الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/07/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ مقدمة الواجب

منهجية علم الكلام عقلية عند الأصوليين

 

كان الكلام في ما ذكره الاعلام في مقدمة الواجب وذكرنا ان النقاط التي ذكرتها الاعلام في مقدمة الواجب مباحث مهمة جدا ومرتبطة بأصول القانون.

النقطة التي وصلنا اليها انها هل مقدمة الواجب مسألة كلامية او هي مسألة فقهية او هي مسألة أصولية او هي مسألة من مبادئ الاحكامية؟ فالبحث يقع في تشخيص هذه المسألة بعد ان فرغ الاعلام من ان الوجوب المبحوث عنه في مقدمة الواجب ليس وجوبا بينا تفصيليا في الأدلة اللفظية. باعتبار ان الأصوليين لا ينحصر عندهم الحكم الشرعي بما هو موجود من الاحكام في سطح الفاظ الأدلة بل مآت من الاحكام يستنبطها الفقهاء والأصوليين من ما وراء الاستعمالية والتفهيمية بل حتى ما وراء الجدية وهذا لا يضر بشرعية الحكم وبكونه حكما مقررا سواء الحكم التكليفي او الوضعي. اما انه يتخيل متخيل ان الاحكام لابد ان تكون في منصة السطح الظاهر التي يتناولها الكل في الكل هذا فهم خاطئ للدين والوحي والشريعة وحقيقة القرآن وحقيقة كل شيء. لما مر بنا امس ان المراد من مدرسة النص ليس مقابل الظاهر بل النص هو الوحي سواء الوحي في سطح الأدلة او في تأويل الأدلة فمن ثم يصر القرآن لاكريم علي ان الوصول الى الدين واحكام الدين عبر آلية الفهم «ليتفقهوا» أي يتفهموا وليس يوصل الى احكام الدين فقط عن طريق السمع والسمع ابتداء وبدون آلية الفهم لا يقوم للدين قائمة فسفينة الفهم لابد منها وهي تنطلق من بدايات السمع لكن ليس كل الدين عند السامع فقط بل لابد ان تغوص في أعماق المعاني.

كما انه «ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا» فالتبين آليته الفهم بتوسط الفهم لا الانباء السماعي ولو كان المخبر فاسقا والمدار على المضمون وليس على ضعف الراوي او وثاقة الراوي. اية النبأ دالة على ان المدار في حجية الخبر على المضمون وليس على صفة الطريق والطريق ليس الا آلية تكوينية لوصول المضمون. فاذا الحكم كما مر عمدة احكام الشريعة انما هي مستورة وراء المعاني بالتدبر والاستنتاج والتتبع يفهم تلك المعاني طبعا على طبق الموازين وليس على طبق الاهواء او المشتهيات او الهلوسة. هذه هي النقطة الأولى التي مرت بنا.

النقطة الثانية: ان هذه المسألة فقهية او كلامية او من المبادئ الاحكامية او أصولية؟ اربع احتمالات.

من قال ان المسألة كلامية ليس فقط مبحث مقدمة الواجب بل المسائل العقلية الغير المستقلة الخمس. طبعا هذا الحصر حصر نسبي والا المسائل العقلية غير المستقلة عشرات عند الأصوليين. لكن هي مسائل عقلية غير المستقلة خمس مسائل بارزة. طبعا زرارة بن اعين وهشام بن حكم احدهما الف في اجتماع الامر والنهي والآخر الف في مقدمة الواجب او النهي يعني احد هذه المسائل الخمس قبل الشافعي او ان يولد الشافعي وهلم جرا.

لماذا يحتمل انها مسألة كلامية؟ لانها مسألة عقلية ومن خاصية مسائل علم الكلام انها عقلية. وهذا بحث مهم ان الأصوليين يحددون حيثية علم الكلام بانه مبحث عقلي ونفس هذه الضابطة ضابطة مهمة. ان علم الكلام علم عقلي او ماذا؟ وما المراد من العلم العقلي؟ مع ان المتكلمين كما مر بنا امس ملؤوا ابحاثهم بالايات والروايات وهم مختلفون عن الفلاسفة حقيقة كما مر بنا امس. فمر تفسير هذ المطلب ان المتكلم عندما يتعرض للايات والروايات لا يتعرض الى اللغة الاعتبارية القانونية في الايات والروايات وانما يتعرض الى اللغة العقلية في الايات والروايات وهذا خطأ الفلاسفة والعلمانيين والحداثويين انهم يظنون ان الوحي يعني بحث اعتباري وقانوني ومولوي والحال ان الوحي له شئون عديدة. الباري تعالى له شئون عديدة والنبي كذلك. كذلك اخطأوا الفلاسفة وظنوا ان النبوة والامامة حصرا هو الآمرية والطاعة والمولوية وكذا وكذا. والحال انه من اعظم شئون الباري تعالى وشئون النبي كخليفة لله عزوجل وشئون اوصياء النبي صلى الله عليهم وسلم هو العلم. «من يتق الله يجعل له فرقانا» «اتقوا الله يعلمكم» «ومن يدعوا غير الله لابرهان له» الكلام في البرهان . ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة وليس ادعوا الى سبيل ربك بالآمرية بل في البدء بالحكمة والموعظة جانب الوجداني والمشاعر والقلب. فالعقل والقلب.

فبالتالي «هو بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة» الموعظة قدمت على التعليم. فاذا الفلاسفة الجدد والفلسفات الغربية او الفلاسفة القدماء اخطأوا عندما ظنوا ان شأن الوحي فقط هو الآمرية والمولوية. الان في الوسط الداخلي الحوزوي يظن ان الوحي يعني فقط التعبدية وهذا اشتباه. الوحي اكبر دوره هو التعليم ثم التعبدية. اكبر دور للوحي هو التعليم التكويني والعقلي في كل مجالات والشئون. ولكن يختلف ان تعليم الوحي لا متناهي وتعليم البشر محدود فاذا شئون الوحي ومقام الباري تعالى مقام النبي ومقام الائمة علیهم‌السلام هو هكذا.

اذا استناد المتكلمين الى الروايات والآيات من باب ادراك العقلي والادراك الوجداني والخطاب العقلي من الوحي فاذا صح هذه الضابطة المنهجية التي ذكرها الأصوليين من ان علم الكلام الميزان المنهجي فيه هو العقل والبحث العقلي يعني علم الكلام يبحث في الكتاب والسنة في الخطاب العقلي فيهما وكما مر بنا في أبحاث العقائد ان البراهين التي يذكرها الله تعالى في التوحيد اعظم من البراهين التي يذكرها البشر كفلاسفة والعرفاء.

فاذا لا يظن ان علم الكلام يعتمد على النقل. البعض هكذا يقول: ان الفرق بين الكلام والفلسفة هو ان علم الكلام يعتمد على العلوم النقلية والفلسفة لا يعتمد على العلوم النقلية. فلماذا الفلاسفة يعتدون على كتب القدماء عندهم؟ مع انها نقلية. او لا ينظرون لجهة النقل بل انما ينظرون لمضمون النقل وهو عقلي. اذا كان هكذا كما ان هذا التصوير لا ينافي العقلية في الفلسفة فهنا في الوحي أيضا لا ينافي العقلية. يدعون العرفاء انهم يعتدون الكشوفات فلم ينقل بعضهم عن بعض؟ لم ينبه بعضهم على بعض؟ بالتالي يهيئ نفسه. فالكلام الكلام في الوحي والوحي اعظم . فاجمالا اذا هذا بحث مسيري ان المنهج في علم الكلام ما هو؟ وماذا المنهج الذي يحدده الاصوليون لعلم لكلام؟ قالوا منهج عقلي. اذا تراجع كلمات الأصوليين في بداية مقدمة الواجب عندما يتطرقون في ان البحث كلامي او لا. في المسائل الأخرى أيضا يبحثون هكذا. يثيرون هذه الحيثية ان علم الكلام الضابطة المنهجية عقلية. مثلا الفيلسوف يرجع الى فيلسوف أخرى، هل السند متصل بينه وبين ذاك الفيلسوف؟ ما له معنى لانه يعتمد على ما قيل. لما تكون احد العلائق بين الباري تعالى والخلق هي العلم لا تنظر الى من قال بل تنظر الى ما قيل لان العلم بغض النظر الى العالم وبغض النظر الى المتعلم هو العلم وفي نفسه علم. هذه النكات يجب الالتفات اليه. صناعة العقائد ما لها ربط بالطريق والنقل ضعف النقل او قوي. الاكتراس والاهتمام والاولوية بحث آخر. اجمالا علم الكلام يعتمد على الحيث العقلية في الوحي. نعم الحديث المتواتر منبه على ان اللغة العقلية في الحديث المتواتر اهم من اللغة العقلية في حديث غير المتواتر لا ان التواتر وغير التواتر دخيل بل العقل والنظام العقلي الخطاب العقلي هو نفسه. اذا هذه نكتة مهمة ان ينبه ويركز عليه الاصوليون والمتكلمون. قالوا في العقائد لا يعتبر الظن والاصل في العقائد يعول علي اليقين والعلم. في هوامش العقائد والتفاصيل البعيدة في العقائد هذا بحث عندهم يعتبر الظن او لا لكن اجمالا الأصل الاولي في العقائد اللغة العقلية. نعم المتكلمون متنبهون الى ان العقل الموجود والخطاب العقلي المستوى الموجود في الوحي لا يقارن بالمستوى العقلي الموجود عند الفلاسفة. المستوى العقلي الموجود في الوحي بالنسبة الى المكاشفات يعني كشف النبي معصوم الهي لان النبوة كشف ولا يقايس بالكشف البشري. هذه نكتة جدا مهمة. اذا هذا ضابطة في منهجية علم الكلام.

هل مسألة مقدمة الواجب مسألة كلامية او لا؟ طبعا هنا ظاهرة في تاريخ علم أصول الفقه انه كما مر بنا مرارا ذكره الاكابر ان بحث الحجج في الأصول وتيد الصلة بعلم الكلام. لذلك يقال ان علم أصول الفقه ترعرع في علم الكلام ان زرارة متكلم وهشام بن حكم متكلم وغالبا المتكلمون الامامية عندهم باع واسع في علم الأصول. هذا شطر من أصول الفقه. شطر الالفاظ أيضا علوم الادب سيما علم البلاغة والمعاني لها دور فيه.

هل مسألة وجوب المقدمة مسألة كلامية او لا؟ أجاب الاصوليون: صحيح ان علم الكلام منظومته ونظامه لغة عقلية لكن ليس كل ما هو عقلي من علم الكلام. كل ما هو كلام عقلي لكن ليس كل ما هو عقلي من علم الكلام. كثير من العلوم العقلية في الفقه ولا يبحث في الفلسفة والكلام او كثير من الأمور العقلية في الأصول. سيبين الاصوليون ان مسألة مقدمة الواجب مسألة أصولية وليس كلامية.

كلامنا في أهمية هذه البحوث الان وليس من جهة مقدمة الواجب. هذه البحوث ضوابطها اعظم من مبحث مقدمة الواجب. لان ينظم لك الاصولي ان النظام الموجود في التعاطي مع تراث الحديث والقرآن كتراث السماوي نظام التعامل معه ليس نظاما نقليا بل نظام عقلي. ومر بنا سابقا الفرق بين العلوم النقلية والعلوم الوحيانية كما انه فرق بين العقل والنقل. العلوم العقلية شيء والعلوم النقلية شيء. كما انه فرق بين العقل البشري والعقل الوحياني وكما انه فرق بين الكشف البشري والعرفان البشري والعرفان الوحياني والمعرفة الوحيانية. هذا بالنسبة الى علم الكلام منهجية جيدة ضبطها علماء الأصول. واياك ان تأتي ببحث اعتباري في علم الكلام فانت لست بكلامي. هذا بالنسبة الى علم الكلام.

ماذا عن احتمال انها مسألة فقهية؟ المقدمة واجبة. لعلها مسألة فقهية واذا كانت مسألة فقهية فليست مسألة أصولية. كيف يدفع الاصوليون ان بحث مقدمة الواجب مسألة أصولية؟ ما هي الضابطة؟

الميرزا النائيني ذكر الضابطة الجيدة والضابطة في نفسها جوهرة ثمينة. ولكن بغض النظر عن يرتضيها السيد الخوئي أو لا هي في نفسها جوهرة ثمينة. والا ذكر السيد الخوئي ضابطة أخرى لنفي فقهية المسألة. لكن دعونا نذكر كلام النائيني وذكرت ان هذه النقاط التمهيدية اهم بعمقها وغوصها من بحث مقدمة الواجب مع ان بحث مقدمة الواجب من مباحث نفيسة في علم الأصول. الأبحاث التي اثير ضمنا في مقدمة الواجب. كثيرا المسائل والابواب اصل المسألة او نتيجة المسألة مهمة لكن ليست عظيمة الأهمية لكن البحوث التي تذكر ضمنا هي اعظم واعظم من نتيجة المسألة حتى في الانسداد أيضا هكذا. فما هي الضابطة؟

هذه الضابطة كي اشرح كلام الميرزا النائيني او اذكر كلامه على الظاهري. يقول: ضابطة المسألة الفقهية انه حكم واحد لموضوع وعنوان محدد. هناك حكم فقهي واحد لعنوان واحد بشخصه لا بمعنى جزئي حقيقي بل بمعنى أنه ليس عناوين متباينة. اذا ضابطة المسألة الفقهية بغض النظر عن صحة هذه الدعوى ولا يقبلها السيد الخوئي وسنبين انها في نفسه جوهرة ثمينة. اذكر عبارته انه حكم واحد لموضوع وعنوان واحد وخاص. ليس المقصود من الخاص جزئي حقيقي. بل ليست ماهيات متباينة. الفقهي احد علوم الدين هو الفقه. شرح كلام الميرزا النائيني بغض النظر عن صحته ذكرنا في الجزء الأول من الشعائر الحسينية. هناك ذكرنا مجموع كلمات الفقهاء والاصوليين وان لم يجمعوها في مكان واحد لكن يمكن استفادة هذا البحث من مجموع كلماتهم هذا مبعثر في عساعس مباحث الأصول.

انه اما يكون حكم اولي وموضوع اولي او حكم اولي وموضوع ثانوي او حكم ثانوي والموضوع اولي او حكم ثانوي والموضوع ثانوي. اذا أربعة اقسام للاحكام. هذا الذي نسمعه من العناوين الثانوية يشير للقسم الثالث فقط. المحمول ثانوي والموضوع اولي. هذه الأقسام مهمة وضرورية ويجب ان نتدبر فيه وفي معانيها. ا

الموضوع الاولي مثل وجوب الصلاة عند دلوك الشمس او وجوب الوضوء ونفس الوضوء. فاذا القسم الأول واضح كثيرا ما . القسم الثاني الذي يشير اليه الميرزا النائيني وينقض اليه السيد الخوئي وهو من قبيل قاعدة الشروط ان المؤمنين عند شروطهم. ومن قبيل قاعدة النذر وباب اليمين وباب العهد او طاعة العبد او طاعة الابوين او قاعدة الشعائر او الصلح بين المسلمين انه جائز. هنا ندقق ان النذر وجوبه اولي وقاعدة الشروط وجوبها اولي لذلك عقدوا الفقهاء للنذر والعهد واليمين وغيرها بابا اوليا لان حكمها اولي. لكن موضوعها ثانوي.

لا نستعجل فيه والجلسة القادمة نشرحها.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين