الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/07/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ، مبحث الأوامر، مقدمة الواجب

 

كان الكلام في ان مقدمة الواجب هل هي مسألة كلامية او مسألة فقهية او من المبادئ الاحكامية او هي مسألة أصولية؟ ومر عدم كونها مسألة كلامية. طبعا ان البحث في انها كلامية او لا ليس فنية محضة بل فيه فائدة عظيمة انه يبين منهجية البحث في العلوم الدينية وهذه ضابطة مهمة.

الميرزا النائيني قال انها ليست مسألة فقهية تحت ان الضابطة في المسألة الفقهية الموضوع فيها الاعم من قيود الوجوب او المتعلق او الاعم من الموضوع اللغوي او المنطقي لان الموضوع باصطلاح الاصولي هو خصوص قيود الوجوب لكن هنا المراد منه هو الموضوع اللغوي يعني مطلق ما يذكر موضوعا فإما يكون من قيود الوجوب او يكون متعلقا. فيقول الميرزا النائيني ان الموضوع في المسألة الفقهية لابد ان يكون عنوانا خاصا منضبطا لا ان يكون مرددا بين العناوين. اذا يكون مرددا بين العناوين فلا يكون موضوعا فقهيا فلا تكون مسألة فقهية. والمحمول سواء كان اوليا او ثانويا.

هذه الضابطة عند الميرزا النائيني لشرحها كما مر أمس هناك اقسام أربعة للحكم الشرعي او القضية الشرعية او القواعد الشرعية والمراد من الاحكام الشرعية يعني العلوم الدينية اعم من كونها فقهية او كلامية او غيرهما.

اما موضوعه وحكمه اوليان او موضوعه ثانوي وحكمه اولي او موضوعه اولي وحكمه ثانوي او موضوعه وحكمه ثانويان.

هذا المبحث ان العنوان ثانوي او اولي سواء في الموضوع او في المحمول مبحث في نفسه مهم في العلوم الدينية القواعد الشرعية. مر انه في القسم الأول هذا هو غالب الاحكام الشرعية في الفقه، مثل وجوب الصلاة او ان الصلاة واجبة او اقم الصلاة لدلوك الشمس. غالب الاحكام الشرعية في الفقه هكذا.

الحكم الاولي له ثبات ولابد ان يراعى بخلاف الحكم الثانوي هو طوارئ ومن غير الصحيح جعله ذو ثبات نظير الحكم الاولي سواء عند الفقيه في الفتاوى او الوالي السياسي في تدبيره او القاضي. طبيعة الحكم الثانوي هكذا وكلامنا في المحمول والحكم الثانوي لا الموضوع الثانوي. كلامنا في التمييز بين الحكم الاولي والحكم الثانوي. وفعلا لثانوية الحكم او أولية الحكم آثار كثيرة.

مثال للقسم الثاني وهو الموضوع ثانوي والحكم اولي: مادام الحكم اوليا في القسم الثانوي الفقهاء يعتبرونه من الاحكام الأولية لان الحكم اولي. مثل باب النذر وباب اليمين وباب العهد. الفقهاء جعلوه من الأبواب الفقهية الأولية لان حكمه اولي مع ان موضوعه ثانوي يعني عمل يكون له حكم معين يطرء عليه النذر سواء النافلة يطرء عليه النذر فتصير واجبة او القسم او العهد وابواب أخرى ونظير الشروط في العقود. حكم الشروط اولي «المؤمنون عند شروطهم» لكن المموضوع ثانوي بالاشتراط العمل المشروط يصبح واجبا فالموضوع ثانوي وطارء. والصلح كذلك موضوعه ثانوي وحكمه اولي «الصلح جائز بين المسلمين» وكذلك امر الوالدين «فان جاهداك على ان تشرك به ما ليس لك به علم فلا تطعهما» يدل على ان الام أيضا لها الولاية الأخلاقية. فالامر بطاعة الوالدين كأدب الحكم اولي فيه وان كان الموضوع ثانوي وكذلك الزوج او الوالي السياسي في الولاية الحقة.

نلاحظ خصائص صناعية في القسم الثاني. أولا مع ان المحمول اولي الا ان هذا المحمول الاولي في هذا القسم قيد ما لم يخالف الكتاب والسنة. كيف يخالف؟ لسبب ان الموضوع ثانوي. الصلح جائز الا ان حرم حلالا او حلل حراما. وكذلك الشروط الا ما حرم حلالا او حلل حراما. والعهد والنذر واليمين كذلك. مع ان الحكم فيها اولي الا انه قيد بما لم يخالف الكتاب والسنة لان الموضوع فيها ثانوي والموضوع الثانوي قد يطرء على حرام ولا نذر مثلا في المعصية ولا عهد في المعصية الشروط بين المتعاقدين في المحرمات لا صحة لها. اذا هذه خاصية.

اذا هذا القسم الثاني سيأتي انه يختلف في خصائصه عن القسم الثالث كما يختلف عن القسم الأول وهذه نكات صناعية بغض النظر عن هذا البحث في فقه الفروع او العلوم الدينية الأخرى.

اما القسم الثالث ان الموضوع اولي والمحمول ثانوي. هذا القسم من الواضح ان المحمول ثانوي ومن الطوارئ ولما يكون من الطوارئ فيكون اضطراريا وليس اوليا ودائميا. ولذلك الفقيه بقدر ما يمكن لا يتوصل بالادوية الطوارئ. هذا المحمول الثانوي من جهة يصلح جانبا ويفرط جانبا آخر. طبيعة المحمول الثانوي يراعي من جانب وهو الأهم و يفرط في المهم والتفريط في المهم ليس بصحيح. مراعاة الأهم جيد لكن الجمع مهما امكن أولى من الطرح. هذه القاعدة عند الفقهاء ليس في خصوص التعارض بل في التزاحم. التزاحم أيضا فيه الطرح للمهم والجمع أولى من الطرح. هذا حتى في الوالي السياسي والمفتي. مرارا وكرارا ذكرنا ان أئمة اهل البيت يبينون ان التقية واجبة يعني الخفاء الأمني واجب ورعاية الأهم واجب ولا كلام فيه والتفريط في الاحكام الأولية الأخرى غير الأهم سلبي مهما يكون لذلك يستغفرون من التقية الواجبة. لان التقية من القسم الثالث. التقية بمعنى الخفاء واجبة على طول الطريق واصلا هي من القسم الأول لا من القسم الثالث. التقية بمعنى رعاية الأهم أيضا من القسم الأول والتقية بمعنى التفريط في المهم من القسم الثالث ومن ثم سلام الله عليهم يستغفرون من التقية، يعني أيها الممارس للتقية انت تراعي احكاما أولية في القسم الأول والخفاء ورعاية الأهم من القسم الأول لكن التفريط في المهم من القسم الثالث ولو انت معذور لكنه بالتالي تفريط. ومن ثم الائمة علیهم‌السلام بين فترة يعالجون هذه التفريطات المحصلة من التقية ولولا معالجتهم وجبرهم للتفريطات من التقية الامر يكون مخفيا يعني التعايش مع الطرف الاخر مطلوب وعدم التشنج مطلوب لكن ليس بمسخ الهوية العقائدية المذهبية الداخلية. حتى التقية السياسية قد يلزم منه مسخ سياسي من ثم ما ورد في زيد الشهيد كثير من العلماء يقولون ان مدح زيد من الائمة تقية من الزيدية. ليس هكذا. مدح زيد لانه توجب التوازن لان التقية السياسية توجب مسخ الهوية السياسية فمن ثم مدحوا زيد لكي يبين للفقهاء ان مسخ الهوية السياسية لا يجوز. بل فيه شواهد كثيرة على ان الائمة علیهم‌السلام لهم نحو ارتباط مع جملة من حركات الثورية للهاشميين لا كلهم. لا ان السلبيات التي يقوم بها الثوريين يتبنى عليهم الائمة لكن اصل الحفاظ على مبدأ الهوية السياسية الحقة في قبال المسخ السياسي يراعونها علیهم‌السلام.

اذا القسم الثالث المحمول فيها ثانوي والموضوع اولي. هذا المحمول الثانوي اضطراري ولازم ان ننتبه ولا نجعله حكما اوليا. لذاك قالوا «من احب عمل قوم اشرك معهم» هذه عملية عدم المسخ. وهذه الرواية قرأناها في المكاسب المحرمة قبل أيام «حق على الله ان يصير كل امرء مع من يعاشر» حتى المعيشة والذوبان «كن في الناس ولا تكن معهم» نفس العشرة لابد ان لا تكون ذوبان. «من عاشر قوما أربعين يوما صار منهم» واحد من المؤمنين باع ارضه ومنزله وانتقل الى مدينة المنورة لكن قاله الامام ارجع لان البيئة ما فيها الولاء لاهل البيت مع انها مكة المكرمة والمدينة المنورة لكنه يتأثر لذا قاله الامام ارجع الى كوفة.

المقصود اذا القسم الثالث ثانوي ولا يجب ان لا يبقى المحمول لان فيه التفريط لكثير من الأمور الأولية. الموضوع اولي لانه تزاحم بين الموضوعين لحكمين اوليين. والجمع مهما امكن أولى من الطرح يمارسها هذه القاعدة الفقهاء لا فقط في باب التعارض او التزاحم بل أيضا في باب ثالث ويسمى التوارد وهو ورود من الطرفين على الاخر. ربما هذه الدورة ما بحثناها وسيأتي في اجتماع الامر والنهي او الضد. التوارد مع انه ليس كالحكومة بل حالة ثبوتية وليست اثباتية. الحكومة قسم كثير منها دلالي وقسم قليل منها ثبوتي. اما الورود او التوارد ضابطة ثبوتية وهذه نكتة مهمة في الضابطة العلاجية الثبوتية او الاثباتية.

الميرزا محمد حسن يعتبر الحكم الاثباتي الظاهري حكما ثانويا. حجية الخبر الواحد الصحيح حكم ثانوي وحجية الظنون ثانوي فيكون من القسم الثالث. لماذا؟ حفظت شيئا وغابت عنك أشياء. الحكم الظني والظاهري لا يصيب الواقع مأة بالمأة ويفرط في الواقع ان اخطأ ولو يكون خبر العادل. هذه نكتة نفيسة ذكرها الميرزا الكبير ان الحكم الظاهري من القسم الثالث او الرابع. اذا ما هو الحكم الاولي في الاثبات؟ الحكم الاولي ان تعمل بالعلم الإجمالي بكل التراث والعمل بالظن والامتثال الظني ثانوي وليس اوليا. الأولي ان تعمل بكل العلم الإجمالي ولو من باب الاحتياط. مر بنا ان حجية خبر الواحد الصحيح معذر والا العلم الإجمالي الكبير منجز وكل التراث منجز. لان العلم الإجمالي الكبير بانا نحن موظفون بالدين يقتضي الامتثال القطعي لا الامتثال الظني. هذا البحث يعطيك خارطة في علم الأصول ولا تكتفي بالبدن البشري لعلم الأصول ان الحكم الظاهري حكم ثانوي وليس اوليا لان فيه التفريط. ولو يريد الانسان ان يحتاط في العقائد او الفروع احتياط علمي في الاستنباط وهو من انفس المناهج وذكرنا شيئا ما في كتاب المناهج. هذه التقسيمات تعطيك كنه سر الأبواب في العلوم الدينية طرا.