44/11/24
الموضوع: الالفاظ، مبحث الأوامر، مقدمة الواجب
كان الكلام في مبنى الشيخ الانصاري في ما هو الواجب في مقدمة الواجب وكان مبناه انه لابد من قصد التوصل وبالتالي توجيهه هكذا ان الواجب لابد ان يكون محل إرادة للمكلف فلابد ان يقصد فيه التوصل الى ذي المقدمة فما قصد به التوصل الى ذي المقدمة يكون واجبا.
اشكل عليه الاعلام ان مناط المقدمية وهو التهيئة والتمهيد لذي المقدمة موجود في كل المقدمات سواء قصد التوصل ام لم يقصد. بعبارة أخرى ان المقدمية حيثية تعليلية وليست حيثية تقييدية. لان الشيخ يقول ان الواجب عنوان المقدمة وعنوان المقدمة يعني يقصد بها التوصل فاذا لم يقصد به التوصل لم يحقق به الواجب. رد الاعلام يعني صاحب الكفاية والنائيني ان عنوان المقدمية ليس عنوانا تقييديا بل عنوانا تعليليا.
عنوان التعليلي والتقييدي بحث مهم في المعاملات والعبادات وله عدة معان ربما الفلاسفة عندهم خمس اصطلاحات في معناه والعرفاء كذلك عندهم اصطلاحات والتقابل له خمس تقابلات.
احد المعاني واصطلاحات الفقهاء هو هكذا ان الحيثية التقيدية يعني انها يقصد وقصدية مثل عنوان ظهرية الظهر وضرب الطفل تأديبا عنوان تقييدي فبعض العناوين تقييدي. كذلك في باب المعاملات مثلا عنوان الذي يوجب تباين المبيع الذي عين في العقد عن الذي يقبض يعبرون عنه العنوان التقيدي مثل الاختلاف النوعي مثل الحنطة مع الرز عنوان تقييدي. بعض العناوين تعليلية في المعاملات مثل الشرط المنضم الى العقد فتخلفه لا يوجب بطلان البيع او بعض الشروط من قبيل الاوصاف. المقصود ان بحث التعليلي والتقييدي يستعمل في معان عديدة. فلابد من التثبت.
مثلا احد المعاني في الفقه والأصول هو وحدة المطلوب وتعدد المطلوب. أيا ما كان هذا الاصطلاح يستعمل بمعان عديدة جدا سواء في الأصول او الفقه او العلوم العقلية.
ههنا رد الاعلام ان عنوان المقدمية حيثية تعليلية وليس حيثية تقييدية ومقصودهم انه ليس حيثية تقصد والمقدمية علة طرو الوجوب الغيري على الذات الخارجية للمقدمة وليست حيثية تقييدية تقصد. هذا كلام الاعلام في رد الشيخ.
المرحوم الاصفهاني حاول يوجه مبنى الشيخ الانصاري وهذه تدقيقات بعضها اشبه بالهزلقات العقلية والدقية وبحوث جدوائية قوية. فيه تمرين في الدقة. المباحث التي يذكرونها اهم من نفس المبحث المرحوم الاصفهاني يقول ان يمكننا ان ندافع عن كلام الشيخ الانصاري . الوجه الأول في الدفاع ان كل الحيثيات في الاحكام العقلية تقييدية. وإمكان التقييدي والتعليلي في الاحكام الشرعية اما الاحكام العقلية كلها طرا تقييدية. سواء في العقل النظري او العقل العملي فمثلا في العقل العملي يضرب الطفل للتأديب ففي الحقيقة الحسن للتأديب وليس للضرب نفسه. مثلا الضرب لاجل العدوان لقبح العدوان لا الضرب نفسه فالتعليلات الموجودة في الاحكام العقلية حيثيات تقييدية يعني انها هي موضوع الحكم ومتعلق الحكم في الحقيقة.
هنا كلا الاعلام ليس في قيود الوجوب بل كلامهم في قيود الواجب ان الحكم العقلي بالوجوب يتعلق باي واجب فيدعي الاصفهاني ان القيود في متعلق حكم العقل كلها تقييدية. مثلا في العقل النظري ﴿لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا﴾ او استحالة الشيء للتسلسل والدور ان المستحيل هو الدور والتسلسل بالذات وبقية الأمور مستحيلة بالتبع وليس بالذات. ففي العقل النظري القيود تقييدية لا التعليلية.
لازلنا في هذا المجال ان كلام الاعلام في قيود متعلق الحكم لا قيود الوجوب وموضوع الحكم بمعنى المتعلق. هذا كلام المرحوم الاصفهاني. هذا المبحث بغض النظر عن المقام حساس وخطير والمقام ليس بتلك الخطورة وهذا المبحث يترتب عليه تداعيات في أبواب الأصول وابواب المعارف والعقائد. اذا عنوان المقدمية عنوان تقييدية لانه قيد في الحكم العقلي. فلامحالة لابد من قصد التوصل لان عنوان المقدمة وليس المعنون بالمقدمة فلامحالة لابد من قصد التوصل. هذا توجيه المرحوم الاصفهاني.
