الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/05/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الإجزاء

أدلة الاضطرار العامة وأدلة الاضطرار في بعض الوقت

كان الكلام في نهاية مبحث الاضطرار أن المأمور به بالأمر الاضطراري مجزئ عن الواقع أم لا؟ طبعا كل ما كان البحث فيه بالدقة كان بحثا في الموضوع ولم نستوف تمام الكلام عن المحمول، والموضوع يعني وجود المأمور به الاضطراري بأمر واقعي.

فرق القسم الثاني في الإجزاء عن القسم الثالث وعن القسم الرابع هو أن القسم الثاني مأمور به بأمر واقعي لكنه اضطراري ناقص والقسم الثاني مأمور به بأمر شرعي لكنه ظاهري والقسم الرابع أمر تخيلي ولا وجود له، أربعة اقسام؛ والقسم الأول هو المأمور به بالأمر الواقعي التام يجزئ عن الواقع والقسم الثاني موضوعه كون الأمر واقعيا غاية الأمر مأمور به ناقص.

جوهرة البحث في القسم الثاني هو أن الموضوع في الاضطرار في بعض الوقت غير موجود، إشكالية السيد الخوئي ان المأمور به بالأمر الاضطراري في بعض الوقت ليس أمرا واقعيا بل أمر ظاهري لأنه في جملة من الأبواب هناك أمر اضطراري في الاضطرار لبعض الوقت لكنه أمر ظاهري، لأن إحراز موضوعه بالاستصحاب ونحوه من الأدلة الظاهرية لإحراز موضوع الاضطرار فكون الامر اضطراريا ليس بنحو الجزم أنه واقعي بل ربما يكون إحراز موضوعه ظاهريا إذاً لابد ان نلتفت أن المائز بين القسم الثاني والثالث كون الأمر واقعيا وليس ظاهريا في القسم الثاني وإلّا صورة اضطرار لكنه ليس أمرا واقعيا في بعض الوقت. هذه النكات لابد أن نلتفت اليه. إذاً العمدة في اختلاف الآراء في القسم الثاني هو في كيفية الأمر الاضطراري في بعض الوقت وإجمالا استطعنا أن نصوره خلافا للسيد الخوئي أو النائيني وبعد ذلك تعرضنا للصور الثبوتية والصور الإثباتية، الصور الاثباتية بحسب الأدلة الأولية لا بحسب أدلة الاضطرار.

يعني أن نبحث الآن في الأدلة الإثباتية الأولية هل هي دالة على الاضطرار أو لا؟ هل الأدلة الأولية دالة على الاضطرار؟ هناك في الاضطرار أدلة خاصة وأدلة عامة وليس الكلام فيها سواء خاصة او عامة بل كلامنا في الأدلة الأولية للمركبات. يعني هذه قسم ثالث من أدلة الاضطرار وليس لسانها الاضطرار بل هي نفس الأدلة الأولية للمركبات مثل الأدلة الأولية للصلاة او الصوم او الحج هل يمكن ان نستخلص حالات الاضطرار من الأدلة الأولية أن يكون الاضطرار واقعيا او لا؟ فليست هي ادلة عامة في الاضطرار ولا الأدلة الخاصة في الاضطرار مثلا «لم تجدوا ماء فتيمموا» يعتبروها من الأدلة الخاصة وليس من الأدلة الأولية أو الطائف او الحاج إن لم يستطع ان يطوف بنفسه يطاف به، هذه من أدلة الاضطرار الخاصة ومأخوذ في لسانها الاضطرار والعجز، إن لم تجدوا ماء او إن لم يقدر أن يصلي وقوفا او يطوف. الصلاة واقفا مع الإيماء في الركوع والسجود رتبتها مقدمة على الصلاة جالسا او على الصلاة فوق الكرسي. لأن الصلاة من قيام ركن أشد من ركنية الركوع والسجود. هوية نوعية للصلاة ولذلك المصلي بقدر ما يستطيع ان يقوم في صلاته يفعل يعني الركوع من قيام هو الركن لا الركوع في نفسه. والسجود من القيام هو الركن لا السجود في نفسه. الاعلام معروف عندهم ان القيام قبل الركوع ركن والركوع عن القيام ركن يعني القيام قبله. والشيخ الطوسي بين وهو الصحيح ان السجود قبله القيام ركن. القيام قبل الركوع ركن والقيام بعد الركوع ركن أيضا ليكون سجودا عن القيام وسجودا في صلاة قيامية وإذا سجد من الركوع لا يجزئ بل أخل بالركن. المهم لا أريد أن أدخل في بحث الصلاة. المقصود ان الصلاة من القيام ركن ركين واصل هوية الصلاة بخلاف الصلاة جالسا على اية حال فبحثنا في الأدلة الخاصة أدلة الإضطرار الدليل الذي في لسانه العجز وعدم الاستطاعة دليل الاضطرار إما دليل خاص او دليل عام مثل رفع ما اضطروا اليه ولا ضرر ولا ضرار او ما جعل عليكم في الدين من الحرج وهي أدلة عامة عذرية. فالدليل الذي يشتمل على العجز والفقد إما دليل خاص للاضطرار او دليل عام، أما الدليل الذي ليس في لسانه الاضطرار ليس من أدلة الاضطرار صورة بل لبا قد يكون من أدلة الاضطرار ذكرها الاخوند في الكفاية.

