الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الإجزاء

القسم الثالث في الإجزاء، إجزاء الحكم الظاهري عن الواقع المنكشف بالحكم الظاهري

جهات في إجزاء الحكم الظاهري

 

كان الكلام في إجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي ومرت بنا عدة جهات وتنبيهات في هذا البحث ورأينا ان مسلك مشهور طبقات الفقهاء اكثر سدادا من مبنى الميرزا النائيني والسيد الخوئي فبالتالي في الشبهة الموضوعية كباب القضاء او باب الولايات الكلام الكلام اذا كان التبدل من ظن الى ظن، نفس النكتة التي مرت في الشبهة الحكمية تتأتى في الشبهة الموضوعية سواء في باب القضاء.

صاحب الفصول فصل فيما إذا كان الموضوع باق فلا إجزاء واذا كان الموضوع غير باق فمجزئ. هذا التفصيل اجمالا كثير من متأخري العصر ارتضوه حتى من التزم منهم بمسلك المشهور لكن الحري ان يفصل يعني اذا كان الموضوع باق بحيث لا يؤثر فيما سبق اما اذا يؤثر فيما سبق إعادة ما سبق اول الكلام. افترض النكاح والبيع صحيح ان عين المبيع او الزوجة موجودة لكن باعتبار ان السبب في ذلك الظرف امضاء الأسباب سيما ان الفرض ان التبدل ظاهري كشف الظن بالظن الظاهر ان هذا التفصيل مثلا هذا الماء كان محكوما بالطهارة ونفس الماء باق، هل نتوضأ به ام لا اما الأفعال السابقة التي حكمت منذ حدوثها ووجودها بحكم الظن السابق محل الكلام. المهم فصل بهذا التفصيل.

نقطة أخرى اتفق الاعلام انه في باب الانكحة والطلاق وما شابه ذلك يبنى على صحة الظنون السابقة ولا يبنى على تبدل الحكم. طبعا مثلا السيد الخوئي ينطلق من سيرة القطعية في الانكحة والطلاق لكل قوم نكاح وكذلك الطلاق ويعمم هذ الدليل او السيرة حتى للمجتهد نفسه فضلا عن المجتهد الاخر. تارة المقلد يقلد الفقيه الف وبعده يقلد الفقيه باء. فيقول السيد هذا واضح بل اكثر من هذا ان نفس المجتهد الف تبدلت فتياه مثلا كان لا يشترط في النكاح شرطا معينا وبعده اشترطه فلا يلزم بإعادة صيغة النكاح السابق او الطلاق السابق حتى المجتهد لنفسه مع فرض ان الظن السابق من القسم الثالث واجد للشرائط الحكم الظاهري لا انه تخيلي. فالان نحكم عليه بلحاظ الفترة السابقة ان دليل الاعتبار يشمله. كذلك المشهور يقولون لكن السيد الخوئي يقول ان هذ الدليل في الملل والنحل حتى في المجتهد الواحد فضلا عن المجتهد الى المجتهد او التقليد. فالسيد الخوئي لا يحصر قاعدة لكل قوم نكاح بخصوص الملل والنحل والمذاهب بل داخل المذهب الواحد بل بلحاظ نفس الفقيه الواحد. المقصود هنا يبنى على حجيته. كلام السيد الخوئي في باب الانكحة يشمل حتى لو انكشف الواقع فلا يخل بالنكاح. ففي ذلك الظرف كان الالتزام بسببية النكاح بشرائط معينة. بعبارة أخرى نلتزم بالسببية لا الطريقية في باب النكاح وهذه العبارة موجودة من السيد الخوئي. لا يبعد ان هذا الكلام متين ووجيه. حتى نكاح الجاهلية.

نقطة أخرى في هذا المبحث نظام الحكم الظاهري والإجزاء فيه. يظهر من بعض ان هذا لا يقتصر على النكاح والطلاق بل يشمل الطهارة والنجاسة الخبثية لانه إذا بني على أن النجاسة والطهارة كل حسب تشخيصه فيسبب مشاكل عديدة مثلا هذا الشخص بنى على طهارته ودخل أماكن متعددة والمسجد والبيت والمتنجس ينجس. ستكون بالتالي متلوثة. اما إذا بنينا ان في باب الطهارة الخبثية يلتزم بالسببية لا بالطريقية ربما ينسب الى اغا رضا الهمداني. لكن يجيب ان هذا الاستدلال بتلوث البيئة يجاب عنه ان العلم التفصيلي ما موجود والعلم الإجمالي في باب الطهارة والنجاسة اذا ما كان محصورا ودائرة ضيقة لا يعول عليه للأدلة الخاصة يعني حتى لو كان العلم الإجمالي منجزا في الأطراف الكثيرة بحسب باب النجاسة لا يعول عليه الا اذا كان العلم الإجمالي محصورا وضيقا. في الروايات هكذا والاشياء كلها على ذلك حتى تعرف النجس بعينه فالشارع في الحكم الظاهري أسس قاعدة الطهارة الظاهرية ولم يعول على العلوم الاجمالية فضلا عن الشك البدوي. مضافا الى ان العلم الإجمالي بالطهارة ايضا موجود. مثلا ان بيت الله الحرام يرى العامة انه بمجرد زوال عين النجاسة يطهر لكن يجيء المطر والماء فيحكم بطهارته عند الشيعة. سيما زمن رسول الله المذبح كان بين المسعى والمطاف سيما هم كانوا كفارا فكيف يعيش معهم رسول الله. بل قبل مأة سنة بل قبل ستين او خمسين سنة كانت الوضعية عجيبة وغريبة والعلماء والفقهاء كانوا يزورون ويحجون بلا أي مشاكل وكانوا يحكمون بالطهارة. هذا الباب موجود والسيد الخوئي يقول من باب غيبة المسلم انها موجبة للطهارة وصحيح انها أحد الأسباب الظاهرية في موارد التفصيلية والا في موارد غير التفصيلية تلوث البيئة لا يحتاج سببية الغيبة الظاهرية. ان المطهرات عند الفقهاء هي الغيبة وسبب ظاهري. لكن لا يحتاج اليها لانه يحكم على الطهارة حتى يعرف النجس بعينه.

نقطة أخرى ذكرها الاعلام في مبحث الحكم الظاهري قيل ان الحكم الظاهري اذا تبدل الى حكم ظاهري عند نفس الشخص غير مجزئ لمن يبني على عدم الإجزاء كالنائيني وتلاميذه والسيد الخوئي وتلاميذه اما اذا صار بالنسبة الى طرف آخر لديه حكم ظاهري يعتد به ويجزئ. فالحكم الظاهري لدى الطرف الاخر في مقابل الحكم الظاهري لدى طرف غيره مجزئ ويتعامل معه كسبب واقعي. لان الطرف الاخر الثاني الحكم الظني او الظاهري الذي يتعبد الشارع الثاني به هو حكم آخر ودليل ظاهري آخر وغير هذا الدليل لدى الأول وهذا الدليل لدى الأول لا يشمل تنجيزه الثاني فعندما لا يشمل الثاني فالثاني يتعامل معه تعامل الواقع. طبعا لا يقبل النائيني والسيد الخوئي، لكن نفس الفكرة فكرة تبدل الظن الى ظن آخر لدى نفس الشخص. فكرة الإجزاء عند مشهور طبقات الفقهاء مرت بنا انها الإجزاء والدليل الذي اعتمدوه باعتبار ان دليل الاعتبار يشمل هذا الظن في وقته ويشمل هذا الظن في وقته ودليل الاعتبار للظن الثاني زمن الاعتبار الثاني هو المقطع الثاني وزمن الاعتبار للظن الأول هو لا زال موجود لا زمن المعتبر. لانه مر بنا أن الزمانين لاعتباري الظنين متقارنان والظن او متعلق الظن زمنه مختلف. دليل اعتبار الظن للأول مع دليل اعتبار الظن للظن الثاني متقارنان. الظن الأول مثل الفقيه الف والظن الثاني فتوى الفقيه الباء والمكلف في الزمن الأول حجية فتوى الفقيه الف في حقه حجة والان الدليل عليه موجود ولم يرتفع لكن الظن ارتفع. مثل الحكومات المتعاقبة تصرفات الحكومات الشرعية السابقة ممضاة بالدستور والدستور كما يمضي الحكومة السابقة الشرعية يمضي الحكومة اللاحقة الشرعية فالدستور مثل حجية الظهور او حجية الفقيه يشمل الظنين في زمن واحد. لان فرض البحث في القسم الثالث عدم اختلال شرائط الظن. نفس الظن الكاشف لم تختل شرائطه لانه مر بنا اربع طبقات. الواقع في نفسه والمظنون والظن ودليل اعتبار الظن وهذه الأربع ازمنتها قد تختلف وقد تتطابق وهذا بحث حساس في الأبواب الفقيه كلها. بعبارة أخرى زمن الحكم وزمن دليل الحكم وزمن متعلق الحكم قد يختلف وقد يتطابق. فاذا الدليل الذي يشمل الظن السابق هذا الدليل أيضا يشمل الظن اللاحق والفرض انه ليس هناك اختلال في شروط الظن. كيف فرضناه في شخص واحد كذلك في شخصين كالمجتهد والمجتهد والمقلد مع المقلد يريدون ان يتعاملوا مع بعضهم البعض لكن هنا زمن الظنين أيضا متقارنان لكن لموضوعين ولشخصين. الفرض اذا يريد مقلد ان يتعامل مع مقلد آخر او مجتهد مع مجتهد الفرض ان كلا من المكلفين شرائط الظن غير مختلة عنده في حق نفسه حتى بنظر الاخر لانه مشى على الموازين. الان ينكشف لديه انه يخطأ بظنه لا مانع لان دليل حجية الظن عند هذا المجتهد تنجيزه فقط لهذا المجتهد ولا يشمل المجتهد الاخر كما ذكرنا ضيق التنجيز، في شخص واحد التنجيز للظن السابق حدد للزمن الأول والتنجيز للظن اللاحق حدد للظن اللاحق فلا يشمل هذا التنجيز الحكم السابق. التنجيز لا يشمل الحكم السابق ومتعلق التنجيز لهذا الظن قد يشمل الحكم السابق. ليس معقدا فرض البحث. في الظن عند الشخص الواحد يتبدل الى ظن ثاني فالظن الثاني كاشفيته أوسع وتنجيزه أوسع وليس بأوسع. يعني بلحاظ المكشوف فهو زمنه واسع اما بلحاظ فعلية التنجيز انما فرضت في الزمن الثاني. مثل الإجازة من المالك في البيع الفضولي هي الان وجدت والان قيد للإجازة والمجاز هو العقد السابق فكلمة الان قيد لنفس الإجازة لا لمتعلق الاجازة مما يدل على انه يمكن ان يكون شيء معين متعلقه زمنه أوسع يمكن ان يكون لاحقا او مقارنا او مستقبلا. مثلا ايماننا ومعرفتنا بالله سبحانه حادث والله تعالى ليس حادثا. مع ان معرفتنا حادث لكن المنكشف شيء ابدي وازلي من جهة الماضي ومن جهة المستقبل لاختلاف الأزمنة في الصفات التعلقية كما مرت بنا. طبيعة الادراك له متعلق وله ثلاث طبقات على اقل شيء. وجود الشيء في الواقع وهو الله تعالى ووجود الشيء في الذهن و ادراك المتعلق ثلاث أمور. ازمنة هذه الأزمنة يمكن ان تكون مختلفة وسعته وضيقه يمكن ان تكون مختلفة وهذا ليس فقط في العلم بل في الشك والظن والحب والبغض والاحتمال والكراهة وكثير من الصفات النفسانية صفات تعلقية يعني تتعلق بشيء في الذهن وهذا الشيء في الذهن صورة لوجود خارجي. ثلاث أمور على اقل التقدير والطبقة الرابعة حكم هذه الصفة هذه أربعة طبقات ليس ضروريا ان تكون ازمنتها متطابقة. هذا حلال المشاكل لبحوث كثيرة حتى البحوث العقائدية. سابقا شرحناها نفس الذي ذكرناه هناك يأتي بين الشخصين مجتهد مع مجتهد او مقلد مع مجتهد او مقلد مع مقلد. هنا حجز الإجزاء ونكتته ان دليل اعتبار الظن السابق لا زال موجودا لان الفرض عدم اختلال شروط الظن فعدم اختلال الشروط يعني دليل الاعتبار للظن الثاني يقول ان الظن الثاني حجة فعلية الان وان كان متعلقه منذ السابق الى الان. شبيه الناظور نظرتك حادثة وهي دليل الاعتبار لكن لشيء سابق فالتنجيز زمنه سابق ولاحق. التنجيز ضيق وواسع. متعلقه واسع وهو نفسه ضيق لانه الان حدث. المنجز أوسع والتنجيز الان حدث متعلق التنجيز أوسع. فالنكتة للإجزاء هي ان التنجيز للفترة الثانية اما التنجيز للفترة السابقة تنجيز للعام لا التنجيز للخاص. في الفترة السابقة العام هو المنجز. دعونا نمثل مثالا وطي المالك للأمة التي بيعت فضولة ولم يطلع عليه كي يجيزه وما فيه اشكال. فالمالك وطئ امته بعد العقد الفضولي قبل ان يجيز وقبل ان يطلع على العقد الفضولي وبعد ذلك أجاز هل وطيه حرام واقعا او حلال؟ هي حلال على كل المباني حتى على الكشف الحقيقي. لذلك يقولون ان الكشف الحقيقي لا يمكن في الاحكام التكليفية. يعني لا يبدل الاحكام التكليفية وقد يبدل الاحكام الوضعية. فهو لما وطئ المالك وهو البايع الحقيقي بعد العقد الفضولي وطئ ملكه وهو حلال حتى على الكشف الحقيقي ولا يقول قائل بعدم حليته.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين