الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ، مبحث الأوامر، مقدمة الواجب

 

كان الكلام في ادلة الملازمة بين وجوب ذي المقدمة مع وجوب المقدمة الشرعي والدليل الأول ما يذكر عن الاشاعرة وهذا الدليل مشترك وهناك بعض الأصول المشتركة وان تعدد المرام المذهبي لكن بين المذاهب الإسلامية أصول مشتركة وقواعد مشتركة فمن ثم يتعرض اليها كما ان الحال كذلك مع الملل والنحل الأخرى، هناك أيضا أصول مشتركة إنسانية في الملة الابراهيمية مثلا او ما شابه ذلك او مع الفلاسفة في بعض الأصول العقلية. نعم تصنيم الفلسفة وتصنيم النتاج البشري فيه كلام وجعل قدسية الوحي له ليس بصحيح اما وجود أصول مشتركة مع الفلسفة او مع العرفان البشري او مع الملل والنحل الأخرى او مع الصوفية ليس فيه أي اشكال. نعم الترويج وتصنيم الاباطيل فيه كلام اما صرف الاستدلال ليس فيه

نوع إشكالية وترويج والمقصود ان هذا سيرة القرآن وسيرة النبي وسيرة الأئمة علیهم‌السلام
وهذه نكتة لازم ان نلتفت اليها ان ذكر الاستدلال والتعرض له من المذاهب الأخرى والملل الأخرى هذه سيرة الباري تعالى في قرآنه وسيرة سيد الأنبياء وسيرة الأئمة وما في البين نوع من التوتر او التشنج. الترويج مطلب اخر اما التعرض لجهات مشتركة لا كلام فيه. مثل ما يقال ان الحكمة ضالة المؤمن.

فاستدل الاشاعرة انه لو حكم الشارع بجواز ترك المقدمة ليستلزم من ذلك امتناع وجود المقدمة. يعني من جهة يرخص الشارع في ترك المقدمة وهذا يتناقض مع ايجابه ذي المقدمة الا ان يقيد وجوب ذي المقدمة بوجود الصدفة او الاتفاق للمقدمة واذا يوجد المقدمة فيجب ذو المقدمة والا ترخيصه في الترك يستلزم امتناع ذي المقدمة. هذا محصل كلام الاشاعرة.

ولكن اجيب عن هذا الاستدلال بان المقدار اللازم في وجوب ذي المقدمة هو القدرة على المقدمة وليس المقدار اللازم في وجوبه وجود المقدمة والمقدار اللازم في المقدمة هو الوجوب الشرعي للمقدمة.

ثلاث شقوق في البين: وجوب ذي المقدمة كالصلاة يتوقف على القدرة عليها ولا يتوقف على وجود المقدمات مثل الوضوء. كلامنا في وجوب الصلاة وليس في أداءها. وجوب الصلاة يتوقف على القدرة على الصلاة وليس يتوقف على وجود الوضوء. متى يوجب الشارع علينا الصلاة؟ لا يقال اذا وجد الوضوء كالزوال. ليس كذلك. الوضوء ليس بمثابة الزوال. فوجوب الصلاة لا يتوقف على وجود الوضوء ولا يتوقف على وجوب الوضوء وانما وجوب الصلاة يتوقف على القدرة على الصلاة. هذه ثلاث شقوق وكلامنا في وجوب الصلاة وليس في الصلاة نفسها. لا نخلط بين وجوب الصلاة وأداء الصلاة. هذه النكات جدا مهمة في معمعة البحوث الفقهية في الجمع بين طوائف الروايات المتعارضة او التزاحم هذه النكات جدا مهمة ان الانسان يدقق بين وجوب الصلاة وأداء الصلاة.

