الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/10/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ، مبحث الأوامر، مقدمة الواجب

من الأمور التي مر بنا انه سجل السيد الخوئي مؤاخذة على الميرزا النائيني في دوران القيد بين قيد الوجوب والهيئة بنحو العموم الاستغراقي وبين قيد الواجب والمادة بنحو العموم البدلي ان هنا التعارض ليس بالذات بل التعارض هنا بالعرض لانه في الدليل الواحد لكنه زاويتان في الدليل الواحد لا انه دليلان فبالتالي لو كنا نحن ونفس الدليل الواحد من زاوية الوجوب والعموم الاستغراقي او زاوية الواجب والعموم البدلي ما كان هناك تناف، إما جعلنا القيد لهذا او لذاك فليس تعارضا بالذات وان التعارض بالعرض يعني ان نعلم ان هذا القيد قيد لاحدهما دون الاخر فاذا تعارض بالعرض وفي موارد التعارض بالعرض لا ترجيح دلاليا بين المتعارضين. هذا مفاد ما ذكره السيد الخوئي.

هذه النقطة مبنية على مبنى متأخري العصر والمشهور عندهم ان الترجيح في الدلالة لا يختص بالتعارض بالذات بل يعم التعارض بالعرض والتعارض بالذات ولا فرق بين النمطين. والعلم الإجمالي الذي يوجب التعارض عندهم يشكل قرينة دلالية فهذا الاشكال مبنية على مبنى متاخري العصر اكثرهم وليس جلهم وامس مر بنا الفرق بين التعارض بالذات والتعارض بالعرض وهما قسمان وفيه قسم ثالث الدوران بين الحجة واللاحجة.

هذه التفرقة بين الأقسام الثلاثة امر مهم ودقيق لان كل قسم له آثار لكن هذا الأثر الذي فرقه السيد الخوئي ليس صحيحا على مبنى المشهور. في التعارض بالذات والتعارض بالعرض كلا الدليلين حجة اقتضائية يعني ان شرائط الحجية موجودة فيهما ولو لا التعارض لوصلت الى الفعلية والفارق بين القسمين تارة التنافي بالذات وتارة التنافي بدليل ثالث شبيه موارد انقلاب النسبة انها بالدقة تعارض بالعرض وهو اقل تقدير ثلاث ادلة او أربعة او سبعة او اكثر وهذا نقض على السيد الخوئي وهو يلتزم به. في انقلاب النسبة في بعض الأدلة ليس بينها تعارض بالذات بل تعارض بالعرض. أصلا غموض انقلاب النسبة كونه تعارضا بالعرض الى حد ما وتستطعين بالدليل الخامس او الرابع ان تغير النسبة بين الدليلين او ثلاث ادلة او اكثر. هذا هو معنى انقلاب النسبة ويلتزم به السيد الخوئي. فاذا التعارض بالذات والتعارض بالعرض الدليلان كلاهما حجتان اقتضائيان والقسم الثالث اشتباه الحجة باللاحجة يعني ان احدهما غير واجد لشرائط الحجية واقعا. غالبا في موارد اشتباه النسخ يقع والتمييز بين هذه الأقسام مهم. هذا من باب الفائدة المعترضة.

قبل بيان الاشكال الآخر من السيد الخوئي نذكر توضيحا اهم وهو انه عندما نقول دوران الامر بين قيد الوجوب وقيد الواجب فما الثمرة؟ الثمرة هي ان قيد الوجوب لا يجب تحصيله مثل الاستطاعة او الزوال حتى لو كان القيد مقدورا لا يجب تحصيله أما قيد الواجب يجب تحصيله لكن هذه الضابطة ليست دائمية كلية رب قيد واجب أيضا لا يجب تحصيله وغالبا هذا في الواجب المعلق وفيه لا يجب تحصيل القيد مع انه قيد الواجب. اذا هذا الفارق فارق غالبي وليس دائميا. بهذا المقدار لا يمكن ان نميز بين قيد الوجوب وقيد الواجب.

أيضا بين قيد الواجب بهذا النمط أيضا وبين قيد الوجوب فيه فارق وعلى كلا التقديرين لا يجب تحصيل القيد. ويمكن ان يقال ان في قيد الواجب المعلق او غير المعلق القيد ليس دخيلا في أرضية ملاك الوجوب بل دخيل في إيجاد الملاك. مثلا «لا صلاة الا بالطهور» الوضوء والغسل دخيل في إيجاد الملاك وليس دخيلا في أرضية واعدادية ملاك وجوب الصلاة بخلاف الدلوك والزوال والغروب بالنسبة للصلوات اليومية دخيل في ملاك الصلاة وبدونه لا ملاك للصلاة. دخيل في ملاك الوجوب سواء كان قيد الوجوب قيدا مقارنا او قيدا متقدما او قيدا متأخرا. ليس ضروريا ان يكون قيد الوجوب مقارنا بل قد يكون متأخرا بل قد يكون متأخرا عن الواجب أيضا. الفقهاء عندهم ان مال الاستطاعة بمقدار الرجوع من مكة الى بلده مأخوذ في الوجوب والاستطاعة فلابد ان يحرزه. افترض ان الشخص ما عنده مال للاياب الان لكنه مطمئن انه يحصله بعد أيام الحج للرجوع وهناك من سيبذل له بطاقة الرجوع فهناك سيتحقق قيد الوجوب بعد الواجب ومتأخر عنه وعن الوجوب. فإذا قيد الوجوب دخيل في أرضية الملاك من دون ان يكون شرطا ان يكون بين القيد والوجوب تقارنا او تقدما او تأخرا.

العنصر الرئيسي في قيد الوجوب انه دخيل في أرضية الملاك، يعبر عنه المظفر تبعا لاستاذه النائيني والشيخ الانصاري شرط التوصيف لارضية الملاك يعني الإعداد. مثل «ابعد الله عنكم السقم والداء» ان الداء قيد الوجوب لتناول الدواء والا تناول الدواء في الأيام العادية سم للبدن سواء الدواء الكيميايي او دواء الأعشاب لكن في وقت المرض والداء هي قيد الوجوب يعني تصنع الأرضية لملاك الدواء. فاذا فرق رئيسي بين قد الوجوب وقيد الواجب.

اما قيد الواجب حتى لو كان مثل الواجب المعلق ليس هكذا. لا يغفل الباحث في التمييز بين قيد الواجب وقيد الوجوب. قيد الواجب في المعلق لا يجب تحصيله وليس من الضروري ان يكون كل قيد الواجب يجب تحصيله بل قد يكون قيد الواجب لا يجب تحصيله لكن قيد الواجب ليس دخيلا في أرضية الملاك بتاتا. فقط دخيل في إيجاد الملاك. ففيه اثر بين قيد الواجب وقيد الوجوب. هذه اثار يجب ان نلتفت اليه.

من باب المثال الولاية عند غالب علماء الامامية شرط صحة العبادات شرط الواجب وليس شرط الوجوب. حتى من ينقنق علميا في كونه شرط الصحة لكن لا يفتي بجواز استنابة العامي عن الميت المؤمن ولا يفتي احد بالصحة فهو شرط الصحة. الايمان شرط الصحة لكن الأدلة دلت على ان الايمان الذي هو شرط الصحة قيد الواجب وليس قيد الوجوب وليس من الضروري ان تكون مقارنا لكن منة من الشارع اذا لحق الايمان ولو في آخر عمره وتشهد بالشهادة الثالثة ولو في آخر عمره تصح جميع عباداته السابقة. فالشهادة الثالثة شرط صحة الشهادات السابقة ولابد ان تكون ملحوقة ولا يمكن الترديد فيه أصلا. فاذا الولاية شرط الصحة لكن ليس شرطا مقارنا بل شرط متأخر لذلك اجمع الفقهاء من الفريقين بان الكافر بغض النظر عن المسلم الضال لا تصح منه العبادة. من لا يقر بالشهادة الثانية لا تصح منه العبادة ولو يقر بالشهادة الأولى. لماذا؟ مع ان الشهادة الأولى موجودة. مع انه يصلي ليعبد الله فلم لا تصح عبادته؟ الايمان بسيد الرسل دخيل في اصل التقرب في الصلاة او في الحج. نية من لا يؤمن بسيد الرسل ليست مقربة. ﴿ان المشركون نجس﴾ المشركون قبائل عربية في الجزيرة العربية تؤمن بالنبي إبراهيم وكانوا يطوفون بالبيت ويعملون نسك الحج ويأتون بنفس ما أتى به النبي إبراهيم من السعي والمزدلفة قبل الإسلام ويأتون بالقرانيم والجمرات والخلل فيهم انهم ما أقروا بمحمد والقرآن يقول ﴿انما المشركون نجس﴾. عندما يقول موسى بن جعفر او الباقر صلوات الله عليهما ان اعظم طهور الصلاة هو الولاية وهذا بنص القرآن الكريم. فاجمع الفريقان من الفقهاء ان العبادة لا تصح بدون الولاية والايمان. كثير من الحداثويون لا يقرون بالنبي لكن يجيئون بالصلاة والصوم. صلاته لا تقبل بضرورة المسلمين ولا تقبل نية العبادة والتقرب الى الله ولا تصح لان الشهادة الثانية والثالثة دخيلة حتى في النية العبادية. النية هي التي تلون العبادة بالعبادة وهذه النية يتقرب الى الله بحب محمد وتصديقه كرسول الله. كما ان الله عزوجل طرد ابليس. من كان في نيته كالعبادة لا يتقرب الى الله بالنبي صلاته باطلة. الصلاة النبي شافع لقبولها ولو لا شفاعة النبي كل عمل من الاعمال لا تقبل بنص القرآن. ﴿ان صلاتك سكن لهم﴾ فاصل الصلاة ان لم يكن لدينا ايمان بنبوة محمد لا نقدر ان نتقرب به. ﴿اليه يصعد الكلم والعمل الصالح﴾ الكلم الطيب يصعد اليه. الايمان بالنبوة ثم بالولاية دخيل في جوهرة العبادة وهي النية. شرط الواجب يدخل في نخاع العبادة واتفقوا كل المسلمين على ان الذي يصلي الصلاة لا يعتقد بنبوة سيد الرسل او يصوم اصل التقرب بالصلاة لا يمكن لان الصلاة مسحة محمدية ومسحة علوية والصيام هكذا. ﴿انما المشركون نجس﴾ مشركي قريش ليسوا مثل ملحدي هند بل تقوم بطقوس العبادة صلاتهم نجس وصيامهم نجس. الامر ليس هينا ترى بل نص القرآن بشكل صارخ. المهم ان قيد الواجب أنماط وأنواع. أصلا الولاية قيد نخاع الصلاة وروح الصلاة لان روح الصلاة هي النية العبادية ومن دون هذه النية الصلاة خواع وهذه النية ان لم يتقرب بالنبي وآله ليست تقربا الى الله. في التمييز بين قيد الوجوب وقيد الواجب تتمات كثيرة ولابد من الالتفات اليه.