الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/03/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ مقدمة الواجب

كان الكلام في الثمرات للوجوب الغيري الشرعي للمقدمة. احد الثمرات من باب التدقيق في الصناعات الأصولية والفقهية هي صحة العبادة بناء على الوجوب الغيري الشرعي لمطلق المقدمة، تكون العبادة فاسدة اما بناء على وجوب خصوص المقدمة الموصلة سوف تكون العبادة صحيحة طبعا فيما كانت المقدمة محرمة.

ما هو المثال: مثاله وجوب الصلاة المزاحم للإزالة الفورية من المسجد او انقاذ الغريق او واجب اهم آخر. فهنا اذا بني على ان الواجب هو خصوص المقدمة الموصلة ستصح العبادة واذا بني على ان الواجب هو مطلق المقدمة سيستلزم بطلان العبادة، بناء على مقدمتين ومسألتين اصوليتين.

المسألة الأولى ان ترك الضد مقدمة للضد الاخر والمسألة الثانية اذا بني على ان الامر بالشيء يقتضي النهي التبعي او الغيري عن ضده. فيستلزم حينئذ ان النهي يتعلق بالعبادة باعتبار انه ترك انقاذ الغريق او إزالة النجاسة فاشتغل بالصلاة فالنهي عن الصلاة يسبب فساد العبادة. كيف يختلف الحال بين المقدمة الموصلة ومطلق وجوب المقدمة؟

فيما اذا كانت المقدمة هي موصلة فقط، ترك الصلاة مقدمة لإنقاذ الغريق فالترك الصلاة الموصل مقدمة اما بقية تروك الصلاة ليست مقدمة لإنقاذ الغريق. فإذا عصى ولم ينقذ الغريق وصلى فقد ارتكب تروك أخرى للصلاة ليست مقدمة لإنقاذ الغريق لأن ترك الصلاة الذي هو واجب غيري خصوص الموصل يعني الذي يتعقبه انقاذ الغريق والمفروض انه عصى انقاذ الغريق او الواجب الأهم كإزالة النجاسة من المسجد فبالتالي ترك الصلاة الموصل لا ينطبق على إتيان الصلاة لان هذا الاتيان للصلاة مخالفة لترك الصلاة الاخر والمفروض ان المقدمة هو خصوص الترك الموصل والامر بترك الصلاة الموصل يقتضي النهي عن الصلاة في ترك الصلاة الموصل فلم يكن في البين نهي لان أداء الصلاة ليس مخالفة لترك الصلاة الموصل وانما هو مخالفة للترك المطلق للصلاة. عندنا اداءات للصلاة والتروك للصلاة. خصوص الترك الموصل لإنقاذ الغريق هو الواجب وبقية تروك الصلاة ليست بواجبة. فالامر بالشيء وهو ترك الصلاة يقتضي النهي عن ضده. خصوص الترك الموصل هو الواجب وليس مطلق الصلاة فتكون صلاته صحيحة بناء على هذه المقدمات ولو هذه المقدمات تعتمد على مسائل غالب المتاخرين لا يقرون بها، لكن لو تمت هكذا يكون

هذا تطبيق تدقيقي في صناعة الفقه والأصول. وهذه ثمرة ذكرت.

ثمرة أخرى ذكرت لوجوب المقدمة هي بر النذر وذكرناها انه على قول القائل ان بر النذر ليس ثمرة حقيقية. وتعرضنا الى اجتماع الامر والنهي مفصلا والاجرة على الواجبات بناء على الوجوب وثمرة صاحب الكفاية والاشكال عليه والدفع عن الاشكال.

ثمرة أخرى ذكرت انه بناء على الوجوب الغيري الشرعي يمكن في المقدمات التي هي عبادة قصد الوجوب الغيري وبالتالي يحقق القربة ويصحح نية القربة في المقدمات التي هي عبادية بخلاف اذا لم يكن الوجوب شرعيا لا يتسنى هذا الطريق لتحقيق النية العبادية. هذه ثمرة بسيطة.