اتفاقا أحد الأساتذة ارسل الي سؤال بنفس النكتة الصناعية: لماذا ذكرت الولاية ضمن مجموعة الصلاة والحج والزكاة وبعض الأحيان الصيام في كثير من الروايات المتواترة وان قدمت عليهن وذكرت انها مفتاحهن لكنها بالتالي ذكرت في مجموع الصلاة والزكاة والحج او ربما ام رابع او خامس. لم تذكر الولاية في ضمن الفروع وألا يدل ذلك ان الولاية من الفروع؟ الجواب عن ذلك نفس النكتة ان هنا الصلاة ذكر في مجموع وجوب الصلاة او مجموعة أداء الصلاة؟ بل وجوب الصلاة ووجوب الصلاة من أصول الدين وذكر ذلك الفقهاء لمن يشتغل بكتاب الصلاة في المسألة الأولى في كتاب الصلاة وكتاب الحج والزكاة والصيام. ان وجوب الصلاة غير الصلاة ووجوب الصلاة من أصول الدين ومعتقد وانكاره اشد من ترك الصلاة. عندهم انكار وجوب الصلاة يخرج من الدين اما ترك الصلاة لا يخرج من الدين بل لو اتى بالصلاة منكرا لوجوب الصلاة من باب ان الله عزوجل يعطينا الرياضات الروحية مثلا او الطاقات الروحية فهذا يخرج من الدين. فاذا انكار وجوب الصلاة في اول الصلاة وانكار وجوب الحج والزكاة والصيام والجهاد هذه اركان الفروع ليست هي الفروع. فهنا الولاية ذكرت في مجموع وجوب الصلاة والحج والزكاة وهذه اركان الفروع ومن أصول الدين. طبعا في الولاية السياسية كأداء الولاية يمكن ان تمرد من سياسة اميرالمؤمنين سلام الله عليه او سياسة الامام الحسن. هذا ليس كإنكار الولاية بل تمرد كترك الصلاة بل اشد. مع ان هنا الولاية ليست الامامة. معرفة الامام والولاية دون معرفة الامام وهذه نكتة أخرى وجواب آخر للسوال. فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمونك فيما شجر بينهم...» هذه ولاية الرسول وغير الاعتقاد بالرسول. مع انها أيضا من أصول الدين لكنها دون معرفة الامام. لذلك في زيارة العاشوراء «يا اباعبدالله اني اتقرب الى الله عزوجل والى رسوله والى امير المؤمنين والى فاطمة والى الحسن واليك بولايتك» لاحظ ان الولاية مقدمة للامامة. هي مقدمة لمعرفة الامام والايمان والتصديق للامام والايمان فوق الولاية. الولاية وظيفية أصولية من الامام والامامة فوق الولاية. أيضا هذه نكتة أخرى وجواب آخر للبحث. هذه مداقات ضرورية والا يصير خلطا.

هنا أيضا كذلك. لماذا يدقق الاصوليون؟ على أساس ان لا يشتبه الباحث. في العقائد اخطر من الاشتباه في البحوث الفقهية. وجوب الصلاة متوقف على القدرة على الصلاة والقدرة على ذي المقدمة لا القدرة على وجوب المقدمة ولا القدرة على وجود المقدمة. كما ان الكلام في وجوب الصلاة وليس في أداء الصلاة. طبعا أداء الصلاة متوقفة على أداء الوضوء لكن الكلام في وجوب الصلاة لا الأداء. هذه النكات لابد ان يلتفت اليه الانسان بين حكم الشيء وأداء الشيء. هذا هو الدليل الأول وليس بتام.

نعم لو منع الشارع من الوضوء هذا صحيح لانه مع امتناع المقدمة يعجز عن القدرة على الصلاة وهذا بحث آخر. كلامنا في الرخصة وجواز الترك من حيث نفسها لا عقلا من جهة أداء الصلاة.

الدليل الثاني الذي استدل به صاحب الكفاية او قبله وهو اننا نشاهد في الأبواب الفقهية أوامر تعلقت بالمقدمات الشرعية «اذا قمتم للصلاة فاغسلوا بوجوهكم» وان كنتم جنبا فاطهروا وتيمموا صعيدا طيبا» والتراب طيب والصعيد طيب. هذه فائدة وتحفة لطيفة ان الصعيد طيب. «جعل لي الأرض مسجدا وطهورا» فكيف بك بمن يطهر التراب؟ «طيب الله بك التراب» طيب التراب زيادة بجسد الحسين وهذا شيء عظيم. الطيب الذي يأتي التراب من جسد الحسين شيء آخر.

فاذا هناك أوامر تعلقت بالمقدمات وظاهرها الوجوب الغيري. طبعا هذه الأوامر في المقدمات الشرعية على مبنى الميرزا النائيني وهنا لم يتعرض السيد الخوئي بمبنى النائيني. صاحب الكفاية يحمل الأوامر على الوجوب الغيري. السيد الخوئي يقول ان هذه الأوامر لا يدل على الوجوب الغيري الشرعي وكلامه متين من زاوية ويقول هذه الأوامر هي ارشاد الى الشرطية كما ان عندنا للاجزاء ولا نحملها على الامر النفسي التكليفي كذلك الأوامر في الغسل والوضوء محمول على الارشاد الى شرطيتها. هذا مبنى السيد الخوئي. فيه كلام في توضيح هذا المطلب وسنرجع.

الاخوند يحمل الأوامر على الوجوب الغيري الشرعي اما السيد الخوئي يحملها على الارشاد. اما الميرزا النائيني عنده نظرية أخرى. طبعا كلام السيد الخوئي هو كلام اغا رضا الهمداني والميرزا الكبير في السامرا.

الميرزا النائيني يرى ان الأوامر بالمقدمات «اغسلوا وجوهكم...» و«فتيمموا» وغيرها شرعية تكليفية مولوية نفسية ضمنية حرفية. اذا ليس ارشادا. شرعية وليست ارشادية وهي مولوية ونفسية وليست غيرية. وهي ضمنية حرفية.

هذا المبنى يلتزم به الميرزا النائيني لا في كل المقدمات بل في خصوص المقدمات الشرعية لا المقدمات العقلية او العادية. وما ذهب اليه الميرزا الكبير او الهمداني او السيد الخوئي ان الارشاد لا ينافي دعوى الميرزا النائيني. الارشاد الى الشرطية او الجزئية «اقرؤوا ما تيسر من القرآن» الشرطية عند الاعلام وان هو ليس مبنانا ان الشرطية منتزعة من الوجوب النفسي المتعلق بالصلاة. فالشرطية او الجزئية يعني ان لوجوب النفسي الكل يتعلق بجسم الصلاة وينبثق من مركب الصلاة بكله فينتزع من كل جزء جزء من المركب الشرطية والجزئية. فبالتالي الشرطية والجزئية هل تنتزع من مجموع المركب او من بعض المركب؟ بل بعض المركب. البعض في حال ظرف انه مركب. بالتالي ان الجزئية تنتزع من الوجوب الضمني من الكل. الضمني يعني من الكل. اذا نفسي وليس غيريا. من نفس وجوب الصلاة. وجوب الصلاة وجوب لكل مركب الصلاة فهذا الوجوب الذي يتعلق بكل مركب الصلاة ينبسط بانبساط المركب فيتعلق بكل جزء جزء من المركب. فهو وجوب النفسي ويتعلق بالجزء ضمنيا وشرعي وليس ارشاديا وتعلقه بالجزء اسميا. لكن تعلقه بالشرط حرفي. باعتبار ان الشرط ليس جزءا داخليا في المركب. هو وجوب نفسي لكن لا يتعلق نفسا واسما. احد معاني النفسية في مقابل الغيرية ولكن فيه وجوب نفسي بمعنى اسمي في مقابل النفسي الحرفي. تعلق الوجوب النفسي بشيء حرفيا لا ذاتا. لان التقيد بالشرط مأخوذ في المركب. بدليل لا صلاة الا بالطهور. الباء تقييد بينما الصلاة ثلثها الركوع وثلثها السجود وكذا داخل المتن. فاذا فرق الجزء والشرط ان الشرط تقيده والتضييق الذي يحدث في المركب مأخوذ. فتعلق الشرط بالصلاة تعلقا حرفيا وبهذا المقدار من التعلق يتعلق به الوجوب النفسي للكل. فالشرط يسري اليه الوجوب النفسي الضمني في مقابل الكل من الكل. وجوب النفسي الضمني المولوي بنحو حرفي. فرق بين الحرفي و الغيري. الوجوب النفسي الضمني الحرفي نفسي وليس غيريا. الغيري يترشح بشكل ماهية مباينة للنفسي. فاذا محصل كلام الميرزا النائيني في خصوص المقدمات الشرعية ان المقدمات الشرعية لا العقلية يتعلق بها الوجوب النفسي لذي المقدمة تعلقا حرفيا وهذا الكلام متين ولا غبار عليه وهو معنى الارشاد. لان المرشد اليه الشرطية والشرطية عندهم ليس مجعولا بذاتها فاذا المجعول هو الوجوب النفسي الضمني. فاذا مبنى الميرزا النائيني صحيح بل من ادلته نظرية الارشاد التي تبناها الميرزا الكبير والمحقق الهمداني وغدا نتعرض الى كلام الاخوند.

نكتة أخرى اذكرها واختم ان المعروف عند النجفيين قبل سبعين عاما والاعلام ذكروا ذلك ان أصول الميرزا الكبير في باب الطهارة وباب الصلاة طبقها حرفيا آقا رضا الهمداني في مصباح الفقيه والدور الأولى للسيد الخوئي في بحث الخارج كانت تدريس السيد السيد الخوئي في بحث الخارج على كتاب الطهارة من مصباح الفقيه لآقا رضا الهمداني وكذا كتاب الصلاة. غير الدورة الثانية في الطهارة الصلاة باحثها على العروة اما الدورة الأولى كانت على كتاب مصباح الفقيه. سبب عكوف النجفيين آنذاك للطبقة البعد من آقا رضا الهمداني وهو تقريبا في عرض الاخوند والسيد اليزدي وشيئا متقدم طبقة على النائيني. بسبب انه طبق أصول الميرزا الكبير وكانوا يركزون عليه من هذه النكتة. وشيء مرتب وتريد ان تطبق الأصول في الفقيه. لكن الفقه له ابعاد عديدة واحد الابعاد ذكرها.