44/06/17
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الإجزاء
القسم الثالث من الإجزاء، إجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي او الظاهري مثله
مراحل الحجية
الحجية مناطها سبب العلم لا إدراك العلم
كان الكلام في تصوير الحجية مع عدم الوصول، هل تكون الحجية للظنون المعتبرة يمكن أن تتقرر لها الوجود من دون وصولها. طبعا كما مر بنا أن اصل الظنون يمكن ان يكون لها الوجود ولا تصل لكن يبقى له الحجية كحكم جزئي هل يمكن لها الوجود مع عدم وصولها او عدم وصولها الجزئي والفردي لها؟ في الظاهر ان القول بالحجية الاقتضائية او الحجية الفعلية الناقصة بمكان من الإمكان. يعني مراحل الحكم تجري في الحجية إن أريد من الوصول هو الوصول الفردي لأن الوصول الفردي ليس معيارا إلا لأجل استحقاق العقوبة او التنجيز والتعذير، لا سيما ان الحجية إذا ما فسرت بالتنجيز والتعذير لأن أحد التفسيرات التي يتبناها الميرزا النائيني في ماهية الحجية هو العلم التعبدي فحينئذ أي ربط لها بالتنجيز والتعذير لأن التنجيز والتعذير أثر لها وليس هو عين هويتها. المقصود من العلم هو العلم النوعي وليس العلم الخاص. بالتالي إذا اريد من عدم الوصول عدم الوصول الفردي فمن الإمكان ان الحجية لا تتوقف على الوصول الفردي بل يكفيها الوصول النوعي، بل حتى الوصول النوعي لها معاني كما مر بنا امس، ما هو المراد من الوصول النوعي؟ له المعاني او المراتب. دعونا نوضح هذا في الدليل العقلي كي يتضح في الدليل الشرعي.
في الدليل العقلي باعتراف المناطقة او الفلاسفة او المتكلمين ان اليقين والعلم تارة يطلق على سبب اليقين وسبب العلم والصغرى والكبرى والاستدلال يعني نفس الأدلة التي توجب اليقين والعلم أي العلم بها يوجب العلم بالنتيجة وتارة العلم واليقين يطلق على الدرجة الادراكية الموجودة لدى العاقل، درجة الادراك لدى المدرك إطلاق ثاني للعلم.
لب مراد الأصوليين عندما يقولون ان القطع حجيته ذاتية ليس مرادهم درجة الادراك عند المدرِك بدليل انهم قالوا ان قطع القطاع اذا كان منشأه عبثا ليس بحجة وليس بمعذر وكذلك قالوا في القطع العقلي اذا كان منشأه غير موزون كان يستبد العقل البشري عن الانفتاح على الوحي لا الوحي بما هو تعبد بل بما هو ارشاد ومعلم، إذا استبد العقل عن التعلم عن الوحي فلا يلومن الا نفسه. والشيخ الانصاري يذكر أن جملة من الأعلام وفاقا للروايات وعدة من البيانات في الروايات والآيات أن التقصير في العقائد يوجب الدخول في النار بل قد يوجب الخلود في النار. فإذًا مرادهم من الحجية الذاتية للقطع ليس درجة الادراك والاذعان في علم الأصول وإن كان عباراتهم موهمة وملبسة وإنما المراد سبب القطع والسبب السوي والميزان السوي للعلم، ذاك حجيته ذاتية يعني أن الاستدلال او الدليل الموزون السوي القويم حجيته ذاتية لأنه يصيب الواقع. فليس مرادهم الإذعان والجزم بأي نحو كان.
هذا ما يطلق عليه القرآن العلم واليقين والحجة غالبا. اليقين بمعنى الدليل الذي يوجب اليقين ويقال انه ربما تفسير الآية الكريمة «جحدوا بها فاستيقنتها انفسهم» يعني درجة الادراك جاحد ومتمرد وإن كان سبب اليقين موجود لديه. استيقنوا يعني أدركوا ما يوجب اليقين. معاجز الأنبياء الأمم الكافر والمتمرد على الأنبياء ادركت المعاجز واليقين لكنها تجحد، لذلك قامت عليها الحجية لأن هذه المعاجز توجب اليقين وانما هم نتيجة تلوث نفوسهم بالشهوات والعصبيات والامراض النفسية والأخلاقية وربما الامراض الادراكية مثل الوسواس او سرعة الجزم فالمقصود هذا المطلب وهو أن القرآن أيضا يطلق اليقين والعلم على السبب لا على المسبب. فإذاً هذه نكتة مهمة ان المراد من اليقين والعلم يعني السبب.
في دعاء الكميل يشير الامام سلام الله عليه «فباليقين أقطع» لابد من الاثنينية فلو كان المراد من اليقين درجة الادراك لا معنى له فالمراد من اليقين يعني سبب العلم والدليل الذي هو قويم وسوي ومتين وموزون وبهذا أقطع. «أشهد أنك قد استشهدت على بينة من ربك» البينة هي السبب كما في زيارة الزهرا سلام الله عليهاب «أشهد انك مضيت على بينة من ربك» بسبب اليقين البديهي. المراد من اليقين هو السبب وليس المسبب وحينئذ اذا كان لو افترضنا ان اكثر من في الأرض ضالين ليس المعيار نوع المدركين ونوع العقلاء بل المراد نوع السبب السوي القويم. الوصول بهذا اللحاظ بلحاظ نوع أسباب العلم ولو لم يدركها إلا النادر أيضا هو حجة.
الحجة والقطع في درجة إدراك المدرك او نوع إدراك المدرك ونحن لا نرفع اليد عن المدرك، إنما نقول ان الحجية واليقين والعلم وصف للسبب مثلا بعض القواعد الفقهية التي قواعد وليست مسائل ترى خمسة قرون الاعلام يستندون فيها بالاجماع والحال ان الاجمال ليس فيها ومتأخروا الاعصار يقولون أن الإجماع المحصل غير حاصل والمنقول غير مقبول والتالي يشك في كثير من الأدلة بينما بالتتبع وجدنا فيها أن لها ادلة روائية في غير الأبواب المعهودة لها. في بعض المسائل عشرة قرون.
كثير من الاعلام ذكروا هذا المطلب وكاشف اللثام في وصيته يقول: لا تعتمد على نقولات الاعلام. إذا يعتمد الفقيه على من قبله ومن قبله يعتمد على من قبله وهلم جرا ترى ان الأصل يقع في الغفلة. المجلس الأول رحمهالله يقول أنا اتعجب كيف سبعة قرون من الاعلام يقولون لا رواية واحدة واصلة متنها في الشهادة الثالثة في الاذان والحال ان الصدوق روى المتون الثلاثة وسندها لم يذكر بل وذكر الصدوق ان هذه ثلاث متون ثلاث طوائف وليست ثلاث روايات. قال قيل انه رويت لكنه لم نقف على متنها. يعني لم يتدبروا في كتاب الفقيه. أكثر مما ذكره المجلسي الأول في الشهادة الثالثة في الاذان والإقامة. مسؤولية العلم لا متنهاية وكل جيل ان يؤدي جهدا من المسؤولية. الاغرب من هذا اصل الروايات الواردة في تشريع الاذان غير هذه الروايات التي ذكرها الصدوق بل روايات أخرى أشار اليه المجلسي الأول روايات عديدة ان الامام الصادق قال: إن تشريع الاذان كان في المعراج وأصلا ليس من تشريعات الأرض وليس من الوحي الذي نزل على رسول الله في الأرض. في تلك الروايات مناسبة الشهادة الاولى والثانية والثالثة انها صارت شعارا. فتنادت الملائكة بالتكبير ثم النبوة ثم الامامة. هذه المناسبات اتخذت شعارات في الاذان وهذا منشأ تشريع الاذان وذكر فيها الشهادة الأولى والثانية والثالثة بينما ربما عشرات الأعلام قبل سبعين سنة تمسكوا برواية واحدة بمرسلة الاحتجاج. بل بقليل من التتبع كانوا يجدون روايات اكثر. هذا ليس طعنا في الاعلام بل أقول كلام كاشف اللثام دقيق لا تعتمد على النقولات. ربما غفلة جرجرت الغفلات. العصمة لأهلها والعلم ما فيه العصمة لذلك الامامية على مذهب التخطئة. المقصود نقول الشهادة الثالثة الأدلة التي توفرت لدي فيها في الاذان والإقامة وداخل الصلاة خصوصا ربما اكثر من أربعين وجها. المقصود ان باب الاجتهاد مفتوح وباب بذل الجهد مفتوح. لم يذكر أحد من الاعلام ان صاحب الجواهر يفتي بالاستحباب الشهادة الثالثة داخل الصلاة او الشيخ اموسى كاشف الغطاء او النراقي بل صاحب الجواهر في كتاب الجواهر بعد كم ورقة عدل الى الوجوب التخييري. مباحث إذا يريد واحد ان تتبع تغير المباحث. هذا ليس التركيز على شخوصات انفسنا بل قضية المنهج منهج التتبع. مواد موجودة وواصلة. كما يقول الشهيد الصدر في الحلقات طبعا لكاشف اللثام انا اتأثر بالكبار من حيث لا أشعر. أحد الرموز من تلاميذ النائيني وآغا ضياء والكمباني ينقل ان الاجتهاد الحقيقي قليل واكثره تقليد علمي لكن تقليد مرتب يعني مجتهد يقلد. المقصود ان عملية التنقيح والتحرر من الجو عظيم لأن الكبار لهم هيبة. صاحب الجواهر يقول اذا يطالب واحد في تفاصيل التفاصيل باليقين سيما في فقه الفروع يعيش في رؤية خيالية. التفاصيل البعيدة مساحتها هي الظن المعتبر. لا نلزم باليقين. طبعا ظن موزون في عالم الدلالة. لا يمكن الوقوف على احكام الشرع في كل المساحات باليقين. المقصود ان الحجة وصولها نوعي بلحاظ المدركين ليس هكذا ربما عشرة قرون او اثنا عشر قرنا لا يقف عليه احد. اما الانسان يكون أسير للادلة والفحص والتتبع وكثير من الفضلاء والأساتذة لا عندهم حوصلة ان يفتحون الجواهر والمسالك. هذه جهود مخزونة. مثلا الحرمة الأبدية مع الزنا لذات البعل يقولون لا دليل سوى الاجماع وراجعنا كلمات المتقدمين رأينا ثلاث عشر دليلا. الحجية ان ننيطها بالوصول النوعي محل تأمل او الوصول الفردي أيضا محل تأمل هو في نفسه سبب العلم متوفر ولو قصر عنه عشرة أجيال من العلماء. فرق بين عدم الخلاف والاجماع. الوفاق ليس اجماعا. الاجماع قد يطلق على التسالم وقد يطلق على فوق التسالم خمس او ست طبقات في الاجماع. الاجماع بمعنى عدم الخلاف ليس معناه الضرورة. للكلام تتمة لان هذا المبحث يؤثر على أبحاث عديدة فقهية واصولية وكلامية وعلوم عديدة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين