الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/06/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الإجزاء

القسم الثالث، إجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي او الظاهري مثله

تقارن دليل اعتبار الظن

 

كان الكلام في إجزاء الحكم الظاهري عن الحكم الظاهري الآخر الكاشف عن الواقع ووصل بنا الكلام في المحاور الأربع حول معنى الحجية الى أن فرض الكلام هو فيما كان الظن السابق واجدا للشرائط وإن تبدل الان، فالإصرار على تعيين الفرض لأن الظن السابق واجد للشرائط ومقتضى مراعاة هذه الضابطة أن لا زال الان نحكم أن الظن السابق مندرج في ظرفه الزماني تحت ادلة الاعتبار. ادلة الاعتبار الان في الزمن الثاني والوقت اللاحق ولكن الظن او المظنون في الزمن السابق يعني نفس الاعتبار وان كان الظن في الزمن السابق والمظنون بالظن في الزمن السابق لكن ادلة الاعتبار للظن السابق هي الان موجودة، فمجيء الظن الثاني مثل الفقيه الف والفقيه باء وهذا المكلف لما قلد الفقيه الف والان متعين تقليد باء عليه سواء كان باء كان واجدا لشرائط التقليد في زمان الف او لا ووجد فيه الشرائط، الان لازالت أدلة عموم حجية فتوى الفقيه شاملة للفقيه الف لا انه عندما تبدل الظن وتبدل الزمان تصرمت منظومة الظن السابق برمته بل المظنون تصرم وحتى الظن تصرم لكن اعتبار الظن لم يتصرم والان نقول تقليد المكلف في الزمن السابق للفقيه الف حجة. «الان» ليس قيدا للتقليد والظن و المظنون بل قيد للاعتبار والحجية والأدلة. فالأدلة دالة على حجية فتوى الفقيه الف سابقا ولازالت تقول مقطع زمن الفقيه الف قوله حجة. فإذاً فرض الكلام في هذا أنه بعد تبدل الزمن او بعد تبدل الظن لا ينكشف ان شرائط الظن السابق مختلة ولا اعتباره مختل في الزمن السابق انما في الزمن اللاحق هذا الظن الثاني مقدم على الظن الأول ولو الان لازال الظن الأول باقيا لا أنه غير معتبر في الزمن الأول.

إذا كان فرض الكلام هذا حينئذ يأتي كلام المشهور وكلام السيد اليزدي، ما وجه تقديم دليل اعتبار الظن الثاني بلحاظ الزمن الأول على الظن الأول؟ تقديم الظن الثاني في الزمن الثاني صحيح أما تقديم الظن الثاني بلحاظ متعلق الزمن الأول على الظن الأول بأي دليل مع ان كليهما معتبر؟ دليل الاعتبار يشمل الظن الأول في الزمن الأول ويقدم الظن الثاني في الزمن الثاني اما سحب اعتبار الظن الثاني الى المقطع الأول محل تأمل. ليس ممتنعا كما نلتزم بذلك في إجازة البيع الفضولي. ليس ممتنعا أن يكون الظن الثاني لا يضيق سعته في الزمن الثاني بل يمكن أن يتسع الى كلا المقطعين.

مر بنا الازمان الأربعة زمن الواقع وزمن متعلق الظن وزمن الظن وزمن الحجية والاعتبار ولا نخلط بين الازمان وليست ثلاثة أزمان. زمن الشيء في نفسه الواقع وزمن الشيء بما هو مظنون في الذهن وزمن الظن وزمن اعتبار الظن، هذا المحور إذا ما ندبره تبقى المسألة معقدة ولازم ان لا نخلط بين الأزمنة لكن الذهن يخلط باعتبار تطابق زمن الاعتبار وزمن المعتبر يعني الأصل الأولي تطابق الأزمنة الأربعة للتبادر وهذا صحيح لكن ليس يلزم. نحن لم نوجد في ازل الآزال مع الله تعالى بل معرفتنا حادثة ومعروفنا في الذهن حادث لكن الشيء وهو الباري تعالى ليس الان وليس في بقعة الحدوث ومتعلق المعرفة وايماننا ازلية وابدية الباري.

