44/07/09
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الإجزاء
منهج استنباط الاحكام
مقدمة الواجب
موضوع البحث وجهة البحث ومركز البحث في مقدمة الواجب اين؟ ومقدمة الاعلام يبحثون جملة من الجهات في هذه المقدمة وهذه الجهات جدا مهمة ودسمة.
النقطة الأولى التي يبحث عنها الاعلام في هذه الديباجة لمقدمة الواجب انه ما المراد بالوجوب هنا؟ باعتبار ان مقدمة الواجب واجبة فما المراد من هذا الوجوب؟ النائيني والسيد الخوئي لديهم هذه العبارة ان المراد هنا من الوجوب المبحوث عنه ليس الوجوب التفصيلي الذي يلتفت اليه الآمر. فأي وجوب هو المراد؟ يقولون ان المراد وجوب تبعي مقدم غيري، أولا ليس نفسي ولا تفصيلي يلتفت اليه الآمر لكن المراد به الوجوب الغير المقدر. يعني لو التفت اليه لأمر به. وربما نسميه الارتكازي. هذه نقطة حساسة ومهمة.
كيف الاعلام يريدون من الوجوب في المقام وهو حكم تكليفي؟ هذا يعطينا بابا جديدا في البحث لفقهي والبحث الشرعي والبحث في العلوم الدينية ان نتائج الاستنباط او الاحكام الشرعية او المعاني الشرعية يسلم الاعلام انها ليست كلها مدلول عليها بدلالة تفصيلية نفسية بل قسم وافر من الاحكام او المعاني الشرعية هي موجودة بنمط تبعي او قل ارتكازي او تقديري وكونه تبعية وتقديرية وارتكازية لا ينافي شرعيتها ولا ينافي كونها من الاحكام الشرعية سواء الحكم التكليفي او الوضعي او الواقعي او الظاهري او حكم من أي مرحلة من الاحكام الشرعية.
هذه الجهة هي المنطقة الخلاف بين الأصوليين والاخباريين. ما أقول الاخباريين الكبار والمحققين بل المتوسطين. احد مؤاخذاتهم على الأصوليين في الاستنباط هو هذا انهم يريدون المفاد الشرعي والحكم الشرعي الوضعي او التكليفي او أي قسم من الأقسام الحكم لابد من الأدلة بشكل تفصيلي بالاصالة «النفسي يعني بالاصالةو ليس بنحو تقديري ولا بنحو ارتكازي ولا بنحو اندماجي» بالصراحة هذا القول ليس فقط من متوسطي الاخباريين بل متوسطي من ينتسب الى المدرسة الأصولية أيضا هكذا يعني عندهم ان أي حكم لم يدل عليه دليل في الايات والروايات نفسا اصالة وتفصيلا ليس حكما بل هلوسة وتلاعب بالشريعة. كثير من الأصوليين والاخباريين يظنون هكذا والازمة في متوسطي الطرفين ويجمع متوسطي الأصوليين والاخباريين ما ذكره المفيد القشريين قشري حشوي وسطحي. بينما هنا تصريح.
لذلك يردون على صاحب المعالم لما يقول لم يدل عليه دليل لا بالدلالة المطابقية ولا بالدلالة كذا ويقولون ان البحث ليس في ان نقف على وجوب المقدمة بالدلالة التفصيلية او المطابقية بل نتكلم في وجوب شرعي وهذا الوجوب الشرعي تبعي وارتكازي مقدر. يعني ليس بالضرورة ان المتكلم يلتفت اليه مع ان الشارع شأنه يختلف لكن اقصد ان الأوامر العرفية هكذا. هذه نكتة جدا مهمة.
يعني ان الاحكام الشرعية سواء تكليفية او وضعية او واقعية او ظاهرية ليس ضروريا ان تجدها بدلالة بينة تفصيلية في الأدلة سواء الأدلة القرآنية او الروائية او العقلية. بل بالتمحيص النظري وبالخطوات العديدة في الاستدلال تصل اليه. هل هذا يمانع من كونه حكما شرعيا؟ يقولون ليس يمانع. يعني ليس الحكم الشرعي ان تتلقاه لقمة سائغة للمستنبط تحت متناول فمه بل هذا للمبتدئين اما من يخوض يختلف. هذا المبحث منهجي اهم من مقدمة الواجب برمتها بحث منهجي لكل الشريعة وكل الفقه وكل الأصول ان شرعية الحكم الشرعي سواء من الاخلاق والاداب والعقائد والتفسير شرعيته ليست بان تكون دلالته بينة تفصيلية ملتفت اليها عند المتكلم ابتداء بل منظومة المعاني الارتكازية التي موجودة عند المتكلم كلها حجة. هذا ما قد يسمى في علم التفسير بالتأويل او في علم الأصول يسمى الاستنتاج الصناعي والا ابتداء لا يمكن الوصول اليه.
