44/08/06
الموضوع: الالفاظ، مبحث الأوامر، مقدمة الواجب
كان الكلام على ان هناك قيود الجعل وقيود المجعول او بعبارة أخرى شرائط الجعل او شرائط المجعول وبالتالي هناك منظومة من طبقات الجعل وان المجعول هو خصوص الحكم الفعلي المقدر او الحكم الفعلي الجزئي أما ما تصاعد من التشريعات فهي من قبيل منظومات الجعل وقيودها وشروطها شروط للجعل لا للمجعول.
هذا البحث كما مر بنا جوهرة ثمينة في الفاصل بين الاحكام الفقهية المعتادة المعمول بها وبين التشريعات التي هي من قبيل حكم الجعل فما يسميه الاعلام انه فلسفات الجعل او حكم الجعل «فلكم في القصاص حياة يا اولي الالباب» من تشريعات الجعل كما يذكر السيد الخوئي ان الشرط فيها ليس الوجود الخارجي بل الوجود العلمي. فبالتالي هنا منظومة من الجعول وهي أيضا احكام فقهية لكن احكام فقهية من مراتب الجعل ويوصلها الحكم الفقهي الذي يتماس مع عمل المكلف وهو يعبر عنه الاصوليون بالمجعول والحكم الفعلي المقدر او الفعلي الجزئي. اذا فيه طبقة من الاحكام الفقهية على تماس مع عمل المكلف شبيه الاحكام البلدية او الوزارية وهناك قسم من القوانين لا صلة لها تطبيقية خارجية مع نفس المكلف وانما هي مرتبطة بتنظيم منظومة التقنين والجعل وهي القوانين البرلمانية او الدستورية.
شبيه ما ذكره الاصوليون في بداية القطع ان المكلف اذا التفت اما يقطع او يظن او يشك، فقالوا ان المكلف هذا اذا التفت المراد به العامي او المجتهد او اعم؟ راجعوا الحواشي وكل الدورات الأصولية، ان كان المراد التكاليف الفردية او التماس الفعلي العملي فهو ويشمل المكلفين وإن يشمل المجتهد فبما هو مكلف ولو كان المراد به المجتهد فيظن باعتبار جملة من الأدلة او يشك في اعتبار الأدلة لان وظائف المجتهد وظائف علمية وليس بما هو مسلم او مؤمن. يعني مجتهد بما هو عالم وظيفته التفقه والانذار وهذه الوظيفة تختلف عن وظيفة إقامة الصلاة والصوم بل وظيفته منظومة علمية والخطابات التي يخاطب فيها مثل ﴿ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا﴾ او ﴿فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون﴾ او ﴿ما كنا معذبين حتى نبعث فيهم رسولا﴾ هذه الخطابات التي هي قواعد شرعية ليست مرتبطة مباشرة بعمل المكلف وليست مرتبطة بالمجتهد بما هو مكلف بل مرتبطة بالوظائف العلمية للمجتهد. لاحظوا هناك قالوا هذه الخطابات هل يشمل العامي او لا يشمل؟ «لا تنقض اليقين بالشك» يخاطب بها العامي لا يخاطب بها الا المجتهد؟ هل هناك نيابة ووكالة من العامي للمجتهد؟ بحث لطيف مرتبط باصول القانون ويرتبط بباب الاجتهاد والفقه السياسي ان المكلف اذا التفت أي مكلف؟ كل حاشية بشكل بحثه وشروح الرسائل بشكل.
الغرض ان هناك جملة من التشريعات لا صلة لها بعمل المكلف مثل «ان جاءكم فاسق بنبأ» بل هي وظيفة علمية. اذا لدينا تشريعات ما مرتبطة بالعمل فماذا نسميها؟ هل نسيمها القواعد الأصولية او فلسفة التشريعات او أصول القانون؟ فاذا هناك طبقة من التشريعات وهو الحكم يكون فيها فعليا مقدرا او فعليا خارجيا وهناك قسم من الاحكام الشريعة ليس على تماس من العمل المكلف مثل «لكم في القصاص حياة» و«فاقطعوا ايديهما» ووظائف كثيرة أخرى. هذه ما مرتبطة بالعمل بل مرتبطة بمراتب أخرى.
المقصود ان قوانين البرلمان ليست قوانين مرتبطة بعمل المواطن بل قوانين يعمل بها الطاقم الوزاري بل ليس كل الطاقم الوزاري وانما هو الطاقم القانوني الوزاري والا الوزاري الإداري ليس من حقه ان يعتمد على القوانين البرلماني وهذا خصوص الوحدة القانونية في كل وزارة لها صلاحية الاعتماد على القوانين البرلمانية. شبيه سلسلة الفتوى عندنا في الحوزات العلمية ان المرجع بشكل ثم بعده المتجزئين ثم الفضلاء وهلم جرا طبقات في تبيان القانون. يعني مهما ان تبسط الرسائل العملية لم يلتفت المكلف الا شيئا يسيرا ولو كان هو متخصص لان هذا تخصص قانوني يحتاج الى مراتب وطبقات من القانونيين سواء من الفضيلة او المراهق للمجتهد. حتى المجتهدين والمراجع ليسوا على طبقة واحدة، فيهم مراجع تخصصهم في الاستنباط في التماس الأخير يعني مع احترامنا العظيم للسيد الخوئي هو في اكثر المسائل الأصولية لم يبتكر شيئا وانما تبنى رأي النائيني او العراقي او الكمباني وعنده مسألتان او ثلاث ابتكر فيها مسألة أصولية، مسألة الترتب في الجعل والتعارض بين العموم والخصوص من وجه ابتكر فيها. تميز السيد الخوئي في تطبيق القواعد الأصولية ويراعيها اكثر من اساتذته وهذا في الطبقة النازلة، طبعا ليست نازلة جدا الى درجة التماس. فلاحظ حتى القانونيين والفقهاء طبقات. مثلا العراقي جدا عنده باع في الابتكار في النظريات الأصولية لكن في تطبيقات النظريات ربما تلاميذه اكفأ منه وهو مرتبته القانونية في مكان والاخرون قوتها في المراتب الأخرى اكثر. يعني يمكن ان يكون واحد تخصصه اكثر في القوانين البلدية من المقنن الدستورية او واحد عنده خبرة في القوانين الوزارية لان طبيعة القانون طبقات.
هنا كلام السيد الخوئي ان شرائط الجعل غير شرائط المجعول امر نفيس جدا ان عندنا في القانون منطقة اسمها منطقة الجعل ومر بنا تفسيرها ان الجعل نفس المجعول لكن في مرحلة الانشاء. لماذا نسميها انشاء؟ مثلا الان قانون في الدستور المرئي به القوانين الانشائية وليس المرئي به والمنظور به الحكم الجزئي للمكلف بل ينظر به القوانين البرلمانية كيف تقنينها. مثلا ﴿اقيموا بالقسط ولا تخسروا الميزان﴾ هذه ربما قانون لنظم العمومات وليس ناظرا للعدل التطبيقي الجزئي والعملي الخارجي فقط بل بالذات هو ينظر كيف تعدل القواعد الشرعية والعمومات الشرعية والخصوصات الشرعية وكيف تراعي جانب المنظومي في التشريع. اذا هذه ضابطة جدا ثمينة. ان هناك شرائط للمجعول المقصود به الفعلي المقدر للمكلفين وهناك شرائط للجعل في طبقات الانشاء وهي أيضا على طبقات. شبيه كلام الأصوليين أخيرا يراعون كثيرا في الاستنباط الفقهي ان العموم في هذه المسألة او هذا الفصل طبقات وعندنا أربع او ست طبقات من العموم. المرحوم الاخوند والنائيني يقولان ان وظيفة العمومات الفوقية انها يرجع اليها عند قصور اليد عن ما دونها من العمومات. انها حكم ظاهري اجتهادي عند الشك في العموم او الخصوص او مادونها. اذا وظيفتها نظم تشريعي. يختلف عن المجعول الأخير وهو الحكم الفعلي المقدر الناظر به فعل المكلفين. على كل هذا مفتاح كبير للتعرف على علم أصول القانون وذكرها لسيد الخوئي في تعليقه على ما ذكره السيد الخوئي في حقيقة الشرط المتأخر وقال خلط صاحب الكفاية بين شرائط الجعل وقيود الجعل يعني منظومة من التشريعات تسمى الجعل التي يكتفى بها بالوجود العلمي وبين شرائط المجعول فلا يكتفى فيها بالوجود العلمي. فمن ثم كثير من التشريعات القرآنية ربما المشهور لم يحسبها من التشريعات الفقهية بناء على حصر الفقه في الطبقة النازلة في المجعول والفعلي المقدر اما بناء على ان الفقه يشمل فلسفات تشريع الفقه كما ان الفقهاء يرون انفسهم مضطرين ان يبحثوا في الفلسفات التي ابرزها الشارع لا التي يتخرص بها عقول البشر من انفسهم. وقد تسمى قديما بحكم التشريع.
