الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/04/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد

 

كان الكلام في مبحث الضد والتضاد بين الأفعال او الواجبات او المحرمات او الواجب والمحرم وهو في الحقيقة مبحث التزاحم.

غاية الامر هذا المبحث الأول والنصف الأول في التضاد ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده فرقه عن النصف الثاني ما هو؟ الفرق هو ان في المقام الأول يبحث الاصوليون عن وجود نهي منبعث من الامر والوجوب الأهم او المهم في الواجبات المتضادة او الاحكام الإلزامية المتضادة، هل ينبعث عن الضد الأول نهي عن متعلق الحكم المضاد ام لا؟

فاذا في المقام الأول يبحثون عن انبعاث النهي من حكم أحد الضدين عن حكم آخر. وجوب إزالة النجاسة عن المسجد فورية ينبعث منها النهي عن الصلاة التي هي متعلق وجوب الصلاة. فاذا كان هكذا ينبعث من وجوب إزالة النجاسة النهي عن الصلاة فالصلاة تكون مجمعا للحكمين حكم ناهي وحكم آمر فيكون اجتماع الامر والنهي او التعارض.

ان قرر هذا المقام الأول فبه ونعم. وان لم يتقرر انبعاث حكم من أحد الضدين المتساويين او احدهما اهم والأخر مهم وقلنا ان الامر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده فوجود حكم بأحد الضدين وحكم آخر بالضد الاخر نوع من التزاحم من دون ان ينبعث من احدهما حكم ينافي الحكم الآخر. لو لم ينبعث من احدهما حكم ينافي الحكم الآخر وجود هذين الحكمين الضدين المتزاحمين هل تصل النوبة الى التعارض ام لا؟ ان لم يكن تعارض فالحال هو التزاحم والتزاحم يختلف عن التعارض ام هي صور في المسألة.

اذا في المقام الأول البحث في الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده وهو الوصول الى التعارض عبر الملازمة ملازمة الامر بالضد والنهي عن الضد الآخر. والمقام الثاني اذا لم تثبت الملازمة تصل النوبة الى التزاحم والتنافي في القدرة بين الحكمين وهل يستلزم ويوجب التعارض ام لا؟ وان لم يوجب التعارض فما هو العلاج؟ فاصل البحث في كل هذا المبحث هو في التزاحم. كل البحث في طياته في التزاحم.

قالوا ان معالجة التضاد بين الواجبات او الواجبات والمحرمات او بين المحرمات في ثلاث اقسام، معالجة التضاد والتزاحم باي نمط؟ هل بالترتب او بالتخيير أو بشيء آخر؟ معالجة التزاحم قالوا ان هذه المعالجات التي ستأتي مفصلا ليست معالجة أولية بل معالجة ثانوية. ثم ماذا؟ ثانوية غير الظاهرية. المعالجة الأولية في مقابل المعالجة الثانوية ليس معنى الأولية ثبوتية. اصطلاح مهم عند الفقهاء وعند الأصوليين. الأولي والثانوي. لا يراد من اصطلاح الأولي يعني الثبوتي ومن الثانوي يعني الاثباتي. قد يكون اوليا وهو ظاهري وقد يكون ثانويا وهو ثبوتي. اذا ما المراد من الأولي والثانوي؟ الأولي ينقسم الى الظاهري والواقعي والثانوي أيضا ينقسم الى الظاهري والواقعي. وان كان احد أنواع الظاهري هو انه حكم ظاهري يعني ان الظاهري يندرج في الثانوي مع ذلك الثانوي قد يكون ظاهريا وقد يكون واقعيا.

المراد من الاولي يعني الحكم الذي اخذ في موضوعه موضوعا اوليا. اذا الاخوان يتذكرون تقسيما ذكرناه سابقا والان سنعيدها وذكرنا في الجزء الأول من الشعائر الحسينية لكن المطلب معقد يجب استذكاره كرارا كي يستوضح للإنسان.

اربع اقسام: تارة الحكم اولي والموضوع اولي. وتارة الحكم اولي والموضوع ثانوي. والقسم الثالث الموضوع اولي والحكم ثانوي والقسم الرابع الموضوع ثانوي والحكم ثانوي.

