44/11/19
الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/مقدمة الواجب الواجب النفسي والواجب الغيري
كان الكلام في منشأ عبادية الطهارات الثلاث ووصلنا الى الوجه الخامس وهو القصد الإجمالي وهو يعالج الخلل في كثير من العبادات او المعاملات باعتبار ان العبادات والمعاملات متقومة بالقصد وكيف يمكن تصوير تحقق القصد حيث ان في كثير من الموارد لا يتحقق القصد التفصيلي فهل يكون القصد الإجمالي كافيا ام لا؟
اجمالا كفاية القصد الإجمالي من ناحية تحقق القصد أولا ومن ناحية ان متعلق القصد الإجمالي والعنوان الإجمالي فيه إشارة الى الواقع لان الإجمال في الإشارة والمدرك وليس هنا اجمال في نفس المشار اليه يعني ان المشار اليه ليس مجملا بل الإشارة مجملة او المدرك مجمل. فبالتالي القصد الإجمالي يصيب العنوان الخاص او العنوان التفصيلي على ما هو عليه وهذا كاف. بعد عدم اخذ القصد التفصيلي او قصد العناوين التفصيلية في تحقق العبادة او المعاملة او ما شابه ذلك.
مثل ان المتعاقد مع البنك بعنوان الوديعة ولكن هو يريد من لفظ الوديعة ان يملك ماله البنك على وجه الضمان على وجه ان تكون ذمة البنك مديونة للمودع فهذ القصد الإجمالي لهذه الماهية هو القرض وإن لم يلتفت تفصيلا الى عنوان القرض باعتبار ان الشخص يملّك هذه النقود فبالتالي ليس وديعة لان الوديعة ما تبقى العين المودعة بشخصها وتسترجع وتسلطه مجرد تسليطه في يد الودعي اما اذا كان اطلاق العنان في ان يتصرف في العين الشخصية ويبدلها الى عين كلية فهذا ليس بالدقة عارية او وديعة وانما هو يكون قرضا لان القرض تمليك لشخص المال على وجه الضمان في الذمة والبدل والعوض فيتصرف تصرفات متوقفة على الملك. فالمدار على القصد الإجمالي الذي يصب الماهية وليس المدار على العنوان التفصيلي لهذه الماهية فاذا القصد الإجمالي يصيب الواقع على ما هو عليه وان يتبلور لدى القاصد تفصيل العناوين لكن هذا القصد الإجمالي يصيب قصده الشيء الخاص على ما هو عليه ولو بعنوان اجمالي. هكذا الكلام في العبادات مثلا لو اتى بحج بعنوان انه مندوب او العكس اتى بالحج بعنوان انه واجب لكن ليس الحج مندوبا او واجبا فهو قاصد ما امره الله به ان يأتي به فمن ثم هذا قصد للواجب العبادي ولا ينافي ذلك او العكس كذلك. اذا القصود الإجمالية المهم فيها أولا تحقق القصد في الأفعال القصدية والبعد الثاني ان هذا العنوان الإجمالي لا يخطأ الواقع ولا يخطأ الشيء الخاص بعنوان خاص يعني حقيقة القصد الإجمالي كيف بديل عن القصود التفصيلية؟ نعم في مورد معين دل دليل على انه لابد من القصد التفصيلي والالتفات الى العناوين التفصيلية هذا بحث آخر والا مجرد اخذ القصدية في الأفعال والعناوين يكفي فيها القصد الإجمالي
شبيه منجزية العلم الإجمالي، لماذا العلم الإجمالي منجز شبيه العلم التفصيلي لان الاجمال والتفصيل ليس دخيلا في تنجيز العنوان المعلوم. اصل ان العلم يصيب الواقع الخاص الجزئي الحقيقي على ما هو عليه في العلم الإجمالي او التفصيلي.
لو ثبت ان هناك احكام لعناوين خاصة مقصودة بالخصوص وملتفتة اليها تفصيلا فنعم كما قد يكون اجلكم الله في عنوان الزنا. عنوان الزنا مع الشبهة وان كانت الشبهة حرام لكن عنوان الزنا لا يتحقق. لابد من التفصيل. جاء استفتاء ان المسلمة تزوجت مسيحيا او غير مسيحيا بالعقد والقانون المدني بالتالي انجب اولادا فالان كيف يعمل وهي تعلم ان العقد شرعا باطل. المهم في الجواب صار تنبيه انه مادام شبهة في البين والشبهة باي معنى ؟ ليست الشبهة المعذر بل الشبهة غير المعذر. سيما اذا تتبنى على القانون الوضعي وتقول ان هذا طريق من الطرق وليس ضرورريا ان تتقيد بقيد الطريق الشرعي فجعل هذا الفعل زنا ليس كذلك لا عرفا ولا شرعا. حرام لكن ليس زنا. باعتبار شبهة العقد والتبني ولكل قوم نكاح. لكل قوم نكاح ليس فقط في موارد المعذورية بل حتى في موارد التقصير. العلمانية هكذا في نظرتهم ان الامر خياري يمكن ان تأخذ طريق التشريع الإسلامي ويمكن ان تأخذ طريق المدني. هذا باطل وغير معذور فيه لكن عنوان الزنا مأخوذ فيه ان يقدم الانسان بالتفات تفصيلي ما فيه أي تشبث بشيء آخر حينئذ يكون عنوان الزنا. شبيه ما ذكر اهل البيت بالنسبة الى الملل والنحل الأخرى لكل قوم نكاح مع انهم غير معذورين سيما بالنسبة الى الملتفتين منهم غير البلهاء والمستضعفين مع ذلك هذا النكاح نكاح. حتى في الروايات بالنسبة الى المجوس ينكحون الارحام لكنهم في مبناهم لا يمكن ان يقال زانية وزاني وان كان غير معذور ومقصر. المهم عنوان الزنا ثبت تفصيلا انه لابد من التفصيل من كل الزوايا. عندنا عنوان ابن الحرام شيء وابن الزنا شيء آخر. ابن الحرام اعم من ابن زنا. كابن الحيض وهو ان كان له اثار تكوينية خطيرة لكن ليس ابن زنا. المقصود اجمالا ان بعض العناوين مأخوذ فيها التفصيل في التفصيل وهذا شيء آخر اما اذا كنا نحن والعناوين العامة حتى القصدية لا يشترط فيه القصد التفصيلي وهو يحتاج الى دليل بل يكفي القصد الإجمالي.
اذا اصل فكرة تصوير القصد الإجمالي هذا. ربما الشارع يمنع عن القصد الإجمالي مثلا خلافا للسيد الخوئي ووفاقا للمشهور يوم الشك من شهر شعبان اذا قصد المكلف انه شهر رمضان وان كان في الواقع شهر وفي الظاهر شهر شعبان لا يصح منه الصوم في الشهر رمضان بل لازم ان يقضي. مع ان الواقع شهر رمضان وهو قصد شهر رمضان احتمالا لكن حسب الموازين الظاهرية شهر شعبان. هذا يدل على الصيام والفطر ليس يدور مدار الواقع والاحتياط حول الواقع بل يدور مدار الظاهر والشارع يقيد المكلفين بالموازين الظاهرة. اما ان نسافر ونحتاط لا يحتاج ولو كان في الواقع عيدا لازم ان تتخذ بالموازين الظاهرية والشارع لم يلجئك الى الاحتياط. صم للرؤية وافطر للرؤية. فلو قصد تفصيلا صوم شهر رمضان وهو في الواقع شهر رمضان لكن بحسب الموازين الظاهرية لم يثبت فهنا لا يصح منه الصوم في شهر رمضان. الشرع لم يصحح قصدية شهر رمضان من دون مرخص ظاهري فيفسد الصوم. هذا فتوى الكل ومنصوص عليها. بالعكس العنوان التفصيلي مضر مع عدم الاثبات الظاهري. ماذا لو قصد بنحو الترديد ان كان شهر رمضان فهو من شهر رمضان وان كان شهر شعبان فهو شعبان تفصيل ترديدي. هذا أيضا لا يصح وافتى عليه السيد الخوئي خلافا للمشهور وافتوا بالصحة لان فيه القصد التفصيلي. الصورة الثالثة قصد شهر الشعبان وهو في الواقع شهر رمضان يصح منه قولا واحدا نصا وفتوى. والصورة الرابع قصد ما يأمرني به الشارع من دون ان اقصد تفصيلا شهر شعبان او رمضان. هذه الصورة صححها السيد الخوئي والمشهور لم يصححها. لان المشهور استظهروا من الأدلة ان قصد شهر رمضان سواء بنحو الاجمال او الترديد او التعيين كلها غير صحيح من دون اثبات ظاهري. والصحيح كلام المشهور حتى القصد الإجمالي مشكل. فهنا التفصيلي المطابقي أيضا فيه مانع من دون الاثبات. فالقصود التفصيلية صحة او ابطالا ومانعية او شرطية بهذا التشدد ثبت في بعض الموارد القليلة في الأبواب. والا القصد الإجمالي كاف حتى في ما اخذ فيه القصد التفصيلي. طبيعة القصد التفصيلي انها القصد الإجمالي فيه كاف.
