الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/07/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ، مبحث الأوامر، مقدمة الواجب

كان الكلام في تقسيمات مقدمة الواجب لكن تتمة لسؤال احد الاخوة في المبادئ الاحكامية وتغايرها مع العلوم الدينية.

عند السيد الخوئي تصريح وبعض الاعلام في نفس هذا المبحث مقدمة الواجب ان القواعد الأصولية والمسائل الأصولية بمثابة مبادئ احكامية للمسائل والقواعد الفقهية. طبعا مقصود السيد الخوئي او غيره من الاعلام الذين ذكروا ان المبادئ الاحكامية تارة تطلق بعنوان ووصف نسبي وتارة بقول مطلق في مقابل العلوم الدينية فأي علم من العلوم الدينية اذا اخذ في الاستنباط الفقهي ذلك العلم يكون من المبادئ التصورية او التصديقية للمسألة الفقهية المعينة مثل علم الأصول او مثل علم الكلام في جملة من المسائل والقواعد الاصولية يأخذ في مقدمات الاستدلال فبالتالي يكون علم الكلام لا اقل في تلك المسألة او تلك القاعدة الأصولية من المبادئ التصديقية لتلك المسألة فبالتالي معنى مبدأ الحكم يعني مبدأ الاستنباط في مسألة من العلوم الدينية يسبقها أصول موضوعية يعني مبادئ مأخوذة مفروغا عنها تتدخل في الاستنباط.

اذا المبادئ الاحكامية بتصريح السيد الخوئي لها استعمالان او ثلاثة، استعمال نسبي أي ايّ علم يتدخل في استنباط المسألة لعلم آخر تكون تلك المسألة من ذلك العلم مبدأ تصوري او مبدأ حكمي وتصديقي فبالتالي العلوم الدينية تكون طبقات بالنسبة الى بعضها البعض وينشعب عن بعضها البعض ومن ذلك يصح ان يقال ان علم العقائد هي البنية التحتانية لعلم الاخلاق الوحياني وعلم الاخلاق هو البنية التحتانية لفلسفة الحقوق والتشريعات في الفقه بتعبير سيد الأنبياء انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق» غاية الشيء هو مبدأه كما نقح في العقليات باعتبارين. فبالتالي اذا هناك مبادئ احكامية بقول مطلق مثل ما نسب في هذا التطبيق والمثال مثال مقدمة الواجب او المسائل العقلية الغير المستقلة الى الشيخ البهائي والمحقق التقي انهما نفيا كونها من المسائل الكلامية والفقهية والاصولية فتكون من المبادئ الاحكامية المهيمنة وبالتالي انشعاب كل استنباط الاحكام في العلوم الدينية من مسألة سابقة او قاعدة سابقة بمثابة مبادئ احكامية والمبادئ تعني أصول التشريع واصول القانون وعملية أصول القانون عملية منظومية ذات طبقات وهذا الانشعاب ليس في الدلالة بل انشعاب ثبوتي. قد يكون الانشعاب اثباتي ولا انفي يعني ان تكون دخالة المسألة في مسألة أخرى في الدلالة وهذا موجود وهذا استنباط طريقي يعني دليلية الدليل ودلالة الدليل واما اذا كان الانشعاب ثبوتيا يعني تولدا ماهويا او ما شابه ذلك فهذا الاستنباط ليس بمعنى الدلالة والاستكشاف بل بمعنى الاستخراج الثبوتي والاصل في معنى الاستنباط لغة هو هذا المعنى من استخراج النبط من قعر البئر اما الاستكشاف معنى مصطلح توسعي وفي تعريف علم الأصول مر بنا مرارا انه القواعد الممهدة للاستنباط الحكم الشرعي وليس المراد خصوص دلالة الدليل ودليلية الدليل بل اعم من دلالة الدليل والاستخراج والتوليد. مثل العلاقة بين المسائل الخمس العقلية الغير المستقلة مع الاحكام الشرعية فهنا الاستنباط ليس الاستكشاف بل استخراج، اجتماع الامر والنهي والإجزاء في بعض اقسامه والنهي يقتضي الفساد او الامر بشيء يقتضي النهي عن ضده هذه المسائل الخمس ليس من باب الكاشفية والاستطراق بل انما من باب الاستنباط والاستخراج شبيه القاعدة الفقهية وتطبيقاته ليس من باب الاستكشاف بل من باب تولد الجزئي من الكلي.

اجمالا نصل الى هذه النتيجة ان المبادئ الاحكامية يعني أصول التشريع وطبقيتها الفوقية لطبقاتها التحتانية النازلة وهذا الإصرار من الأصوليين المتاخري هذا العصر على ان عمومات الواردة في كل باب وكل فصل فقهي وكل مسألة شاهد على انهم يراعون عملية الطبقية في الاحكام والتشريعات سواء يراعون من جهة الاثباتية والكاشفية او من جهة الثبوتية. اجمالا هذا بحث اصطلاح المبادئ الاحكامية.

نقطة أخرى وفائدة: هذا البحث التمهيدي كله يصب في بحث علم أصول القانون مدرسة مقابل مدرسة فقه المقاصد ومدرسة روح الشريعة ومذاق الشريعة. اضبطها هذه المدرسة وهذا علم مطوي في علم الأصول وعلم الأصول الاستنباط فيه على ضربين على كاشفية الدليل وجملة كثيرة من مسائل علم الأصول ليس فيها الكاشفية الظنية ولا القطعية وانما تولد كالمركب هل هو للصحيح او للأعم والمشتق ومباحث كثيرة كلها ثبوتية في علم الأصول ولا معنى لاخراجها من علم الأصول وهذا شاهد على ان نصف علم الأصول استنباط بمعنى التوليد والانشعاب والنصف الاخر من الاستكشاف ودليلية الدليل.

تتمة كالمثال لكن لا بأس به: من التقسيم الرباعي الذي مر بنا انه محطة مهمة من المحطات لان علم الأصول له فصول وابواب ولو يدون على حدة يستحق التدوين هكذا مع انه بضعة من علم الأصول. من الفصول المهمة في علم أصول القانون هذا التقسيم الرباعي في الموضوع والحكم ثانويا واوليا.

تتمة في هذه التقسيمات مثال التقية التي مرت بنا امس في الفقه ذكرنا كمثال للتقية لان التقية اذا شخصناها من القسم الثالث فبالتالي لها ضوابط وموازين لابد ان تراعى ولا يمكن أن يجعل من القسم الأول ويرتب على التقية احكام القسم الأول بل المفروض ان يترتب عليها احكام القسم الثالث ومر بنا جملة من احكام وآثار وضوابط القسم الثالث.

تبيانا لهذا المثال كي تنبهنا على أهمية التقسيمات الرباعية. اذا تلاحظون الرسائل الفقهية التي كتبها الاعلام إما مستقلة او كتبوها بنمط ضمن الأبواب الفقهية بصراحة لا ننكر انهم ملتفتون الى جهات أخرى في التقية لكنهم لم يدونوها في بحث التقية. طبعا قديما كانوا يدونونها في بحث الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كالوسائل ولكن السيد اليزدي فما بعد توسعوا في باب الوضوء والغسل والصلاة فعند المتاخرين ربما حشرت في باب الصلاة وباب الوضوء. أيا ما كان بحث التقية الذي بحثه الاعلام مشهور المتاخرين او عموما هناك ضوابط ومحاور لها يجب ان ننبه عليها لان بحث التقية من القسم الثالث فلابد ان تضبط. القسم الأول والموضوع والحكم الاوليان يبقى اطلاقه على حاله لان المفروض انه اوليا موضوعا ومحمولا وثباته اكثر من القسم الثاني فضلا عن الثالث وفضلا عن الرابع. اما التقية لما تكون من القسم الثالث والمحمول الثانوي لكن البعض جعل التقية من القسم الرابع وقال لانه حرج ونسيان ثانوي والتقية اضطرار ثانوي فالموضوع ثانوي والحكم أيضا ثانوي فيكون من القسم الرابع لكن نحن جعلناها من القسم الثالث فلما يكون من القسم الثالث او الرابع فبالتالي ليس لها ثبات لا اقل لا ثبات لها محمولا. حيث لا ثبات لها فلابد من بيان الضوابط كي لا تحسب انها ثابتة. تشريع التقية والقسم الثالث ثابت يعني انها موجودة في الشريعة لا ان المشروع ثابت. «التقية ديني ودين آبائي» المدلول ونفس قاعدة التقية من القسم الثالث او الرابع مثل حجية خبر الواحد دليله قطعي ولاربط بين الدليل والمدلول. الدليل قد يكون من القسم الأول لكن المدلول قد يكون من الأقسام الأخرى. فالدليل غير المدلول.

فنقطة معينة في التقية باعتبار انها مندرجة في القسم الثالث او الرابع انها أولا عنوانها ثانوي ويجب ان تحدد التقية بان لا تستلزم محو الهوية. انما شرع التقية لحقن الدماء فاذا حقنت الدم فلا تقية. الأعظم من حقن الدماء وهو حفظ الدين فاذا بلغ محو الدين فلا تقية. هذا محور

محور آخر كما مر ان التقية لها تداعيات سلبية فبالتالي تحتاج الى جبران يعني انها صحيحة لاجل المحافظة على جانب آخر لكن فيها تفريط بالمهم والتفريط بالمهم شيء سلبي فيجب تداركه بنحو آخر سيما. شبيه دور امير المؤمنين سلام الله عليه ودور فاطمة الزهرا سلام الله عليها وكذلك دور الامام الحسن ودور الامام الحسين سلام الله عليهما. مر بنا ان الامام الحسن في خطبه حسينية. ربما اصرح واحد بين المعصومين في تعرية السقيفة وتعرية بني امية هو الامام الحسن سلام الله عليه لانه ابدا ما وارب كانما توازن مع سيرته الحسنية بينما الامام الحسين في نهجه السياسي والعملي ابى الظلم لكن في خطبه جملة من التقية. يعني الامام الحسين سلام الله عليه لم يتكلم في ملف السقيفة بكل صراحة بل بمواربة بينما الامام الحسن تكلم في خصوص السقيفة فضلا عن بني امية. هذه نكتة مهمة في بحث التقية ان التقية فيها تداعيات سلبية لابد من التدارك اما من نفس الشخص او بالوكالة او تعددية الجهاز الديني مثلا. فقضية التوازن في التقية جدا مهمة. كما ان التقية هي علاج لكن لابد للعلاج علاج والا خطر تبقى السموم.

نكتة أخرى التي ذكرناها ان التقية يجب ان تكون من موقع القوة. يعني ان التقية لا تبرر الوهن والضعف والاستكانة. هذه أيضا لا ربط لها بالتقية. كثير يفسر التقية بالسكون والمذلة كما ان التقية ليس معناها الوهن النفسي كما ان التقية ليس معناها الضعف. «كأين من نبي قاتلوا معه ربيون كثيرون فما وهنوا وما ضعفوا وما استكانوا» الوهن روحيا والاستكانة هي السكون. من احد الشهادات التي نشهد على امير المؤمنين «انك لم تسكن عن مطالبة حقك» التقية شيء والسكون والجمود شيء آخر. الضعف من آليات المادية. الوهن في النفس والامام الهادي يبرئ امير المؤنين ان تكون تقيته من اجل الضعف او لاجل الضرر او لاجل الاستكانة او لاجل الوهن بل من موقع القوة سلام الله عليه. لكن لا يصلح له استخدام القوة لانه خلاف امتحان الله عزوجل للامة. لذلك في الصفين قبل التحام الجيشين ذهب امير المؤمنين وزحزح جيش بني امية بمفرده و رجع فاستغربوا منه وقالوا اذا كان عندك هذه القوة فلماذا ما استخدمتها في السقيفة. قال سلام الله عليه آنذاك ما كنتم والله عزوجل وعدكم ان تنصروا الله ينصركم بعلي. لا يغير الله ما بقوم يغيرهم بعلي. صاحب الزمان لا يؤذن الله له لان يدير بنفسه لان الناس يقومون. هذا مبحث مهم.