الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/08/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ، مبحث الأوامر، مقدمة الواجب

كان الكلام في الواجب المشروط أي الذي وجوبه مشروط كما مر بنا ان الواجب المشروط بالشرط المتاخر أيضا يراد به الوجوب المشروط بالشرط المتاخر. كثير من تقسيمات الواجب هنا بلحاظ الوجوب وان يكون بعض التقسيمات بلحاظ الواجب كالواجب التعليقي.

مر بنا ان الشيخ الانصاري او جماعة قالوا ان الشروط والقيود لا ترجع الى الوجوب وهي الهيئة. انما ترجع الى الواجب واستدلوا بأربعة ادلة. اثنان منها يرجع الى ما لو ينشأ الحكم بمعنى حرفي سواء الحكم التكليفي او الوضعي ويمكن ان ينشأ بمعنى حرفي او معنى اسمي وسبق جزئية المعنى الحرفي او آليته ومر انهما ليسا مانعين عن التقييد.

أيضا استدل بدليل ثالث لاربط به بالمعنى الحرفي بل سواء انشأ الحكم بالمعنى الحرفي ااو المعنى الاسمي لكن هذا الاشكال كالاشكالين السابقين من عالم الدلالة وليس من عالم الثبوت. فيه إشكالات ثبوتية واشكالات اثباتية. ويجب للباحث في الاستنباط ان يميز بين الاثبات والثبوت والمقصود من الاثبات عالم الدلالة سواء كانت من التصورات او التصديقات. هذا الاشكال أيضا من عالم الاثبات وهو انه كيف ينفك الايجاب عن الوجوب والانشاء عن المنشأ. باعتبار ان القيد اذا رجع الى الوجوب بالتالي الوجوب وهوا لمجعول لم يكن فعليا بينما الانشاء وجد بالفعل فكيف يصير الانشاء بدون المنشأ؟ انشاء الوجوب والوجوب مجعول والانشاء جعل. فكيف يمكن ان يكون هناك انشاء او الجعل بدون المنشأ اذا قيد على القيد فيكون الوجوب مرهونا على القيد. فيلزم منه انفكاك الانشاء عن المنشأ او الايجاب عن الوجوب.

سبق ان نقلنا عن الاعلام ان القيد والتقييد يستعمل عندهم بمعنيين وهذا مهم في أبواب الفقه والأصول. التقييد بمعنى التضييق والتقييد بمعنى التعليق وفرق بين التضييق والتعليق. التضييق واضح والتعليق يعني جعل معلق لا هو موجود ولا هو غير موجود بل بينا بين.

لتوضيح هذا الاشكال نلتفت الى هذا المطلب: على طبق المشهور في اخذ القيد في الوجوب هنا مثال لطيف جدا عند الاعلام ويوضح المسألة. ما هو دور القيد في مرحلة الحكم الانشائي ودور القيد في مرحلة الحكم الفعلي؟ دور القيد على صعيد الحكم الانشائي الكلي تضييق وليس تعليقا واما دور القيد «اقم الصلاة لدلوك الشمس» دلوك الشمس قيد ذكر في الحكم الانشائي وهو قيد للحكم الفعلي الا ان قيدية الدلوك للحكم الانشائي دوره تضييق ودور القيد في الحكم الفعلي تعليق. الشارع انشأ حصة خاصة من وجود الظهرين وليس في ذمتنا وجوب الظهرين مطلقا. عند المشهور ان الاستطاعة قيد في مقام الحكم الانشائي مضيقا لوجوب الحج او مضيقا لتنجيز وجوب الحج كما عليه الاقدمين وهو الصحيح. فالاستطاعة مضيقة للحكم الانشائي يعني ان الشارع عزوجل لم يشرع حجة الإسلام على الانسان من دون التضييق بل ضيقت بالمستطيع وهذا على صعيد الحكم الانشائي والتضييق وعلى صعيد الحكم الفعلي تعليق يعني ان وجدت الاستطاعة صار الحكم بالوجوب فعليا فهنا الاستطاعة ليس ارتباطها بالحكم الفعلي سنخ التضييق فقط بل زيادة على التضييق تعليق ولا ينوجد الحكم الفعلي الا بوجود القيد بينما الحكم الانشائي وجد ومن يكفر بوجوب الحج في تدوين لوح الشريعة يكفر ووجوب الحج ليس من الفروع بل أداء الحج من الفروع. كما ان وجوب الصلاة من الأصول وأداء الصلاة من الفروع وتسالم على ذلك الفقها وذكروا في اول باب الصلاة وباب الصوم والخمس والزكاة والجهاد ان من ينظر ان الإسلام لا جهاد ولا خمس فيه يكفر. فعلى صعيد التنظير وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كوظيفة مسؤولية على المجتمع من الأصول واداءه من الفروع من ثم سميت هذه الأمور اركان الفروع. فالمقصود هذا المطلب هو ان وجوب الحج من الأصول هنا وجوب الحج في الشريعة او وجوب صلاة الظهر في الشريعة وجوبه موجود بغض النظر عن حصول الدلوك او حصول الاستطاعة. لذلك تسالم الفقهاء ان من انكر الوجوب يكفر لانها من الأصول وليست من الفروع. بتعبير الشيخ الانصاري في الرسائل وجوب الصلاة من العقائد وليس من الاعمال البدنية والعملية الفرعية. وجوب الحج والزكاة ووجوب الامر بالمعروف ووجوب الجهاد من العقائد وليس من الفروع.

