الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/11/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ، مبحث الأوامر، مقدمة الواجب

كان الكلام في انه عند الدوران والترديد بين الواجب النفسي والواجب الغيري ما هو مقتضى الأصول العملية وقد ذكر الميرزا النائيني اربع صور للدوران.

الصورة الأولى هي ان يشك في اصل فعلية الوجوب مع العلم بعدم فعلية وجوب الشيء الاخر كالصلاة الذي هو ذو المقدمة. اذا كان نفسيا فيجب وان لم يكن نفسيا فلا يجب والمفروض ان الصلاة يعلم بعدم فعليتها. هذه هي الصورة الأولى وتجري فيها البرائة.

الصورة الثانية هي ان يعلم بالوجوب للوضوء المشكوك نفسيته او غيريته. يعلم بالعلم الإجمالي بان وجوبه فعلي لكن يشك في وجوب الصلاة. الصورة الأولى كان يعلم بعدم وجوب الصلاة والصورة الثانية يشك في وجوب الصلاة بينما يعلم ان الوجوب المردد بين النفسي والغيري معلوم الفعلية فان كان غيريا فيلزم منه ان الصلاة أيضا واجبة فعلا وان كان وجوب الوضوء نفسيا فيختص الوجوب به دون الصلاة.

لم يعدد الميرزا النائيني الصور في اجراء الأصل العملي؟ كل حالة لها مقتضى معين لاجراء الأصول اللفظية لكن في الأصول اللفظية يختلف؟ لماذا؟ لانه في الأصول اللفظية ليس الغرض المهم هو الوظيفة العملية الفعلية بل المهم فيها هو التنظير وكشف التنظير الكلي. من ثم الصور الأربع في الأصول اللفظية كلها ترتبط في صعيد واحد لان الأصول اللفظية ليس المهم الفعلية والخارجية والوظيفة العملية بل المهم فيها التنظير الكلي الشامل لكل الحالات فمن ثم يوقع التعارض بين الصور الأربع وان لم يبتلى بها معا كابتلاء خارجي. بخلاف الأصول العملية فيها لابد من الابتلاء العملي الفعلي والاصل العملي يجري بلحاظه فلا يتشكل علم اجمالي من صور اربع لا تقع مع بعضها البعض. لان الأصول العملية يلاحظ فيها الوضع الفعلي الجزئي الخارجي الابتلائي ومن ثم معروف ان الأصول العملية تفكك بين المتلازمات في الواقع وليس تعارض في الأصول العملية. بخلاف الأصول اللفظية لا يمكن ان تفكك بين المتلازمات في الواقع لانه ليس الملحوظ فيها الابتلاء العملي بل الملحوظ فيها التنظير الكلي. هو المهم في الفرق بين الأصول العملية والأصول اللفظية. الأصول اللفظية تلحظ كل منظومة الحكم لذلك يسبب التعارض اما الأصول العملية لا يهم ذلك وهذه نكتة جدا مهمة في الفارق بين الأصول العملية والأصول اللفظية.

لذلك في الأصول العملية ولو صار الالتزام من عند الفقيه في صورة تناقض مع صورة أخرى وليكن لا تسبب التعارض في الأصول العملية لانها ليست ابتلاء على صعيد واحد. فالتكاذب في الأصول العملية تنظيرا غير مخل بالاصول العملية. المخالفة العملية القطعية هذه هي المانع عن اجراء الأصول العملية. اما اذا لم ينجر الى مخالفة العملية القطعية ولو انجر الى المخالفة العملية الالتزامية يعني التكاذب لا مانع منها. على كل هذا عند الأصوليين من البديهيات يجب ان يتقنه الباحث.

اذا الصورة الثانية يعلم ان الوضوء المشكوك انه نفسي او غيري انه واجب لكن الصلاة وجوبها مشكوك وهي قطعا نفسية لو كان وجوبها فعليا. فهنا مر ان الصحيح العلم الإجمالي من جانب وفي الصلاة ليس العلم الإجمالي فتجري البرائة. شبيه الأقل والأكثر الارتباطي الذي مر بنا امس ويعبر عنه التوسط في التنجيز يعني لا تنجيز مطلق ولا نفي مطلق للتنجيز. فالصلاة منجزة من ناحية الوضوء وان لم يكن منجزة من ناحية نفسها.

بحث التوسط في التنجيز يستفيد منه الفقهاء والاعلام حتى في العقائد شيء منجز من وجه وغير منجز من وجوه أخرى.

الصورة الثالثة ان يكون المشكوك انه نفسي او غيري معلوم الوجوب فعلا والصلاة أيضا معلومة الوجوب فعلا. هذا البعد موجود في الصورة الثالثة والرابعة مع الاختلاف في شيء اخر. اذا في الثالثة والرابعة كل من الوجوبين معلوم انه فعلي والشك في ان الوضوء غيري للصلاة يعني قيدا او انه نفسي. هذا أيضا مشترك في الصورتين.

الفرق هو في الصورة الثالثة نعلم ان بدء زمان وجوب الوضوء وبدء زمان وجوب الصلاة واحد والانتهاء واحد يعني ان السعة الزمانية في الوضوء والصلاة واحدة والصورة الرابعة هي ان بدء زمان وجوب الوضوء محتمل ان يكون متقدما. اذا فيه عناصر مشتركة وفيه عنصر مختلف.

عموما الميرزا النائيني هنا يجري البرائة عن تقيد الصلاة بالوضوء لان هذا قيد زائد. تقيد الصلاة بالوضوء يعني شرط من شرائط الصلاة هو الوضوء ونشك فيه فتجري البرائة كالشرط الزائد. فلك ان تصلي أولا ثم تتوضؤ مثلا. فقيدية الوضوء تجري البرائة فيها. نعم لعلمك بان الوضوء والصلاة واجبان لابد من الاتيان بهما.

عند النائيني نوع من البرائة وهو انه لو اتينا بالوضوء قبل الوقت في كلا الصورتين فان كان غيريا يختلف عن انه ان كان نفسيا. سيما في الصورة الرابعة.

ان كان نفسيا فمجزئ وان كان غيريا قد يقال غير مجزئ. قضية غيرية الوضوء والغسل والتيمم يأتي البحث. من زمن الشيخ الطوسي الى ما قبل الوحيد البهبهاني قضية الغيرية للوضوء والغسل قبل الوقت وصحته او عدم صحته عندهم فتاوى بالعشرات في الاشكال في صحة الصلاة من جهة صحة الوضوء قبل الوقت من انه باي نية كان وكانوا متشددين في هذا القيد. وسيأتي البحث. حتى انه نقل ان العلامة الحلي عاد صلاة كل حياته مرتين على قصد التمييز قصد الوجه والمهم انهم كانوا متشددين في تصحيح العبادة والصلاة وعدم تصحيحها الى ان أتت مدرسة الوحيد البهبهاني وحلت هذه الأمور. مع ان مشهور الفقهاء من القرن الخامس الى القرن العاشر افتوا ببطلان الصلاة من جهة الغيرية والنفسية لكن اتى حل علمي. سيأتي البحث فيه. فيمكن تصوير هذه البحوث في بحث خلل الصلاة وخلل الحج كان يخفى عن جملة من الكبار من العلماء في قرون. المهم هو الميزان هل هو ميتن وقويم ام لا.

فعلى كل الصورتان الثالثة والرابعة عندنا علم بالوجوب الفعلي للصلاة والوضوء والفرق بين الصورتين فقط من جهة الوقت انه في الصورة الرابعة نحتمل تقدم وجوب الوضوء.

هنا السيد الخوئي يشكل على اجراء البرائة الذي التزم به النائين بانه هنا التعارض فلا تجري البرائة الا في حيثية واحدة.

هذه نكتة لابد ان اصرحها من طبيعة الأصول العملية. الطبيعة الأولى ان الأصول العملية تفكك بين المتلازمات في الواقع وتجري بشكل متناقض تنظيريا ولكن يلاحظ في الأصول العملية الابتلائات العملية لان هي في التسهيل العملي الراهن الفعلي بخلاف الأصول اللفظية كما مر.

