45/03/09
الموضوع: باب الالفاظ، مبحث الأوامر، مقدمة الواجب
... الاقوال في مقدمة الواجب يعني مقدار الواجب من مقدمة الواجب شرعا وفيه تلازم بين المقدار العقلي والمقدار الشرعي.
كنا في كلام صاحب الفصول حيث ذهب هو واخوه الى ان الواجب هو المقدمة الموصلة ومر ان عنوان الموصلة ليس قيدا للواجب ولا هو قيد للوجوب. فحينئذ هذا القيد ليس من نمط القيود التي مرت بنا في تقسيمات القيود في مقدمة الواجب. هذا نوع آخر يختلف عن قيود الوجوب ويختلف عن قيود الواجب. واهمية البحث في مقدمة الموصلة هو التعرف بمثل هذا النمط من القيود.
من ثم لم ندخل في تفاصيل النقض والابرام بين الابرام وكل تلك الإشكالات تعتمد على ان هذا القيد قيد اصطلاحي قيد واجب اصطلاحي او قيد الوجوب والحال انه ليس كذلك يعني لا تترتب عليه جل آثار قيد الواجب وكل اثار قيد الوجوب فهذا القيد من نمط آخر. كما سيأتي تقسيم الواجب الى الواجب الأصلي والتبعي. هذا نوع من الواجب سيأتي. على كل تقسيمات القيود جدا مهم في الأبواب الفقهية وهي مدار الرحى في الاستنباط كما مر بنا من الواجب المطلق والواجب المعلق والواجب المنجز والواجب المشروط بالشرط المتأخر فنمطية القيد مؤثرة في الاستنباط.
مر بنا في بحث المعنى الحرفي ان هذا القيد من نمط آخر وهنا يبلور اكثر ان هذا القيد ليس نمط قيود الواجب ولا من قبيل قيود الوجوب. فثم إما يكون منبعثا من الملاك وضيق الملاك او انه عنوان مشير كما قالوا او انه قيد من قبيل القضية الحينية او من قبيل متمم الجعل ونتيجة الجعل كما يقول الميرزا النائيني. فاذا ليس هو من قبيل قيد الواجب. هذا لتصوير مدعى صاحب الفصول واخوه ان المقدمة ليست مطلقة بل خصوص حصة الموصلة.
والمؤاخذة التي نسجلها على مدعى صاحب الفصول او من يتبنى على هذا المبنى ان هذا القيد من قبيل حكمة الحكم وحكمة الحكم ليس بالضرورة ان تكون القيود المنبعثة منها قيود اصطلاحية يعني مضيقة. فهذه هي عمدة المؤاخذة.
من ثم من يتبنى القول بالمقدمة الموصلة في تصويرها من جهة لا يريدون ان يصوروها قيدا اصطلاحيا ومن جهة لا يريدون ان يقول المقدمة المطلقة فيصير في حيث وبيس.
يتضح هذه المؤاخذة التي قلنا ان هذا القيد ليس قيدا اصطلاحيا من خلال بعض الثمرات التي ذكرت في بحث المقدمة الموصلة لان هذا البحث بغض النظر عن بحث مقدمة الواجب لها ثمرات؛ منها ان كانت المقدمة محرمة فهنا بناء على المقدمة الموصلة انما يرخص في المقدمة التي هي محرمة في خصوص ما كان من المقدمة موصلة الى ذي المقدمة يعني ما يتعقبه ذو المقدمة مثلا افترض انقاذ الغريق والدخول في الأرض الغصبية، فاي مقدار من الدخول في الأرض الغصبية مرخص فيه؟ فيما كان الدخول متعقبا بإنقاذ الغريق او المحاولة بانقاذ الغريق او التصدي له، اما لو كان في الدار الغصبية ولا يتعقبه انقاذ الغريق تلك المقدمة لا يرخص فيه وتبقى علي حرمته. لم؟ لان المقدار الواجب من مقدمة الواجب على مبنى صاحب الفصول هو المقدمة الموصلة. بخلاف ما قيل ان المقدمة والمقدار الواجب من المقدمة هو مطلق المقدمة فحينئذ اذا توسط الدار الغصبية ولكنه لم يتصدى لإنقاذ الغريق تلك المقدمة واجبة لان المقدمة الواجبة مطلقة وليس حصة خاصة. هكذا قرر ولكن يمكن التأمل في هذه الثمرة والفرق.
