الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/05/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الإجزاء

 

تبعية القضاء للأداء

إجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي

كنا في نهاية الحديث عن الامر الاضطراري وتبعية القضاء للأداء ومر أن المشهور يذهبون إلى كون القضاء ملاكا وجعلا مرتبتين وفي مرتبة الإثبات تابع الأداء. حتى الأدلة التي ترد «إقض ما فات كما فات» يجعلونها مرشدة الى أن «أقم الصلاة» مستمرة والوقت من باب تعدد المطلوب في الوقت الواجب.

طبعا ربما يتوهم بعض الاخوة أن الزمان مع انه قيد الوجوب لكن هناك قيد وأمد للوجوب زماني والمقصود من القيد هو القيد الشرعي والقيد الزماني الشرعي في الحدوث موجود أما القيد الشرعي الزماني للوجوب منتهى ما يحضر ببالي انه موجود في الروايات ام لا لكن الأعلام يقولون أن الواجب له قيد زماني بدء وله قيد زماني انتهاء وإذا بنوا على سقوط الوجوب لا لكون الوجوب مقيدا انتهاء وإنما يكون الواجب مقيدا فإذا انتفى الواجب امكانا يسقط الوجوب بهذا اللحاظ لحاظ سقوط موضوعه، لا بمعنى أنه قيد المنتهى. مثلا صلاة الظهرين ما بين الزوال والغروب هذ المبدأ والمنتهى قيد زماني للواجب وليس قيدا للوجوب. نعم أصل حدوث الدلوك قيد زماني للوجوب.

طبعا فيه قاعدة كل قيد الواجب قيد الوجوب وكل قيد الوجوب قيد الواجب لكن هذه الكلية ليس المراد بها كل قيد الواجب الشرعي فهو قيد شرعي للوجوب ليس المراد هذا. هذا يأتي في مقدمة الواجب كل قيد شرعي للواجب فهو قيد عقلي للوجوب لا قيد شرعي وكل قيد شرعي للوجوب فهو قيد عقلي للواجب هذا معنى التعاكس. على اية حال فإذاً الغروب ليس قيدا شرعيا للوجوب وانما هو قيد شرعي للواجب وهذا القيد العقلي والشرعي له آثار كثيرة ويجب أن لا نخلط بينهما. فلو كنا نحن وأقم الصلاة لدلوك الشمس، تبقى غاية الامر القول بسقوط الوجوب لأجل العجز عن الصلاة إذا مضى الوقت وهناك عجز عن إتيان الواجب لأن الواجب في الظهرين أن يكونا بين الحدين فاذا عجز المكلف يسقط الوجوب من هذا الباب لا ان الوجوب أخذ له أمد زماني شرعا. مثل وجوب الحج الأمد الزماني للواجب الحج أشهر وليس لوجوب الحج. فرق بين وجوب الحج وبين الحج الواجب. تقييد الواجب بقيد شرعي غير تقييد الوجوب قيدا شرعيا وإلا غالبا قيود الوجوب من قبيل الحيثيات التعليلية يعني هذه القيود دخيلة في الوجوب حدوثا وإذا حدث المفروض يبقى الوجوب لا أن له أمد. الواجب له أمد لا الوجوب. فإذا أتى دليل القضاء وبيّن أنه لا يفرط في طبيعة الواجب حتى لو عجز عنها الانسان لذلك أنت تأتي بقضاء الظهر أي صلاة تأتي بها؟ هي نفس تلك الصلاة الظهر لذلك عبر عنها فاتت فاقضها. المقصود هو هذا، هي هي نفسها الماهية التي فاتتك تأتي بها. القيد الزماني من قبيل تعدد المطلوب. هذا هو مراد المشهور وهو صحيح. حتى الدليل اقض ما فات كما فات عبارة عن إرشاد الى أن القيد الزماني في الواجب من باب تعدد المطلوب لا من باب وحدة المطلوب فالصحيح ما عليه المشهور خلافا للسيد الخوئي. لا التعدد في الجعل. المقصود من الجعل الثبوتي يعني المدلول للادلة الدليل كاشف عن وجود المدلول بوجوده الواقعي يعني المجعول والجعل هو في الحقيقة واحد لا انه اثنين من باب تعدد المطلوب.

