44/10/19
الموضوع: الالفاظ، مبحث الأوام، مقدمة الواجب
مر بنا ان تنوع قيود قيود الواجب والوجوب له آثار متعددة وقيد الواجب قد يشترك مع قيد الوجوب في بعض الاثار ويبقى قيد الواجب والعكس كذلك وهذا لا بد من الالتفات اليه.
البحث عن الواجب المعلق وهو وصف لنفس الواجب. ما سبق من الواجب المطلق والواجب المشروط كان وصفا بلحاظ الوجوب لا الواجب لكن هنا الواجب المعلق وصف بلحاظ نفس الواجب وهذه نظرية صاحب الفصول وبالذات تعتمد في قبال الواجب المنجز علي التفكيك الزماني بين الوجوب والواجب حدوثا ان الوجوب حدوثه قبل حدوث الواجب ووقت الواجب كما لو بني علي ان الوجوب في الحج ربما الكثير او الأكثر يقبل انه قبل اشهر الحج من بداية السنة القمرية. لطيف ان السيد الخوئي استدل بهذا المقطع من الآية «ولله على الناس حج البيت» لام للملكية والوجوب فيدل على ان وجوبه متقدم على الواجب ولم يعلق على اشهر الحج فحيث لم يعلق على اشهر الحج فالوجوب في الحج متقدم على اشهر الحج وهذا التفكيك في دلالة الآية لو استمر فيه السيد اتضح ان «لله» شيء و«على» شيء آخر. لام لاصل الوجوب وعلى للتنجيز. فاصل مشروعية حجة الإسلام ما مرهونة بالاسطاعة وتنجيز الحج ومديونية الحج في الذمة مرهونة بالاستطاعة وربما جملة من القدماء بنوا عليه. هنا قيود الوجوب الشرعية قد تكون ليست لمرحلة واحدة. اصل الفعلية واصل المشروعية شيء والتنجيز شيء آخر. وهذا مما ينبغي التنبه بالقوة ان القيود الشرعية للوجوب ليس كلها لمرحلة واحدة بل قد تكون لمراحل عديدة.
تعريف قيود الوجوب انها تسهم في الاعداد الأرضية للملاك تعريف للقيود للفعلية والا قيود التنجيز لا ربط لها بالملاك كما نبني عليه وعليه شواهد عديدة ان الاستطاعة ليست قيدا لفعلية حجة الإسلام بل قيد لتنجيزها والا لو حج عن غير الاستطاعة فحجه مقبول. فاذا قيود الوجوب على مراحل.
فهو فكك بين «لله» وبين «على» لام لاصل الملكية، ملكية الفعل للشارع ملكية تكليفية ولذلك في الايات التي توجب الحج ليس فيها الاستطاعة «وأذن في الناس يأتوك في الحج» و«فمن حج البيت او اعتمر» «اكملوا الحج والعمرة واتموا» هذا الوجوب يختلف عن الوجوب في «اذن في الناس» و«لله على الناس» بل هذا الوجوب أي شخص انشأ الاحرام ولو مستحبا للعمرة والحج ينقلب المستحب الى الوجوب «لبيك اللهم لبيك» او احرمت بمثابة صيغة النذر يعني «تعهدت اليك ربي ان اجيب دعوتك على لسان إبراهيم» فهذا وجوب آخر وجوب إتمام النسك ما ان ينشأ فيه بحيث لو اخل في النسك يجب ان يقضي.
اصل فكرة صاحب الفصول ان الواجب المعلق هو الواجب الذي وجوبه متقدم زمانا على زمن الواجب وثمرته ان المقدات الوجودية قبل زمن الواجب بحيث لو لم يأت بها لامتنع أداء الواجب مثل السفر وتسجيل النوبة والأعداد فبالتالي هذه المقدمات الوجودية التي لا يتسنى الاتيان بها الا قبل زمان الواجب ثمرة كون الوجوب متقدما انه يلزم بالاتيان بها وهو ما قد يعرف بالمقدمات المفوتة يعني المقدمات الوجودية التي ان لم يأت بها قبل زمان الواجب تفوت الواجب. هذه اصل فكرة صاحب الفصول في الواجب المعلق ان الواجب معلق على زمان متأخر عن الوجوب في مقابل الواجب المنجز.
وقع الكلام بين الاعلام في إمكانية الواجب المعلق هل هذا الواجب المعلق يندرج في الواجب المطلق او الواجب المشروط. فجماعة قالوا ان الواجب المعلق هو من الواجب المطلق لان القيد الذي علق عليه الواجب قيد الواجب وليس قيد الوجوب. طبعا ما يقال ان الواجب مطلق او مشروط ما مقصودهم؟ الاطلاق وصف لوجوب الواجب والمشروط وصف لوجوب الواجب خلافا للواجب المعلق انه وصف للواجب. فهل يا ترى ان الواجب المعلق من الواجب المشروط او الواجب المطلق؟ ما المقصود من الواجب المشروط والواجب المطلق فهل لدينا وجوب ليس مشروطا؟ لا ليس لدينا فكيف يريدون؟ مقصودهم انه اذا لاحظنا كل قيد بنفسه ان الوجوب اما مطلق بالنسبة اليه او مطلق فالمطلق والمشروط نسبي. فهنا عندما يقال ان الواجب المعلق هو واجب مطلق او مشروط مقصودهم بلحاظ نفس القيد الذي علق عليه الواجب. هل الوجوب مشروط بالقيد الذي علق به الواجب؟ واذا كان مشروطا به الوجوب متقدم ويكون شرطا متاخرا. مثلا اشهر الحج اذا نفترض ان وجوب الحج يبدأ من اول شهر المحرم فقيد اشهر الحج بداية شوال وعيد الفطر ويكون اشهر الحج قيد الوجوب فشرط متأخر. هذا لو اعتبرنا ان القيد الذي علق عليه الواجب قيدا للوجوب اما اذا لم نعتبر فيكون الواجب المعلق من الواجب المطلق.
فالقيد الذي علق عليه الواجب وبذلك سمي الواجب المعلق هذا القيد قيد للواجب او قيد للواجب والوجوب؟ اذا كان قيدا للوجوب فيكون شرطا متأخرا. جماعة من الاعلام اصروا على ان هذا القيد قيد الوجوب أيضا منهم السيد الخوئي. بأي دليل؟ بدليل قاعدة غير تامة عند المشهور لكن يبني عليه الميرزا النائيني ان كل قيد غير مقدور ودخيل في الملاك اجمالا فهو قيد الوجوب. طبعا الميرزا النائيني في الواجب المعلق ينكر الواجب المعلق كما انه ينكر الواجب المشروط في الشرط المتأخر ولأن الواجب المعلق يعول الى الواجب المشروط بالشرط المتأخر فلايسوغ الواجب المعلق.
السيد الخوئي يبني على عدم استحالة الواجب المشروط ويعول الواجب المعلق عنده الى الواجب المشروط بالشرط المتأخر لان قيد الواجب غير مقدور كما قد يكون زمانيا. فبالتالي عند السيد الخوئي ان لواجب المعلق قسم من الواجب المشروط بالشرط المتأخر لذلك السيد الخوئي يقول ان الواجب المعلق عند صاحب الفصول نستغني عنه بالواجب المشروط بالشرط المتأخر. في الحقيقة هو ليس استغناء بل هو دمج يعني ان احد افراد الواجب المشروط بالشرط المتأخر هو الواجب المعلق.
لكن هذا المبنى الذي اسسه الميرزا لنائني ان كل قيد غير مقدور فلامحالة هو قيد الوجوب لا نسلم به ونحن نوافق المشهور. مثلا الاستقبال مقدور لكن القبلة ليس بإمكان المكلف فهو قيد الوجوب او الصيام في الزمان والصلاة في الزمان مقدور لكن نفس الزمان ليس مقدورا فهو قيد الوجوب. قيد الوجوب بغض النظر عن ظاهر الآية يعني ما دام الزمان قيد الواجب وهذا القيد في نفسه ليس مقدورا بل التقيد بالقيد مقدور والقيد قيد الوجوب. هذا مسلك عند الميرزا النائيني وهذا مبحث مهم بغض النظر عن المقام. نحن لا نرتضي لان صرف كون القيد غير مقدور لا يعني ان القيد دخيل في الإعداد الأرضية للملاك. غاية الامر ان القيد دخيل في التنجيز لكن من اين نقول انه دخيل في إعداد الأرضية. يعني بعبارة أخرى مرض الانسان قيد وجوب لشرب الدواء لكن طبخ وتناول الدواء على وجبات متعددة قيد الواجب. اصل المصلحة للدواء هو بسبب المرض فالمرض قيد اعدادي للمصلحة والا لو لم يكن مرض قد يكون الدواء سما. ففيه قيود تهيئ أرضية المصلحة ويسميه الميرزا النائيني التوصيف وفيه قيود توجب المصلحة والموجب للمصلحة كالطهور والساتر وهلم جرا موجدة للمصلحة لا انها تعد لارضية المصلحة. فالقيود نمطان. كل قيد غير مقدور من قال انه قيد الوجوب بهذا المعنى يعني دخيلا في أرضية المصلحة. غاية الامر انه غير مقدور فهو قيد في تنجيز الوجوب والوجوب ليس منجزا بدونه لانه غير مقدور. القدرة العقلية قيد في التنجيز وليس قيدا في اصل الفعلية ولذلك مر بنا قبل قليل ان قيود الوجوب ليس على منوال واحد.