قبل ذكر التأمل؛ اصل تحرير البحث هنا المزاحمة بين وجوب المقدمة او بين ذي المقدمة؟ جل الاعلام المتاخري العصر نقحوا وقرروا المزاحمة بالدقة ليس بين وجوب المقدمة وحرمة المقدمة. وجوب المقدمة وجوب غيري وحرمة المقدمة قد تكون حرمة نفسية فالمزاحمة ليست بين وجوب المقدمة وحرمة المقدمة وانما بين حرمة المقدمة ووجوب ذي المقدمة وهو انقاذ الغريق. فالمزاحمة بين حرمة التوسط في الدار الغصبية ووجوب انقاذ الغريق. غالبا ان لم يكن دائميا التزاحم في باب المقدمة يلاحظ بذي المقدمة وهذه نكتة صناعية مهمة ان التجاذب والاهمية والمهم انما تلاحظ بلحاظ ذي المقدمة وليس بلحاظ المقدمة نفسها. هذا هو الذي قرر في التزاحم.
فاذا هكذا قرر في التزاحم حينئذ من الواضح ان في باب التزاحم الضرورات تقدر بقدرها سيما بناء على الترتب فمتى يرخص في ترك الحرمة؟ اذا امتثل الأهم. في باب الترتب وسيأتي بحثه في بحث الضد بنى الاعلام الترتب بين المتزاحمين يقدم الأهم على المهم فيكون ترك المهم سائغا اذا امتثل الأهم اما اذا لم يمتثل الأهم ولا امتثل المهم أي مسوغ له لترك المهم، فمن ثم يقولون ان العاصي بترك الأهم والمهم يعاقب عقابين. مع انه ليس لديه القدرة على امتثال الامرين، فكيف يعاقب على الامرين؟ لماذا لا يعاقب على الأقل على الأهم او على الجامع بين الأهم والمهم؟ لماذا يعاقب بعقابين على الامرين؟ يقولون وإن لم تكون له القدرة على امتثال الامرين لكنه لديه القدرة على ترك العصيانين. فالعقوبة على الجمع بين التركين وليست العقوبة على ترك الامتثالين جمعا. ما اريد ان ادخل فيه لان البحث سيأتي في الترتب. ان العقوبة ليست على ترك الامتثالين لان مجموع الامتثالين لا يمكن له لكن يستطيع الجمع بين التركين. هذين التركين محل قدرته فيعاقب عليهما. خلاصة انه ترك المهم لاجل امتثال الأهم لا لاجل وجود الأهم وهذا في الترتب سيأتي. اذا كان الحال كذلك وهذه نكتة لطيفة في باب الترتب في بحث العقوبات والجزاء من بعد عقائدي ان الانسان قد لا يكون قادرا على جمع الامتثالين لكنه قادر على ترك العصيانين فيعاقب عليهما. فاذا ترك المهم متى يرخص فيه؟ لا بوجود وجوب الأهم بل بامتثال الأهم فاذا لم يكن في البين امتثال الأهم فلا يرخص فيه في ترك المهم. متى يرخص له في ترك المهم؟ اذا امتثل الأهم. اذا امتثل انقاذ الغريق يرخص له في توسط الدار الغصبية اما اذا لم يمتثل انقاذ الغريق لا يرخص له التوسط في الدار الغصبية. اذا لم يمتثل الأهم فوجوب الأهم لا يزحزح رعاية المهم. نفس وجود وجوب الأهم لا يزعزع المهم. الا في صورة امتثال الأهم. امتثال الأهم شبيه بالموصلة وعين بحث الموصلة. اذا هنا نكتة الترتب في التزاحم هي مؤثرة لا ان المقدمة وجوبها خصوص الحصة الموصلة. لانه مثلا اذا ترك الأهم هل وجوب الأهم ينتفي؟ لا ينتفي لكنه لابد له ان يراعي المهم لكيلا يجتمع عليه عقابان. فهنا من باب أن الضرورات تقدر بقدرها اضيقّ مرخصية الأهم للمهم. تضيق ترخيص الأهم في المهم او ترخيص المهم لأنه من باب الضرورات تقدر بقدرها لا من ان وجوب الأهم غير موجود، بل موجود. فاذا هذا الشاهد لا يصلح للقول بالمقدمة الموصلة وانما هذا من باب التزاحم ان الضرورات تقدر بقدرها. نعم في موارد التزاحم النتيجة في الترخيص العقلي شبيه القول بالمقدمة الموصلة وان لم يتبنى الباحث المقدمة الموصلة. يعني ان المرخص فيه في المقدمة هو خصوص المقدمة الموصلة لا ان الواجب هو المقدمة الموصلة فقط. و من ثم احد الشواهد التي استدل بها صاحب الفصول او السيد الخوئي ان المولى يستطيع ان ينهى عن كل مقدمة الا المقدمة الموصلة هذا من باب التزاحم. عندنا حرمة المقدمة وعندنا وجوب المقدمة. في باب التزاحم ان المقدار الذي يرفع الحرمة عنه هو خصوص المقدمة الموصلة من باب ان الضرورات تقدر بقدرها والترتب لا من باب ضيق وجوب المقدمة او ضيق وجوب ذي المقدمة. هذا لا يصلح دليلا لصاحب الفصول. بالتالي في التزاحم انت راعيت الأهم او راعيت المهم حتى لو راعيت الأهم لا يعني ان المهم ليس بواجب. ان شاء الله سيأتي. خلافا لمدرسة الميرزا النائيني منهم السيد الخوئي ان التزاحم لا يزحزح احد الواجبين او الوجوبين. ان كان يزيل، فيزيل الاثار العقلية للوجوب وليس يزيل اصل الوجوب. احد المباحث التي فيها الثمرة بين مبنى المشهور خلافا لمبنى الميرزا النائيني وتلاميذه الى اليوم لان الميرزا النائيني رحمة الله عليه رعاية التزاحم شبيه لمعالجة التعارض وهذا ليس صحيحا ابدا. التزاحم يزيل الاثار العقلية للوجوب، التنجيز واستحقاق العقوبة. لا انه يزيل اصل الوجوب. حتى في اجتماع الامر والنهي انه على مبنى من مصاديق التزاحم. هناك الميرزا النائيني يدرجه في التعارض خلافا للمشهور يدرجونه في التزاحم والتزاحم لا يزيل اصل الوجوب.
فاذا في باب مقدمة الواجب هنا ان التزاحم ليس كاشفا عن ضيق وجوب الأهم ولا عن ضيق وجوب المقدمة. انما المرخص في المقدمة ومراعاة المقدمة وترك المهم فيما اذا امتثل الأهم اما اذا لم يمتثل الأهم جمع بين العصيانين لهذه النكتة. نعم في التزاحم بعبارة أخرى خصوص الموصلة هي المرخصة فيها والا اذا لم يمتثل ذي المقدمة فسيكون جمعا بين العصيانين ومر بنا انه يصح العقوبة على الجمع بين العصيانين وهو مقدور عليه ويعاقب بعقابين. النكتة مهمة ان بحث الموصلة في التزاحم يراعى واصل فكرة الموصلة فكرة او صياغة صناعية ذكية لبحث حلحلة مشكلة التزاحم كذلك في الحقيقة في التعارض. اصل فكرة الموصلة هي فكرة صياغة صناعية حلال المشاكل في الموارد العديدة. لانها ليست قيدا اصطلاحيا انما قيد من نمط آخر. يمكن ان يعالج تجاذبات وتدافعات بين الأدلة من دون ان يكون قيدا اصطلاحيا. لانه اذا كان قيدا اصطلاحيا يصير اشكالا.
امثلة أخرى مهمة. وان كان هذا ليس دليلا لصاحب الفصول. ذكروها كثمرة للقول بالمقدمة الموصلة لكن الصحيح ان صياغة المقدمة الموصلة صياغة صناعية مهمة تعالج التدافعات بين الاحكام سواء بنحو التزاحم او بنحو التعارض او بنحو التوارد او انحاء أخرى في التجاذب بين الاحكام وادلة الاحكام واثار الاحكام. أي تدافع بين الاحكام صياغة المقدمة الموصلة صياغة معالجة لا ان هذه الموارد دليل على المقدمة الموصلة. لذلك هناك بحث التخيير بين الامارات بين الخبرين المتعارضين. كيف تصوير التخيير؟ او التخيير في تقليد الفقهاء عند تساوي الدرجة العلمية او عدم التساوي لكنه لا يعلم أي منهم اعلم؟ المشهور يذهبون الى التخيير لا الى احوط الاقوال. هذا التخيير في الحجج في باب التعارض او أبواب أخرى بحث صياغة المقدمة الموصلة صياغة معالجة وليس دليلا على المقدمة الموصلة.
ان شاء الله سنواصل.