اذا بالانشاء وجد الحكم الانشائي في لوح الشريعة ومن ينكره يخرج من الملة. غاية الامر ضيق الوجوب كما ان وجوب الحج ضيق بالمستطيع عند المشهور. فاذا دور التقييد في الحكم الانشائي تضييق وليس تعليقا ودور القيد في الحكم الفعلي تعليق. انظر كيف تترابط الأصول والفقه والعقائد. الزوايا الثلاثة لابد منها. لا هو اصولي محض ولا هو فقهي محض ولا هو كلامي محض. فاذا القيد في الحكم الفعلي تعليقي لذلك نقول بالنسبة لي حيث لم تتحقق لي الاستطاعة ليس واجبا علي حجة الإسلام وانكرت الوجوب الفعلي لان الوجوب الفعلي معلق على الاستطاعة. نقول الان صلاة الظهرين لا يجب ان الدلوك لم يحصل لان الوجوب الفعلي معلق وليس فقط مضيق بخلاف اذا انكر وجوب الظهرين في الشريعة فيسبب الكفر.

اذا دور القيد في الحكم الانشائي تضييق وفي الحكم الفعلي تعليق. الفقهاء والاعلام قالوا في أبواب المعاملات بطلان التقييد في انشاء العقود وقالوا ببطلان العليق في الايقاعات الا ما استثني. فعندهم التعليق في انشاء العقود او الايقاعات باطل. اذا أنشأت عقدا شبيه الوجوب الفعلي معلقا يبطل العقد. مثل ان المتعاقدين ينشأن البيع والشراء ويعلقانه على شيء معين فيبطل البيع. يعني اناطة البيع الفعلي على قيد من دون تحققه مثل بعتك هذا بهذا ان جاء زيد او ارتفع السعر. البيع الانشائي انشأ و البيع الفعلي علق. هنا البيع الانشائي انشأ مثل الوجوب الانشائي لكن البيع الفعلي معلق على الشرط. اذا كان ذكر الشهر القادم تعليق فالبيع باطل وإذا كان ذكر الشهر القادم تضييقا لا مانع من ذلك. البيع الفعلي وجد بناء على الصورة الثانية لكن المبيع حصة خاصة وما فيه مانع. اجارة آجرتك الدار للشهر القادم او للسنة القادمة او بعد عشر سنين قادمة. ان كان الشرط تعليقا فالاجارة باطلة عند الاعلام واما اذا كان المراد تضييقا فما فيه مانع. الاجارة الان فعليا والمملك حصة خاصة من الشيء. هذا بحث من أمهات بحوث المعاملات. الفرق بين التضييق والتعليق. التضييق لا مانع فيه. التضييق لمن؟ هذا بحث محل معارك علمية عندهم لكن التضييق في العقود صحيح. التضييق في الإيقاع صحيح. اما التعليق في العقود والايقاعات فيه اشكال وتقريبا اجماع حتى السيد الخوئي الذي ما يقبل الاجماعات هنا يقبله ان هنا تسالم على ان التعليق مبطل للعقد والايقاعات تعليق البيع الفعلي. فالتعليق مبطل للعقود والايقاعات الا في الوصية او بعض الموارد نص عليه الدليل. الوصية طبيعتها هكذا. وصية تمليكية او عهدية. الان الموصى له ليس مالكا فالملكية الفعلية في الوصية التمليكية او الوصية العهدية المفاد الفعلي معلق على الموت وهذا لا مانع منه. ليس فقط في الوصية بل في موارد أخرى. لذلك من امتيازات الوصية ان فيها تعليق. اجمالا فرق التعليق والتضييق في العقود والايقاعات. اذا اتضح هذا المطلب يجاب هذا الاستدلال ان الايجاب لم ينفك عن الوجوب في المرحلة الانشائية انما الذي انفك هو الوجوب الفعلي سواء الفعلي المقدر او الفعلي الجزئي وفرق بين الحكم الانشائي والحكم الفعلي سواء الحكم الفعلي المقدر او الفعلي المنجز. فاذا لم ينفك هنا الايجاب عن الوجوب مع تعليق الوجوب كما تخيل المستشكل. فالقيد في الوجوب الانشائي تضييق وفي الوجوب الفعلي تعليق ولا مانع من انفكاك الوجوب الفعلي عن الانشاء. سندخل في الاشكال الرابع غدا والبحوث خطيرة

لكن هذا البحث في البحث العقائدي لطيف. الانشاء في عالم المشيئة شبيه الايجاب والوجوب الانشائي. اما إيجاد الخارجي العيني شبيه الوجوب الفعلي. خلق الله الأشياء بالمشيئة قد يكون المراد منه الخلق على صعيد الوجود الانشائي. للاشياء تقرر وتحقق في عالم المشيئة. الأشياء قبل وجودها العيني في عالم المشيئة تحقق وتقرر. يعبر عنه بالكون.