الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/06/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الإجزاء

 

القسم الثالث من الإجزاء، إجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي او الظاهري مثله

مراحل الحكم في الحكم الظاهري

كان الكلام في إجزاء الحكم الظاهري كما هو الغالب في الأقسام الكثيرة عن الظاهري ومر بنا أن تصور وفرض موضوع البحث أهم سبقا وتقدما من الخوض في الأقوال وأدلة الأقوال.

إن الحكم الظاهري في الغالب في الأبواب المختلفة ينكشف خلافه بانكشاف ظني، يعني بالظن الثاني الأقوى أو غير الأقوى كمن يقلد مجتهدا ثم يقلد مجتهدا آخر، هذا الظن الاخر هل هو موجود في ظرف الظن الأول أو غير موجود؟ هل هو موجود برتبة الإنشاء او موجود برتبة الفعلية او برتبة أخرى أو غير موجود وإنما لم ينوجد إلا الظن الأول؟ نعم، غالبا مرحلة الإنشاء موجود ولا ينكر أحد أن الظن الثاني والدليل الخاص إنشاء موجود وما خلق في الساعة، وإن يمكن تصوره كمن يصل الى درجة الاجتهاد في الساعة فيقلد المقلد منه. هذه الصور كلها ممكنة، كمن قلد مجتهدا مدة مديدة من الزمن ثم عدل الى مجتهد أعلم ولو في مسألة لأنه تصدى وقبله ما كان متصديا، الان هذا الظن الثاني في جملة من الصور التي نحن فيها ليس بالضرورة أن يكون المرتبة الانشائية موجودة في الزمن الأول، المرتبة الانشائية الكلية بحث آخر «كل فقيه كلامه حجة» لكن من الجهة الجزئية ما كانت موجودة. فيمكن فرض وجوده وعدم وجوده ففيما لو كان هذا الظن الثاني موجودا جزئيا يعني موضوعه الجزئي.