قيود الوجوب عندنا مرحلة فعلية في الوجوب وهي كلية او جزئية؟ الفعلية الخارجية الوجوب فيها جزئي لكل فرد فرد من المكلفين والفعلي المقدر الحكم فيها كلي كما مر ان آخر مرحلة من مراحل الانشاء هو الفعلي المقدر. اول مرحلة اصل الانشاء والتدوين وهي مرحلة عقائدية والمرحلة الثانية ان الحكم مستبطن للملاك بغض النظر عن كونه عاما او خاصا. اذا اول مرحلة من ينكر حرمة الربا او وجوب الصلاة وهذه المرحلة بحث الفقهاء عنها في كل الأبواب. وامتثالها بالاقرار والمرحلة الثانية هي كونه ذو ملاك خلافا للاشاعرة بغض النظر عن كونه عاما او خاصا التي يعبر عنها الميرز النائيني الملاك الملزم والمرحلة الثالثة هي الفعلي المقدر الذي فيه تحديد العموم والخصوص وهذا الفعلي ليس منجزا ومحققا. هو انشائي يقدر ان يكون فعليا. فثلاث مراحل في الانشائية عند المشهور حتى في فلتات لسان النائيني والسيد الخوئي. هذه المراحل كلها الحكم فيها كلي ولابد نحفظ هذه المراحل لان لها اثار. لا ان ندمجها. بعد ذلك تأتي المرحلة الرابعة وهذه المراحل الاثار الشرعية لها مختلفة. المرحلة الرابعة الحكم فيه يكون جزئيا ويسمى الفعلي الناقص في تعبير الآخوند والشيخ الانصاري. بعده تأتي المرحلة الفعلية التامة المرحلة الخامسة. ماذا الفرق بين الفعلية التامة والفعلية الناقصة؟ مشهور القدماء التزموا ان الصبي فيه الفعلية الناقصة في الاحكام وليس له الفعلية التامة وهذا بحث مهم. الشهيد الأول أيضا التزم بمبنى القدماء. فعندنا فعلية ناقصة وفعلية ناقصة وعندنا قيود شرعية للفعلية الناقصة والبلوغ عند القدماء قيد في الفعلية التامة. بعد ذلك تأتي المرحلة السادسة فاعلية الوجوب ومحركية الوجوب فاعلية ناقصة والمرحلة السابعة فاعلية تامة والمرحلة الثامنة مرحلة التنجيز والمرحلة التاسعة مرحلة الامتثال والشارع قد يتصرف في الامتثال مثل «لا تعاد» انه تصرف شرعي في الامتثال عند المشهور خلافا للنائيني والسيد الخوئي. «لا تعاد» قيد شرعي والميرزا النائيني يجعله قيدا للفعلية والسيد الخوئي والسيد هادي الميلاني رحمهم الله خلافا للمشهور يقولون انه قيد للامتثال وفرق كبير. مرحلة عاشرة احراز الامتثال. قاعدة التجاوز والفراغ قيد شرعي في احراز الامتثال والشارع يتصرف بقيود ليس في مرحلة واحدة وهذه من اوليات وضروريات الاجتهاد الموزون ان نعرف القيود الشرعية في الوجوب في مراحل عديدة من الوجوب وليس في مرحلة واحدة. هذا غير قيد الواجب والآثار مختلفة جدا. غدا ان شاء الله نبين آثارها.