له توجيه آخر ان الوجوب انما يتعلق بالفعل الاختياري لا الفعل الغير الاختياري والاختيار هو فيما اذا كان صدر ذات المقدمة عن الإرادة ويلحظ فيها ذي المقدمة يعني ان الانسان يريد المقدمة بلحاظ ذي المقدمة لا بلحاظ نفسها فبالتالي الحصة الواجبة عقلا من الوجوب الغيري هو الفعل الاختياري والارادي ويريد الانسان المقدمة للوصول الى ذي المقدمة. هذا استدلال ثاني.
الاعلام اجابوا عن كلام الاصفهاني. انه في الاحكام العقلية نقبل ان الحيثيات طرا تقييدية لكن تطبيقه في المقام ليس في محله لان الكلام في الحكم الشرعي لا الحكم العقلي.
هنا فائدة ثمينة بغض النظر عن المقام. هل الحكم العقلي العملي او النظري حيثياته كلها قيود وحيثيات تقييدية؟ مبحث آخر مهم في نفسه بغض النظر عن المقام هل الحكم الشرعي المستكشف بالحكم العقلي يأخذ مقاسات وقالب الحكم العقلي طابق النعل بالنعل أم لا، ليس ضروريا ان يأخذ حدوده والنائيني يصر انه ليس ضروريا. العقل كاشف في الجملة يعني عن اصل الحكم الشرعي اما الحدود الشرعي لا يجب ان يتابع حكم العقل البشري. لان العقل البشري قد يستكشف حقيقة بحدود قدرة ادراكه. هذا مبحث في نظرية المعرفة بغض النظر عن علم الفقه. استكشاف العقل لحقيقة لا يعني ان الحقيقة حدودها بحدود ما ادركه العقل. العقل مثلا يدرك وجود الباري لكن لا يدرك كنه الباري تعالى. يدرك الشيء لكن لايدرك تمام الشيء. هذه نكتة مهمة في نظرية المعرفة ان العقل يدرك الشيء لكن ليس من الضروري ان يدرك تمام الشيء وتمام الحقيقة. هذه قاعدة ثالثة بغض النظر عن المقام. هل العقل عندما يكشف لشيء هل يكشف كل زوايا الشيء. هذا في نفسه مطلب مهم.
الميرزا النائيني حاول ان يستفيد من هذه القاعدة الثالثة قاعدة رابعة وهي ان العقل اذا يكتشف اصل الحقيقة ولا يكتشف كل زوايا الشيء ليس من الضروري ان يتابع الشارع حكم العقل بكل حدوده لان العقل ادرك كل الحقيقة بتمام زواياه. ولابأس به ومتين.
الكلام ليس في الاحراز. قد يقال ان المقدار الذي نحرزه من الحكم الشرعي بمقدار ما احرز من الحكم العقلي. الكلام في الاحراز شيء والكلام في واقع الحكم الشرعي شيء آخر.
عند الميرزا النائيني بيان لطيف يستخدم في المجالات العديدة. نفس القاعدة الرابعة ببيان آخر. تارة يبين القاعدة الثالثة ان العقل يدرك اصل الشيء ولا يدرك كل زوايا الشيء. والقاعدة الرابعة لها بيان آخر. وهو انه ربما الشارع ملاكه يغاير ملاك العقل. ملاك العقل ملاك تبعي وهامشي بالنسبة الى حكم الشرع. ربما الشارع يحكم بحكم العقل وهذا الملاك العقلي ملاك لكن عند الشارع ما هو اهم ومغاير. غاية ما نستكشف بقاعدة الملازمة وجود الحكم الشرعي اما ان مناط الحكم الشرعي عين مناط الحكم العقلي ليس بالضرورة. قد يكون للشارع مناط آخر اضبط واثبت.
البيان الأول كان في تبعية الشرع للعقل في اصل الحكم لا في كل حدوده وكل زواياه. لان العقل يدرك اصل الشيء لا زواياه. البيان الثاني يقول مناط العقل مناط عند الشارع لكن قد لا يكون عمدة في الحكم وركنا في المناط والملاك.
من ثم الميرزا النائيني في قاعدة الملازمة لا يقبل ان الحكم الشرعي مطابق للحكم العقلي النعل بالنعل. يقول نعم نستكشف الحكم الشرعي اما حدوده ومناطه امر آخر. يعني كانما تلازم اثباتي وثبوتي في الجملة لا انه تلازم عيني واقعي وثبوتي. هذا تفسير لقاعدة الملازمة ان اصل الاكتشاف في الاثبات والاستكشاف الثبوتي في الجملة لا بالجملة. يفيد هذا المبحث في موارد عديدة. من احد الاثار التي يرتبه الميرزا النائيني عليه مثلا اذا انتفى الحكم العقلي وشككنا ان الحكم الشرعي ينتفي او لا؟ يسوغ الميرزا النائيني اجراء الاستصحاب لانه لا علم ان الحدود الحكم الشرعي بعين حدود الحكم العقلي فنستصحب بقاء الحكم الشرعي. فحكم الشرعي أوسع اثباتا من الحكم العقلي. هذا خلاصة كلام الاعلام في رد المرحوم الاصفهاني.