لكن الكلام في هذا المطلب أن ضابطة القضاء كشيء ظاهري ليست عدم الاتيان بل هي الفوت والفوت عنوان وجودي لا يمكن إحرازه عند الشك باستصحاب عدم الاتيان الى اخر الوقت. استصحاب العدم لا يحرز عنوان الفوت لأنه هو عنوان وجودي. هذا بالنسبة الى الدليل الإثباتي صحيح لا غبار عليه لكن من باب المجعول هو شيئان او اثنان؟ لا، بل المجعول هو شيء واحد ذو مراتب لا تجري قاعدة الاشتغال لأن قاعدة الاشتغال تصل المرتبة الثانية إذا فاتت المرتبة الأولى من اين تثبت فوت المرتبة الأولى. إذا فاتت المرتبة الأولى تأتي المرتبة الثانية ولازم ان احرز الفوت والشارع نفسه جعل ضابطة علامة ظاهرية مثل قاعدة التجاوز وقاعدة الفراغ وتارة يجعل قاعدة التنجيز وهو الفوت. فنتيجته ليست نتيجة الاشتغال بل نتيجة البراءة بهذا اللحاظ لكنه ملاكا جعلا وثبوتا واثباتا من باب وحدة الجعل وتبعيته كما ذهب اليه المشهور وهو الصحيح ومن ثم تأتي بالقضاء بلحاظ ماهية نفس الفائت يعني المأمور به في الأمر الأدائي الذي فات أقصده وما فيه الاثنينية. عرفا وعقلا تدارك وليس اثنينية نعم الشارع جعل ضابطة وهي الفوت اقض ما فات كما فات.

نعم فيه بحث آخر ليس مكانه هنا ذكرناه ربما سابقا ان عند الشك في القضاء في الصلاة او الصيام وهلم جرا يعني افترض ان المكلف يعلم ان في ذمته القضاء فيقضي القدر المتيقن ويجري البرائة في الزائد متاخري العصر هكذا يفتون لأن الاستصحاب لا يحرز عنوان الفوت. والمشهور قالوا بالاشتغال مشهور القدماء او ربما الطبقات الكثيرة لا لأجل اننا نحرز الفوت او ان الفوت ليس ضابطة بل الفوت ضابطة ولابد من إحرازه والاستصحاب لا يحرزه. لم هنا يجري الاشتغال؟ لأنه البراءة في موارد الامتنان واذا كان الواجب في القضاء المكلف قصر في تدوينه وما كتبها لأنها آلية عظيمة لفراغ الذمة من الواجبات فقصر فيختلط فليس معذورا فيه لأنه بسوء الاختيار ولاتجري البرائة في موارد سوء الاختيار وسوء التدبير. هذا الامر ذكرنا في بحث البرائة انه لاتجري في هذه الموارد فلا مؤمّن عقلي ولا شرعي فالاحتمال منجز ولا نحتاج الى العلم الإجمالي لذلك قال المشهور وفتاواهم موجودة اذا فاتت على الانسان قضاء الصلوات ثم بعد ذلك أهمل او أراد ان يقضي لكن ما دوّنها وشك في مقدارها والشك في الأقل والأكثر الاستقلالي والمفروض تجري فيه البرائة بالوضوح مع ذلك قال المشهور لا تجري البرائة للتقصير. نعم لو دون وحافظ مع ذلك فقد الدفتر وضاعت المسودة هنا تجري البرائة. على اية حال هذه نكتة معترضة إجمالا إذاً البراءة مقيدة بموارد عدم سوء الاختيار سواء الشبهة البدوية او غيرها. لذلك الاعلام في موارد الشبهة البدوية لا يجرون البرائة قبل الفحص. اجمالا الصحيح أن القضاء تابع للأداء ملاكا جعلا وحتى إثباتا والأدلة الدالة عليه إرشاد.

