو الهدف الاسمى للرجال. فما يمكن ان يكون له قيم واحد ولا يسوغ للإنسان ان يقلد عالما من العلماء ان الكتاب الفلاني ليس معتبرا. حتى لو تكون مقلدا لا يمكن لك ان تقلد كعقيدة. لازم ان تفحص لان اصل التراث معرفة وعقيدة ولا يمكن ان تقلد فيه. بل لازم ان تجتهد ولا يسوغ لك التقليد في المعارف. اصل التراث واصل كتاب التهذيب وغيره من المعارف.

المقصود ان الظنون الغير المعتبرة في الحقيقة على قسمين. قسم مثل القياس والتنجيم والسحر فلا يتراكم منها القطع والقطع اذا حصل مردوع عنها لان المنشأ باطل. هذه قضايا صناعية. وهناك من الظنون غير المعتبرة لم يردع عنها الشارع بل حرم الرد. هذه الظنون اذا تراكمت وحصلت منها الاطمئنان او القطع فهذه حجة وفوق الظن المعتبر. من ثم تراكم الاخبار الضعاف ويحصل عنها القطع بعدم تواطئ هؤلاء الرواة على الكذب فهذا القطع اعظم من الخبر الصحيح المعتبر. لعل هذا الخبر من العادل لكن قد يشتبه او نسي بينما هؤلاء صدفة تواطئهم على الاشتباه والعمد على الكذب ممتنع. فهذا تراكم الظنون الغير المعتبرة عند كافة الفقهاء والاصوليين اذا تولد القطع اعلى رتبة من الظن المعتبر. لذلك تراث اهل البيت من اخبار الضعاف ليس من حق الانسان ان يتركها كتراكم ومجموع. للتواتر المعنوي والاجمالي واللفظي. نعم ببصيرة بلحاظ المتون.

كلامنا في بحث التزاحم والتعارض. للبحث تتمة.