الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/ مقدمة الواجب /أدلة القول بالمقدمة الموصلة

 

كنا في مبحث المقدمة الموصلة ومر ان مراد الاعلام من الموصلة ليس بنحو القيد او العنوان التقييدي او العنوان التعليلي مع ان العنوان التعليلي او التقييدي له اصطلاحات ومعاني عديدة وهذا هو الذي يحيّر البحث في كثير من الأبواب الفقهية لان التقييدية لها معان وكذلك التعليلية وليست على وتيرة واحدة وهذا امر يحتاج الى تثبت كثير في الأبواب. مع ذلك هنا المراد من هذه المقدمة الموصلة ليس هو المعاني التقييدية ولا المعاني التعليلية بل المراد كما مر هو العنوان المشير او قل ما يأخذ في القضية الحينية لا القضية الشرطية. يفيد مفاد القضية الشرطية لكن بدون ان تتحول القضية الى الشرطية او كما يعبر الميرزا النائيني نتيجة التقييد او ضيق الملاك او متمم الجعل وقد بات المفروض واضحا في علم الأصول والفقه ان المركب لا تستفاد كل اجزاءه وشرائطه من الأدلة الخاصة بل كثيرا ما يستفاد من الأدلة العامة بل يستفاد من الأدلة المباينة صورة لان متمم الجعل ليس له ارتباط تركيبي في الظاهر والصورة مع الجعل الأول بل قبيل المتقارنين لكنهما ملاكا شيء واحد وبينهما وحدة الملاك ووحدة المسير في الأداء والامتثال وسقوط الامر. هذا لم يبت شيئا غريبا وشاذا لا سيما ان مدرسة النائيني في النية العبادية ان اخذ قصد القربة ليس من الجعل الأول بل من جعل مستقل ثان. وجود النية العبادية في العبادات من قبيل تقارن الواجبين لكن لبا هما ملاك واحد وشيء واحد.

الان ننظر هذه العبارات من الآجلة والفضلاء لكنه غفلة عن هذا المسلك. كما يقول بحر العلوم ويؤكد على هذا المطلب انه وإن كانت الأدلة الخاصة في الاذان والإقامة غير دالة على الشهادة الثالثة لكن الارتباط بين الشهادتين والشهادة الثالثة ماهوي لان الدين اكمل بالشهادة الثالثة فهي بحسب الأدلة العامة والجة. نقل هذه الابيات صاحب الجواهر. فلم يكن تحديدها بحسب الأدلة الخاصة او بحسب الأدلة التي فيها مفاد الشرطية او الجزئية بل بحسب المفاد لا الجزئية ولا الشرطية لكنه دخيل في الصحة. كما ان النية العبادية دخيل في عبادية العبادة وهي ركن للعبادة واصل ماهية العبادة بالنية العبادية لكنه عند كثيرين غير مأخوذة بلسان الجزئية ولا الشرطية.

الشيخ جعفر كاشف الغطاء يقول لا معنى ان نقول ان النية جزء او شرط لانه ليس في عداد الأجزاء والشرائط بل هي روح العبادة. فلاحظ هذه النية التي هي قوام العبادة وهي ما فوق الركن والصورة النوعية للعبادة مع ذلك يقول النائيني لم تأخذ في الأدلة الخاصة بل بجعل مستقل صورة مباين لكنه لا يعني انه غير دخيل في المركب بل هي اشد شيء دخالة حسب كلام الميرزا النائيني. على كل هذه نكتة صناعية سواء في المقدمة الموصلة او الأبواب الفقهية الأخرى انه لا تنحصر بالادلة الخاصة او الأدلة التي لسانها الجزئية او الشرطية. حتى لو كانت الأدلة ليست بلسان الجزئية او الشرطية لكنه دخيل صميميا في المركب. شبيه ما عبر الامام الكاظم او الباقر علیهما‌السلام في رواية معتبرة ان اعظم طهور الصلاة الولاية. هذا صريح على ان الولاية شرط للصحة لا القبول. على أي حال روايات كثيرة متواترة في ذلك.

هنا الاستثمار لبحث العنوان المشير او القضية الحينية او ضيق الملاك او متمم الجعل وابواب عديدة أخرى. والكلام هنا في المقدمة الموصلة عند صاحب الفصول او أخيه الشيخ محمد تقي «حال الايصال» هذا قيد كبقية القيود؟ ليس كذلك. بل هو عنوان مشير. يعني يفيد ضيق المقدار الواجب من المقدمة لذي المقدمة. هذا محصل المدعى. فليست قيدا. كثير من إشكالات النائيني في هذا المثال او صاحب الكفاية على قول صاحب الفصول في المقدمة الموصلة يرجع الى تصور ان المقدمة الموصلة اما قيد واجب اصطلاحي او قيد الوجوب. مع انها ليست قيدا للواجب ولا للوجوب. فلا ترد هذه الإشكالات. هذا ليس قيدا اصطلاحيا. فبالتالي لا ترد هذه الأمور. هذه جملة من الاستدلالات الناقدة لكلام صاحب الفصول.

صاحب الفصول استدل بانه لو نهى الشارع عن افراد المقدمة واستثنى الموصلة لما كان في ذلك تناقض ولا تنافي ولا تعجيز للمكلف عن المجيء لذي المقدمة. في هذا الاستدلال أيضا جملة من إشكالات النائيني او صاحب الكفاية أيضا مبني على ان القيد الموصلة قيد اصطلاحي. والحال ان مراده ليس هذا بل شيء آخر وبالتالي لا ترد.

نحن لا نوافق النتيجة لصاحب الفصول لكن المقصود الان الموازنة بين الكلمات فقط موازنة اجمالية فيما هو صلب البحث. فجملة من الإشكالات التي استشكل عليه ليس في محله.

احد الإشكالات على صاحب الفصول هو ان الشارع اذا نهى تصير المقدمة محرمة ويبقى الموصلة فقط غير منهية عنها فهي تكون واجبة. هذا جمع بين رعاية الحرام يترك من افراد المقدمة ويرتكب خصوص ما ليس بحرام. هذا ليس شاهدا لصاحب الفصول بل شاهد على ان الجمع مهما امكن أولى من الترجيح او الطرح. هذه القاعدة ليست فقط في باب التعارض. الفقهاء والاصوليين عندهم هذه القاعدة في باب التزاحم. لان باب التزاحم رعاية الأهم والتفريط في المهم. عدم التفريط أولى من التفريط لان الترجيح فيه تفريط للمهم. فاذا هذا من باب رعاية الامرين وليس دليلا على صاحب الفصول. كلامنا في نفس الوجوب كيف هو.

الاستدلال في قبال استدلال صاحب الفصول على عموم المقدمة ان الغرض من المقدمة هو التمكن من ذي المقدمة. طبعا صاحب الفصول واخوه المحقق التقي يدعون ان الغرض ليس التمكن بل الغرض في الحقيقة هو الايصال لا التمكن. إيصال المقدمة الى ذي المقدمة. السيد الخوئي يدعم هذا الاستدلال بشواهد. شاهد من الشواهد يقول الا ترى في الأجزاء الداخلية كالقرائة والركوع والسجود والركعة الأولى متى تقع الركعة الأولى والثانية على صفة المطلوبية ومصداق الواجب؟ اذا تعقبها الركعة الرابعة. والا اذا لم تتعقب الرابعة للثلاث لا تقع الركعات الأولى والثانية والثالثة على صفة الوجوب. فاذا الركعة الأولى او الركوع والسجود ليس بطبيعتها المطلقة مطلوبة بل المطلوب منها الطبيعة المحصصة ان يقع بالاقتران ببقية الأجزاء والركعات. كيف الأجزاء الداخلية هكذا انها ليس مطلق الركوع ومطلق السجود ومطلق الركعة الأولى و الثانية والثالثة بل لابد من وقوع الركعة الرابعة. تمام الأجزاء اذا اجتمعت فتكون كل الأجزاء بصفة الوجوب وهذا دليل على ان المطلوب من الأجزاء والركعات ليس الطبيعة المطلقة منها بل الطبيعة المحصصة والمضيقة.

استدراك للاصطلاح اذكر لكم: العراقي عنده اصطلاح ثان عن العنوان المشير والقضية الحينية ومتمم الجعل وضيق الملاك وهو يعبر بالحصة التوأمية. يعني الركعة الأولى ليست مطلوبة مطلقا بل الحصة من طبيعي هذه الركعات التوأمة والمتقاربة مع الركعة الرابعة. يعبر عنها الحصة التوأمة. نفس المعنى للعنوان المشير. سبعة اصطلاحات للاعلام حول هذا العنوان الاستثنائي المتميز عن القيود.

حينئذ يستدل السيد الخوئي ان الركعات ليس بطبيعتها المطلقة مطلوبة. اتفاقا الميرزا النائيني في موضع عنده هذا البيان لكن هنا في نهاية المطاف في مقدمة الواجب لم يرتض كلام صاحب الفصول وبنى على كلام صاحب الكفاية ومطلق المقدمة.

استدلال آخر يذكره السيد الخوئي وربما يذكره صاحب الفصول انه لو اتى بالمقدمة فهذا الاتيان للمقدمة او الركعة الأولى كمثال آخر لا يكون امتثالا الا مع مراعاة تعقب الركعة الرابعة او في المقدمة الخارجية انها تقع على صفة الوجوب بمراعاة تعقب الصلاة خلفها. أي وضوء مطلوب؟ الذي تتعقبه الصلاة. والا اذا توضؤ وأحدث لا يكون على صفة الوجوب. هذا يدل على ان المقدمة مطلوبة على صفة خاصة كما في الأجزاء. هذان استدلالان لمدعى صاحب الفصول.

ولكن يمكن الخدشة اجمالا في هذه الاستدلالات والنقض والابرام دعما لكلام صاحب الكفاية والنائيني: مبدأيا هذا العنوان والقيد المتميز الاستثنائي عن طبيعة القيود نقر بوجوده ولا ننكر ولكن يحتاج الى ظروف معينة وابواب معينة وادلة معينة. هل هناك ملجأ للالتجاء اليه ام لا؟ القياس على الأجزاء الداخلية أيضا فيه كلام. هل تام او غير تام؟ لان الأجزاء الداخلية مقيدة بقيد اصطلاحي. من قال ان الأجزاء الداخلية من باب الحصة التوأمة. القياس عليها ليس في محله. اذا ما له ربط. القياس بالمقدمة الخارجية مع المقدمة الداخلية مع الفارق.

من ناحية ثالثة مبدأيا كما مر لا كلام في إمكانية هذا القيد الغريب سواء موصلة او الأمثلة الأخرى. هذه السبع اصطلاحات للعنوان الاصطلاحي التبايني مع كل القيود نقر به ولا ننكر امكانيته لكن هل هنا حاجة ملجأة اليه؟ كبرويا لا ننكره لكن في المقام هل هناك من ملجأ اليه؟ كلامنا في هذا.

فالنقطة الأخرى التي تسجل على القضية الموصلة ان الغايات القريبة او البعيدة للواجبات كونها لا بد ان تكون نتيجتها نتيجة التقييد ولو لم تكن تقييدا هذا محل الكلام. مثال: الان المعاملات فلسفة التشريع في المعاملات مذكور بحسب الوحي وبحسب كلام الفقهاء والمتكلمين ان فلسفة المعاملات تهيئة الأرضية والفراغ الانسان للعبادات. كما ان فلسفة القضاء والاحكام والحدود والقصاص والديات تهيئة الأرضية بلا فوضة وبلا تشنجات في المعاملات. سواء في الدين او القوانين الوضعية. هذه نكتة مهمة التسلسل في الأبواب. أيضا فلسفة العبادات القرب الإلهي والمعرفة الإلهية. هكذا ذكر وصحيح. لكن هل يعني ان المعاملات ان لم يتعقبها العبادات غير صحيحة وغير مطلوبة؟ ليس هكذا. لب اللب انها تسرب في تهيئة العبادات صحيح. لب كل العبادات بحسب الأدلة هو الولاية والتقرب الى النبي واهل بيته لكن التقرب الى النبي لا بما هم آلهة والارباب بل بما هم وسائل مخلوقة للقرب الى الله والنهاية طبعا القرب الى الله. لكن العبادات في الحقيقة هدف الصلاة بالنصوص القرآنية الكثيرة الدالة عليها ان هدف العبادات عندنا الوصول الى أرضية نتأهل بها لشفاعة النبي ويأخذنا الى ربه. الآخذ بنا الى الله هو سيد الأنبياء واهل بيته والا نحن بإيماننا واعمالنا لا نستطيع الوفود الى الله. شبيه زيارة العاشوراء «يا اباعبدالله اني اتقرب الى الله والى رسوله» لا بما هو إله او رب «الى اميرالمؤمنين والى فاطمة» اذا لم تكن لفاطمة ولاية ولا حجة كيف تقحم في القربة «والى الحسن واليك» فالقرب الى النبي واهل بيته وسيلة وطريق كنية عبادية للوصول الى قرب الله تعالى. شبيه ان سجود الملائكة لآدم لا بما هو إله ولا بما هو رب بل بما هو قبلة يعني يستقبلون به الى الله. فالتوجه الى الله من دون النبي واهل بيته ممتنع خلافا للصوفية وخلافا للعرفاء والفلاسفة. هذا مبحث من المباحث التي بلورتها عظيمة ووقفنا على آيات مذهلة في هذا المجال.

المقصود هذا المطلب. في عمق التوجه العبادي تتوجه الى النبي واهل بيته. لذلك افتى كل علماء الشيعة في اول الصلاة التوجه الى النبي واهل بيته. لابد ان تكون التوجه بتوسط النبي واهل بيته الى الله تعالى. هذه فتوى متفقة عليها والنصوص الى ما شاء الله. «ولو انهم اذ ظلموا انفسهم وجاءوك» بدون ان تتوجه الى النبي ما تقدر ان تستغفر وان تصلي. هذا البحث طويل ولذيذ وفيه نكات بديعة كلها قرآنية وروائية. حتى بحسب الموازين الأصولية. هذه تسلسل في العبادات. الاحكام والايقاعات والمعاملات والعبادات والعبادات فيها درجات. لكن لو تخلف الغاية هل الواجب لم يتحقق؟ هل الملاك اضيق؟ لا. هذا من قبيل حكمة التشريع. يعني المؤاخذة القوية لنا على كلام صاحب الفصول والعراقي والمحقق التقي والسيد الخوئي ان هنا جعل حكمة التشريع جعلوها قيدا استثنائيا لم يرد عليه إشكالات النائيني وصاحب الكفاية لكن يرد عليه هذا الاشكال. حكمة الحكم وحكمة التشريع وجوب المقدمة لذي المقدمة لا انه يضيق. للكلام تتمة ان شاء الله نواصلها.