فما هو معنى أولية الموضوع وثانوية الموضوع؟ واولية الحكم وثانوية الحكم؟ عندنا أولية الحكم وعندنا أولية الموضوع ولها معنيان. كما ان في الحكم حكم اولي قد يكون ظاهريا وقد يكون واقعيا. أولية الحكم قد تكون ظاهرية وقد تكون واقعية وكذلك في ثانوية الحكم. لماذا هذه التقسيمات ولماذا هذه الحيثيات؟ الظاهري يتأخر رتبة عن الواقعي ولماذا يلاحظون أولية الحكم واولية الموضوع؟ طبعا لابد من الملاحظة لان الموضوع متقدم رتبة عن الحكم فمضطرون ان يلاحظوا هذه الجهات.

فاذا الأولي والثانوي اقسام وتصويرات. ليس من الضروري اذا كان الموضوع ثانويا ان يكون الحكم ثانويا وليس من الضروري اذا كان الحكم ثانويا يكون الموضوع ثانويا. القسم الثالث رغم ان يكون موضوعه اوليا لكن الحكم ثانوي. بالعكس في القسم الثاني. هذه التقسيمات صناعية للاحكام واذا الانسان لم يلتفت في البحث العلمي الى ثانوية الشيء اما ثانوية الموضوع او أولية الحكم صارت القضية خبطا وخلطا.

ما الفارق؟ ماذا هذه الاصطلاحات؟ أساسا مبحث الضد قائمة على هذا المبحث. طبعا القواعد الفقهية والقواعد الأصولية تارة تندرج في القسم الأول وتارة في القسم الثاني وتارة الثالث وتارة الرابع. القسم الأول بنيوي واصلي.

القسم الثاني له تقدم على القسم الثالث وان لم يكن القسم الثاني مقدما على القسم الأول. مبحث التزاحم او التعارض اذا لم يلتفت الى هذا التقسيم الرباعي ضاعت عليه موازين المحاسبة. كما ان الظاهري والواقعي رتبتان. غير الاولي والثانوي. اصطلاح الأولي يختلف عن الظاهري والواقعي. كما ان الثانوي قد يكون ظاهريا وقد يكون واقعيا. كل هذه التقسيمات في اختلاف الرتب ومراعات الرتب في غاية الأهمية في البحث.

مر بنا هذا المثال: السيد الخوئي يقول حول بعض الشعائر الحسينية لم يرد فيها نص انها شعيرة وكلامه صحيح ان النص الخاص ما موجود. لكن في فتوى ثانية وثالثة. يقول هذه الاليات التي تتخذ كالشعائر من اركان الدين. ما فيه التهافت. احد الفتاوى ناظرة الى قسم والفتوى الأخرى ناظرة الى قسم آخر. يستدل بأربعة وجوه ان الشعائر الحسينية من اركان الدين. اياك ان تضرها وحتى اذا تريد ان تمحو الأمور المحرمة منها لابد ان تمحو بنحو ناعمة. هذه فحوى كلام السيد الخوئي. طبعا السيد ابوالحسن الاصفهاني والميرزا النائيني والسيد اليزدي وعدة من الاعلام عندهم نفس التوصية. اياك ان تصطدم بها وان كان المنافيات الشرعية موجودة فيها لابد ان تمحوها بنحو ناعم لا يزلزل الشعيرة. عموما في الشعائر هكذا. كالطواف والعمرة والحج الندبي. حاول تعالج الامر في الشعائر الدينية بطريقة لينة وهادئة تحت السطح اما ان تقوم بالنقد جهارا هذا نوع من الفوضة في كيفية العلاج وتزلزل شيئا بنياني من الأركان. لذلك لا يعلن. نعم يقوم الانسان بمعالجته لكن يوازن بين الأمور الكثيرة. كما يقال خطأ ان الإسلاميين كذا كذا او المؤمنون كذا كذا. هذا خطأ.

هو هذا المبحث مبحث التضاد. بين ان تريد ان تصلح و بين ان تريد ان تفسد بداعي السوء وهذا خطأ. هذا نوع من التزاحم.

اذا عندنا ا صطلاح الاولي وهذا امر مهم. الاولي ما هو معناه والثانوي ما هو معناه والاولي في الموضوع والاولي في الحكم. الظاهري والواقعي. كل هذه الأمور لابد ان نلتفت اليه.

كما ان السيد الخوئي رحمة الله عليه مبناه في الشهادة الثالثة في الاذان انها لم يثبت عنده نص في ذلك. كذلك السيد محسن الحكيم وكذلك كثيرون ربما الأشهر والمشهور. رغم ذلك يصر السيد محسن الحكيم في المستمسك والسيد الخوئي في التنقيح ان الشهادة الثالثة في الاذان والإقامة من شعائر المذهب ويحتمل فيها الوجوب. هذا ليس في البين تنافي. لازم ان تلتفت الى المعنى الاولي والمعنى الثانوي.

معروفة فتنة حصلة في الكاظمية حول الشهادة الثالثة قبل سبعين سنة. موقف علماء النجف ظرافات من جهابذ النجف وقم ان هذه الشهادة الثالثة من شعائر الدين لا نرفع اليد عنها وان تبنينا انه ليس هناك نص خاص في ماهية الاذان والإقامة وان لم نتبنى عليه ونقول ان النص الخاص موجود. لكن وان تبنينا ان النص الخاص ليس بموجود رغم ذلك اعتبروها من شعائر المذهب التي لا يرفع اليد عنها. فكيف يجتمع؟ مبحث مهم يجب الالتفات اليه.

انما تطرقنا الى الاولي والثانوي والاقسام الأربعة وكل قسم يمكن ان يكون ظاهريا وواقعيا فيصير ثمانية اقسام وتعرضنا الى هذا الشيء لأجل ان التزاحم عند الاعلام ليس علاجه اوليا. بل ثانوي. ثم ماذا؟ فيه نكتة. علاج ثانوي وليس اوليا.

طبعا التزاحم الذي علاجه ثانوي سيأتي فيه أنواع عجيبة. فيه التزاحم في عالم السياسة عند الحاكم. وفيه تزاحم في باب الواجبات العسكرية وهذا بحث آخر. مثل ان يفتي الفقهاء من الفريقين اذا تترس الكفار بالمسلمين فهذا لا يمنع قتال الكفار وان استلزم قتل المسلمين. هذا تزاحمات في الواجبات العسكرية وهناك واجبات امنية والتربية الدينية وهناك تزاحمات اشد واشد. تزاحمات ثقافية وهلم جرا.

هذا التزاحم الذي له بعد سياسي واجتماعي واقتصادي وفردي وهلم جرا علاجه ثانوي وليس علاجه اوليا. ما هو معنى الاولي الثانوي؟ عند الفقهاء الثانوية لا سيما في الحكم والتزاحم علاج حكمي. ثانوي وحكمي. هذه النكتة من اسرار مبحث الضد واهم من مبحث الضد. في عسائس وزوايا خفية من مبحث الضد. عندهم ان العلاج الحكمي مؤخر رتبة عن العلاج الموضوعي. هذا سر المهنة. يا أيها الحاكم السياسي لا تتوصل بالعلاج الحكمي بل حاول ان تتوصل بالعلاج الموضوعي لان العلاج الموضوعي احفظ للملاكات من العلاج الحكمي. هذه قاعدة عند الفقهاء ومن البحوث النخاعية في مبحث الضد.

ضابطة أخرى: العلاج الاولي مقدم على العلاج الثانوي. الثانوي يصورها الفقهاء وعلماء العلوم الدينية مسكّنا وليست علاجا جزرية واصلية. فلا تتوصل أيها الفقيه وايها الحاكم السياسي وايها المدير بالعلاج الثانوي. كل هذه المباحث من بحوث أصول القانون بامتياز.

الوقاية خير من العلاج الاولي. أيها الحاكم السياسي لا تأذن ان تصير الفتنة. ذكرت في معتمر في الصليب الأحمر الدولي في قم. ذكرت لهم خمس مؤاخذات واحدها انكم لماذا تجعلون الحروب تقع ثم ترفعون الرايات البيضاء. قوموا بشيء قبل وقوع الحرب. لماذا لا تدخلون في الوقاية.

مراحل هناك: الوقاية خير من العلاج الاولي والثانوي والعلاج الاولي خير من العلاج الثانوي. فتوى الفقهاء عبارة عن سياسة تربوية دينية للمجتمع. كما نقل عن السيد ابوالحسن الاصفهاني. كثيرا ما العوام بل خواص يظنون ان الفتاوى للتقية فتاوى أولية. والحال ان التقية ثانوية. لكن يظنونها أولية بل عقائدية. هذا خلط بين الفقهي والعقائدي. العقائدي رتبة مقدمة على الفقهي. فتاوى للتقية سواء المداراة في الفتنة او شيء خاص. لكن بعض الخواص تظنونها أولية. فضلا عن العوام. هذا المبحث من اسرار مبحث الضد.