كيف ان الصلاة فيها موانع وشرائط وجملة من الموانع والشروط غير مصرح بها في الايات والروايات الا ان الفقهاء افتوا بها وتصيدوها من الأدلة. من اين أتوا بها؟ موجودة لكن موجودة ليست في سطح الظاهر بالتفصيل وهذه شهادة عظيمة. ليس فقط في مقدمة الواجب بل في اجتماع الامر والنهي والضد والنفي يقتضي الفساد والإجزاء خمس مسائل عقلية وجملة من هذه المسائل ممتزجة بالادلة الشرعية يعني عقلية تبعية شرعية واحكام عقلية غير مستقلة. والعقل يدرك شئون الحكم الشرعي وهذا الادراك اذا ليس دليلا لابد ان نغلق باب المسائل الخمسية العقلية في الأصول وعلم الاستنباط في الفقه والحال انه بنى عليه الاعلام في الموارد الكثيرة من الأبحاث والمسائل العقلية الغير المستقلة الخمس. فنكتة جدا نفيسة.
ليست دعوانا انه دل عليه دليل بالدلالة البينة التفصيلية. اتصال زمان الشك بزمان اليقين في الاستصحاب ليس عليه دلالة بينة تفصيلية بل دلالة تحليلية عقلية في نفس مفاد لا تنقض اليقين بالشك. استصحاب العدم الازلي وعشرات القواعد في الاستصحاب القواعد الاستصحاب استنبطها الاعلام بالارتكاز والتحليل وهذا ليس فقط في الاستصحاب بل في كل أبواب الأصول والفقه. وهذا لا يمانع شرعية الحكم ولا يمانع ان يكون الأبحاث على الموازين. طبيعة الأبحاث هكذا. مر بنا مرارا حتى في بحث الاجتهاد والتقليد ان المراد من مدرسة النص ليس كما قد يتخيل كثير سطح الظاهر من دلالة الالفاظ بل المراد من النص هو الوحي وليس مقابل المجمل او الظاهر الضعيف. هذه مغالطة دائما تجري عند حشوي الاخباريين والاصوليين. المراد من النص هو الوحي والوحي جل طبقاته في التأويل وليس في التنزيل مع ان التنزيل أيضا بحر لا ينزف ولا يحيط به بشر. فالمقصود اذا مدرسة النص هي ليست مقابل الظاهر بل هو يعني الوحي. هذه نكتة جدا مهمة والوقوف عندها مليا جدا مهم.
هذا ليس فقط في مقدمة الواجب بل في كثير من الأبواب الأصولية كاستصحاب العدم الازلي وبنى عليه جماهيز عمالقة الأصول والشهيد الصدر رحمهالله تسجل عليه ملاحظة علمية ويقول هذا الاستدلال صحيح لاستصحاب العدم الازلي لكنه دقيق وداخل في الدقة بشكل عميق وليس عرفيا اذا ليس حجة عرفيا ولا يمكن ان يحتج له بظاهر لا تنقض اليقين بالشك. هذا الكلام ليس في محله من السيد لان الظهور ليس معناه ان البقال يفهمه بل يمكن ان لا يفمه الا الناقد الادبي او الاوحدي في الادب. نفس الكلام الذي ذكرنا في النص يعني الوحي معنى الظهور يعني الموازين في الدلالة ولو موازين نظرية ومتوغل في النظرية. المقصود اجمالا نذكر هذا المطلب ان الاستدلال في الفقه والأصول والعلوم الدينية ليس معناه انه لقمة سائغة بل يحتاج الى التمعن والتنظير. مثل عملية رياضية عشرة خطوات رياضية تخطوها بسداد وبخطأ في خطوة واحدة فالنتيجة يصير خطأ. هذا هو الذي اثير على بعض الاخباريين لا تدعون ان الاستنباط المتوغل في النظرية بديهي. صورة يقين وربما هو ظن. والسيد الخوئي رحمهالله اعترف وقال هنا الحق عدم دعوى القطع والعقل مطلقا حجة وانما هو في البديهيات وضواحيها واذا دخل في النظريات يحتاج الى تثبت اكثر.
هذه النقطة الأولى ان لاحكم التكليفي او الوضعي او الواقعي او الظاهري او الشرط او المانع او أي حكم آخر ليست شرعيته منوطة بكونه بين الدلالة ومتعرضة اليه الدلالة بنحو تفصيلي بل يمكن ان يدل عليه بدلالة تبعية ارتكازية مخفية ولا ينافي حجيته ان كان الوصول اليه بموازين منضبطة في الدلالة. نكتة نفيسة وعلى كل مهمة فيقولون ان المراد من وجوب المقدمة ليس هو الوجوب الفعلي التفصيلي بداهة انه يقتضي التفات الآمر مع ان الآمر كثيرا ما لا يلتفت الى المقدمة فضلا عن ايجابها فاذا ما المراد هو الوجوب الغير التبعي لو كان الآمر ملتفتا لاوجبها ولا بأس بان يسمى الوجوب الارتكازي لارتكازه في كل آمر. وهذا ليس فقط في وجوب المقدمة بل في كل حكم تكليفي وكل حكم وضعي.
كيف انت في تركب الصلاة تطلب نصا من الامام علي ان الامام اوجب الشهادة الثالثة؟ يسئل الراوي عن الامام اذكر أسماء الائمة في الصلاة؟ ما معنى هذا السؤال؟ الصلاة على النبي وآله موجود في الصلاة. هل المراد انه يمكن الدعاء للأئمة؟ الدعاء للابوين أيضا جائز فماذا الجديد الذي يريد ان يسأل عنها. هذا ليس نصا صريحا. فهذه الامور نكات مهمة. حقيقة شرعية موحدة في الأبواب هل في تشهد الصلاة شيء موقت؟ قال لا. التوقيت الخاص في التشهد الخاص بالصلاة. هذه مقدمات متعددة. ماذا أقول؟ ادنى ما يجزئ. يعني ان السقف الأعلى أيضا موجود. فما هو السقف الأعلى؟ احسن ما علمت. أصلا الصلاة كلها مقولات اعتقادية. هذه من القرائن أيضا. وهذه نكتة مهمة في المنهج الاستنباطي منهج عظيم ويجب الالتفات اليه في العلوم الدينية طرا حتى في علم الرجال وغيره من العلوم.
النقطة الثانية التي ذكرها الاعلام في هذا المقام: هل المسألة هي مسألة فقهية او مسألة أصولية او كلامية او مبادئ احكامية؟ بحث دسم. بغض النظر عن مقدمة الواجب. حتى هذه الديباجة التي ذكرها الاعلام لا سيما النائيني والسيد الخوئي رائع وجذاب لانه مرتبط باصول القانون.
هل المسألة هي من مسائل فقهية او هي من مسائل أصولية او مسائل كلامية او مبادئ الاحكامية؟ هنا الاعلام ابدأوا عضلات علمية رائعة وجذابة. مثلا لم يحتمل كونها كلامية؟ قالوا انها عقلية وغفل صاحب المعالم ان يستدل اليها بالدلالة. بعض الاحكام الشرعية من الخطأ ان تبحث عنها في الدلالة اللفظية. يقصدون الاعلام ان لن تجدها في المعنى الاستعمالي او المعنى التفهيمي او المعني التصوري او المعنى الجدي للدليل بل تجدها في ما وراء الجدي. ما وراء الجدي ما له ربط بالدلالة واللفظ. هنا يجيء مبحث الصناعة وصناعة القواعد والضوابط سواء القواعد الشرعية او العقلية فلذلك خطأوا صاحب المعالم ان هذا المطلب لم تجدها في المعنى التصوري والاستعمالي والتفهيمي في الأدلة. اذا نجد الحكم الشرعي فيما وراء هذه الدلالات. اتفاقا احد الوجوه التي استنبطه كثير من شرائط الصلاة او موانع الصلاة ليس من الأدلة اللفظية وانما هي من ما وراء الأدلة اللفظية. يعني القاعدة الواحدة يستنطونها قاعدة أخرى ويعبرون عنها في الفقه القاعدة المتصيدة. قاعدة لا المسألة. قاعدة متصيدة. اذا كنت صيادا ماهرا في العلم تصيدها في المعلومات الماورائية.
يقولون ان اكثر اجماعات الشيخ الطوسي واجماعات السيد المرتضى اجماع على صغرى وكبرى وان لم يضموا الصغرى الى كبرى. هذا عند الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف باعتراف الشيخ الانصاري وكتاب الانتصار وحتى المبسوط الى ما شاء الله. ينسب الاجماع الى علماء الامامية. لذلك انا انسب الى علماء الامامية انهم قائلون بان التشهد شرط صحة الصلاة. من قاعدتين او ثلاثة. اذا ضم بعضها الى بعض ينتج ان التشهد بالشهادة الثالثة شرط صحة الصلاة. لست في صدد الدخول في البحث. في كثير من الاجماعات التي تدعي الشيخ الطوسي او السيد المرتضى ربما المشهور لم يتعرضوا الى المسألة. قالوا ان الشيخ والسيد ليسا مدلسين ولا كذوبين يقصدان ان الجميع يبنون على كبرى وصغرى والجمع بينهما ينتج النتيجة وهذه شبيه بالوجوب الارتكازي الذي مر بنا. كثير من هذا القبيل.
أتذكر قاعدة في حساب الفجر في الأماكن التي ليس فيها نهار في بعض أيام السنة. كالقطب الشمالي. كيف تثبت طلوع الفجر؟ ولا يجب الهجرة من هناك. فيه طريقة فلكية اجمعوا المشهور على هذه القاعدة وقاعدة أخرى ينتج حسابا فلكيا دقيقا في طلوع الفجر وطلوع الشمس والزوال. قاعدتان فلكيتان من الشارع اذا ضم بعضها البعض كل هذا مستنتج منها والمشهور ما ضموا. هذا استنتاج ليس خاطئا. الكلام يطول ولذيذ. يجب التمعن فيه بشكل جيد لانها بحوث أصول القانون. غالبا البدايات في المسائل من أصول القانون وليست مسائل دلالية.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين