44/07/17
الموضوع: باب الالفاظ، مبحث الأوامر، مقدمة الواجب
كان الكلام في الأقسام الأربعة للحكم الاولي والثانوي او الموضوع الاولي او الثانوي ومناسبة الحديث كانت هي الضابطة التي ذكرها النائيني للمسألة الفقهية باعتبار انه ذكر ان الموضوع للمسألة الفقهية لا يكون ثانويا بل لابد ان يكون اوليا. طبعا هذه الضابطة التي ذكرها النائيني نقض عليه بامثلة القسم الثاني التي فيها الحكم اولي والموضوع ثانوي مثل أبواب النذر والعهد واليمين والشروط والصلح وامر الوالدين او الوالي او ما شابه ذلك، فهذه الضابطة التي ذكرها النائيني ليست متينة وهي ضابطة منقوضة لكنه ليس الكلام في الضابطة في المسألة الفقهية فقط بل الكلام في كبرى وهي الثانوية والاولية في الحكم والثانوية والاولية في الموضوع وهي مهمة ويجب تحريها.
وزاوية أخرى مهمة يجب تحريها انه في كلام الميرزا النائيني هكذا تقرر ان الحكم الشرعي او المسألة الشرعية او القاعدة الشرعية ليس من الضروري ان تندرج في علم الفقه ولا من الضروري ان تندرج في علم الكلام ولا في علم الاخلاق او الاداب مع ذلك هي مسألة شرعية وحكم شرعي فاذاً هي اين تندرج؟ عبر انه يمكن ان تندرج في المبادئ الاحكامية، مبادئ الاحكام الفقهية الفرعية او مبادئ الاحكام الكلامية. هذه الزاوية أيضا ثمينة وغير الزاوية الأولى ولكنا لازلنا في الزاوية الأولى وهي الضابطة في الثانوية والاولية في الموضوع والحكم.
القسم الثالث من اقسام الحكم والموضوع كما مر هو المعروف في الالسن وهو ان يكون الموضوع اوليا والحكم ثانوي. اكثر ما يستعمل من الاحكام الثانوي والعناوين الثانوية المراد منه القسم الثالث فيقع الكلام ان هذا القسم هل هو عناوين للموضوع او عناوين للمحمول. المفروض ان الموضوع اولي والمحمول ثانوي بينما تعبير المشهور من الأصوليين والفقها عن القسم الثالث انه عناوين ثانوية، هل عناوين ثانوية او احكام ثانوية؟ مر بنا امس ان القواعد الست وهي قاعدة الاضطرار وقاعدة النسيان والحرج والضرر وغيرها كلها من القسم الثالث يعني ان المحمول ثانوي والعنوان اولي. فربما يتسائل انه كيف ان هذه القواعد الست موضوعها اولي؟ محمولها واضح ثانوي وطارئ. الاضطرار والنسيان والحرج طارئ فكيف تكون أولية فليست ثانوية من جهة الموضوع؟ المفروض ان يقال ان القواعد الست من القسم الرابع ان الموضوع والمحمول ثانويان. والتقية نفس الكلام ان الموضوع طارئ والمحمول أيضا طارئ.
لكن الصحيح اندراج القواعد الست في القسم الثالث دون الرابع والوجه في ذلك مثلا في باب الاضطرار انه في الحقيقة يكون هناك تزاحم بين الأهم والمهم فيضطر الانسان بترك المهم ويأتي بالاهم. صحيح ان عنوان الاضطرار كانما ثانوي او التزاحم ثانوي والتدافع ثانوي لكنه تدافع بين الموضوعين الأوليين. التدافع ثانوي لكن المتدافعان اوليان. رعاية الاهم موضوعه اولي ومحموله أيضا اولي لكن رعاية الأهم في قبال المهم حالة حكمية محمولية من الحالات الثانوية والا الموضوع نفسه بالدقة هو اولي وليس ثانويا، كذلك الحال في النسيان، المنسي شيء في نفسه موضوع اولي مثل بعض اجزاء الصلاة او اجزاء المركبات الموضوع اولي والحكم ثانوي يعني التصحيح والترخيص لهذا المركب الاولي ثانوي والا الموضوع هو المركب الاولي. الكلام الكلام في الحرج وهلم جرا.
او نذكر ببيان آخر ان هذه العناوين من الاضطرار والنسيان وما شابه ذلك حيثيات تعليلية وليست تقييدية والا الموضوع الذي يطرئ عليه المحمول هو الموضوع الاولي وليس الموضوع الثانوي فهذه حيثيات تعليلية وبالتالي الموضوع اولي والمحمول ثانوي او لك ان تقول ان هذه العناوين الست في القواعد الست موضوع للرفع. الموضوع ثانوي والرفع ثانوي اذا لاحظنا القواعد الست مثل القسم الرابع لكن ليس المهم هي بلحاظ نفسها. لو كان النظر اليها لادرجناها في القسم الرابع اما اذا كان النظر الى المرفوع والحكم الاولي فبلحاظ الحكم الاولي الموضوع اولي والمحمول ثانوي فليس النظر اليها في نفسها بل النظر الى الاحكام الواقعية ومحمولها ثانوي بسببها فيمكن ان يقرر ان القواعد الست في نفسها من القسم الرابع لكن بلحاظ المرفوع والمهم هو المرفوع يكون من القسم الثالث.
ببيان ثالث وصياغة رابعة: هناك فرق بين قيود الحكم وقيود الموضوع. هذا مصطلح يأتي شرحه في تفاصيل مقدمة الواجب ومن البحوث المهمة جدا في الأبواب الفقهية. مع ان الموضوع هو نفسه من قيود الحكم فلماذا يفرق بين موضوع الحكم وبين قيود الحكم؟ هذا بحث مهم وطويل الذيل لا نخوض فيه لكن كمصطلح يجب الالتفات اليه. مثلا موضوع القصر هو المسافر اما عدم كون السفر معصية او عدم مروره بالوطن في اثناء المسافة هذا ليس من قيود الموضوع بل من قيود الحكم بخلاف قصد المسافة او كون المسافة ثمانية فراسخ فهو من قيود الموضوع. فما الفرق الصناعي بين قيود الموضوع وقيود الحكم بحث طويل الذين سيأتي وفيها آثار مع ان الموضوع من قيود الحكم وقيد الموضوع بالتالي هو قيد الحكم لكن فيه آثار وفوارق.
مثلا اذا الانسان في الاثناء قصد المعصية فيتم الصلاة واذا أعاد وقصد المحلل من سفره يقصر واذا تبدل أيضا الى المعصية فيتم وهلم جرا. هذه من ثمرات ان عدم قصد المعصية قيد الحكم وليس قيد الموضوع. بخلاف ما اذا كان قيد الموضوع أنه اذا قصد المعصية ليتم ولو عاد الى قصد المحلل لا يفيد. اثار كثيرة فرق بين قيد الموضوع وقيد الحكم وسيأتي تصوير صناعية الفرق. اجمالا نريد ان نقول ان هذه مسألة صناعية ان هناك فرق بين كون القيد قيدا للحكم مباشرة او كون القيد قيدا للموضوع والموضوع قيد للحكم فقيد القيد او قيد الحكم مباشرة. وكثير من العقد في الأبواب من البحوث المعقدة بسبب الدقة بين قيد الموضوع وقيد الحكم تنحل. هذا مطلب معترض لاجل ان نبين ان القواعد الست ليست قيود الموضوع بل قيود الحكم للرفع فالموضوع يبقى اوليا فتكون الاحكام والموضوعات التي نبحثها في موارد القواعد الست موضوعها اولي وحكمها ثانوي لأنها قيود الحكم. فتحصل ان هذا القسم الثالث هو المعروف من العناوين الثانوية. نعم لو لاحظنا هذه القواعد في نفسها بغض النظر عن مرفوعها والحال ان المهم هو المرفوع يعني لاحظنا حيثية الرفع فتكون هذه القواعد القسم الرابع الموضوع ثانوي والمحمول ثانوي.
اذا ماذا عن امثلة القسم الرابع؟ هي بالجمع بين القسم الثاني والثالث. القسم الثالث مثل التزاحم والنسيان والاضطرار وكذا والقسم الثاني العناوين والموضوعات ثانوية. مثلا لو حصل تزاحم بين قاعدة الشروط وبين امر الوالد او بين قاعدة الشروط والصلح المعين تزاحم بين الوفاء بالصلح او الوفاء بالشروط او حصل التزاحم بين شرط في عقد وشرط في عقد آخر فههنا الموضوعان ثانويان لان الشروط ثانوية كما مر وان كان حكمها اولي لكن التزاحم والمعالجة بين الحكمين في الشروط حالة ثانوية والاضطرار حالة ثانوية. ففي الحقيقة القسم الرابع معجون من القسم الثاني والثالث يعني اذا اجتمع فردان من القسم الثاني بالاضطرار الموجود او التزاحم او النسيان او موارد من القسم الثالث سيصبح لدينا ان الموضوع ثانوي والمحمول ثانوي أيضا. هذا هو القسم الرابع.