إن الأمر بالمركب يسمونه أمرا بالعام والأمر بالجزء او الشرط يعبرون عنه الأمر بالخاص. «أقيموا الصلاة» عام والامر بالجزء «لا صلاة الا بالطهور» أمر بالقيد وامر بالخاص وتقيّد طبيعة الصلاة العامة او الصيام العام او الطواف او السعي والامر بالأجزاء والشرائط أمر خاص وليس في كلا اللسانين العام والخاص عنوان العجز والاضطرار، لذلك هو من الأدلة الأولية .

رغم أنه من الأدلة الأولية المرحوم الاخوند يقسم النسبة بين الدليل العام للمركب مع الدليل الخاص في الأجزاء والشرائط الى أربعة صور. صورتان او ثلاث يمكن الاستفادة منها للاضطرار وانها اضطرار واقعي مع انها ليست لسانا من أدلة الاضطرار. هذا نمط ثالث صورة ولسانا ليس من أدلة الاضطرار لكن لبا يؤول مآلها الى الاضطرار تصنيف الأدلة مهم صناعة. هذه الصور الأربعة إثباتية.

الصورة الأولى أن يكون كلا من الأمر بالطبيعة العامة والأمر بالخاص كلاهما مطلق وفي هذه الصورة المفروض فيه عدم الإجزاء لأن اطلاق الخاص وجزئية الجزء ودليل الجزء مقدم على اطلاق العام. ماذا اطلاق الخاص؟ كيف يعبرون إطلاق الخاص؟ هذه نكتة لازم ان نلتفت اليه وهي ن الخاص صحيح انه خاص موضوعا لكنه بلحاظ الزمان أو الأحوال فيه اطلاق والخاص موضوعا من جهة الزمان فيه الاطلاق ومن جهة الأحوال فيه الاطلاق. هذا صحيح. فاذا الخاص مع انه خاص لكنه من جهة الأحوال وجهة الازمان فيه الاطلاق فيقولون ان الاطلاق الاحوالي للخاص مقدم على اطلاق العام كما ان الاطلاق الازماني في الخاص مقدم على اطلاق المطلق او اطلاق العام الا ان يأتي قرائن. فاذا هنا مقتضى اطلاق الخاص «أنه لا صلاة الا بالطهور ولو هو فاقد لطهور الماء والتراب المفروض ان الصلاة تسقط لكن مع ذلك ان الاعلام حتى في هذه الصورة بعضهم عنده تأمل. نريد ان نستخلص الامر بالناقص كيف نستخص من الصورة الأولى الامر بالناقص؟ المشهور يستخلصون لأن العام عندهم في منطقة الخاص لم يحذف من جزوره بل مجمد، إذاً ما لا يدرك كله لا يترك كله. فاصل العام ملاكه موجود. وهذه نكتة انفس من بحث الإجزاء المشهور عندهم العام مع الأدلة المخصصة هي في الحقيقة مراتب للمركب من اين استفادوا المراتب؟ من ان الخاص لا يعدم العام في منطقته فاذا لا يعدم فالعام باق على مصلحته غاية الامر المصلحة العليا للخاص وإذا لا يمكن الخاص فالعام مع حاله باقي. نظرية القدماء في التخصيص وعلاقة الخاص مع العام ان الخاص لا يكشف عن انعدام العام في منطقة الخاص من رأس ومن جزره. هذه نظرية القدماء هذه معناه ان نفس ادلة المخصصة وادلة الخصوصات او المخصصات تعني مراتب العام والمركب وتعني قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور. مبنى مرتب عند القدماء لذلك ذكرت لكم ان هذا انفس من بحث الإجزاء والاضطرار.