خاصية أخرى في الأصول العملية في مسألة واحدة من حيثيات اربع تارة تجري البرائة عن الوضوء وتارة لا تجري البرائة. الوضوء له وجوب واحد اما البرائة او لا مع ذلك يمكن. مثلا من جهة الإعادة تجري البرائة ومن جهة التقييد بالصلاة لا تجري البرائة مثلا. يعني وجوب واحد في حالة واحدة تجري فيها البرائة ويجري فيها الاشتغال لان هذا الوجوب له اثران او حيثيتان او ثلاث او اربع فبلحاظ كل اثر وحيثية يمكن ان تجري البرائة او الاشتغال. هذه نكتة في الأصول العملية تختلف عن الأصول اللفظية لان الأصول اللفظية وظيفتها الكشف عن التنظير الكلي فما يتعدد. اما الأصول العملية يمكن في حالة واحدة وبيئة واحدة بلحاظ حيثية تجري البرائة عن الوجوب وبلحاظ حيثية أخرى تجري الاشتغال عن الوجوب نفسه. كانما الاثار للوجوب احكام وليس حكما واحدا. هذه نكتة مهم في الأصول العملية. من ثم هنا السيد الخوئي التزم بالاشتغال الا في حيثية واحدة. حيثية ما اذا اتى الوضوء قبل الوقت وشككت في وجوب الاتيان به بعد الوقت فتجري البرائة. اما بقية الحيثيات يجري فيها الاشتغال وان كان الحق مع الميرزا النائيني.

الحيثية الأولى هي التقييد هل الصلاة مقيدة بالوضوء ام لا فجري البرائة النائيني. هنا يشكل السيد الخوئي ويقول اذا اردنا ان نجري البرائة في غيرية الوضوء فيعارض بالبرائة عن الوجوب النفسي للوضوء. لان الوضوء واجب بالوجوب الفعلي اما نفسي او غيري. اذا أجرينا البرائة في الغيري فيعارض بالبرائة عن الوجوب النفسي. لكن هذه غفلة عجيبة عن السيد رحمة الله عليه والمهم هذه النكتة وهي ان اجراء البرائة عن الوجوب النفسي لا ثمرة له لانه لابد ان آتي بالوضوء اما غيريا او نفسيا. جريانها في النفسية لا ثمرة له بخلاف الجريان في غيريته فله الثمرة ان لا اقيد الصلاة اقدمه على الصلاة او يمكن ان اؤخره عن الصلاة فالصحيح كلام النائيني شبيه الأقل والأكثر الارتباطيين فيه الأقل اما الواجب نفسا مستقلا او الواجب ضمنيا وغيريا. فاجراء البرائة عن الأقل لا ثمرة له لانه لابد ان آتي به بخلاف جريان البرائة عن الزائد الأكثر فله الثمرة رفع المؤاخذة عنه. مع انه بالدقة جريان البرائة عن الأكثر يعني جريان البرائت عن غيرية او ضمنية الأقل ويعارض بالواجب النفسي المستقل للاقل لكن لا ثمرة للبرائة عن لواجب النفسي للاقل لانه لا محالة ملزم باتيان الأقل. فالصحيح ما ذهب اليه الميرزا النائيني ان البرائة تجري في حيثيات غيرية الوضوء.

حيثية أخرى لو اتي به قبل الوقت أيضا تجري البرائة اما لا تجري البرائة في النفسي لانه لا ثمرة فيه ونحن ملزمون به.

نكتة يجب الالتفات اليه ان الأجزاء الداخلية للكل مثل الأقل يمكن ان توصف بالوجوب النفسي الضمني ويمكن ان توصف بالوجوب الغيري. فيه البحث عند الاعلام ان الأجزاء غيرية مقدمية او نفسية. مثل لبنات الآجر ضمني لكنه نفسي بخلاف النفسي المستقل يعني الكامل التام. فعندنا وجوب نفسي مستقل يعني الكامل التام وعندنا الوجوب النفسي الضمني. شطر من الوجوب النفسي يتعلق بالتكبير الاحرام وشطر منه يتعلق بالقرائة ويشبهون كاللون يعرض على أجزاء الكل وهذه يعبر عنه الوجوب النفسي الضمني يتشطر بخلاف الوجوب الصلاة المتعلق بكل الصلاة يعبر عنه الوجوب النفسي المستقل والوجوب النفسي الضمني سنخا يغاير الوجوب الغيري فلا نخلط. ولكن في بعض الاثار متقاربان. نفسي لكن ضمني بخلاف الغيري الذي ليس نفسيا. هذا الاصطلاح يجب الالتفات اليه وشدد عليه الميرزا النائيني. فالاقل في الأقل والأكثر اما واجب نفسي مستقل او واجب نفسي ضمني.