قبل ان ننتقل الى المطلب الاخر هذه الكبرى التي ادعاه الاصفهاني هل هي صحيحة في العقليات؟ ليس صحيحة. لان هنا المراد من التقييدية ليس بمعنى المناط بل المراد منها هو القصدية وانه لابد ان يقصد هذا اين من بحث الحيثية التقييدية في احكام العقل. هذا اختلاف الاصطلاح. فظاهرا صار خلطا في الاصطلاحات.
اضف الى ذلك ان التعليلية في احكام العقل بمعنى ان بعض العلل علة حدوثا ولا حاجة لبقاءها خلافا للتقييدية يعني يكفي في علية العلة الحدوث. في المعقول بحثوا هذا المطلب انه يمكن ان يكون الشيء سبب حدوث الشيء لا البقاء اما ان يكون كل سبب سببا للحدوث والبقاء. مثلا الحرارة في جسم آخر بسبب النار. اذا نطفئ النار يبقى الحرارة. هذه مؤاخذة أخرى على الكبرى. هذه الكبرى مهمة بغض النظر عن المقام والسيد الخوئي وتلاميذ الكمباني قبلوا بها تماما. والحال انه عجيب ان المرحوم الاصفهاني كان خريطا في الفلسفة. كان مدرس الأول في الفلسفة والمدرس الأول في علم الكلام كان المرحوم العراقي. طبعا بجانب انهم كانوا فقهاء ومدرسي الفقه والأصول.
أيضا مؤاخذة أخرى ذكرناها في العقل العملي على هذه الكبرى التي ادعاها الاصفهاني رحمة الله عليه. وهي ان الاعلام ذكروا ان احكام العقل العملي القانونية المرتبطة بالافعال العملية بالضبط منظومتها منظومة القوانين الاعتبارية العقلائية والقوانين الاعتبارية الشرعية. بعبارة أخرى ان لغة التصور القانونية والمبادئ التصورية للقانون الوضعي او الشرعي او السماوي والعقلي «مناشئ القانون ثلاثة العقل والعقلاء والشرع» واحدة وموحدة. عندما نقسم الحكم الشرعي بالوضعي والتكليفي والظاهري والطريقي والواقعي كلها موجودة في القوانين العقلائية والعقلية العملية. لا ان التقسيمات عندهم تغاير العقل. هذا مبحث يرتبط باصل الاعتبار لكن في نفسه جدا مهم. هل اللغة موحدة؟
اذا قلنا ان اللغة موحدة ليس معناها ان الشارع يتبع البشر في القوانين. مثلا الشارع اتى القرآن بلغة عربية لا يعني انه احكام العرب الجاهلي. او نزلت الصحف السماوية الأولى بلغة سريانية لا يعني انه اخذ احكام السريانيين واعرافهم الخاطئة. اللغة التصورية والوحدة في اللغة التصورية لا تعني الوحدة في التصديقات. مع ان في التصورات أيضا فيه اختلاف بين الوحي والعرف والعقل. هذا مبحث مهم في الظهور. احد الاعمدة في حجية الظهور هو هذا المبحث.
اذا وحدة اللغة التصورية القانونية بين الاحكام الوضعية البشرية والاحكام الشرعية ليس بمعنى التبعية. فرق بين الاشتراك في اللغة التصورية وبين الاشتراك في التصديقات. مبحث حساس جدا. وذكروه الاعلام في عسائس بحوث الأصول لكن هو فلسفة علم الأصول وفلسفة التشريع. كثير من الوسط الداخليين الحوزويين يشتبهون. الوحدة في التصور ليست مأة بالمأة.
هنا أيضا نقول اللغة العقلية التصورية عند الفلاسفة تشترك مع اللغة العقلية في القرآن والوحي. لا التصديقات والمباني والا لو لم تكن بين الوحي والفلاسفة لغة مشتركة كيف يحاجج الله الدهريين والملحدين. وان يكن هكذا لا يحصل التفاهم بين الفريقين. احتجاجات القرآن والمعصومين على الدهريين ومدارس الفلسفة المختلفة بلغة مشتركة والا لا يحصل التفاهم. نقول ان الفلسفة فيها خطأ ونتاج بشري وفيها غص وثمين لكن لغة تصورية لابد من الاطلاع عليها. كذلك العرفان والصوفية لكن لابد ان تعرف لغة القلب ولغة الروح. كل هذه الاصطلاحات عند الصوفية في الأصل موجودة في ادعية الأئمة علیهمالسلاموحدة اللغة لا يعني امضاء انحرافاتهم. فلنميز بين اللغة التصورية واللغة التصديقية ولا يمكن ان نكفر باللغة التصورية. لايمكن ان نعرف عوالم الملكوت والعقلية باللغة الاجتماعية من ابن خلدون بل لابد من اللغة العقلية المعارفية. اقصد لنفرق بين اللغة التصورية الادراكية والتصديقات.
الختام: ان التقسيمات الموجودة في حيثية تقييدية وتشريعية في الاحكام الشرعية لامحالة موجودة في الاحكام العقلية. بسط ا لبحث موجود في خاتمة العقل العملي وقاعدة مهمة.