وقع الكلام بين الأصوليين وبين الفقهاء في أنه هل مراحل الحكم الشرعي التي ذكرت في الحكم الواقعي التكليفي تجري في الحكم الوضعي؟ وهل تجري مراحل الحكم الشرعي في الحكم الظاهري كما تجري في الحكم الواقعي؟ ثلاث أبعاد أو جهات. هذا بحث مستقل معترض لكن يوطئ لتنقيح البحث في المقام. بحث في نفسه كبروي ثمين وخطير. هل المراحل الشرعية التي ذكرت في الحكم الشرعي الواقعي مرحلة الإنشاء والفعلية الناقصة والتامة ومرحلة الفاعلية الناقصة والتامة ومرحلة التنجيز ومرحلة الامتثال ومتن الامتثال ومرحلة إحراز الامتثال مراحل الحكم الشرعي هي مراحل للحكم الشرعي الواقعي وعدم التمييز بينها يوجب التباسا كبيرا. علم الأصول يعطيك تحليل المعاني والأمور الاعتبارية بشكل منسق ومر بنا ان لكل مرحلة أسماء. هذا في الحكم التكليفي الواقعي. يا ترى هذا البحث يجري في الحكم الوضعي الواقعي أم لا؟ مثل الملكية او الحق او الطهارة او النجاسة او غيرها. بحث الفقهاء في بحث مرتبط بهذا البحث شمولية وعمومية مراحل الحكم للحكم الظاهري. القسم الثالث شمولية مراحل الحكم للحكم الظاهري غير الواقعي هل يتصور فيه ام لا؟ هل يتصور فيه تمام المراحل او بعضها؟ فيه خلاف كبير بين الأعلام. وهذا البحث نفسه مسيري في العقائد بحث أصولي يجرونه في الفروع لكنه مسيري في العقائد. من ثم علم الأصول وظيفته أنه يمنهج الاستدلال في العلوم الدينية. هؤلاء الذين يخشون مدارس متعددة في علم الأصول لا يعرفون ابجديات علم الأصول من هذا اللحاظ. علم الأصول علم منطق للعلوم الدينية ويمنهج العلوم الدينية. فيا ترى هل مراحل الحكم الشرعي التي ذكرت تجري في الحكم الظاهري أم لا؟ ولا سيما في الحجية. الاحكام الظاهرية أنواع تكليفية او وضعية لا سيما الشجار العلمي بين الاعلام وقع في الحجية. ربما احد عشر قولا في تفسير ماهية الحجية في نفس الحجية وهذا البحث يزفي بظلاله على العقائد وعلى كل العلوم الدينية ما هو معنى الحجية. ثبت العرش ثم انقش. فالمقصود هذا المطلب و هو ماهية الحجية من الحكم الظاهري مبحث معقد. إذا تم هذا البحث ما هي ماهية الحجية لانه نوع من أنواع الحكم الظاهري ثم يأتي مراحل الحكم الشرعي هل تجري في الحجية ام لا؟ هذا بحث حساس. كلها او بعضها؟ حينئذ إذا حققنا هذا البحث نأتي الى البحث ما كنا فيه هل الحكم الظاهري الثاني كان موجودا في ظرف الحكم الظاهري الأول أم غير موجود؟ والمدار في الحكم الظاهري ما هو؟ لأن أصل البحث في المقام بحث إجزاء الحكم الظاهري عن الحكم الظاهري الأقوى منه. يبحث عن وجود الحكم الظاهري الثاني هل له الوجود في ظرف الحكم الظاهري الأول أو لا؟ ففيه فرق بين انكشاف الخلاف للظن الأول للحكم الظاهري الأول بالوجدان والعلم واليقين وبين انكشاف الخلاف بحكم ظاهري آخر بظن أقوى خلاف الظن الأول. والواقع لا طريق اليه الا من طريق الظن الأقوى لان الواقع لا ينكشف علما. وهذا هو الغالب. هنا يقع الكلام ان الظن الثاني وجد في الظرف الثاني فقط او الظن الثاني وجد في الظرف الأول أيضا؟ مثل الان افترض الاجازة للبيع الفضولي او بيع الغاصب تصحح بيع الفضولي او الغاصب فسبعة اقوال رئيسية في تصوير الصحة وسيتبين له ربط بالمقام. اول الاقوال في صحة البيع الفضولي او بيع المكرة ثم أجاز او بيع الغاصب او الاجارة او النكاح اول الأقوال ان الاجازة كاشفة كشفا حقيقا يعني ان البيع كان صحيحا قبل صدور الاجازة. الاجازة وان كانت متأخرة لكن صحة البيع في الظرف الأول. هذا هو الكشف الحقيقي. الكشف البرزخي والكشف الانقلابي غير الكشف الحقيقي ويقول ان الاجازة لم تفرض في الزمن الأول بل فرضت في الزمن الثاني والصحة في الزمن الثاني أيضا لكن متعلق الصحة ومتعلق الاجازة هو الزمن السابق. الصحة والاجازة ظرفهما الزمني في الزمن الثاني لكن الاجازة تجيز العقد في الزمن الأول مثل التلسكوب او الناظور تنظر به الى ما مضى. كيف في الإجازة والبيع الفضولي هكذا تصويران رئيسيان كذلك في الظن الأول والثاني. الظن الثاني تارة نقول له وجود في الظن الأول وان لم نعمل به وتارة نقول ليس له وجود بل وجوده في الظرف الثاني لكنه يتعلق بالظرف الأول والثاني. مثل المخلوقات تعرف خالقها وعندها معرفة بخالقها مع أنها متأخرة لكن علمها بخالقها ومعرفتها بخالقها المعلوم ليس متاخرا. المخلوقات وعلمها حادث ومتاخر لكن معلومها هو الله عزوجل وليس متأخرا فعلم متأخر يتعلق بالمعلوم الازلي والقديم. العلم متأخر وحادث دون المعلوم. هنا لظن هكذا ان الظن غير المظنون. الظن حاكي وغير المحكي. هذه دائما في الصفات الادراكية الصفة الادراكية تختلف زمنا عن متعلق الادراك. الادراك حاكي والمعلوم محكي الظن حاكي والمظنون مكشوف ومحكي. اذا نمطان. يجب ان نفرق بين الزمن وأحكام المكشوف وبين الزمن وأحكام الكاشف. معضلة حتى في الفلسفة يعبرون عنها ببحث الوجود الذهني. كثير من المخلوقات والانسان يخلطون بين الوجود الذهني والوجود الخارجي. الوجود الذهني طبيعته حاكي وكاشف ويختلف عن المكشوف والمحكي. مثل المرآة مكتوب في مرايا السيارات احذر ان الاجسام اقرب ما يرى. فلا نخلط بين احكام الحاكي واحكام المحكي. مشكلة المخلوق والانسان انه يخلط بين احكام الحاكي واحكام المحكي. من أعظم المعضلات في علم المعارف. الا من عصمه الله وهم الأنبياء والائمة. وإلا غالبا يصير الخلط بين أحكام الحاكي والمحكي. الحاكي مثلا الوجود الذهني والمحكي الوجود العيني الخارجي. على أي تقدير فهنا الظن الثاني فيه بحث هل الظن الثاني وهو الكاشف والحاكي هل ظرفه في الزمن الثاني او الأول؟ جملة من المباحث المعقدة في خلل الصلاة او الحج او صلاة المسافر مرتبطة بهذا البحث ان نفكك بين الشيء ومتعلقه حتى لو كان من الظنون وبين المظنون

واذا تريدون ان ازيد المطلب من التعقيد المظنون والمحكي والمكشوف تارة نريد منه ذات المكشوف لا المكشوف بوصف انه مكشوف. ذات المحكي لا بوصف انه المحكي وذات المظنون لا بوصف انه مظنون ذات المتيقن لا بوصف انه متيقن، ان اخذت ذات الشيء بوصف انه مظنون والمحكي ومتيقن لم يكن هذا الذات خارجية بل كانت ذهنية. هذا مبحث دقيق. المظنون والمحكي والمكشوف والمرئي ذاته بما هي ذات عينية خارجية تختلف عن ذات بوصف انها مكشوفة او مظنونة او متيقنة لانه حينئذ يكون وجودها ذهنيا وادراكيا. فعندنا ثلاث أمور او اكثر عندنا حاكي وعندنا المحكي والمحكي على مرتبتان ذات المحكي على ما هو هو وذات المحكي بوصف الحكاية أنها وجود ذهني فنفس الوجود الذهني له حيثيتان حيثية الحاكي وحيثية المحكي. يغاير ذات المحكي بوجوده الخارجي. هذه بحوث ولو عقلية لكن لها صميم التأثير في مباحث الحكم الظاهري. فياترى الظن الثاني الذي حدث بعد الظن الأول نفس الظن الحاكي كان موجودا؟ بوجوده التكويني كان موجودا طبعا لكن الانسان فحص ولم يقف عليه. غالبا الظن الثاني موجود. ان لم نقل انه موجود فهذا الظن الثاني وان وجد في الزمن الثاني لكن متعلقه الزمن الأول ففرق بين زمن الظن الكاشف الحاكي وزمن ذات المكشوف وذات المظنون وذات المحكي. مثل الاجازة زمنها متأخر والمجاز أثر رجعي يعني المجاز هو البيع السابق والنكاح السابق. فيه فرق بين زمن الظن وزمن الاجازة قد يقال يختلف عن زمن المجاز. وفيه فرق بين زمن الظن وزمن المظنون. في بحوث الأصول هذا التفكيك جدا مهم. إذا تم تصوير هذا البحث نبحث عن البحث الثاني. هل الحكم الظاهري له مراحل سيما الحجية ام ليس له المراحل؟ هل كل مراحل الحكم التكليفي او بعضها؟ وما هي ماهية الحكم الظاهري؟ ثلاث محاور. المحور الأول بحثنا وبعده مراحل الحكم الظاهري والمحور الثالث حقيقة الحكم الظاهري وهي الحجية احدى عشر قولا فيه. محاور لا ندمج بين بعضها البعض لكنها متأثرة من بعضها البعض. فبحث حساس قضية مراحل الحكم الشرعي يؤثر على كثير او اكثر مسائل علم الأصول فضلا عن علم الفقه.