الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/11/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ، مبحث الأوامر، مقدمة الواجب

كان الكلام في كيفية عبادية الطهارات الثلاث

طبعا كما مر ان مسألة عبادية الطهارات الثلاث انشغلت مساحة من فتاوى الاعلام قرونا من الزمان حتى ان حاليا تكون فتاوى في إجزاء الغسل عن الوضوء وعدم إجزاءه وسابقا كان هذا البحث في الوضوء او التيمم كذلك. فهل عبادية الطهارات الثلاث قبل وقت ذي المقدمة كالصلاة او الطواف تختلف عن عباديتها فيما لو دخل الوقت. طبعا هذا الاختلاف عند القدماء من بعد الشيخ الطوسي الى المحقق الحلي والعلامة والشهيدين والى زمن الوحيد البهبهاني قالوا ان نحو القصد الموجب للعبادية للطهارات الثلث قبل الوقت لابد ان يكون بنمط يختلف عن عبادية الطهارات الثلاث في وقت الصلاة. ثم القصد الذي قصده او الذي يمكن كان أن يقصده قبل الوقت لا يصح ان يقصده بعد الوقت لو لم يأت بالطهارات الثلاث. هكذا كانت الفتاوى. ولو حصل بعد دخول الوقت الذي كان يقصده قبل الوقت لما صحت عندهم. تقريبا الفتوى كانت هكذا. حتى في زماننا هذا في العروة تداعيات هذه المسألة هكذا القصد بعد الوقت يختلف عن قبل الوقت. فاذا محل ابهام والتباس عند الاعلام كيفية تصوير عبادية الطهارات الثلاث كنموذج والا البحث تنظيرا في عبادية مقدمة شرعية لذي المقدمة في كيفية التصوير هل الوجوب الغيري يحقق العبادية؟ او الحكم النفسي المتعلق بذواتها او شيء ثالث او رابع او ماذا؟ وهل تجتمع هذه المناشئ قبل الوقت او بعد الوقت؟ الى الان لو لاحظوا كلمات صاحب العروة والسيد الخوئي يقولون بعد الوقت منشأ العبادية يختلف عنه قبل الوقت للطهارات الثلاث. او ان هذه المناشئ التي ستذكر لتصحيح عبادية الطهارات الثلاث ليست هي مناشئ للعبادية بقول مطلق او قل في مطلق الحالات.

مثلا صورة من الصور الأخرى من البحوث القديمة والحديثة لو توضأ بنية الصلاة ولكنه بعد الوضوء بدل نيته ان لا يصلي صلاة الفريضة او النافلة هل وضوءه صحيح او لا؟ هذه صورة أخرى. لانه بناء على ان الوجوب الغيري يتعلق تارة بمطلق المقدمة يعني سواء كانت موصلة او كانت غير موصلة لان الاقوال في متعلق الوجوب الغيري هل هو متعلق بمطلق المقدمة او متعلق بالمقدمة الموصلة او المقدمة التي قصد به التوصل فبناء على ان الوجوب الغيري يتعلق بالمقدمة الموصلة وهو اتى بالوضوء او الغسل ثم عرض عما قصد به الغسل هل يصح عباديته؟ على كل هذه كلها فروض وصور متعددة يناقش فيها ويبحث في ما هو منشأ عبادية الطهارات الثلاث. من أي منشأ يراد يثبت ان هذا المنشأ غير مطرد في هذه الصور كلها.

الاشكال الأول مر بنا امس من انه لو بني على ان منشأ العبادية للطهارات الثلاث هو الوجوب الغيري يشكل باشكال عام بغض النظر عن الصور وهو ان الوجوب الغيري المفروض انه يتعلق بالطهارات العبادية في رتبة سابقة انها عبادية فكيف يفرض ان العبادية آتية منه وهو متأخر عنه؟ فالاشكال اشكال كلي على الوجوب الغيري في كل الصور وفيها إشكالات مختصة على الوجوب الغيري مثل الموصلة وغير الموصلة لكن هذا اشكال عام ان الوجوب الغيري كيف يقرر انه منشأ العبادية والحال انه متأخر رتبة والمفروض ان منشأ العبادية قبله وهو يتعلق بما هو عبادة. هذا الاشكال جر الاعلام ان يبحثوا قديما وحديثا عن منشأ العبادية غير الوجوب الغيري.

قيل بالاستحباب النفسي ان منشأ العبادية هو الاستحباب النفسي. السيد الخوئي عادة في الأصول او الفقه علميا يجزم بها لا فتوائيا. ذكر لاحد تلاميذه السيد تقي القمي رحمة الله عليه يجزم في موارد بامور لكن لا يفتي بها رعاية للمشهور او شيء آخر. تارة يجزم ويفتي وهو بنفسه لا يعمل به للاحتياط من قبيل الترتيب بين الأيمن والايسر هو يفتي جزما من انه لا حاجة للترتيب بين الأيمن والايسر لكن يقول لم آت بغسل في حياتي قط لم اراعي فيه الترتيب. او بعض الأحيان يجزم علميا لكنه لا يفتي مثل الان الاستحباب الذاتي للغسل يجزم به في موارد كثيرة لكنه لا يفتي به ابدا. يجزم حسب الأدلة ان الغسل ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وقد اطلق القرآن على الغسل انه الطهارة فجزما راجح لكنه لا يفتي به. دردشة علميا يختلف عن الموقف الفتوائي كما ان السيد الخوئي يجزم بان الشهادة الثالثة مطلقا راجحة اقترانها بالشهادتين في الاذان وغيره لكن خصوص التشهد في الصلاة لا يصرح بها ويتوقف في الفتوى لا انه يفتي بالنفي ولا يفتي بالاثبات. الاحتياط الوجوبي يعني لا يجزم بالبطلان ولا الصحة. في المنهاج أيضا هكذا حتى كفتوى صرح ان الشهادة الثالثة اقترانها بالشهادتين راجح في الاذان وغيره. وفي المنهاج ما عنده احتياط وجوبي في التشهد في الصلاة. يمكن ان يكون للفقيه تارة فتوى وفي موارد الاستفتاء الجزئية لا يفتي بها تربية للسائل او شيء آخر كالسياسة الفتوائية المعينة. نرجع الى ما كنا فيه.

فاذا البديل لاشكالية عبادية الطهارات الثلاث عن الوجوب الغيري هو الاستحباب النفسي. كيف يكون الوضوء مستحبا نفسيا فالغسل كذلك. ربما قريب أربعة عشر او سبعة عشر يذكرهم السيد اليزدي ممن افتوا بان الغسل ذاتا مستحب بغض النظر عن الغاية الأخرى زمانية او مكانية او أفعالية. منهم الشيخ المفيد وهو يجزم ان الغسل مستحب ذاتا ومنهم الشيخ البهائي رحمة الله عليهما وهذا ما تبنيناه ان الغسل في نفسه مستحب وفيه نصوص خاصة غير ما تمسك بها الاعلام. الامام الصادق سلام الله عليه يأتي بالغسل ويسأل السائل ما هي الغاية؟ قال لا انما من العرق. ليس استحماما بل الغسل لكن لأجل النظافة. اقر انه غسل لكن قال انما اتيت به من العرق. هو في نفسه مستحب وفيه أبواب أخرى. هذا موجود اما في رمي الجمرات او المبيت في منى وذكرناها في بحث الطهارة. الصحيح ان الغسل في نفسه مستحب وعباديته ليست آتية من الغيري حصرا بل هو في نفسه مستحب.

كذلك بنى السيد الخوئي وجملة من الاعلام ان التيمم في نفسه راجح على صعيد البحث العلمي لما ورد من انه طهور يكفيك عشر سنين. أوان التراب احد الطهورين ولو البعض يستشكل ان هذا انما ورد فيما هو مشروع من التيمم لا مطلقا. أي وضوء انقى من الغسل فيه الاشكال هكذا. أي وضوء انقى من الغسل فيما اذا كان مشروعا لا ان كل غسل مشروع. او ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين فيما اذا كان الغسل مشروعا. نحن نريد دليلا يقول ان الغسل في نفسه مطلقا مشروع. لكن هذا الاشكال ليس واردا لان الدليل يبين مشروعية ذاتية الطهور.

لكن هذا المبنى اشكل اشكالا بنائيا لا مبنائي. تارة اشكال مبنائي ان الكل لا يلتزم بالاستحباب النفسي والاشكال البنائي هو انه هب ان الطهارات الثلاث عباديتها نفسية ومتقدمة على الوجوب الغيري لكن هذا الحل يواجه مشاكل بنائية لا يمكن ان يبنى عليه.

الاشكال الأول ان كثيرا من المكلفين يأتون بالطهارات الثلاث مع الغفلة عن الاستحباب النفسي بل بعضهم يأتي بالطهارات الثلاث مع الاعتقاد بان الطهارات الثلاث ليس ذاتا مستحبة مع ذلك يصح عملهم فكيف يكون منشأ العبادية استحباب مغفول عنه او مجزوم بعدمه؟ اذا هذا لا يمكن ان يكون منشأ العبادية.

الاشكال الآخر هو انه بعد دخول الوقت ينعدم الاستحباب بالوجوب الغيري ويصير واجبا فكيف يكون الاستحباب منشأ للعبادية لانه يندك في الوجوب الغيري. فهذا اشكال آخر.