﴿قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ... ذلك اذكى لهم﴾ اذكى لهم تشريع وقيد والان التفتوا ان وجوب غض البصر ليس راجعة فقط الى مصلحة وهي حرمة واحترام المنظور اليها بل ترجع الى طهارة الناظر وهو لا يفتتن. اذا هذا الحكم حكم حقية او حكمية؟ بسبب التعليل الذي ذكره الشارع يعني ان التذكية عند الشارع اجمالا واجبة من انها غاية البعثة ﴿يتلو عليهم آياته ويذكيهم﴾ احد فلسفات تشريع الصلوات الخمس كما انها مروية انها تطهر الانسان من قذارة الشهوات والعصبيات والرذائل الأخلاقية. احد التشريعات الفوقية التي تبلع الصلاة هي وجوب التطهير القلبي. هذه تشريعات ولكن تشريعات من مراتب الجعل وليست من مراتب المجعول. هذه نكات مهمة.
فما ورد في الروايات ان عورة الكافر او الكافرة كعورة الحيوان هذا بلحاظ أي حكم؟ بعض ربما يقول انه يجوز النظر الى عورة الكافرة ما دام هي متهتكة باعتبار هذا النص الصحيح. اذا يستدل الفقيه بالفقه التعليقي في الطبقة النازلة وما عنده المهارة في الطبقات الصاعدة فتصير فتاواه شاذة. لان هنا حرمة النظر حكان وليس حكما واحدا. حكم حقي يعني احترام المنظور اليه وحكم حكمي محض لا يرتبط بالمنظور اليه وهو «ذلك اذكى لهم» في الروايات النظرة الأولى لك والنظرة الثانية عليك وهذه النظرة الأولى في المنظور اليه غير المحترم. سيد الأنبياء فكك بين الحرمتين. النظرة الأولى تعني النظرة العابرة بدون التركيز. هذه النظرة الثانية من جهة الحكم الحكمي ولا له ربط بالمنظور اليها ولو كان المنظور اليه متهتك. سهم من سهام الشيطان يعني يوجد فيك طاقة روحية تثير الشهوة المخزونة ويمكن ان تنفجر بالمعصية في أي وقت. هذا مرتبط بطهارة الانسان ولا له ربط بالمنظور اليه. النظرة الأولى العابرة ان عورة المؤمن على المؤمن حرام فكيف بالمؤمنة. يعني اذا دخل واحد مجالا او يمشي في الطريق ويعلم ان مرأة محترمة يكشف شعرتها او بعض أجزاء بدنه او في مكان معين على حدائق لا يجوز له ان ينظر حتى النظرة الأولى. لان النظرة الأولى حقية وليس حكمية. ليس تعارضا بين الأدلة. عورة الكافرة كعورة الحيوان بلحاظ الحكم الحقي وباعتبار النظرة الأولى لا باعتبار النظرة الثانية لانها حكمية. تنظيم فلسفات التشريع وشرائط الجعل تحدد ماهية ومفهوم الاحكام الفعلية المقدرة والفقيه الذي ليس له باع في فلسفات التشريع يكون جمودي وقشري وحشوي وانما يتبع الاطلاق والتقييد في الطبقة النازلة من الأدلة وهذا لا يسمن ولا يغني من الجوع. مر بنا ان الشهيد الأول والشيخ جعفر كاشف الغطاء والشيخ موسى الذي افتى باستحباب الشهادة الثالثة في الصلاة بالجزم. هؤلاء كانوا يلاحظون طبقات الجعول بمنهج الملازمات. المحقق الحلي والمحقق الكركي أيضا عندهم منهج التحليل الماهوي للمعنى وهذا أيضا يلاحظ طبقات الجعل. اقصد هذه ضابطة صناعية عظيمة في أصول القانون الفرق بين شرائط الجعل وشرائط المجعول. كلامنا في التفرقة بين طبقات الجعل والمجعول الفعلي المقدر.
من باب الثمرة في ختام هذه الفائدة العظيمة وهي اعظم من بحث مقدمة الواجب لانها تعطيك نظام وقواعد ماوراء الاستنباط السطحي. كتاب مناهج الاستنباط لتبيان ان هناك استنباط سطحي ويسمونه الفقه التعليقي وفيه نظم من الاستنباط تراعي الطبقات في التشريع. لذلك احد الفوارق بين المناهج في الاستنباط بين الفقه الاستنباطي التعليقي انه يلاحظ دائما الروايات بشكل مبتور لا كمنظومة والحال ان التشريع طبيعته كمنظومة. واذا لاحظته بشكل مبتور ما لاحظته بحقيقته. ما عنده التضلع في القوانين البرلمانية ما يقدر ان يفهم ان القوانين الوزارية ترجع الى القوانين البرلمانية او اذا ما يلاحظ القوانين البرلمانية ببشكل منظومي. هذه مؤاخذة على الاستنباط القشري الحشوي في بعض الاخباريين وبعض الأصوليين. الازمة كما يقول المفيد وابن ادريس والقدماء في الحشوية والقشرية لا ان الازمة في الإخبارية والاصولية. ابن سينا يقول ان جمهور الفلاسفة متفلسفة يعني ان اهل التخصص فيها عوام وغالبهم عوام.