اشكل عليها بان العبادة لا تتوقف على نية الوجوب الشرعي. طبعا عند مشهور القدماء ان قصد الوجوب لازم وهو الصحيح وحررناه لكن لا ان اصل العبادية متوقف عليها بل العبادية الكاملة متوقف عليها. لماذا؟ لانه صحيح ما يقوله متاخروا هذا العصر ان كل عمل يضاف الى الله تعالى عبادة وهذا صحيح وما عليه غبار. اذا ما نحتاج الى قصد الوجوب. هكذا قال المتاخرون.

لكن رغم ما يقولون ان كل إضافة الى الله عزوجل في العمل تحقق العبادة وذكر الله مع ذلك لا يتم ما قالوه من عدم لزوم قصد الوجوب. المتقدمون يقولون ان في نية القربة تحتم بقصد الوجوب وقصد الامتثال. الذي يقوله القدماء صحيح وان الذي يقوله متاخروا الاعصار صحيح أيضا من زاويتين.

من زاوية ان أي إضافة الى الله عزوجل يحقق العبادية صحيح ما يقوله المتاخرون لكن هل هذا يحقق العبادية الكاملة؟ لا، المطلوب هو العبادة الكاملة.

اليوم أكملت لكم دينكم. اما الدين الناقص محو لهوية الدين. تحوير لحقيقة الدين. بحر العلوم رحمة الله عليه يستدل بالاية الشريفة «أكملت» بلزوم تقارن الشهادة الثالثة مع الشهادتين حسب هذه الآية الكريمة وضرورة الدين. اشهد ان عليا ولي الله. هذا اكمال الدين وليس الشريعة. الدين الناقص تحوير ومسخ لهوية الدين اما الدين الكامل هو الدين وفي اللغة فرق بين أكملت واتممت بالدقة العقلية اللغوية. لان الاتمام هو مثل وضع الآجر مع بعضها البعض الى ان يتم الجدار. لا يقال اكمال الجدار بل يقال إتمام الجدار. لان الآجر لا يتغير مع ضم بعضها البعض فيقول اتممت الجدار اما الجنين الذي يتبدل من نطفة الى علقة الى عظام، ثم كسونا العظم لحما لا يقال إتمام بل اكمال لان هوية الشيء يخرج من شيء الى شيء. فالدين الناقص هوية أخرى. لذلك يعبر عنه القرآن خلقا آخر. لا انه جزء بل شيء يختلف. مثل التوحيد بدون النبوة هوية أخرى وليس توحيدا. يسمى المشركين والمشركون نجس. فالاكمال خروج الشيء من طور الى طور آخر. «قالوا امنا قل لم تؤمنوا بل قولوا اسلمنا». ما أتيتم بشيء من الايمان بل اسلمتم وهذا شيء آخر ظاهري وإمارة ظاهرية قد تصيب الواقع وقد تخطئ والله يشهد ان المنافقين لكاذبون. الواقعي فقط هو الايمان. الصدق والكذب هو اللاوجود والوجود. آية ثالثة ورابعة وخامسة في القرآن نظام حقيقة الإسلام والايمان. كما يقول مشهور علماء الامامية ونحن ديننا المشهور وليس غير المشهور. والمهم المتسالم عليه.

المقصود أكملت غير اتممت. العبادة الكاملة غيرها منسوخة. فكمال العبادة ليس مجرد الإضافة الى الله يكفي لان أي آمرية من الله تقتضي من العباد خضوعا وعدم التمرد. امر الشارع في قبال كل امر يجب ان يكون هناك انقياد وخضوع من العبد. لا يكفي فقط الإضافة من الله. فالصحيح هو الجمع في نية العبادة كمال العبادة بين قصد الوجوب والاضافة الى الله وهذه التفرقة في ان بعض الشروط شروط القبول وبعض الشروط شروط الصحة لا يتم في خصوص العبادات وفي خصوص الولاية علميا وصناعيا. بغض النظر عن ان المتسالم عليه ربما بمنزلة المتسالم عليه ان الولاية شرط الصحة في العبادات. لو دردشنا علميا شرط القبول في العبادة وخصوص نية القربة في العبادة شرط القبول فيها لا يمكن ان ينفك عن شرط الصحة لان نية القربة يعني ينوي بما يمكن فيه قابلية القبول. اما الشيء الذي ليس فيه قابلية القبول لا يمكن التقرب به. فسواء علينا كدردشة علمية ان الولاية شرط القبول او شرط الصحة فالولاية شرط روح العبادة وهي نية القربة فمن دون الولاية في النخاع الشوكي في العبادة وهي نية القربة من دون الولاية هذا التقرب تبعد من الله وليس تقربا. ليس فقط البطلان بل هو تبعد من الله. هذه النكات الصناعية يجزلها صناعة علم الأصول. المقصود الصحيح ما قاله المتقدمون من قصد الوجوب والاضافة اليه تعالى.

هنا وجوب المقدمة يقصد وجوبها؟ الصحيح ان العبادة في المقدمات الثلاث آتية من امرها النفسي بها. وليس من الامر الغيري. اذا قصد الامر الغيري نور على نور لكن الصحيح ان عباديتها من الامر النفسي. حتى في النوم عندنا من يتكاسل عن التوضؤ يتيمم. لكن لا يستبيح بها الصلاة.

ثمرة أخرى للوجوب الغيري للمقدمة حصول الفسق بناء على ان المقدمة واجبة بالوجوب الغيري الشرعي يحصل الفسق بخلاف اذا لم نقل بالوجوب الغيري الشرعي فلم يحصل الفسق.

اشكل ان الفسق يحصل من التكرار او الإصرار. فبترك الوجوب الغيري الواحد كيف يحصل الفسق؟ الا ان تفرض مقدمات كثيرة مثلا او بالتالي حتى المقدمات الكثيرة فيه اشكال آخر ان العقوبة انما تترتب على الواجب النفسي فالواجب الغيري ليس عليه العقوبة ولو كان شرعيا. هكذا ذكر الاعلام.

لكن يمكن التأمل في ذلك. اذا بني على ان الواجب الغيري شرعي ولو ليس عليه العقوبة النفسية. الصحيح في باب التجري والانقياد. باب التجري والانقياد انصافا مبحث اصولي فقهي كلامي أخلاقي كبير. والغوص فيه مهم. المهم ان الصحيح كما ذهب اليه صاحب الكفاية ان التجري كله حرام عقلا وشرعا. لا نقول كبيرة بل حرام. التجري مطلقا حرام عقلا وشرعا ويحصل بمجرد المقدمات ولو لم يصل به الامر الى مخالفة الواجب. التجري في نفسه حرام نفسي وليس غيريا. كما ان الانقياد راجح نفسي. فيه اقوال وبينهم مناوشات علمية معقدة كبيرة بين صاحب الفصول وصاحب الكفاية وبين الشيخ الانصاري وحقيقة كلام الشيخ الانصاري ما هو مبحث طويل الذيل. مبحث التجري والانقياد مبحث كثير الثمار في علم الأصول وعلم الفقه وعلم الاخلاق وعلم الكلام. التجري مطلقا حرام نفسا عقلا وشرعا. ما ورد من العفو ليس مفاده عدم الحرمة بل مفاده العفو. مثل الظهار حرمة معفو عنه لكن حرام. مثل رفع القلم في موارد. مبغوض لله وفيه مفسدة لكن لا تكتب العقوبة الى ثلاث ساعات او ثلاث أيام. المقصود ان في بحث التجري ذكر الاعلام حتى لو لم نقل بالحرمة يسلم ان التجري يتحقق بارتكاب اول المقدمات. الان التجري هل يحقق الفسق يعتمد على الموارد والابواب.

سواء قلنا بالوجوب الغيري للمقدمة عقليا او شرعيا. اذا كان شرعيا تشتد الجرعة لكن متى يتحقق الفسق طبعا يعتمد على العناء والإصرار والتكرار. على كل هذه الثمرة تعد او لا تعد ترتبط بهذه الجهات والبحوث.

البقية نواصل في اللاحق.