الان صارت موضع صناعي ونعم الموضع أن متأخري الاعصار في أي باب يدخلون يقرّرون مقتضى القاعدة بحسب الأدلة الاجتهادية و ادلة الأصول العملية. كيف يقررون؟ اول خطوة صناعية ان كان لدى الباحث ملكة صناعية يحدد مراتب العموم. العام الفوقي ثم العام بعده في الرتبة الثانية ثم العام في الرتبة الثالثة ثم الأربعة ربما في باب واحد عندنا خمسة او أربعة مراتب من العموم. هذا البحث مقرر الان وأي باحث في أي باب فقهي لا يلتفت الى هذا النظام عمله عشوائي. المرتبة الثانية من العموم صار ثانيا لانه خاص بلحاظ ما فوقه وبلحاظ ما تحته عام لذلك سمي المرتبة الثانية من العموم وكذلك المرتبة الثالثة بلحاظ ما فوقه أخص وبلحاظ ما دونه اعم كما في المنطق الكلي الإضافي والجزئي الإضافي شيء واحد هوكلي وهوجزئي. كلي بلحاظ ما دونه وجزئي بلحاظ ما فوقه. فاذا مراتب العموم بالدقة مخصصات إذاً لاحظ حتى المعاصرين في القرن الأخير يحرصون على ترتيب الأدلة لان لها ثمرات صناعية كثيرة. هي عند القدماء عبارة عن المراتب عن المركب. المركب الأصلي هو الامر بالمركب الأول كالأمر بالصلاة او الصوم او الحج ثم يجيء لا صلاة الا بالركوع ولا صلاة الا بالطهور ثم بعد ذلك يجيء في الركوع إن لم تستطع فكذا هذا أخص ثم يجيء مرتبة لاحقة فاذا ترتيب العمومات بحسب الأدلة بلحاظ ما دونها مع أن كل عام بلحاظ ما فوقه اخص، لذا اختلفت الرتبة. والأخص مقدم رتبتا إثباتا. هذه من اسرار الصناعة عند الأصوليين سواء القدماء او المتاخرين. كلها بحسب الأدلة الخاصة. فنخرج في الصورة الأولى من الصور الأربعة الاثباتية بان طبيعة المركب مراتب وتعدد المطلوب ووحدة المطلوب يحتاج الى دليل حسب مبنى القدماء لان الخاص يدل على المراتب لكن عند المتاخرين وحدة المطلوب. فحتى الصورة الأولى قابلة للنقاش، لذلك مر بنا ان كل المشهور لم يجزموا بسقوط الصلاة لفاقد الطهورين. يقولون احتياطا تأتي بالصلاة بدون الطهورين في الوقت وتعيدها خارج الوقت. اذا الصورة الأولى ليست محسومة أن لا نستفيد منها إجزاء الامر الاضراري عن الواقعي عند القدماء.

طبعا هذا البحث كله في الأدلة الخاصة الأولية أدلة من نوع ثالث في الاضطرار وإن لم تكن هي بلسان الاضطرار. تصنيف الأدلة وتنويع الأدلة يجب الالتفات اليه صناعية.