مثال آخر محل الابتلاء الشديد في صلاة المسافر سواءا بلحاظ المسافة او بلحاظ الإقامة عشر أيام. فروع معقدة كثيرة سببه هو بحث العنوان التفصيلي والعنوان الإجمالي يعني احد الزوايا فيه هو هذا. لكن لا بد ان نلتفت ان بحث السفر والإقامة يدور هذا المدار سيما بحث الإقامة. أصلا بحث السفر وبحث الإقامة سيما بحث الإقامة عمدتا وجود قصدي وليس وجودا خارجيا. خلافا لما يتوهم الكثير من الفضلاء. نعم قصدي لمصيب للواقع وان لم يتحقق في الواقع يعني القاطع للسفر العشرة الخارجية المتحققة في الخارج والمقصودة. ليس كذلك بل المانع من السفر العشرة بوجود ذهني وقصدي لكن عشرية العشرة ماهيتها عشرة ولا نتخيل ماهيتها عشرة وهي تسعة. لو قصد امد تاريخي وظن انه عشرة لكن هي تسعة او تسعة ونصف لا يفيد. لا بمعنى ان الوجود الخارجي للعشرة مدار السفر والاتمام بل يكفي ذلك في افق الذهن والقصد لكن ما يكون في افق الذهن والقصد ماهيته عشرة لا انه تسعة ويظن القاصد انها عشرة. فلا يحصل الالتباس ليس المدار على الوجود الخارجي المتحقق او الذي سيتحقق بل المدار فقط على قصد العشرة مع أربعة ركعات. طبعا لو قصد عشرة من دون ان يصلي اربع ركعات بحث آخر. اجمالا قضية القصد التفصيلي والقصد الإجمالي شيء مهم. القتل العمد وشبه العمد والقتل الخطأ فروق قصدية والتدقيقات في هذه الأبحاث مفيدة.
بالنسبة الى سيد الشهداء سلام الله عليه تعبير ان قتلة سيد الشهداء ليس فقط عمدا بل تعمد مضاعف من عدة زوايا يعني التفات وعنادا شبيه البحث في العمد بالترصد مع القصد وسبق الإصرار. في سيد الشهداء اكثر من ذلك حسب ما بين في الزيارة.
اذا القصد التفصيلي ليس المدار غالبا بتفصيله بل نفس كون القصد موجودا وثم اجمال يصيب الواقع على ما هو عليه هذان جهتان مهمتان في القصد الإجمالي
بحث معقد في هذه القاعدة وجريانها في الأبواب الفقهية العقائدية والقضائية. زاوية أخرى يحصل الخلط حتى عند الاكابر ويؤاخذ بعضهم بعضا وهي ما الفرق بين صدور الفعل اختيارا واختيارية الفعل وبين قصدية الفعل. يقع خلط كثير. حيثية اختيارية الفعل يقع الخلط بينها وبين حيثية قصدية الفعل. وهذا بحث معقد. اتفاقا بعد مباحث سيأتي كلام الكباني في توجيه كلام الشيخ الانصاري ومختاره وفسر الشيخ الاصفهاني القصدية بالاختيارية. وسجل عليه المؤاخذة انه ماالفرق بين القصدية والاختيارية. كثيرا ما يحصل الاشتباه بين كون الفعل اختياريا وكونه قصديا. فروق دقيقة ولا نريد ان نخوض فيه وفقط اثيرها للاخوة. هذه احد الزوايا في البحث شبيه بحث القصد المضاعف والمركب وان القصد درجات. فلا نخلط
هذا البحث ما دور علاجها وحلها في المقام؟ في المقام هذا القصد الإجمالي يريد ان يقول ان منشأ العبادية هي الوجوب الغيري او الوجوب النفسي او قصد التوصل او أي شيء هذا القصد الإجمالي حلال المشكلات كالسهم يصب الواقع على ما هو عليه. نكتة القصد الإجمالي هي هذه. ان القصد الإجمالي ان العبادية أي ما فرضت ومن أي منشأ نشأت هذا القصد الإجمالي يصيبها وبالتالي العلاج صلح الكل وهذا لابأس به. سواء غيري او نفسي ندبي او نفسي لزومي او أي شيء آخر. فرق هذا الحل كقصد اجمالي او قصد التوصل التفصيلي الذي ذكره السيد الخوئي ما هو؟ حل السيد الخوئي قصد التوصل التفصيلي كان علاجا في مقام الامتثال ولم يكن حلا لتصوير العبادية في مقام التشريع ونحن نريد الحل في التشريع. هذا الحل لا يتقيد بمقام الامتثال. لو كان منشأ العبادية في مقام التشريع هو ناظر لهذا المنشأ ويستهدفه بالعنوان الإجمالي فليس هذا الحل منحصرا بمقام الامتثال بل يعم لكن ليس فيه حلا تفصيلي بل حل اجمالي. فلابد من الخوض تفصيلا في الوجوه يعني مقارنة او محاكمة بين اهذه الوجوه أي منها صحيح وكذا.
نكتة قبل ان ندخل في الحل التفصيلي احب ان أتذكر بها ان جملة من الاعلام منهم السيد الخوئي ذهب الى القصد الإجمالي مع الجهل بالامر الاستحباب النفسي في الطهارات الثلاث يستلزم ان العبادية ليست من الامر العبادية النفسية الاستحبابية.
بعبارة أخرى عندنا ثلاث صور. تارة يحتمل الامر الاستحبابي ويقصد اجمالا او بقصد التوصل. هنا السيد الخوئي يصحح القصد الإجمالي وقصد التوصل لانه مادام هو ملتفت ولو احتمالا بالتالي سيتعلق قصده بالامر. الصورة الثانية الجاهل بالامر النفسي الندبي. فيه هذه الصورة يستشكل السيد الخوئي ان القصد الإجمالي لا يكفي. والصورة الثالثة عنده اعتقاد بالعدم وهذا اشد من الجهل. هذه صورة أوضح في عدم تأتي العبادية في العبادات الثلاث من الامر النفسي الندبي. السيد الخوئي وجماعة من محشي العروة عندهم هذا المطلب.
هذه زاوية من زوايا بيان المختار. لم هذه الزاوية مهمة؟ لان هذه الزاوية تعني ان هذا الوجه الخامس القصد الإجمالي ليس حلال المشكلات في العبادات والمعاملات وهذه القاعدة المهمة التي جعلوها حلال المشكلات مقيدة بعدم الصورة الثانية وعدم الصورة الثالثة. وتنحصر في الصورة الأولى من عنده احتمال والالتفات بهذا الاحتمال. هذا عجيب. السيد الخوئي في فتاواه صحح هذه القاعدة الاجمالية في موارد الجهل كثيرا وكيف هنا لا يلتزم. نتعرض اليه ان شاء الله وبعد ذلك ندخل في بحث نهاية بحث مقدمة الواجب والاقوال في وجوب المقدمة