هذه ظريفة لطيفة: أبدية الباري وجدت او لم توجد؟ بالنسبة للباري معرفتنا الان ومتعلق معرفتنا وايماننا ما لا يتناهى في البدء وما لا يتناهى في الانتهاء. فلاحظ، في الباري تعالى علمنا الان ومعلومنا الان لكن واقع زمن الباري غير محدد لا للتداوم الان ولا غيره وهو موجود الان يفترق الباري تعالى عن غيره. بالنسبة الى الوهم هذا صعب لكن محقق.

اذا لا بد ان لا نخلط بين زمن الشيء وفي الباري لابد ان تفكك بين واقعية الباري وحدوث المخلوق ايماننا حادث معرفتنا حادثة لكن متعلق معرفتنا ليس متقيدا ومتضيقا بالزمن فيمكن تفكيك الأزمنة او واقعيات الأشياء. هذا امر ليس ممتنعا. لذلك النائيني لا يركز على زمن الظن ولا زمن الاعتبار بل يركز على الشيء في زمنه او المظنون فيقول المظنون او الشيء أوسع من زمن الظن. الظن الثاني متعلقه أوسع زمانا من زمن الأول. إذا ندقق، هل زمن المظنون في الظن الأول منحصر ومتقطع بالزمن الأول؟ يصير تداخلا في المظنونات، غاية الامر دليل اعتبار الظن الأول في الزمن الأول يعني زمن الاعتبار هو المقطع الثاني من ثم هنا المشهور يقولون انه في الزمن الثاني زمن الاعتبارين مجتمع لكن المظنونان غير مجتمعين فلما يكون مجتمعا ان الظن السابق لا زال معتبرا ليس الظن وليس متعلق الظن بل لا زال اعتبار الظن مستمرا. الاستمرار للاعتبار الظن الأول لا الظن الأول او المظنون الأول. اذا كان الاستمرار للاعتبار تقديم هذا الاعتبار الثاني على الأول اول الكلام. فحينئذ يقول المشهور لا بعد في التوفيق بين الاعتبارين ان الاعتبار الأول يؤخذ به في الزمن الأول والاعتبار الثاني يؤخذ به في الزمن الثاني وان كان الاعتبار الثاني ممكن الشمول بلحاظ المظنون الأول وقابل للتصور وطبيعته هكذا. لكن التوفيق بين الدليلين المعتبرين، لم يرتفع اعتبار الظن الأول فلما يكون اعتبار الظن الأول لم يرتفع فكيف نرفع اليد عنه فعلى القاعدة مجزئ يؤخذ به. حينئذ لايكون لأدلة اعتبار الظن الثاني اثر رجعي ولا زال الاعتبار موجودا. ولا تعارض بين هذا المقدار من التوفيق وهذا الوجه متين سواء في العبادات او المعاملات او أي شيء. هذا وجه كلام المشهور. رفع اليد عن مقتضى القاعدة ليس ممتنعا لان هذا صناعي وليس عقليا. اذا لم يدل دليل على رفع اليد هذا على مقتضى القاعدة صحيح. كما يقول السيد الخوئي أيضا ذهب الى عدم الإجزاء الا اذا دل دليل على الإجزاء لانها ليس عقليا. هذا تمام الكلام في مبنى المشهور وهو صحيح ونتبنى عليه وهذا هو الأصل الاولي وسيأتي التنبيهات.

هذا اصل البحث بلحاظ تبدل الظن الى الظن الاخر ومر بنا عدة مرات في الجلسات السابقة لكن نركز على هذه النقطة ان حجر الأساس لدى المشهور شيئان ان الظن السابق غير مختل الشرائط ولو الان والحجر الثاني الأساس ان ادلة اعتبار الظن الأول لا زالت تعطي الاعتبار للظن الأول ولا تقول انه سراب. نعم، الخطأ جار في الظن الثاني أيضا والمشكلة في دعوى الميرزا النائيني كانما يفترضون ان الظن الأول لا بقاء لشيء من شئونه وهذا ليس صحيحا بل الظن الأول اعتباره باق وان لم يبق معتبره. هذا لب الكلام. وما ينافي الحجية لان الحجية ذات مراتب والعمدة على الحجية الفعلية وان كان الحجية الاقتضائية اقوى لكن المدار على الحجية الفعلية.

جملة من الجهات او الصور الأخرى نتعرض اليها. الجهة الأولى هل هذا المطلب يسري في الشبهة الموضوعية او لا؟ كانما الميرزا النائيني والسيد الخوئي نسبوا الى المشهور انهم لا يقولون بالإجزاء هنا. كان الكلام في الشبهة الحكمية ان يعمل المجتهد بالعام ثم يعمل بالخاص. بالصراحة هذا البحث هو بحث عمود الفقري لمبحث الاجتهادو التقليد واختلاف فتاوى المجتهدين واختلاف المقلدين في المراجع بحوث معقدة لبها الأساس هذا البحث الذي مر بنا. حتى لو في علم الله الواقع ان الخاص موجود والحجية الاقتضائية موجودة حتى الزمن الأول لكن الحجية الفعلية للعام لان الخاص غير واصل بالقصور بالتالي قدرة هذا المجتهد كانت على الدليل العام. هذا كله في الشبهة الحكمية. ماذا عن الشبهة الموضوعية؟

قبل التعرض الى الشبهة الموضوعية نتعرض الى اقوال الاعلام في الشبهة الحكمية كالتتمة. الميرزا النائيني قال هنا الاجماع في العبادات. قال مقتضى القاعدة عدم الإجزاء لان الظن الثاني يرفع الظن الأول بكل شئونه خلافا للمشهور لكن في العبادات اجماع على عدم التبديل وعدم القضاء. السيد الخوئي ما قبل هذا الاجماع والصحيح ان الاجماع موجود والسيرة موجودة وكلامنا في تبدل الظن الى الظن لا تبدل الظن الى القطع واليقين. المهم هذا المطلب لم يرتضه السيد الخوئي وانما ارتضى قاعدة لا تعاد. لا تعاد في خصوص الصلاة تكون حلال المشاكل لان لا تعاد تبين ان الخلل في غير الأركان غير مخل ولكن الصحيح ان عندنا شبيه لا تعاد في الأبواب الأخرى عديدة وان لم يتبناه متاخري هذا العصر مثلا في خلل الطواف وفي السعي لدينا ادلة خاصة مفاده مثل مفاد لا تعاد. ويفتي به المشهور وطبقات الفقهاء كل خلل في الطواف ولو ركنيا او السعي نسيانا او جهلا لا يبطل العمرة ولا يبطل الحج بل اللازم هو تدارك الطواف والسعي إذا حصل الخلل فيه. فروع كثيرة محل الابتلاء للمعتمرين والحجاج. كمن نسى الوضوء او وضوءه كان خطأ او الصلاة بعد الطواف كانت خطأ هذه الموارد عند السيد الخوئي وتلاميذه باطل ولازم ان يعيد حجه وعمره. طبعا بالنسبة الى عمرة التمتع باعتبار ان عمرة التمتع امدها محدود بخلاف العمرة المفردة. البحث طويل ولانريد ان ندخل في التفاصيل. لانه تدخل على الخط قواعد عديدة وضوابط عديدة وأريد ان اعالج هذه الزاوية فقط ويسمونها العلاج الحيثي. فتاوى الفقهاء في الأبواب ليست فتاوى نهائية بل فتاوى اقتضائية يعني يقول من هذه الزاوية صح ومن ذاك الزاوية لا يصح. اما تجتمع مع الزوايا الأخرى في الأبواب الأخرى بحث آخر. الأبواب الفقهية شبيه بقطعات المركب لازم ان تجتمع مع بعضها البعض كي يشتغل المركب. كلها حيثيات اقتضائية لكن مشي السيارة يحتاج الى التيام المجموع بنسق جيد. فتاوى الفقهاء بالدقة هكذا ولا نتوقع ان الفقهاء حتى العلوم الأخرى ليسوا متصدين في فصل معين وباب معين للكلام النهائي بل كلامهم اقتضائي او تعليقي. هذه نكتة مهمة. لذلك مسألة واحدة يقولون صحيح في باب ويعتبرونها خطأ في باب آخر من زاوية أخرى. اجمالا نرجع الى البحث ان الطواف والسعي في العمرة والحج الخلل الغير العمدي فيهما لايوجب بطلان عمرة التمتع ولا حج التمتع للنصوص الواردة بل يلزمك تداركه بالقضاء. علي هذا تنحل كثير من مشاكل الحج ونتبنى على هذا الكلام لمشهور طبقات الفقهاء. فعندنا قريب لا تعاد في الحج والعمرة وعندنا وردت قواعد في كثير من المركبات لعلاج الخلل عمموها لكل خلل غير عمدي شبهة حكمية او موضوعية جهلا او نسيانا قصورا او تقصيرا.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين