44/07/16
الموضوع: باب الالفاظ، مبحث الأوامر، مقدمة الواجب
كان الكلام في تفسير الضابطة التي ذكرها الميرزا النائيني للمسألة الفقهية وهي ان الحكم الفقهي لابد ان يكون موضوعه من العناوين الأولية الخاصة وكما مر ان المراد من الموضوع هو الموضوع اللغوي الاعم من كونه من قيود الوجوب او الواجب وليس موضوع المسألة الفقهية عناوين متعددة مترددة بل لابد ان يكون عناوين خاصة.
لشرح هذه الضابطة بغض النظر عن صحتها او سقمها كبرى البحث جيدة ان المسائل الشرعية هناك عناوين أولية وعناوين ثانوية وهنا الميرزا النائني في كلامه يشير الى ان الموضوع في المسألة الشرعية يمكن ان يكون اوليا وثانويا. وهذه مسألة مهمة. ما هي الثانوية والاولية في موضوع الحكم الشرعي وأيضا بالنسبة الى المحمول اولي وثانوي وما هي الضابطة فيه. بالتالي ينتج لنا أربعة اقسام. فبالتالي التعرف على الثانوية او الأولية في الموضوع او المحمول كيف؟ لان هناك آثار معينة للعنوان الثانوي في الموضوع او العنوان الاولي في الموضوع وادعى الميرزا النائيني ان الموضوع الثانوي ليس موضوع المسألة الفقهية وان اختلف فيه السيد الخوئي مع النائيني. كما ان هناك خاصية في الأولي والثانوي في الحكم والمحمول أيضا لابد ان نلتفت اليه.
العنوان الاولي مثل «اقيموا الصلاة لدلوك الشمس» سواء جعلنا الموضوع قيد الوجوب «دلوك الشمس» او جعلناه «الصلاة» بالتالي هو موضوع اولي والوجوب حكم اولي. هذا من القسم الأول وكذلك «أتوا الزكاة» وكما مر اغلب الاحكام الشرعية في الكتاب والسنة من قبيل القسم الأول ولما يكون اوليا يعني لها ثبات ولا يكون فيها التغيير بحسب الازمان وغيرها. انما يرفع اليد عن لزومها لرخص ثانوي كلام آخر لكن هي كتشريع لا تغير ولا تبدل فيها. الذي يقال ان الشريعة ثابتة ولا تغير فيها بالدقة هي في القسم الأول من الاحكام. «حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرام محمد حرام الى يوم القيامة» فاذا القسم الأول محمولا يمثل جانب الثبات في الشريعة وان كان هو ذو طبقات.
القسم الثاني المحمول فيه اولي لكن الموضوع او المحكوم ليس اوليا بل ثانوي والثانوية في الموضوع تختلف سنخا عن الثانوية في المحمول والحكم والكثير ما أن يرى اسم عنوان الثانوي في الموضوع يظن انه محمول ثانوي وهذا ليس صحيحا لان العنوان في الموضوع اذا كان ثانويا لا يعني ان حكمه ثانوي بل حكمه يمكن ان يكون اوليا مثل النذر، وجوب النذر «يوفون بالنذر» وجوب الوفاء بالنذر حكم اولي وان كان النذر ثانوي. فالثانوية في الموضوع تختلف عن الثانوية في المحمول مثل العهد واليمين والشروط «لا غنى عن الشروط وتشريع الشروط في العقود المالية او غير المالية بل لابد منها. في رواية يتبين ان حفظ العهود والشروط في المسلمين يوجب نصرتهم على الكفار وعدم الوفاء يوجب هزيمتهم امام المشركين. المهم ان الوفاء بالشروط والعهود «اوفوا بالعهود» نفس «اوفوا بالعقود» هكذا مهم وخطير بحيث يعدي اما الى عز المسلمين او هوان المسلمين فيما بينهم فحكم اولي ومهم ومشدد عليه والصلح هكذا والتعامل مع الوالدين أيضا هكذا ومع الزوج. بالتالي هذا القسم الثاني وهو الحكم الاولي والموضوع الثانوي أيضا ملاك الحكم فيه اولي وثبات. نعم ورد لدينا كراهة ان يجعل الانسان المستحب واجب طول العمر بل بعض استشكل في انعقاد النذر او اليمين او العهد او الصلح او الشروط فمحل اشكال عندهم فحينئذ ينبهنا الى انه وان كان حكم اولي لكن لانه موضوع ثانوي يأخذ شيئا من احكام وآثار الحكم الثانوي، لكنه يعامل معه معاملة الاولي ولا يحب الشارع انقلاب العناوين الثانوية في الموضوع الى العناوين الأولية على نحو الدوام فلاحظ هذا القسم الثاني لا هو من القسم الأول ولا هو من القسم الثالث والرابع بل بين بين.
القسم الثالث المعروف بين الالسن من العناوين الثانوية او الاحكام الثانوية غالبا ما يقصد منها القسم الثالث وهي من جهة المحمول ثانوية ومن جهة الموضوع ليس ثانوية وان تخيل ذلك. الاحكام الثانوية في الحقيقة غالبا موضوعها اولي وسنبين. وهذه نكتة مهمة لانه مر بنا ان هذا التقسيم الرباعي للأحكام الشرعية والقواعد الشرعية حساس وخطير لان تشخص ان هذه القاعدة من قبيل القسم الأول او الثاني او الثالث او الرابع وكل قسم له ضوابط وموازين في شرعيته ويجب الفقيه او الوالي السياسي يلتفت اليه.
مثلا لو حصل تزاحم بين ما هو من القسم الأول وما هو من القسم الثاني ايهما يرجح او التوارد؟ عادة في التوارد يقدمون القسم الأول على الثاني والتوارد هو نفس الورود ولكن هو ورود من كل طرف للطرف الاخر حكمان متدافعان ومن جهة الموضوع كل يطارد الآخر فمتطاردان. لان هذا يريد ان يزيل الموضوع الثاني والثاني يريد ان يزيل الموضوع الأول والورود إزالة من الطرف الواحد. معروف عن الورود انه تصرف تكويني ثبوتي احد الحكمين الوارد تكوينا يزيل موضوع الحكم الثاني. كثيرا ما في الفقه المطاردة بين الحكمين او الموضوعين للحكمين تكون من الطرفين مثلا وجوب أداء الدين مقيد بعدم العسر ومن جانب ثاني وجوب الحج مقيد بالاستطاعة فهل وجوب الحج يزيل موضوع وجوب أداء الدين او الدين يزيل موضوع الحج والاستطاعة؟ هذا يعبر عنه التوارد والمطاردة. هذا بحث التوارد ولسنا في صدده وهو شيء مركب مضاعف من الورود. لكن هذا التوارد بالتالي اذا حصل بين ما هو من القسم الثاني وبين ما هو من القسم الأول كيف العلاج؟ غالبا الاعلام يقدمون القسم الأول لان القسم الأول هو يمثل الجانب الثبات في الشريعة بخلاف القسم الثاني. هذا تام او ضابطته ماذا لسنا في صدده. لكن المقصود ان القسم الأول يختلف في الآثار والخواص والعلاجات عن القسم الثاني. الثاني بالتالي من جهة الموضوع كانما ليس تشريع اولي.
قاعدة الشعائر الدينية من القسم الثاني لكنه لا يمنع ان يكون من مصاديقها من القسم الأول. بعض الاعلام رأى بعض المصاديق من القسم الأول وقال لابد ان تكون هذه القاعدة من القسم الأول لذلك في آليات الشعائر الجديدة قال لم يرد فيها النص فغفلة صارت. فترى قاعدة واحدة جلها في القسم الثاني وبعض مصاديقها من القسم الأول لانه مر بنا ان القسم الأول مثلا شعيرية الهدي للحج ليس من القسم الأول مع انه من الشعائر وشعيرية الاذان الاعلام من قبيل القسم الأول لان الاذان شيء ثابت ولا يتبدل وشعيريته لا تتبدل. لاحظ ان الشعائر كم مهمة وذكر الشيخ البهائي وغيره ان اهل مدينة او مصر ان لم يرفعوا صوتهم بالاذان في أوقات الصلاة يهددون بالقتال. لاحظ الاذان من الشعائر متفق عليه ان خطورته واهمتيه بدرجة انها ليست من القسم الثاني بل من القسم الأول فقاعدة واحدة وهي الشعائر قسم من افرادها من القسم الأول وجل افرادها من القسم الثاني. ذكرت ان هذا سبب ان قاعدة الشعائر يختلط الحال عند الاعلام ويقول ان الاذان والهدي اذا كان من القسم الأول فقاعدة الشعائر لابد ان تكون من القسم الأول وهذا اشتباه وغفلة. اذا كون الشيء من القسم الأول والقسم الثاني وغيرهما تترتب عليه آثار كثيرة لابد من الالتفات اليه. فترى قاعدة تترقص بين قسم وقسم وهذه نكتة جدا مهمة واختلاف الاثار بين الأقسام.
القسم الثالث الموضوع «اللغوي لا الاصولي» فيه اولي والحكم ثانوي. هذه العناوين الثانوية والاحكام الثانوية يراد بها غالبا القسم الثالث. «رفع عن امتي ما لا يعلمون» هذا من القسم الثالث و «رفع عن امتي الاضطرار» و «لا ضرر ولا ضرار» من القسم الثالث و «ما جعل عليكم في الدين من حرج» «رفع عن امتي النسيان» وهذه الست القواعد العظيمة المذكورة في الحديث النبوي «النسيان والاضطرار والحرج والجهل والضرار وغيرها» يذكرون ان كلها من القسم الثالث. ما الفرق بين القسم الثالث وبين غيره؟
القسم الثالث الموضوع اولي لكن الحكم ثانوي. مثل قاعدة التقية من القسم الثالث. ما الفرق؟ الفرق ان القسم الثالث ثانوية في المحمول والحكم ولما يكون ثانويا نفس جعل الشارع ثانويته يعني لا تجعله اوليا ولا تبني عليه على الدوام بل مستشفى جعله للطوارئ لا للعلاج الاولي. فيه فرق بين العلاج الطوارئ وبين العلاج الاولي. اما الطوارئ طبيعته طوارئ وموقت واسمه فيه. شرع وهندس وقنن لان يكون موقتا ودائميته يوجب محو الاحكام الأولية. لذلك الفقهاء في القسم الثالث يقولون ان الفقيه مهما امكن لا يعالج الموقف الفقهي بقواعد القسم الثالث لانه موقت وليس علاجا جزري بل علاج لتسكين الآلام فقط. حتى الوالي السياسي المفروض عليه ان لا يعالج المواقف المتعارضة والمتدافعة بقواعد القسم الثالث لان طبيعة القسم الثالث موقتة. حتى انت اذا تقدر على الالام لا تتعاطى ادوية الطوارئ بل تصبر حتى تأخذ العلاج الغير الطوارئ وهو انجح من العلاج الطوارئ.
التزاحم من باب القسم الثالث واجتماع الامر والنهي قاعدة من قبيل القسم الثالث. اذا تشخيص القاعدة الأصولية او الفقهية انها من القسم الثالث او القسم الأول. الثالث طبيعته موقت. التعارض علاجه بالادلة العلاجية من القسم الثالث. من ثم عند الفقهاء ومشهور الفقهاء والمتقدمين الى صاحب الجواهر والشيخ الانصاري الجمع مهما امكن أولى من الطرح بالنسبة الى السلطة التشريعية او السياسية او الوالي لان القواعد العلاجية في القسم الثالث موقتة وللطوارئ. فاذا من المهم ان الفقيه يلتفت الى ان القاعدة من أي قسم سواء قاعدة أصولية او فقهية او كلامية او أخلاقية يجب تشخيصها من القسم الأول او الثاني او الثالث او الرابع. اذا كان المتكلم او المفسر او الفقيه او الاصولي لا يشخص ضابطة الأقسام الأربعة وضابطة اندراج القواعد الشرعية في الأقسام فيختلط.
ميرزا هاشم الاملي دائما ينبه على ان كلام العراقي ان التمسك الكثير في الاستنباط في الأبواب الفقهية بالاصول العملية هذه سليقة فيها اشكال علمي لان الأصول العملية في الأصل ليس تشريعها كالادلة الاجتهادية. الأصول العملية من قبيل القسم الثالث وليس من قبيل القسم الأول او الثاني. مع ان الامس ذكرت لكم ان الميرزا الكبير ذكر ان اصل الدليل الاجتهادي او الأصل العملي هو من قبيل الحكم الثانوي. هذا مبحث معقد كيف ان الميرزا الكبير أسس ان الحكم الظاهري من القسم الثالث ومن الاحكام الثانوية. بنية ومنظومة الحكم الظاهري تجعله في أي قسم؟ كم مبحث حساس. التقية من القسم الثالث وليس من القسم الثاني اذا دشنت التقية على الدوام من دون العلاج ان الأدوية العلاجية تحتاج الى علاج. لان لها مضاعفات وتداعيات تعبير لطيف في علم الطب. ان ادوية الطوارئ تحتاج الى دواء. فهذه من النكات النفيسة ان التقية عند الائمة يحتاج الى علاج بل يجب ان يكون هنا علاج الموازن كي يدفع سموم التقية مع ان التقية ديني ودين آبائي كما مر بنا شيء آخر في التقية سابقا ان التقية من موقع القوة لا من موقع الضعف. على كل تشخيص الأقسام والقواعد الاصولي والفقهية والكلامية والقواعد الشرعية تشخيصها من أي قسم من الأقسام امر مهم وذكرت ان هذا البحث حري أن يؤلف في كتاب وهذا البحث اهم من مقدمة الواجب.