يقال ان بعضهم ادرج التوارد في القسم الرابع والتوارد يعني ورود كل طرف باتجاه الطرف الآخر. المفروض ان أي مبحث وقاعدة أصولية تبحث يسأل الانسان عن نفسه انه تندرج في أي قسم؟ مثلا التعارض بين الاخبار يندرج في أي قسم؟ التعارض كمحمول واضح انه حكم ثانوي اما نفس الاخبار المفروض ان تكون أولية او لك ان تقول ان الاخبار اذا كان حكم ظاهري فالحكم الظاهري موضوعه ثانوي ومحموله ثانوي وهنا المحمول ثانوي باعتبار التعارض. اجمالا هذه البحوث مهمة وسبق ان نقلنا عن الميرزا الكبير انه من الاصطلاحات التي ابتكرها وركز عليها ان الحكم الظاهري حكم ثانوي وطبعا دليل الميرزا الكبير يقول ان الحكم الظاهري في طول الحكم الواقعي وناظر للحكم الاولي الواقعي. وكانما الطولية عند الميرزا ضابطة للثانوية وسبق ان ذكرنا ان المرحوم العراقي نقلا عن استاذنا الميرزا هاشم الآملي تلميذه قال ان كثيرة استعمال الفقيه للأصول العملية في الفقه دليل ضعفه في الدليل الاجتهادي. الشبهات الموضوعية قد يكون للأصول العملية وجه فيها أما كثرة استعمال الأصول العملية في الشبهات الحكمية دليل ضعف تنقيح الأدلة الاجتهادية وهذه نكتة مهمة لان الأصولية العملية أصول ثانوية وطارئة وليست حالة طبيعية أولية واذا ضممنا كلام الميرزا الكبير لكلام العراقي سيكون الحكم الظاهري الظني هو ثانويا وان كانت الأصول العملية ثانوية الثانوية يعني مرتبتها متأخرة واوغل في الثانوية. فالاحكام الأولية هي التي يصل اليها المجتهد او المستنبط بدرجة القطع والاطمئنان ومر بنا هذا البحث مرارا ان أصول القانون والاستدلال بها مقدم على الاستدلال بالطرق الظنية الظاهرية. مثلا لاحظوا هنا الاعلام في مقدمة الواجب وطيات مباحثها اعترفوا كلهم ان مقدمة الواجب عقلية وليست ظنية يعني انها من أصول القانون وبحث اجتماع الامر والنهي من أصول القانون وليست من الأدلة الظنية والظاهرية وبحث ان النهي يقتضي الفساد وكذلك بحث الإجزاء كلها ادلة قطعية عقلية ثبوتية من أصول القانون. من ثم قالوا ان المسائل الخمسة كلها مسائل عقلية ليست ظاهرية وظنية مثل البحث عن الصحيح والأعم وبحث الحقيقة الشرعية وبحث حجية القطع بحوث ثبوتية. فالفقيه اذا امكنه الاستدلال بالدليل القطعي الواقعي يكون امتن من الاستدلال بالادلة الظنية الظاهرية لان تقدم الأدلة القطعية الواقعية الثبوتية من أصول القانون على الأدلة الاجتهادية الظنية كتقدم الأدلة الاجتهادية على الأصول العملية. من باب المثال كاشف الغطاء الشيخ جعفر في مبحث المعاطاة استدل بخمس او ست وجوه فقهية برهانية على ان المعاطاة بيع واستدلالها ليست استظهار ظني طبعا اذا كان تاما وكلامنا اذا كان تاما. اذا كان تاما فليس من الاستدلال الظني الاثباتي بل هو من الاستدلال الثبوتي فاذا هذه التقسيمات الأربعة تبين لنا ان من القسم الأول ليس فقط الاحكام الفقهية بل الاحكام في أصول الفقه يمكن ان تكون من القسم الأول كالادلة القطعية وليست ادلة ظنية ظاهرية. للبحث تتمة لا نستعجل ونجعلها للجلسة القادمة.