فالاعلام بعض من قبل الاشكال الأول وبالتالي الاشكال الثاني فمن ثم حاولوا ان يجيبوا باجوبة أخرى. هذان الاشكالان ليسا واردين وسنبين لكنهم توصلوا بالوجه الثالث وذهب اليه الميرزا النائيني ونتبناه وجيد.

الميرزا النائيني يذهب الى ان الشرائط الشرعية كالطهارات الثلاث بالنسبة الى الصلاة او الطواف. المقدمات الوجودية الشرعية تختلف عن المقدمات التكوينية العادية. مقدمة شرعية مثل الساتر شرط توصلي والاستقبال شرط شرعي عبادي. كونها توصليا يخفف بخلاف المقدمات الوجودية التكوينية لا شرعية ولا عبادية والامر فيها هين.

عنوان الحل الذي يذهب اليه الميرزا النائيني هو الوجوب الضمني وهذا المبنى يؤثر في مباحث كثيرة أصولية وفقهية ورفضه السيد الخوئي تماما ولكن الصحيح هو وجه متين في نفسه لكنه هنا حلال المشاكل بحث آخر.

الميرزا النائيني بنى على ان خصوص الشرائط الشرعية يتعلق بها نفس وجوب الصلاة كما يتعلق بالاجزاء. لا هو غيري ولا هو مستحب نفسي. يبني على الوجوب النفسي الضمني. كما ان الوجوب النفسي للصلاة يتعلق باجزاء الصلاة كتكبيرة الاحرام والركوع والسجود كذلك الوجوب النفسي يتعلق بالشرائط الشرعية المتقدمة او المقارنة او المتأخرة. يتعلق ضمنا فكيف يشطر الوجوب الى الأجزاء كذلك يشطر الوجوب الى الشرائط الشرعية. كيف يحل المشكلة؟ يقول حينئذ كيف الوجوب النفسي للصلاة يعطي العبادية للسجود والتشهدوالركوع كذلك يعطي العبادية للطهارات الثلاث.

الاعلام اشكلوا عليه ومنهم السيد الخوئي انه لو تعلق الوجوب الضمني بالصلاة بالشرائط الشرعية كما يتعلق بالاجزاء لما اختلف حينئذ الجزء عن الشرط والحال انه بالضرورة الجزء يختلف عن الشرط. لكن من قديم الأيام هناك جواب عن هذا الاشكال. تعلق الشرط بالكل تعلق حرفي وتعلق الجزء بالكل تعلق اسمي. ضمنية الجزء في الكل اسمية ونفسية واما تعلق الشرط بالكل وضمنية الشرط الشرعي بالكل ضمنية نفسية حرفية. فالنفسي الضمني ينقسم الى نفسي ضمني اسمي ونفسي ضمني حرفي وهذا ليس تكلفا. لان في الشرط التقيد جزء حرفي وعقلي والجزء الخارجي جزء خارجي. فعندنا وجوب نفسي مستقل وعندنا وجوب نفسي ضمني ثم هو ينفسم الى وجوب نفسي ضمني اسمي وحرفي فاختلف الحال بن الجزء والشرط وما فيه الاشكال وكلام الميرزا النائيني متين. هذا مبنى

لكن البناء هذا الكلام يشكل المشكل جزئيا لانه بعد دخول الوقت له تصوير لكن قبل دخول الوقت كيف يمكن تصوير العبادية؟ الوجوب النفسي ما موجود. فالحل ليس حلا كليا بل حل في الجملة.

حل آخر ذهب اليه السيد الخوئي والمرحوم الاصفهاني قبله ولا بأس به. وهو قصد التوصل لذي المقدمة. العبادية منشأها ليس الامر النفسي الندبي ولا الوجوب الضمني بل هو ليس حكما بل هو قصد التوصل لذي المقدمة. فعل هو إضافة يوجب العبادية.

الحل الخامس هو ان الوجوب الغيري يمكن القول بانه يوجب العبادية لا بنفسه باعتبار ان الوجوب الغيري يشير الى منشأ العبادية وهو الرجحان النفسي.

هذان الحلان محل الابتلاء وفيهما فروع كثيرة في أبواب العبادات كخلل كثيرة في الطواف والصلاة والغسل بغض النظر عن حل العقدة في المقام هذان الحلان اذا تما يوجبان حلول لعقد أخرى غير ما نحن فيه. ويوجب تصحيح خلل كثيرة يرتكبه العوام في الطواف والسعي والحج والصوم بل حتى غير العوام ربما لغفلة او غير. اذا تم الحل الرابع او الخامس سيكون حلحلة لمشاكل خللية كثيرة في كل العبادات يبتلى بها كثير من العوام او غير العوام. وسندخل فيهما.