القسم الثالث وهو إجزاء المأمور به بالأمر الظاهري عن المامور به بالامر الواقعي هذا بحث محل الابتلاء وحساس ويغاير موضوعا ومحمولا القسم الرابع وهو تخيل الحكم الظاهري يعني المجتهد بعد الاستنباط وكذا التفت الى ان استنباطه السابق فيه الخلل وكان تخيل الحكم الظاهري والقاضي أيضا هكذا وبالتالي هل يجزئ عن الواقع أم لا؟ تمييز القسم الثالث عن الرابع فيه غموض. بالالتفات الى أن القسم الثالث هو في الحقيقة ليس بحثا عن أن الحكم الظاهري يجزئ عن الواقعي قد يكون قليلا لكن بالدقة هو بحث عن أن الحكم الظاهري هل يجزئ عن الحكم الظاهري ام لا؟ أو قل عن الواقعي المكشوف بالحكم الظاهري. لأن القسم الثالث تبدل مثلا المقلد قلد فقيها وتوفي الفقيه واتى فقيه حي أعلم منه أتى بالأحكام الظاهرية على وفق الفقيه الأول هل يجزئ عن الاحكام الظاهرية بالفقيه الثاني او الواقعي المكشوف بفتاوى الفقيه؟ هذا القسم الثالث بالدقة بحث عن إجزاء الحكم الظاهري السابق عن الحكم الظاهري اللاحق. وإلا انكشاف الواقع انكشافا يقينيا موجود ويمكن لكن قليل. في الشبهة الموضوعية كثير لأنها فيها آليات تكوينية والقسم الثالث أعم من الشبهة الموضوعية. تارة تبدل الحكم في الشبهة الحكمية مثل تبدل الفقيه وتارة في الشبهة الموضوعية كمن توضأ بماء جرى فيه اصالة الطهارة وبعد ذلك تبين انه نجس. انكشاف الواقع في الشبهة الموضوعية والعلم بالواقع والوصول بالواقع متصور فهل يجزئ الحكم الظاهري عن الواقع أو لا؟ هذا العنوان صحيح. أما الشبهة الحكمية كيف يتصور؟ قليل. إلا إذا تظافر لديه الأدلة بدرجة اليقين على أن الحكم الواقعي غير الحكم الظاهري الذي استنبطه سابقا. حقيقة البحث في الإجزاء في القسم الثالث هو تبدل الحكم الظاهري الى حكم ظاهري آخر. الشبهة الحكمية فيها بعد محمولي وحكمي وفيها موضوعي كلي. الشبهة الحكمية فيها بعدان طبعا ليس قسمين بل أقسام لكن تقسيم اجمالي. أقسام الشبهة الحكمية أمر ضروري جدا. في بحث الألفاظ وفي بحث الأصول العملية. طبعا هذه المباحث يميزها الاصوليون اكثر من الاخباريين. الشبهة الحكمية ذات بعدين اجمالا فإذاً بعد الموضوع لا نتخيل انها شبهة موضوعية يمكن بعد الموضوع في الشبهة الموضوعية كما قد يكون بعد الحكم في الشبهة الموضوعية. يجب ان لا نغفل عن هذا. فكل شبهة حكمية ذات بعدين وكل شبهة موضوعية ذات بعدين بل اكثر. مثلا الشبهة المصداقية كثيرا ما نظنها أنها شبهة موضوعية بل ليس هكذا. الشبهة الحكمية فيها شبهة مصداقية والشبهة الموضوعية أيضا فيها شبهة مصداقية والشبهة المفهومية خاصة بالشبهة الحكمية. كثير من الاعلام في فتاواهم غفلة يجعلون الشبهة المفهومية شبهة موضوعية ويجرون فيها البراءة والحال ان الشبهة المفهومية شبهة حكمية ولابد فيها من الفحص أولا بعد الفحص تصل النوبة الى البراءة او شيء آخر. فالخلط بين الشبهة الموضوعية والشبهة لمفهومية كثيرا ما يحصل في الفتاوى والشبهة المفهومية شبهة حكمية بامتياز لأنه يرجع الى تنظير الشارع. أيضا لدينا شبهة صدقية ربما السيد إسماعيل الصدر أصر عليها. هذه في كلا القسمين وان كانت الشبهة الحكمية اكثر.أصل البحث عندنا شبهة موضوعية وشبهة حكمية وبعد موضوعي. التغاير بين القسم الثالث في الإجزاء مع القسم الرابع في بعد الموضوع فيه غموض. لماذا؟ لانه قد يقول قائل كل تبدل يبين أنه كان خطأ في الاستنباط غاية الأمر فيه خطأ معذور وخطأ غير معذور. سيما في القسم الثالث ليس الانكشاف بدليل غير قطعي غالبا تبدل الاجتهاد الظني المعتبر وتبدل التقليد الخطأ بتقليد آخر والتبدل يبين الخطأ بالتالي. هذا خطأ معذور بحث آخر. فيه خطل معذور وخطأ غير معذور. فإذاً كيف نميز بين القسم الثالث والقسم الرابع؟ هذا مبحث عويص في باب الاجتهاد والتقليد وباب الإجزاء وباب القضاء. أتركه الى أذهان الإخوان وبعد ذلك نخوض فيه. لأنه مبحث ليس بسهل.

مبحث آخر ومهم عندما يكون تبدل الظاهري الى ظاهري فالظاهري الثاني أقوى لذلك يقدم. هذا الظاهري الثاني قبل ان يطلع عليه المجتهد او المقلد هل له حجية وله فعلية أم لا؟ هذا البحث معقد وغامض وجدل علمي بين الاعلام يذكر بعبارة أخرى مهمة هل مراحل الحكم تجري في الحكم الظاهري؟ المراحل التي مرت بنا. تجري في الحكم الظاهري او انها مخصوصة بالحكم التكليفي فقط. سؤال معقد وحساس. هل مراحل الحكم تجري في الحكم الواقعي التكليفي فقط او أيضا في الحكم الوضعي او تجري في الحكم الظاهري أيضا لاسيما الحجية؟ الحكم الظاهري أقسام منها الحجية. هذا البحث لها ثمرات كثيرة جدا في الفقه والعقائد. يعني عندنا في الحجية هل حجية انشائية وحجية فعلية وحجية منجزة؟ يمكن تصويرها هكذا وربطه بالإثارة المعقدة فرق التخيلي عن الظاهري.