الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/11/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مبحث الأوامر، مقدمة الواجب

كان الكلام في التعلم كمقدمة علمية وادلة وجوب التعلم سواء الأدلة التي على مقتضى القاعدة او ادلة الوجوب التي وردت في الايات والروايات فهل شاملة للصبي ام لا؟

مر بنا ان جملة من القدماء ولا أقول كل القدماء لكن في الجملة عند القدماء او بعض المتاخرين ان حديث رفع القلم عن الصبي هو رفع المؤاخذة كانما الشهيد الأول في الفوائد والقواعد بنى على ان الرفع هو رفع المؤاخذة وليس رفع قلم التكليف وقلم التشريع وكانما الترديد في الاستظهار موجود لا ان الشهيد الأول يتردد لكن يبدي مقارنة بين كلام المتاخرين من رفع التشريع ذكرنا ان حديث رفع القلم يشتمل على نائم ويشتمل على المجنون والنائم من الضروري بحسب الفقه ليس الرفع فيه للتشريع لذلك يجب عليه القضاء «اقض ما فات كما فات» سواء في الصوم والصلاة. فالرفع في النائم للمؤاخذة وليس رفع قلم التشريع بينما الرفع في المجنون كانما رفع التشريع لكن فيه التأمل لان المجنون درجات. المجنون الذي لا يعقل أصلا ان حديث الرفع ظاهرا ليس بصدده وليس محل الكلام. لان الرفع منه تعالى في مكان يمكن المؤاخذة لكن الشارع رفع تخفيفا. أصلا اصل حديث الرفع يدل على ان الأرضية موجودة لا انه تكويني غاية الامر يتدبر انه رفع التشريع او رفع المؤاخذة والصحيح انه رفع المؤاخذة. كما في النائم وطبقات المجنون رفع المؤاخذة. فيه رواية ان كل معصية هي جنون. أيا ما كان اذا الرفع هنا عند المتقدمين نسبة منهم لا يبنون على انه رفع التشريع وانما هو رفع المؤاخذة.

هل رفع المؤاخذة هي رفع مرحلة التنجيز او رفع مرحلة الفاعلية او مرحلة الفعلية التامة؟ اصل الفعلية ليست مرفوعة على هذا المبنى يعني الاقتضاء والتشريع وهذا يدل عليه شواهد كثيرة. في باب الحدود بوضوح يدل على ان المبغوض تشريعا عند الكبار مبغوض تشريعا حتى في الصغار عند الشارع لذلك هناك تعذير ولو لم يكن حدود. شواهد عديدة في هذا المضمار مثل روايات الحج بحث طويل الذيل مطبوع في بعض مجلدات شرح العروة ومفصلا تعرضنا اليه لعل في كتاب الحج. بحث المعاملات وبحث العبادات في الصبي وبحوث عديدة. لكن كخطوط عامة اجمالا ما عرف عند المتاخرين من رفع قلم التشريع ليس بصحيح. ما ببالي ان الرفع استعمل في رفع التشريع. التكليف كما مر بنا يعني التنجيز والكلفة. نعم التنجيز كاستحقاق العقوبة مرفوع عن الصبي. المقصود ان الصبي لا يرفع التشريع عنه بل كما مر بنا بنا امس فرائض الاعتقادية متسالم عليه انه لو آمن الصبي يحكم عليه انه مؤمن ولو ارتد فيه مشكل واشكال انه لو كان من ابوين مسلمين هل يعامل معه معاملة المسلم بتبعية الابوين المسلمين؟ المهم حتى جملة من المتاخرين اقروا بان في جانب الفرائض الاعتقادات لا يمكن ان يقال برفع التشريع وهذا داعم اخر لنفس ما ذهب اليه جملة من المتقدمين.

نعم ورد هناك روايات في ان عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة. هل هذا مطلق او في خصوص الحدود والديات؟ المشهور حتى المتقدمين استفادوا منها ان إرادة الصبي ناقصة وليس إرادة تامة وكلام الصبي وانشاء الصبي أيضا ناقص لا انه كالعدم. فيهم من ذهب ان كلام الصبي كالهذي من الكلام ولكنه غير صحيح. لا هو كالهذي من الكلام ولا هو كلام جدي يترتب عليه. ناقص الإرادة لا انه ليس له إرادة. هذا بحث طويل الذيل يعني بحث في القابل وليس بحث في المقتضي للتشريع الذي بحث في الملاكات والمصالح والمفاسد في الاحكام. إرادة الصبي بحث في القابل والمكلف والذي عليه المشهور طبقات الفقهاء ان له إرادة لكن إرادة ناقصة. وبهذا السبب الصحيح ان البلوغ قيد في الفعلية التامة والفاعلية وليس فقط في التنجيز. شواهد من المنظومة والأدلة الكثيرة ذكرت جملة منها.

من ذهب المشهور حتى القائل بمشروعية عبادات الصبي عندهم ان عبادات الصبي يشكل اجزاءها عن البالغ. مثلا الصبي المراهق للبلوغ اذن اذان الاعلام فحينئذ لا يجزي عن اذان الاعلام فضلا عن اذان الصلاة. فيه خلاف لكن المشهور يذهبون الى عدم الإجزاء. كذا لو اذن لصلاة الجماعة. رفع الفعلية التامة حتى بناء على مشروعية العبادات الصبي للعمومات الأولية عندهم ان كون إرادة الصبي ناقصة لا يجعل أداء الصبي تامة كانما صلاة منقوصة بسبب إرادة الصبي. قد يؤيد او يشهد لذلك بان الصبي لو حج قبل أيام من بلوغه لم تبرء ذمته عن حجة الإسلام ولابد منه اذا بلغ ان يعيد الحج. نعم لو بلغ قبل المزدلفة او في المزدلفة بحيث ادرك المزدلفة بالغا وان لم يكن بالغا حين الاحرام وحين عمرة التمتع والوقوف لكنه بلغ في الركن لان ركن الأركان في الحج عند مذهب أئمة اهل البيت هو المزدلفة عكس ما ذهب اليه العامة ان الركن عرفات. هذا مؤيد على ان أداء الصبي ناقص. من ثم لو صلى صبي على ميت يستشكلون في إجزاءه فلابد من ان البالغين يصلون. لو غسل الصبي ميتا يستشكلون في إجزاءه عن الكبار. نعم ان التحنيط والتكفين والاغبار في القبر توصلي ولا مانع منه ان يفعله الصبي. اما غيره من العبادات فلا. اجمالا هذا مبنى مشهور او جملة من المتقدمين وهو الصحيح.

النائيني استثني التعلم عن الفرائض التي ترفع عن الصبي شبيه الفرائض العقائدية كما مر بنا سيما المميز لا ترفع عنه ويصح اسلامه وايمانه فكذلك في التعلم. السيد الخوئي رحمة الله عنده باعتبار مبنى المتاخري الاعصار من رفع التشريع عن الصبي فلم يقبل في رافعية حديث الرفع استثناء التعلم او المقدمات المفوتة فيقول ان الصبي ليس ببالغ فيرفع عنه كل شيء. حتى المترشح من منطقة ما بعد البلوغ بالدقة مترشح وجوبها سواء النفسي او الغيري من ما بعد البلوغ على اية حال رفض هذا كما مر بنا لكن الصحيح ان حديث الرفع لا يفيد القيد في الوجوب انما هو قيد لاصل التنجيز.

لا بأس اضيف: نفس ما ورد في الحدود و التعزيرات بل حتى في تلك الروايات وفتوى الجل ان لم يكن كل ان تعزير الصبي طبقات اما بحسب سن الصبي او بحسب الحرمة التي يأتي بها او بحسب التعداد التي يأتي بها كل هذا يدل على ان التنجيز المرفوع عن الصبي يعني الاستحقاق العقوبة التام والا العقوبة التي هي فلسفتها التأديب من قال انه مرفوع عن الصبي. بل فيه حديث مستفيض تطبيقه في الصبي ان الحدود لا تعطل حتى في الصبي وذلك لا بالحد التام بل بالتعذير كي لا تطل حدود الله. هذا شاهد آخر ان التنجيز غير مرفوعة من الرأس فضلا عن التشريع. في باب الحدود جمعنا روايات كثيرة في باب الحدود ان المراد من الحدود ليس خصوص موجبات العقوبة كالزنا والفجور والخمر والقذف والسرقة ليس المراد من الحدود في لسان الشارع فقط خصوص موجبات العقوبة بل المراد من الحدود كل احكام الله بشواهد عديدة. تلك حدود الله استعمل القرآن الكريم كلمة الحدود في احكام الزوجين والموارد العديدة. فنفس تعبير امير المؤمنين انه لا تعطل حدود الله يعني حتى في الصبي معناه ان التشريع لا مرتفع عن الصبي. العقوبة أيضا ما مرتفع تماما. وفيه تعبير انه اذا بلغ فقد وجب عليه الحدود التامة والعقوبة التامة لا ان اصل العقوبة ما موجودة. فالصحيح ان العقوبة التي مرفوعة فسرتها كثير من الروايات انها عقوبة تامة او التنجيز التام او فسرته جملة من الروايات يعني ان تدوين السيئة بلحاظ الآخرة ما موجود. لا ان السيئة ليست سيئة. في كثير من الموارد امير المؤمنين سلام الله عليه يطعن على معاوية وبني امية ان هؤلاء صغارا كانوا اشرارا. هذا الطعن باي معنى؟ لو لم يكن الصبي أصلا كالعدم أي معنى للطعن؟ فكون الصبي حركا شيء وكونه شريرا شيء آخر. من كمال الصبي كونه حركا او الموذي بمعنى الحرك لكن كونه شريرا بحث آخر. وهذا يدل على ان هذه اصفات او الأفعال تطبع على الصبي حتى التعبير في الرواية منة لا تكتب عليه سيئة. السيئة هي السيئة لكن منة من الله لا تكتب عليه السيئة. البحث في منظومة الصبي بحث مفصل ومؤثر في الأبواب الفقهية ويحتاج الى لملمة كثيرة. اجمالا هذا البحث في المقدمة المفوتة.

يقع الكلام في مبحث آخر ذكره صاحب الكفاية من اقسام مقدمة الواجب تعريف الواجب النفسي والغيري. طبعا هذا البحث يخوض فيه الاصوليون لغايات عامة في المقدمة الوجوب الغيري وافتراقها عن الوجوب النفسي ولكن بالذات من الأمور التي يستهدفه الاصوليون في هذا البحث كما سيأتي هي المقدمات الشرعية للواجب كالطهارات الثلاث. كيف يمكن تصوير الحكم فيها؟

اجمالا البحث في ما هو تعريف الواجب النفسي والواجب الغيري؟ البعض قال بين الواجب النفسي والغيري عندنا خيار ثالث وجوب لا هو نفسي ولا هو غيري مثل وجوب المقدمات المفوتة التي للتو انتهينا منها. قالوا ان تعريف الواجب النفسي والغيري لا ينطبق على المقدمات المفوتة. لان المفروض ان المقدمات المفوتة تكون فعلية الواجب والوجوب بعد زمان المقدمة فكيف يكون غيريا ولا واجب نفسي. لانه ليس مستقلا لنفسه. فاذا المقدمات المفوتة هكذا ذهب البعض لا هي وجوب نفسي ولا هي وجوب غيري. هذا صحيح او لا رد عليه الكمباني وسيأتي.

فاذا ما هو تعريف الواجب النفسي والغيري؟ معروف في تفسيرهما ان الواجب النفسي ما وجب لنفسه والغيري ما وجب لغيره. هذا التعريف على هذا الاجمال قد يشكل عليه ان الواجبات والتشريعات في الشريعة لا تتمحض في غايات في انفسها بالذات بل هي لغيرها. من باب المثال بيان عظيم عند الفقهاء فقهاء الشريعة بغض النظر عن الففقهاء القانونيين الوضعيين باعتبار انهم يقسمون الفقه الى العبادات والمعاملات والايقاعات والاحكام. الاحكام يعني القضاء والقصاء والشهادات والحدود والديات ولعل من قبيل السلطة. اجمالا ليس كلامنا في هذا التقسيم انه دقيق او لا اجمالا هذا التقسيم موجود. والا فيه تقسيمات أخرى كثيرة لسنا في تقسيم الفقه وتبويب الفقه والا المبحث صناعي هام. المعروف عند افقهاء الشريعة ان الاحكام هدفها رعاية تشريعات في المعاملات والايقاعات سواء الأحوال الشخصية او الأحوال العامة. شرع باب الاحكام لتنظيم المعاملات والايقاعات. وما هي الغاية من المعاملات والايقاعات. الغاية من تشريع باب المعاملات والايقاعات سواء الأحوال الشخصية او العامة الغاية منها تأميل حاجيات الانسان البدنية وغيرها كي يتفرغ الانسان لعبادة ربع. فالغاية صارت «ما خلقت الجن والانس الا ليعبدون» الغاية هي الوصال الى الله. فاذا على هذا الكلام حتى العبادات بينها مراتب. كون الصلاة اعظم عبادة على الصوم والجهاد وكذا العبادات بالدقة هي لها طبقات ومراتب. الصلاة كما نقحناها في مبحث الشهادة الثالثة في الجزء الثالث برمتها مقولة ومقالة اعتقادية وهذه نكتة جدا مهمة وان كان الفقهاء ما ركزوا عليه كثيرا. الصلاة ليست فيها رائحة غير العقائد. اقوالها كلها عقائد وطقوسها العملية كلها عقائد. برمتها عقيدة فكانما عقيدة متجسدة ومتروحة فيها بعد روحي وبعد جسماني وليس فيها شعرة عمل بدني. هذه نكتة مهمة تفيد في احكام الصلاة حتى خلل الصلاة من ثم صارت عمود الدين بعد العقائد. ان كان وجوب الصلاة ووجوب العبادات بعد عقائدي وليس بعدا فرعا من الفروع وكرار مر بنا. أداء الصلاة من الفروع حتى هذا الأداء أداء عقائدية. الصلاة ليست من الاعمال بالدقة عمل برمتها عقائد أداء فضلا عن وجوب الصلاة. كل الفقهاء تسالموا على بعد الوجوب في الصلاة عقيدة وليس من الفروع. هذه النكات ضروري الالتفات اليه.

اجمالا كل واجب غاية لواجب اعلى منه. فيه بيان من الامام الصادق في الصوم والطواف والزكاة ان كل عبادة جهات بدني وجهات نفسي وروحي وفكري. صوم بدني وصوم قلبي وصوم روحي وصوم فكري. الطواف فيه روايات مستفيضة ان لم تكن متواترة عندنا طواف بدني وجسمي وطواف قلبي والمعصوم دائما في الطواف القلبي والزكاة فيها الزكاة القلبية والروحية ان كل عبادة في نفسها طبقات.

المقصود كيف نميز الواجب الغيري عن الواجب النفسي؟