بعبارة أخرى صناعية لطيفة من عبائر الأصوليين ان الأصول العملية في اجرائها في الحالات المختلفة لاتعرف قالب واحد بل هي مرهونة بالحالة الراهنة. طبيعة الأصول العملية هكذا انها لا يلاحظ فيها قالب تمشى عليه بل انت مرهون ان تناط الأصول العملية بالحالة الفعلية الراهنة وحيثياتها لما مر ان الأصول العملية تسهيل في الواقع الفعلي الذي الانسان مبتلي بها ولا ربط لها بالتنظير الكلي.

بعد ذلك الاعلام بمناسبة النفسي والغيري يخوضون في الطهارات الثلاث الوضوء والغسل والتيمم كمثال والا ليس حصرا في الطهارات الثلاث. فهناك إشكالية من جهات عديدة في الطهارات الثلاث وهذه الإشكاليات يترتب عليه صحة الاغسال وبطلان الوضوء.

اول إشكالية في الطهارات الثلاث انه كيف تكون عبادية الطهارات الثلاث متولدة من الوجوب الغيري؟ الاشكال في ذلك ان المفروض ان الطهارات الثلاث التي هي عبادية هي مقدمة للصلاة فقبل الطرو والعروض للوجوب الغيري. الطهارات الثلاث بما هي عبادية مقدمة للصلاة فكيف عبادية وذاتها متولدة من الوجوب الغيري الذي يترشح من الصلاة. فيقع التقدم والتأخر. لان الوجوب الغيري يطرء ويعرض على ما هو مقدمة ومقدمية المقدمة لذي المقدمة تقديم وتهيئة تكويني وليس ات من الوجوب فكيف يكون عبادية الطهارات الثلاث آت من الوجوب الغيري؟

في الحقيقة هذه الإشكالية هكذا انه هل عبادية الطهارات الثلاث آتية من الوجوب الغيري او من حكم نفسي؟ وهذا بلاشك يؤثر مسيريا على الطهارات الثلاث. اذا بني على ان الطهارات الثلاث منشأ عباديتها الوجوب الغيري يكون وقت مشروعية الطهارات الثلاث مقيد بذي المقدمة وقبل الوقت لا مشروعية للوضوء ولا للغسل ولا للتيمم وهذا هو الذي بنى عليه جملة من الاعلام من قرون سادس وسابع وثامن ورتبوا عليه فعللة وتفعللة. فاذا بني على الطهارات الثالث عباديتها ومشروعيتها وصحتها على الوجوب الغيري فتكون مضيقة بوقت ذي المقدمة. فاذا لها ثمرة. بخلاف اذا قيل ان عباديتها وصحتها ومشروعيتها غير منوطة بالوجوب الغيري بل الوجوب الغيري دور. هذا بحث حساس ومحل الابتلاء.

لاجل توضيح هذا البحث جماعة من الاعلام قالوا المقدمات المفوتة لا وجوبها نفسي ولا وجوبها غيري. لان المقدمات المفوتة متى وقتها؟ وقتها قبل زمان ذي المقدمة. جماعة التزموا وجوبها ليس نفسيا ولا غيريا. ليس نفسيا لانها ليس الملاك فيها ولا غيريا لان وقتها قبل وجوب ذي المقدمة. فهي من جهة لا غيرية لان وجودها قبل الواجب ومن جهة ليس نفسيا لان السفر الى مكة مثلا ليس في نفسه مطلوبا مثلا. بل المهم هو الوصول الى المشاعر المقدسة. هذا البحث الجدلي شبيه له موجود في الطهارات الثلاث. ان شاء الله نغوص فيه.