الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/06/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الإجزاء

الحكم الظاهري ونظام جهاز الفقهاء

 

كنا في إجزاء الحكم الظاهري ومر أن قواعد عديدة موجودة لتصحيح الخلل في العبادات كما ان السيد الخوئي قبل «لا تعاد» فقط وعندنا قواعد عديدة لتصحيح الخلل في العبادات ولا سيما عند المشهور طبقات الفقهاء هذه القواعد موجبة لتصحيح الخلل في ما عدا العمد ومن تلك القواعد أيضا هي السنة لا تنقض الفريضة او الفريضة لا تنقض بالسنة» بل في الحقيقة «لا تعاد» احد مواليد قاعدة «السنة لا تنقض الفريضة» ومن ثم يمكن اجرائها في كل العبادات وليست خاصة بالصلاة بهذا اللحاظ وتشمل كل المركبات العبادية او المعاملية بهذا التعليل وسبق في الدورة السابقة بينا ان جملة من القدماء بنوا على عموم قاعدة السنة لا تنقض الفريضة» هذه ادلة تعبد خاصة وغير مقتضى القاعدة

نقطة أخرى في هذا البحث في الشبهة لموضوعية ان كان كشف الخلاف بالعلم الوجداني باعتبار ان فيه مجالا لكشف الواقع فحينئذ الواقع على ما هو عليه والإجزاء يحتاج الى دليل. اما اذا كان كشف الخلاف بتوسط ظن آخر مع التحفظ على فرض الموضوع ان الظن السابق واجد للشرائط الكلام هو الكلام الذي مر بنا في الشبهة الحكمية ان دليل الاعتبار لكلا الظنين متقارن زمانا وان كان متعلق الظن او المعتبر في زمانين وتغليب احدهما على الاخر يحتاج الى دليل. اذا بنينا هكذا في الشبهة الموضوعية نلتفت الى جهة أخرى ونقطة أخرى في بحث أجزاء الحكم الظاهري وهي ان باب القضاء غالبا شبهة موضوعية ليس لقاض لاحق ان ينقض قضاء قاض سابق واجد للشرائط وهذا ليس للقضاء بل الفقهاء عموما ليس لأحد ان ينقض ما انفذه الاخر اذا كان واجدا للشرائط.

تبدل الظن قد يوهم عند كثيرين انه لخلل في الظن السابق والا لماذا يقدم الظن اللاحق؟ هذا التوهم ليس بصحيح ليس تبدل الظن على الدوام بسبب خلل في الظن السابق بل يمكن ان يكون الظن السابق واجدا للشرائط والظن اللاحق لم يصل الى المكلف او المجتهد او ما شابه ذلك. فرض البحث في القسم الثالث إجزاء الحكم الظاهري مقابل الحكم التخيلي بحسب الموازين الظاهرية واجد للشرائط تماما والا الفرض الاخر غير ما نبحث فيه. فصرف اختلاف الكشفين في الظنين لا يدل على خلل في الظن السابق لا في الشبهة الموضوعية ولا في الشبهة الحكمية. تقدم الظن اللاحق في زمانه نفسه لا في زمان الظن السابق والا استناد المجتهد الى ذلك الأصل العملي في زمانه حجة وليس فيه خلل والا أيضا عام مؤخر عن الخاص كما ان دليل الأصل العملي مؤخر عن دليل الاجتهادي. تقديم الأسبق رتبة على المؤخر رتبة لا يدل على خلل في المتأخر رتبة بل حجية اقتضائية موجودة والحجية الاقتضائية أصبحت فعلية لان الظن المقدم لم يصل الى المجتهد وحيث لم يصل ليس بفعلي بل هو اقتضائي.

مر بنا ان الحجية يمكن ان يتصور فيها مراحل الحكم ان حجية الخاص اقتضائية وموجودة وفعلية ناقصة لكن ليست فعلية تامة الى ان تصل الى المجتهد فحيث لم تصل الى المجتهد فعلية العام مع انها اقتضائية بالقياس الى الخاص لكنه تصبح فعلية ثم بعد ذلك اذا وقف على الخاص هذا الخاص لا ينسف العام في البحر نسفا عند مشهور طبقات الفقهاء. عند المشهور يبقى للعام دوره في ظرفه وهذا يقرب دعوى القدماء ان التخصيص ليس نسفا للعام في منطقة الخاص خلافا للمتأخرين. هذا من طبيعة الحكم الظاهري وهذا مؤيد لدعوى القدماء في معنى التخصيص.

اذا في باب القضاء احد البحوث المعقدة دخول الفقيه على فقيه آخر ولو نحن بينا ان جهاز المرجعية بحسب الأدلة ليس جهازا حصريا بالأعلم وهذا لا يوافق كل سيرة علماء الامامية بل جهاز المرجعية جهاز مجموعي. نعم فيه طبقات وفيه أولويات وهذا صحيح يعني ان الميرزا الصغير مما افتى في ثورة العشرين لم يتفرد بدعوى انه اعلم بل اخذ موافقة جملة غفيرة وأقدموا على فتيا ثورة العشرين وكذلك في حرب داعش هكذا صار ان مجموع الجهاز الديني تقدم بما فيه الاعلام لكن بالتالي مجموع ولا ننسى هذا الشيء. اذا اصل الجهاز الديني مجموعي.

بحث معقد في باب الاجتهاد والتقليد كيف ينظم المذهب الامامي العلاقة بين الاعلم وغيره او بين المراجع الواجدين للشرائط بالحمل الشايع؟ في باب الاجتهاد والتقليد الفقهي لا الاصولي. الاصولي يبحث عن خطوط عامة اما الاجتهاد والتقليد الفقهي يبحث بشكل مفصل. من أحد الحلول المهمة وليست حصرية بهذا الحل وهذا الحل جزء وليس كلا احد الحلول في الجهاز المرجعية المجموعية من جهة وكنفدرالي من جهة وفدرالي من جهة واستقلالي من جهة واستغراقي من جهة كل هذه المعجونات موجود في الجهاز الديني حتى في جهاز الايمان وجسم الايمان. إذا يريد واحد ان يستخلص نظام الايمان من فتاوى المشهور المتسالم عليها يلاحظ هذه الصياغات من نظم الحكم كلها موجودة فبالتالي احد الحلول ترسيم هذه العلاقة وهذه العلاقة ليس باجتهاد احد بل هذه ضوابط ذكرها المشهور احد الضوابط ان الحكم الظاهري لدى الطرف محترم بالنسبة الى الحكم الظاهري لدى الطرف الاخر. المحترم ماذا يعني؟ الشارع قال في ظرفه وموضوعه واجد للشرائط وكون صاحب الظن الثاني يرى الواقع غير ما يرى صاحب الظن الأول لا يعني ان شرائط الظن الأول مختلة. جملة من الفضلاء لا يلتفتون الى ان اختلاف الظنون لا يعني الاختلال في شرائط الظنون. هذه قاعدة ناموسية يعبر عنها الاصوليون بعبارة أخرى سأذكرها. في الأنبياء ليس هكذا فكيف بك في غير الأنبياء فلماذا الغلو في المراجع. التقديس لكل شيء بحده لان الافراط يسبب تفرق المذهب الى المذاهب والغلو في المرجعية قد يسبب انحرافات عقائدية بل الوسطية الموزونة طيلة القرون من علماء الامامية هي الطريق الوسطى وصحيح. فاختلاف الظنون لا يعني اختلال الشرائط في الظنون. هذا المبحث في القسم الثالث عظيم جدا ما هو النظام السياسي في الجهاز الديني وببركات صاحب الزمان علیه‌السلام لم تتشعب الى شعب وسببها هذه الضوابط. هذه نكتة ناموسية في مذهب اهل البيت. كل ظن له شرائطه الصحيحة.

عبر عن هذه الضابطة العلامة الحلي ان ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم. والعكس ان قطعية الحكم لا تنافي ظنية الطريق، لا الافراط ولا التفريط. يحافظ على ظنية الطريق مع قطعية الحكم فيمكن ان يخطئ ويصيب كما هو مذهب المخطئة. لابد ان نقرأ هذه القاعدة كقاعدة فلسفية عظيمة انها ديمقراطية عظيمة كما ذكر ذلك أحدا الاعلام. مذهب المخطئة يعني ان لا تتصور أن الحقيقة كلها بيدك. ان العالم الواحد لا يمتلك الحقيقة كلها. نعم الأئمة شيء آخر والمعصوم معيار ملاكي وبحث آخر. المعصوم هو الكل كل واحد منهم كل لكن تلقينا نحن من المعصومين لا يمكن من معصوم واحد فالعجز لنا. لماذا احتاج البشرية لعلي بن ابي طالب؟ ولماذا لم يكتف البشرية بسيد الأنبياء؟ هل لنقص لسيد الأنبياء؟ حاشا لان البشرية لا تقدر ان يطلق على سيد الأنبياء وكذلك لا يمكن للبشرية ان تطلق تماما لسيد الاوصياء بل لابد ان تأتي فاطمة سلام الله عليها وكذلك لا يمكن لها ان تطلق من هذه الثلاثة تماما فلابد ان يأتي الحسن سلام الله عليه وكذلك لابد ان يأتي الحسين علیه‌السلام فبقية التسعة الى ان يأتي صاحب العصر والزمان. أيضا لا يمكن ان يكتفي البشرية بصاحب العصر والزمان في زمن يسير بل لابد ان يدبر ويربي ويزكي الف سنة ولو من وراء الخفاء حتى تصعد البشرية وتترقى. تربية البشر صعبة الى ان يزكيهم ويتلو عليهم آياتهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. فالنقص فينا نحن. فاذا كان الامر في المعصومين هكذا فكيف بك في العلماء وكل عالم لا يملك كل حقيقة هذه فلسفة وعنوان وشعار مذهب اهل البيت ان المذهب مخطئة هذا من معاجز النظام العقلي والنظام السياسي. في حين انه مخطئة لكن لا يسبب الفوضة والتصادم والتقاطع والحدة والتشنج. ظنية الطريق هذه معادلة سياسية حقوقية ضخمة عبر عنها العلامة الحلي وكذلك قبله وهي نفسها قاعدة ان اختلاف الظنون لا يسبب الاختلال في الظنون. سواء في القضاء او السياسة او الإدارة او أي شيء آخر. هذه معادلة مهمة جدا مع انه بحث اصولي لكنه في الحقيقة بحث في النظام السياسي وبحث في فلسفة التشريع وبحث عقائدي ويأتيك البعد العقائدي. اسمه إجزاء لكن عمقه عظيم.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين