44/11/10
الموضوع: الالفاظ
كان الكلام في تعريف الواجب النفسي والواجب الغيري فالتعريف المشهور الدارج للواجبين هو ان ما وجب لنفسه فهو نفسي وما وجب لغيره انه غيري.
يشكل على هذا التعريف ان جل الواجبات كما مر في الأبواب والاقسام الأربعة من الفقه ان المعاملات والايقاعات غاياتها العبادات والعبادات غايتها عبادة العبادات وهي الصلاة وحتى الصلاة غايتها الولاية في الحقيقة الولاية لله وللرسول ولذي القربى. اذا كل الاحكام في الفقه مثل «ما خلقت الجن والانس الا ليعبدون» غاية العبادة هي المعرفة «فاعبد ربك حتى يأتيك اليقين» سواء فسر بالموت او المعرفة بالتالي اليقين والمعرفة هي الغاية. اذا حتى العبادة غايتها المعرفة بالتالي كل الواجبات ستكون غيرية. فكيف تكون تصوير التعريف للواجب الغيري والنفسي؟ لان هذه الواجبات كلها نفسية بضرورة الفقه؟ فكيف تكون نفسية؟
فيه أجوبة عديدة لهذا النقض: الجواب من الأجوبة هو ان الامر بالغاية والامر بذي الغاية سواء امر بالغاية او امر بذي الغاية فبالتالي وان كانت هذه الغاية ذات غاية لكن الامر بالغاية هي الامر بذي الغاية بالتالي الواجبات نفسية ولو يكون الواجب غيريا.
هذا الجواب غير مستحسن عند كثيرين باعتبار الغايات البعيدة والقريبة ولا يمكن الالتزام به.
جواب آخر عن هذا الاشكال: لان هذه الغايات بعيدة وبالتالي لا يكون مختارة فالامر بذي الغاية لا الغاية. باعتبار ان الامر لا يتعلق بالغاية بل يتعلق بذي الغاية لانه هو المقدور.
لكن هذا الجواب لعله غير مقنع او غير كاف في كل الصور والشقوق. فمن ثم اجيب باجوبة أخرى:
الميرزا النائيني أجاب بان الغايات على ثلاث اقسام: تارة سبب ومسبب مثل التزويج الناتج عن عقد النكاح او البيع الناتج عن عقد البيع. فاذا كان من قبيل السبب والمسبب فحينئذ الامر بالسبب امر بالمسبب او الامر بالمسبب هو الامر بالسبب. فسواء ان امر بالنكاح او عقد النكاح سيان. هذا الجواب في هذه الموارد متين.
القسم الثاني من الغايات: ترتب الغاية على ذي الغاية لا قريب ولا قهري بل ترتب اختياري مثل نصب السلم لاجل الصعود فوق السطح. نصب السلم لا يتلازم مع الصعود بل يحتاج الى توسط إرادة المكلف كي يصعد فوق السطح. فبالتالي هنا الامر بنصب السلم ليس هو الامر بالصعود على السطح ولابد ان يستقل الامر بالصعود على السطح عن الامر بنصب السلم. لانه امر اختياري وليس تلازم قهري. فالامر بذي الغاية ليس الامر بالغاية والجواب السابق لا يكفي.
القسم الثالث من الغايات ان ترتب الغاية على ذي الغاية بعيد او بوسائط غير اختيارية فاذا كان ترتب بوسائط غير اختيارية يعني ان تكون ذي الغاية معدا للغاية. الفرق بين المعد والسبب ان السبب متلازم مع المسبب اما المعد بعيد ويتوسط بينه وبين الغاية ارادات غير اختيارية وقهرية. اما وسائط كثيرة اختيارية او غير اختيارية. فاذا القسم الثالث من الغايات ان بين ذي الغاية والغاية وسائط عديدة وفيها غير اختيارية فالامر بذي الغاية ليس الامر بالغاية.
لاسيما ان الميرزا النائيني يقول في موضع آخر سواء قلنا ان هذا قسم رابع او القسم الثالث اذا كان الامر بذي الغاية ليس عنوانا عرفيا يمكن طلبه او بعبارة أخرى ان ذي الغاية مجهول لدى المكلف. مثل ان الشارع بدل ان يأمر المكلف بالصلاة يأمره بان يوجد ما هو ناهي عن الفحشاء والمنكر. المكلف لا يهتدي اذا امر بما هو ناهي عن الفحشاء والمنكر فلا يهتدي بالصلاة. «دين الله لا يصاب بالعقول» بهذا المعنى أي ان المصالح والمفاسد لا يهتدي به المكلف. او الحكم الأخرى ذكرت في الوحي واذا امر بتلك الحكم لا يعرف المكلف ان الصلاة موجدة لتلك الحكم.
سواء قلنا ان هذا القسم قسم من القسم الثالث او هو قسم رابع. لكن العلاقة بين الغاية وذي الغاية علاقة الاعداد ليس المسبب والسبب. وهذا ليس واجبا غيريا لان الغاية ارتباطها مع ذي الغاية ليس معلوما لدى المكلف وغير مقدور فلا محالة يكون الامر بذي الغاية امر نفسي او الإعداد هو مطلوب نفسي وهذا المقدار ليس غيريا والا لكان الأشياء كلها غيريا. طبعا هذا بناء على ما هو مذهب العدلية او الامامية على ان الأفعال التي يطلبها الشارع او يمنع عنها الشارع لابد من المصالح والمفاسد فيها وهذا هو الصحيح. فبالتالي اذا ما امر به لغيره هنا لغيره اذا كان معروفا قريبا اما اذا كان بعيدا وغير معروف لا يقال انه غيري بل نفسي لان نفس الاعداد مطلوب.
بتعبير آخر من صاحب الكفاية ان الإعداد هو حسن من المحاسن وفيه حسن ذاتي فلم يقال انه غيري. او بتعبير الميرزا النائيني ان معرفة ذي الغاية غير مقدور لدى المكلف فلا محالة حينئذ يؤمر بما هو معد وإعدادي وبالتالي يكون نفسيا والواسطة بين الفعل الاختياري للمكلف والغاية وسائط غير اختيارية يعني القضاء والقدر وما شابه ذلك بالتالي لا يمكن ان يؤمر المكلف بالغاية لكن يؤمر بذي الغاية. فأولا ان بين الغاية وذي الغاية وسائط عديدة وثانيا ان الوسائط غير مقدورة. او يقال ان الإعداد نفسه حسن ذاتيا.
فيه جواب آخر للآخوند يقول ان الأشياء كلها فيها حيثية غيرية وهذا صحيح لكن الامر النفسي الذي يتعلق بتلك الأشياء لا يتعلق بها بلحاظ الحيثية الغيرية بل يتعلق بها بلحاظ الحيثية النفسية وما المانع من ذلك فحينئذ يكون الواجب نفسيا لان الوجوب تعلق بها بلحاظ نفسها.
لكن هذا ا لجواب قد يسجل عليها المؤاخذة ان أي حسن نفسي في المعاملات الا بلحاظ الفراغ للعبادات واي شيء للقضاء في نفسه الا بلحاظ حفظ الحقوق في المعاملات والمعيشة فبالتالي لغيره او في غيره.
نعم الأفضل ان يقال ان هذا الإعداد هو حسن ذاتا وان كان لغيرها. على كل مجموع كلمات الأعلام تتلائم مع بعضها البعض وتشكل بالتالي جواب عن الاشكال لتعريف الواجب النفسي والغيري.
هذا البحث ليس بحثا طرفا بل بحث ذو ثمر عملي لانه اذا ورد امر او نهي وذكر فيه الحكمة او غاية هل تعتبر نفسيا او غيريا؟ غالبا هذه الموارد المشهور لا يعتبرونها غيريا بل يعتبرونها نفسية لان حقيقة النفسي عندهم ليس ان تكون غاية حتى تكون نفسية. شبيه الواجب الطريقي والوجوب الطريقي الذي مر بنا.
