الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/11/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ، مبحث الأوامر، مقدمة الواجب

كان الكلام في عبادية الطهارات الثلاث وتقدم ان الاعلام يبدون أربعة او خمسة وجوه وهذه الوجوه كما مر بعضها تعالج المشكلة في بعض الحالات دون الحالات وبعضها تعالج في بعض المراحل دون مرحلة التشريع يعني ان العلاج الذي تتبنى عليه السيد الخوئي علاج في مرحلة الامتثال وليس علاجا في مرحلة التشريع بينما الكلام في تصوير العبادية في مرحلة التشريع أيضا كما ان الاعلام بحثهم في التعبدي والتوصلي ليس بحسب الامتثال فقط بل التعبدي والتوصلي بحسب التشريع أيضا فعلى أي تقدير فكيف التصوير؟

طريق العلاج كما مر اختياره في بحث التعبدي والتوصلي ان تعبدية العبادة خلافا لما اشتهر عند المتأخرين او المقدمين ووفاقا لجملة من الاعلام وعبادية العبادة ذاتية كما في الركوع والسجود وليس خاصا بالركوع والسجود. وليست عبادية العبادة في الأصل والدرجة الأولى ناشئة من الامر المتعلق بها ولو ذاتا ونفسا. هذا هو الصحيح في كل العبادات ولو لم تكن الفعل ذاتي العبادة لما تعلق به الامر العبادي، لا ان العبادي هو الذي يكسب الفعل والمتعلق عبادية باخذ قصد الامر او ما شابه ذلك. الصحيح ان العبادية في الدرجة الأولى هي ذاتية يعني ان الفعل في نفسه وذاتا وماهية ووجودا فيه إضافة اليه تعالى ولو بوسائط فهذه هي العبادة الذاتية كما ان الركوع والسجود لله عبادة ذاتية وليس مجرد الانحناء والقيام بين يديه عزوجل حتى في الصوم وتروك الصوم والجهاد والحج والزكاة فيها إضافة ذاتية وتؤمّن منشأ العبادية في كل العبادات.

في الدرجة الثانية والمضاعفة والزائدة عبادية أيضا آتية من الامر يعني مضافا الى كون الركوع عبادة ذاتية انه لابد من خضوع العبد علاوة على خضوعه في ذات الركوع لابد من خضوعه تجاه الامرية الصادرة من المولى ولو متعلق بالركوع العبادي فلا بد من قصد الامر خلافا لمشهور المتاخري الاعصار.

مشهور القدماء قالوا نكتة مهمة أصولية وفقهية وما تعرضنا اليها سابقا ان القدماء قالوا الإضافة التكوينية الى الله تعالى او الإضافة الذاتية في الفعل لا تكفي بل لابد من قصد الامر. في الامر التعبدي قصد الامر والخضوع الى الامر لابد منه وهذا هو الصحيح خلافا لمشهور متاخري الاعصار انهم قالوا المهم عبادية وليس لازم ان يكون انطلاق العبد من الامر الخاص من المولى.

مر بنا في بحث التعبدي ان فيه تعبدي بسيط وتعبدي مركب. التعبدي المركب يعني ان الفعل في نفسه إضافة ذاتية وزيادة على ذلك انه لابد ان يأتي بقصد الامر وزيادة على ذلك قصد الامر نفسه لا بأمر آخر. يعني لابد من قصد الامر لكن أي امر؟ خصوص هذا الامر والا لا تتحقق العبادية. مثلا الاغسال من اغتسل بقصد غسل الجمعة امتثل وتعبد بالامر الخاص بغسل الجمعة لكنه لم ينو غسل التوبة او غسل الزيارة يكون هذا الغسل امتثالا لامر غسل الجمعة ولا يكون امتثالا لامر الزيارة وانما أداء وليس امتثالا. هذا نوع من تصوير التوصلية الممتزجة مع التعبدية. مر بنا في بحثه ان التعبدي درجات.

اجمالا في الدرجة الأولى لابد من إضافة ذاتية في نفس الفعل والدرجة الثانية لابد من التعبدية الآتية من الامر الخاص وحينئذ تصوير التعبدية الآتية من الامر الغيري او الاتية من الامر الضمني النفسي الحرفي لا مانع منها لكن ليست هي مغنية عن التعبدية الموجودة في ذات الوضوء والطهارات الثلاث من حيث الإضافة اليه تعالى وثانيا لابد من التعبدية الآتية من الامر النفسي والامر النفسي المتعلق بالوضوء والغسل والتيمم.

اتفاقا هذا احد الأدلة على عبادية الغسل مطلقا وانه مقدمة للصلاة وعباديته ذاتية أولا وثانيا من الامر الخاص به وبعد ذلك يطرء الامر النفسي الحرفي او الامر الغيري. اما قصد التوصل فهو عبادية لابأس بها لكن في مقام الامتثال ولا تغني حتى في مقام الامتثال عن العبادية الذاتية الموجودة في الفعل وعن قصد الامر. القدماء عندهم هذا التشدد في التعبدي انه لابد من التعبدية الثنائية المنطلقة عن الإضافة الذاتية في الفعل والعبادية المنطلقة من قصد الامر المتعلق بذات الفعل. الان يقصد الامر الغيري والامر الضمني والاوامر الأخرى لا مانع منها وزيادة على الثواب. يقصد زيادة على الصلاة الطواف و الزيارة وقرائة القرآن لا مانع منه. هذا زيادة في العبادية والتعبد وتحقق العبادية لكن لا بمعنى انها تغني عن العبادية الثنائية التي مرت بنا. التي هي في الإضافة الذاتية في الفعل والعبادية الآتية عن الامر الخاص بذات الوضوء وذات الغسل وذات التيمم. فالصحيح ان عبادية الطهارات الثلاث هكذا. بقية الوجوه تصوير العبادية لكن ليست مغنية عن هذه العبادية الثنائية التي مرت تقريبها مفصلا في التعبدي والتوصلي.

كذلك القصد الإجمالي اذا به قصد العبادية الثنائية لامانع.

يبقى مطلب واحد في البحث. في قاعدة القصد الإجمالي ان السيد الخوئي وجماعة جزموا انه في القصد الإجمالي اذا كان جاهلا بالامر النفسي المتعلق بذات الوضوء والغسل فلا يكون القصد الإجمالي قصدا لذلك الامر. هذا مثال والا البحث اعم. مرت بنا صور ثلاث. اذا كان يحتمل الامر النفسي لا بأس اما اذا كان جاهلا او معتقدا بالعدم لا يمكن ان يقصدها بالقصد الإجمالي. هذا دليل على عدم أجزاء القصد الإجمالي. هذا ليس فقط في باب الطهارات الثلاث بل في أبواب كثيرة.

الصحيح ان هذا التفصيل ليس صحيحا ان المكلف اذا قصد اجمالا وان جهل بل وان اعتقد بعدم الامر النفسي فضلا عما لو جهل فالصحيح ان القصد الإجمالي يصحح العبادية ويصحح قصد الامر النفسي. كيف؟

مثالها في المعاملات هكذا شخص يشير الى متاع معين ليشتريه. الإشارة واضحة ويقول اريد تمن لكنه ليس تمن. فالان في بحث البيع او أي معاملة أخرى يقولون هنا تعارض بين الإشارة والتسمية. واقع الإشارة يشير الى متاع معين لكنه هو يظن ان هذا المتاع اسمه وعنوانه شيء آخر. فما الذي يحكم هنا؟ تحكم الإشارة او تحكم التسمية؟ البعض يفصل تفصيل آخر: اذ اكان الغرض الأصلي هو التمن وظن ان هذا تمن فهنا تقدم التسمية على الإشارة. لكن اذا اعجبه الشيء الخارجي لكن ظنها انها تمن فهنا الإشارة مقدمة على التسمية. فالمدار على ان الغرض الأصلي اين؟

اتيت بهذا المثال لان الاجمال يغني عن التفصيل في بعض الموارد. هو قاصد للتمن لكنه ليس تمنا بل شيء آخر لكن الغرض الأصلي هو الشيء الخارجي. او بالعكس. المقصود ان الاجمال يصيب الواقع وان هو في التفصيل نفى ان تكون.

مثال أوضح: قد يعرف الشيء بالاجمال ويجهل من وجه. وقد يقصد عدمه من وجه ولكن يقصده من وجه آخر. شبيه ما ورد في التوحيد ان كثيرا من البشر يؤمن بالله. اصل عدم الايمان نادر. حتى الملحدين هو يعترفون بالله من حيث ما يشعرون. في بعض الايات يدل على هذا. لسنا في صدد الخوض فيها. والذي ينكر الله ينكر وجها من الوجوه واسما من الأسماء. والقرآن أيضا يصرح انهم يكفرون بآيات الله بالدقة. والا الكفر مطلقا محال وليس ممكنا. انما هذا كفر بوجه من وجوه الباري تعالى

اذا الشيء قد يقصد بوجه وينكر بوجه او يقصد بالاجمال وينكر بالتفصيل وهذا لا يستلزم عدم قصد الشيء. هذا بحث مهم في المعاملات و الايقاعات والعبادات. يقصد الشيء فبالتالي ولو علم ان هذا قصد تفصيلي لما انكر. فاذا صرف عدم الالتفات الى الجانب التفصيلي لا ينفي تعلق القصد بالشيء ولو اجمالا. فالصحيح ان القصد الإجمالي يسبب قصد الشيء. وان جهل الشيء تفصيلا او قصد عدمه. هذه نكتة مهمة جدا في بحث العقليات كيف يمكن تصويرها؟ قصد العدم من وجه وليس قصد العدم للشيء من كل وجه. هذا بحث لطيف

