الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/11/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ، مبحث الأوامر، مقدمة الواجب

كان الكلام في القيود الشرعية انها تتوزع على مراحل الحكم الشرعي.

على أي حال مبحث حساس وهنا نكتفي بهذا القدر ونشرح التتمة في مواطن أخرى. فاصل الفكرة كانت في ان هناك مقدمات وجودية للواجب ووجوبها يسبق زمان الوجوب وزمان الواجب، فمن الحلول كان الواجب المشروط بالشرط المتأخر وهو في الحقيقة وجوب متقدم مشروط بالشرط المتأخر او الواجب المعلق وهو كذلك ان الوجوب يسبق زمانه يسبق زمان الواجب او الملاك الملزم عند الميرزا النائيني وهو وجود مرحلة الحكم الفعلي الناقص لان وجود الملاك الملزم لابد ان يكون جزئيا وليس من المراحل الكلية الانشائية.

فيه وجه آخر ذكره الميرزا النائيني وهو الضرر المحتمل وهو ملزم باعتبار اننا نحتمل ان ليس هناك خلل في الحكم الشرعي من ناحية القيود الشرعية وانما الخلل من ناحية القيود العقلية وهي لا تعدم الحكم الشرعي او الملاك. هذه ضابطة في الفرق بين القيود الشرعية والقيود العقلية ان القيود العقلية عدم توفرها لا يخل بوجود الحكم الشرعي او ملاكه وانما يخل في استحقاق العقوبة اذا كان عن عذر. ولو الصحيح ان مدرسة النائيني يحصرون القيود العقلية في خصوص المراحل العقلية للحكم الشرعي. سبق ان مراحل الحكم الشرعي تنقسم الى مجموعان، مجموعة مراحل الانشائي ومجموعة فعلي ومجموعة الفاعلي التام والناقص ومجموعة التنجيز والامتثال واحراز الامتثال وهذه المجموعة الأخيرة يعتبرونها من المراحل التكوينية والعقلية.

مدرسة الميرزا النائيني يحصرون القيود العقلية في المراحل الثلاثة الأخيرة او المرحلة الفاعلية مثلا ولكن الصحيح ان القيود العقلية عند المشهور او عند ارتكاز الفقهاء قابلة للتصوير في كل مراحل الحكم الشرعي حتى في مراحل الانشائية ودخلها عقلي ونمط الدخالة والتأثير من مرحلة أخرى بالنسبة الى القيد العقلي. الان لسنا في صدد هذا البحث. فاذا القيود العقلية تنتشر في كل مراحل الحكم الشرعي كما ان القيود الشرعية تنتشر كذلك. اجمالا نمط دخالة القيد الشرعي تختلف عن دخالة عن القيد العقلي.

القيد العقلي يعني ان الحاكم بان هذا القيد قيد للحكم هو العقل مثل القدرة او العلم بخلاف القيد الشرعي الذي اخذه الشارع وليس دوما القدرة الحاكم بها العقل بل قد يكون الحاكم بها الشرع مثل مبحث الوضوء والغسل ﴿فان لم تجدوا ماء فتيمموا﴾ يدل على ان الغسل والوضوء والطهارة المائية اخذت فيه القدرة. طبعا انحاء اخذ القدرة من قبل الشارع يختلف، مثلا خصوص الطهارة المائية سوغ الشارع تفويتها عند حاجة الرجل بامرأته ولو بعد دخول الوقت عند عدم الماء. المحتاج ليس بمعنى الاضطرار فيسوغ ان يقارب زوجته ولو يتمم بعده للصلاة. فلا حرج عليه ان يرفع الطهارة. فاذا الطهارة المائية سوغ الشارع تفويت القدرة عليها في صور مع اختلاف من الاعلام واجمالا النصوص موجودة. فوجوب الطهارة المائية اخذت فيها القدرة المائية بنحو خاص يعني حتى لو اتلفت الماء يمكن التيمم بعد دخول الوقت فضلا عن خارج الوقت. ليس ملزما ان يحافظ على الطهارة المائية. على كل فيه تفصيل حسب النصوص الواردة.

أخيرا وقفت على نص صحيح دال على لزوم الصلاة لفاقد الطهورين بل نصوص دالة على ان الصلاة لا تسقط عند فاقد الطهورين. النصوص واردة في صلاة الغريق وكيفية دلالته يحتاج الى الانتباه على لزوم الصلاة ولو مع كونه فاقد الطهورين. فالمقصود بحث القيود الشرعية يمكن ان تتنوع وتتشكل. ربما قيد معروف انه قيد عقلي لكن الشارع يتصرف فيه مثل الاستطاعة لانها بمعنى القدرة ولو القدرة بمعنى خاص مع ذلك الشارع اخذها وهي دخيلة في الملاك عند المتأخرين لا عند المتقدمين. وهذه نكتة جدا مهمة ان نفس القدرة لها أنواع قد يأخذ بعض الشارع بعض أنواعها وبعض أنواعها قيد عقلي ويمكن انها تكون قيد عقلي ويأخذها الشارع بنفس الدائرة او اضيق او أوسع لان الشارع اعلم بالملاكات التي ينشأ الحكم منها. مثلا العلم ربما يأخذه الشارع قيدا شرعيا للوجوب هذه نكات لازم ان نلتفت اليها في القيود الشرعية والعقلية.

المعروف عند الأصوليين والفقهاء ان القدرة العقلية بمعنى ان الحاكم بأخذها هو العقل، المعروف انها عند الشك لا تجري البرائة بل يلزم مراعاة الواجب الشرعي او بعبارة أخرى عند الشك في القيود العقلية ليس مجرى البرائة بل مجرى الاحتياط لو شك المكلف في القيود العقلية. هذا فارق مهم بين القيود العقلية والشرعية. في القيود الشرعية انها هل مجرى البرائة مطلقا فمحل بحث وبحث آخر، هل هي دائما مجرى البرائة او الأصول العملية النافية محل الكلام. مثلا لو شك انه مستطيع او لا هل لا يفحص عن مقدار رأس المال الذي لديه؟ الفحص الموضوعي عن القيود الشرعية هل يلزم المكلف به او لا، محل بحث. اجمالا نقول. بخلاف القيود العقلية عند الشك فيها ليس مجرى البرائتين بل مجرى الاحتياط. لان الفرض ان القيود العقلية يعني ان القيود الشرعية تامة والملاك موجود ولا يمكن تفويت الملاك التام فيجري الاحتياط. بخلاف القيود الشرعية فيها الكلام هل لايلزم المكلف بالفحص الموضوعي عنها محل الكلام. مثلا ماء الشعير الموجود في الأسواق اذا كان فقاعا يحرم شربه لانه خمر استصغره الناس واذا ليس فقاعا لا يحرم شربه، فهل يلزم بالفحص؟ بعض الاعلام كان يقول بالبرائة مثل البقية فذكرت بخدمته ان هذا الشك هنا ليس شبهة موضوعية محضة بل يرجع الى المفهومية لانه ليس التباسا في الخارج بل الالتباس في مفهوم الفقاع ومفهوم البيرة والشك اذا رجع الى المفهوم يكون شبهة حكمية وليست شبهة موضوعية والشبهة الحكمية الأصل فيها الفحص و ليس البرائة. هو عدل عن الفتوى بالبرائة في سنين وبعدها رجع الى البرائة.

المقصود ان الشك في القيود الشرعية في الشبهة الموضوعية يختلف عن الشك في القيود العقلية. هذا بحث يقرر البرائة عن العلم الإجمالي انه يلزم الفحص في القيود الشرعية ام لا. مثلا انت قاصد مدينة الف وليس لك الترديد لكن لا تعلم انه هل بين المدينة ووطنك مسافة شرعية ام لا؟ فهل يلزم لك الفحص؟ اذا كانت مسافة لازم ان تقصر واذا لم يكن المسافة فلايلزم عليك التقصير. قد يتخيل انه هنا لم يقصد المسافة لانه قصد المدينة، لكن هذا التخيل غير صحيح لان المراد بقصد المسافة قصد واقع المسافة وان لم يعلم بعنوان المسافة. المدار في السفر او الإقامة مثل ان يكون قاصدا ان يقيم الى تاريخ كذا لكن لا يعلم ان اليوم ماذا تاريخه، هل يتحقق قصد الإقامة؟ المشهور وهو الصحيح يقولون ان قصد المعنون كاف وما هو معنى قصد المعنون وقصد العنوان؟ المعنون يعني واقع المسافة بين المدينة والوطن هو قصدها لكن عنوانها انها ثمان فراسخ هو شاك فيه. فهل المقصود في قصد المسافة قصد المركب او البسيط؟ البسيط يعني واقع المسافة وهو المعنون والمركب يقصد الواقع ويقصد وصفه وعنوانه. هذه نكتة مهمة في الأبواب الفقهية وليست في صلاة المسافر فقط. في بعض الأبواب قصد الشيء فقط لا يكفي بل لابد من قصد الشيء وعنوانه لكن في بعض الأبواب لابد من قصد المعنون فقط. مثلا اعتقاد المسلمين اجمع بعنوان صاحب العصر والزمان بديهي حتى الوهابية يعتقدون بمجيء ابن وولد من ولد فاطمة سلام الله عليها ويصلح الأمور ويملأ الأرض عدلا وقسطا. لكن المعنون يحتاج له براهين الهية وعقلية كي نلتفت الى ان العنوان الذي نحن نعتقد به معنونه هذا الشخص سلام الله عليه. لذلك بعض الفرق المنحرفة تثير جدلا وخدعا ان الاعتقاد بالمهدي سلام الله عليه كيف يكون ضروريا ونحن لا نقر بهذا المصداق؟ لكن الاعتقاد بعنوان الامام مهدي ضرورة. اذا حكم العنوان يختلف عن حكم المعنون فحيثيتان وليست حيثية واحدة حتى في الاعتقاد بالامام المهدي سلام الله عليه. من ثم يقيم الله عزوجل معاجز في السماء والأرض كي يلتفت البشر ان المهدي الذي يعتقدون بالبداهة بعنوانه معنونه هذا الشخص الشخيص المقدس. فبحث العنوان غير بحث المعنون.