الوجوب الطريقي في قبال الوجوب النفسي لكن عندنا وجوب غيري في قبال الوجوب النفسي لكن النفسي في قبال الطريقي يختلف عن النفسي في قبال الوجوب الغيري. فالنفسي لها معنيين عندهم.
النفسي الذي في قبال الطريقي يعني ليس ظاهريا بل ذاتي في مقابل الطريق والكاشف. اما النفسي في قبال الغيري الواقعي وليس ظاهريا والنفسي أيضا واقعي وليس ظاهريا لكن النفسي في قبال الغيري يعني ما وجب لنفسه وهذا وسعه الاعلام يعني حتى الطريقي في قبال النفسي هو نفسي في قبال الغيري. فالنفسي في قبال الغيري وسع في تعريفه الاعلام توسعا كثيرا يعني يشمل الطريقي في قبال النفسي. أيضا الواجب التهيئي أيضا هو نفسي. ضابطة النفسية في قبال الغيرية ليست ان الغرض النهائي في نفس الواجب ولا ان إعداد الواجب لغيره موجود بل المراد من الواجب النفسي في قبال الغيري هو الذي لا مصلحة له في نفسه الا ان تصب في غيره القريب والاختياري. اما اذا كان يؤمر به على أي حال ولو حكمة الامر به هو الغير لكن يكون نفسيا لان نفس تهيئ للغير هو مطلوب نفسي.
من باب المثال: هذه المواد الدراسية الموجودة للتعليم في الابتدائية او الإعدادية لن يحتاج كلها التلميذ عند ما يشق حياته في تخصص او مهنة. مثلا في المهندس لا تفيد الادبيات او الصناعي أيضا. هذه المجموعة من المواد في معرض ان يستفيد منها ونفس المعرضية مطلوبة لبناء الشخصية. فهذه المعرضية مثل ما يقال هي بنفسها غرض توسطي ومطلوب وهذا ليس غيريا بهذا المعنى. الغيري انه لا يراد على اية حال بل يراد حين ما يراد الغاية وذي المقدمة. ففي الحقيقة وسعوا تعريف الواجب النفسي انه ما يراد على أي حال ولو حكمة الامر به الوجوب والايجاب له هو التهيئ والاستعداد وفي نفسه هذا مطلوب. من ثم بعضهم قال حتى وجوب السفر للحج ليس وجوبا غيريا بل وجوب نفسي. مثلا الان عندك خيارات ان تسافر مع حملة وسط الشهر او اول الشهر او اخر الشهر. اذا بنيت ان تسافر آخر الشهر وفعلا صار حادثة وتوقف السفر. يقال ان استقرار الحج يبقى في ذمة المكلف وليس هنا انتفاء الاستطاعة لان الاستطاعة كانت موجودة لديه اول الشهر ووسط الشهر. فهو يستقر الحج في ذمته. من ثم قالوا ان يستعجل في السفر لانه لابد ان يهيئ نفسه ان يتواجد في الأماكن المتبركة. فبعضهم قال هذا نوع من الواجب النفسي غير وجوب الحج نفسه لان هذا الواجب في نفسه لو يكون واجدا متمكنا قريب المرمى للحج فالإعداد في نفسه مطلوب. تعبير الامام الصادق ليتفقهن احدكم يكون فقيها. فانه لا يعلم متى يختلج اليه ويصير الحاجة اليه. لابد ان تكون فقيها بغض النظر عن ان ترشحك الانتخابية قوية لابد من ان تصير فقيها لانه قد يكون عندك حاجة فنفس الاعداد هو مطلوب. هذا التهيئ ليس تهيئا منوطا زمانا ووجودا للغير يعني ما يجب لغيره بحسب زمان الغير ويدور مدار وجود الغير وجوب الغير نعم هذا غيري. من ثم المقدمات المفوتة نفسية. فالغيري ضيقوه الى ما انيط وجوبه لايجاد اعداد وجوب قريب لذي المقدمة ويناط وجوبه لموضوع ذي المقدمة وزمانه. فلما يتضيق معنى الغيري بالتالي يكون النفسي أوسع. غاية الامر يكون النفسي اقسام والوان وأنواع. فالفقيه عندما يريد ان يستنبط في أبواب الفقه لابد ان يلتفت الى هذا التنويع.
لذلك ذكرت ان الطريقي عندهم واجب نفسي في قبال الغيري. مع ان الطريقي بالقطع عندهم حتى العقوبة ليس عليه الا نادرا من قال بذلك لكن مع ذلك الطريقي نفسي في قبال الغيري لانه لا يناط بشيء آخر بزمان او موضوع او ما شابه ذلك. فجل الاحكام الظاهرية احكام نفسية وليست غيرية. النفسي له اصطلاحات. كما مر بنا.
النفسي في قبال الغيري هو الذي لا يناط وجوبه بزمان او موضوع ذي المقدمة او الغاية بينما الغيري ما يناط وجوبه ووجوده بموضوع وزمان الغاية وهو دخيل قريب في الوجود. هذا تعريف الغيري. هذه الثلث قيود لابد ان تتوفر معا والا يكون الواجب نفسيا. فالنفسي له معنى واسع. قد يكون طريقيا وقد يكون تهيئيا والحال ان الطريقي ليس عليه عقوبة مثل الغيري مع ذلك هو نفسي وليس غيريا.
طبعا هذه التقسيمات ليست خاصة بوجوب الشرعي بل يشمل الوجوب العقلي بل الوجوب العقلائي ثلاثة اقسام. منظومة التقنين متكررة في ثلاث عوالم وليست خاصة بعالم معين. فاذا النفسي ما هو اعم وذكرت لكم انه ليس بحث طرف علمي بل سيتبين انه كيف بحث ابتلائي في يوميات الأبواب الفقهية.
من باب المثال: الوضوء فيه ملاك نفسي وملاك غيري. الطهارة في الوضوء وليدة الملاك النفسي او الملاك الغيري؟ القدماء الى بعد العلامة الحلي قبل الوحيد البهبهاني كانوا يبنون على ان الطهارة في الوضوء وليدة الوجوب الغيري. حينئذ مشروعية الوضوء وطهارة الوضوء منوطة بدخول الوقت او تحقق موضوع ذي المقدمة وزمان ذي المقدمة. كم افتوا فتاوى رحمة الله عليهم ببطلان الوضوء وببطلان الصلاة حتى الان موجودون بعض الاعلام هي نفس مناطات القديمة في الغسل.
الغسل والطهارة في الغسل وليدة الحكم النفسي او الغيري؟ الى يومنا هذا في حيث وبيث. الطهارة في الغسل متى تتحقق ومشروعة؟ اذا البحث حساس. كيف نضبط انها غيرية او نفسية؟ ربما أربعة عشر من الفقهاء بنوا على ان الطهارة في الغسل وليدة من الحيثية النفسية من الغسل. فغير مرهون بذي المقدمة. كل هذه المشاكل في الغسل احد حيثيات البحث فيه هو هذا. اذا حيثية النفسية والغيرية في الاحكام لها آثار. بعضهم فرقوا بين الوضوء والغسل. القدماء وحدوا بين الغسل والوضوء والتيمم. السيد الخوئي يفترق بين الوضوء والغسل مع انه علميا لا يفترق. الأكثر يقولون ان الغسل والتيمم ليس نفسيا بل غيري. فالبحث له ابعاد. هذا مثال وللبحث احكام أخرى متعددة. هل الحكم نفسي او غيري ضبطها شيء مهم.