شبيه ما مر بنا امس في الأصول اختيارية الفعل وقصد الشيء عنوانا هل فيه تلازم ام لا. امس مر بنا وان لم ننقح بنا. المرحوم الاصفهاني يصر عليه لكن هذا ليس تاما. اختيارية الفعل ليس من الضروري فيها الالتفات الى الشيء بكل عناوينه وكل وجوهه. سواء الفعل او جوهر مثل المتاع والسلعة. فاذا نفس المبحث اختيارية الفعل وقصد العناوين التفصيلية. فليس من الضروري في اختيارية الفعل قصد الفعل بكل عناوينه او قصد الشيء بكل زواياه وكل حيثياته. فالاختيارية لا تتوقف في الفعل على قصد الفعل بعنوانه التفصيلي وزواياه العديدة. الان هل هذا في النتيجة فعل اختياري بكل وجه وليس اختياري ببعض الوجوه. هذا المبحث تتكفله المباحث المنتشرة في العلوم المختلفة. والاختيارية في الجملة ان لم يكن بالجملة لا تتوقف على قصدية العناوين العديدة في الشيء او الفعل.

اجمالا هنا قاعدة ان الاجمال يصيب الشيء صحيحة والجهل بعناوين الفعل او قصد العدم لا ينفي تحقق القصد الإجمالي ان أصاب الشيء. هذا محصل الكلام. فيه تفصيل وفيه حيثيات لكن هذا امر آخر.

نفس هذا المبحث في الأصول هو بنفسه برهان ودليل على ان الطهارات الثلاث لها امر خاص ندبي. ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وان عباديتها ليست آتية ذاتا وابتداء من الخارج الامر الغيري او الامر بذي المقدمة بل آتية من نفسها. غاية الامر تلك الحيثيات مزيد للعبادية وليس منشأ حصريا. والأدلة استعرضناها ان الوضوء ذاتا مسحب كما اتفقوا عليه والغسل ذاتا مستحب والتيمم هكذا. غاية الامر اذا أراد الانسان ثوابات متعددة بلحاظ الغايات لابد ان يقصد الغايات لان الغسل حقيقتها متباينة بل الغايات متباينة وللثوابات لابد ان يصيب الامر الضمني النفسي الآتية من الغايات اما اصل استحباب الغسل حقيقة الغسل واحدة.

ستقول ان سبب الغسل غير الغايات وسبب الغسل متقدمة على الغسل. طبعا أسباب الغسل مختلفة لكن لا تسبب تباين ماهية الاغسال. هذا البحث معترك علمي في مبحث الغسل والاغسال. هل الاغسال متباينة او ليست ومتباينة بلحاظ سبب الاغسال او متباينة بلحاظ غايات الاغسال. معركة علمية. مبحث ضروري لمباحث خلل الغسل والعبادات .

الصحيح ان الغسل حقيقة واحدة ولها أسباب متعددة واثره واحد لكن غاياته متعددة . اذا اجتمعت عليك حقوق متعددة في الغسل فيجزيك غسل واحد. تثاب عليها. ذكرت لكم مثال نصوص واردة انه يغتسل أيام التشريق في منى وسأله الراوي هل هذا سنة خاصة مثلا مثل غسل يوم العيد فقال لا انما اغتسلت من العرق يعني الطهارة والنظافة. ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين. من ثم لا نتوقف نحن عند أسباب الغسل ان الرواية سندها صحيح او ضعيف لا نحتاج اليها لان الغسل ذاتا مستحب وكل غسل يغني عن الوضوء واي غسل افضل من الوضوء. المبحث طويل الذيل. لكن هذه زاوية أصولية في مبحث الغسل

المبحث اللاحق زوايا متممة ونعنونه ونهاية المطاف تقريبا في مقدمة الواجب. وهذا المبحث انه ما هي الاقوال في اصل وجوب المقدمة؟ هل وجوب مطلق المقدمة؟ هل المقدمة واجبة؟ او وجوب المقدمة بشرط قصد التوصل؟ او وجوب المقدمة الموصلة؟ او وجوب المقدمة عند إرادة ذي المقدمة قول صاحب المعالم. سيأتي البحث مفصلا.

الكلام في هذه النكتة هذا البحث الذي مر بنا في الطهارات الثلاث تتمة التدقيق فيه سيأتي في هذا البحث اللاحق. لماذا؟ لان البحث اللاحق يحدد لك دائرة المقدمة هل هي دائرة وسيعة واي حصة؟ وبالتالي اذا كانت العبادية آتية من ذي المقدمة فتكون الدائرة سعتها وضيقها مرهونة بذي المقدمة. بخلاف ما اذا بنينا ان العبادية ذاتية. كثير من فتاوى القدماء والمتاخرين في فروع العروة في خلل العبادات مرتبط بهذا الاضطراب. عبادية الطهارات الثلاث من اين أتت؟ ان شاء الله نوضحه اكثر.