حتى ورد لدينا في رجعة سيد الشهداء حسين بن علي سلام الله عليه. يرجع كل امام قبل رحيل الامام الذي يسبقه، فسيد الشهدا اول الأئمة الذي يرجع مكافاة من الله على الذي شهدوه. سبب ذلك لكي يعرف صاحب العصر والزمان ان الحسين بن علي الذي تعتقدون به هو هذا الشخص سلام الله عليهما وليس بكاهن ولا ساحر لان عنده قضايا ملكوتية. كذلك عند ما تثبت معرفة الناس بالحسين بن علي يأتي اجل صاحب العصر والزمان. كذلك في دولة الحسين قبل رحيل سيد الشهدا يرجع امير المؤمنين. يعني كل امام يعرف الامام بعده. اذا فيه قصد العنوان وقصد المعنون.

ذكرناه هنا على أساس بحث الشبهة الموضوعية والشبهة الحكمية ان العنوان من قبيل الشبهة الحكمية والمعنون من قبيل الشبهة الموضوعية.

اذا القيود تختلف انواعه. فالوجه الرابع في المقدمات الوجودية التي تكون دخيلة في الحكم هو دفع الضرر المحتمل، هو ضرر محتمل لان الشك في القيود العقلية وليس الشك في القيود الشرعية. مع الشك في القيود العقلية الأصل الالزام. مثلا الان يجب على الانسان والاصل في الفرائض اليومية ان تكون صلاته صلاة من قيام وتختلف عن صلاة الجالس وصلاة المضطجع. فلو شك هل له القدرة على القيام ام لا فليس له الصلاة جالسا، بل يجب ان يحاول ان يصلي قائما. فليس له أن يبني على استصحاب العجز بل لازم عليه ان يتحرر من الصلاة جالسا. فالصلاة من القيام اشد ركنيا من بقية اركان الصلاة.

هذا اجمال البحث في المقدمات الوجودية هكذا. فتحصل ان المقدمات الوجودية التي هي دخيلة وجودية في إيجاد الواجب هذه المقدمات الوجودية طريق الالزام بها قبل زمان الوجوب وقبل زمان الواجب اما الواجب المشروط بالشرط المتأخر او الواجب المعلق او الملاك الملزم ومر انه نفس وجوب الفعلي الناقص او دفع الضرر المحتمل او الدليل الخاص كما في وجوب التعلم. هذه وجوه لالزام بالمقدمات الوجودية قبل زمان الوجوب وزمان الواجب.

هذه المراحل للحكم الشرعي ضبطها يحتاج الى بسط وتكرار وعلى الاخوان في تكوين ملكة الاجتهاد ان يتحروا أسماء مراحل الحكم في كلمات صاحب الكفاية لاسيما كلمات العراقي وكلمات الشيخ الانصاري في بحث الالفاظ بتقرير تلميذه الكلانتر في كتاب مطارح الأنظار وانصافا هذا الكتاب كتاب جزل. الكفاية في الالفاظ كالتلخيص لكتاب مطارح الأنظار كما ان المجلد الثاني من الكفاية تلخيص لكتاب الرسائل. جيد للاخوة ان يفحصوا عن العناوين لان الفحص يوجب التثبت.

بقي بحث مقدمة تحصيل العلم والتعلم للأحكام، تعلم الوجوب او تعلم الواجب أي تعلم مركب الصلاة او الحج. فتعلم الاحكام اعم من اصل الحكم او متعلق الحكم. بعض أنواع التعلم مثلا في الحج او الصلاة اذا لم يكن فيه مرافق قطعا دخيل في تكوين القدرة بحيث اذا ما يتعلم لا يكون القدرة. حتى اذا كان لديه المرافق لكن اذا لم يعلم ان بدء الطواف من اين او حجر الأسود كثيرا ما الاخوة المؤمنون يذهبون الى الحج لكن لا يدرون من اين يبدء الطواف فطوافهم مشكل والسعي من اين وأين ينتهي. ماذا الاحرام ومن اين يبدء الاحرام وتكبير الاحرام وهي التلبية «لبيك اللهم لبيك ولبيك لا شريك لبيك ان الحمد لك والملك ...» هذه بمثابة تكبيرة الاحرام وتدخل في النسك. وتسليم النسك هو التقصير او الحلق. على كل في التعلم في جملة من الواجبات مثل الحج او الصلاة حتى المعاملات بدونها لا تنوجد وما عنده قدرة على ايجادها ولابد ان يتعلم قبل الوقت. مثلا الصبي ربما يبلغ في وقت ضيق فكيف يصلي. التعلم مقدمة احرازية وليس مقدمة وجودية.

بعض المقدمات وجودية يعني دخيلة في إيجاد الواجب اما العلم مقدمة احرازية الا ان العلم في جملة من الأبواب الفقهية مقدمة علمية وليس مقدمة احرازية فقط. فالبحث له نقاش لطيف.