44/05/20
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الإجزاء
حقيقة أدلة الاضطرار والرفع
كنا في صدد أن أدلة رفع الضرر في الحقيقة رافعة للتنجيز وليست مخصصة، فلمّا تكون رافعة للتنجيز بهذا المقدار توسط في التنجيز وليست رافعة لأصل وجوب الصلاة وانما هي رافعة للأقل في ضمن الأكثر لا الأقل مطلقا فنوع من التوسط في التنجيز. لأنه إنما على مبنى النائيني والسيد الخوئي مُنع التبعيض في رفع متن الحكم ولم يمنع العلمان من التبعيض في التنجيز بل يرتضيانه، كما في الأقل والأكثر الارتباطي في مورد الجهل. فإذًا التبعيض في التنجيز متصور إن لم يكن تبعيضا في متن الحكم وهذا معنى رافعية الطهارة المائية ومعنى تشريع الاضطرار كما هو المشهور خلافا للنائيني فليس رفع مشروعية المأمور به الاختياري في موارد الاضطرار سواء كان الاضطرار المستوعب او غير المستوعب وليس المأمور به الاختياري غير فعلي بل فعلي في موارد القواعد الستّ. إذاً ما هو دور حديث الرفع؟ يقولون أن على حديث الرفع، هذا الفعل الاختياري الكامل ليس يؤاخذ عليه المكلف بل يؤاخذ على الباقي بالتبعيض في التنجيز. ليس للاضطرار معنى ورا ذلك في موارد الحرج كذلك المأمور به الاختياري على حاله غير مرفوع فعليته وانشائيته انما المرفوع التنجيز والمؤاخذة وفي التنجيز والمؤاخذة كل من النائيني والسيد الخوئي يقبلان التوسط في التنجيز والتبعيض في التنجيز وهو معناه أن الأقل منجز والأكثر ليس بمنجز والمكلف مطالب بالأقل. قواعد الرفع هي هذه. فإذاً في موارد الاضطرا في بعض الوقت الصحيح عند اليأس والاعتقاد بعدم الرفع مع وجود العجز لا العجز التخيلي لا ينجز المأمور به الاختياري وانما يتنجز المأمور به الاضطراري وهذا هو معنى تبعيض التنجيز بالاضطرار، فالصحيح أن الأدلة العامة في الاضطرار دالة على ما ادعاه المشهور من مشروعية الاضطرار الواقعي في بعض الوقت لا سيما ان الكلام في الصورة الأولى. نعم في صورة الشك بحث آخر أما في صورة الثالثة فواضح أنه يعلم ان عجزه في بعض الوقت فكيف يسوغ له البدار؟
نكتة أخرى تذكر في هذا البحث أن أدلة الاضطرار سواء عامة او خاصة هل تشمل سوء الاختيار ام لا؟ جزم السيد الخوئي بأنها لا تشمل لأن أدلة الاضطرار امتنانية والامتنان فيما اذا كان وقوع هذه العناوين ليس بسوء الاختيار وانما قهريا طرء عليه هذه العناوين، إلا في التقية وعندنا أدلة خاصة كثيرة على ان الانسان إذا يذهب بإرادته إلى بيئة فيها التقية لا اشكال سواء التقية الخوفية او التقية المداراتية. أما في غير التقية فالأدلة العامة في الاضطرار او قل الأدلة الخاصة لا تشمل سوء الاختيار لأنها امتنانية. وغالبا الاعلام هكذا في موارد الإغماء والجنون ان المغمى عليه لا يجب عليه الصلاة اذا اغمي قبل الوقت الى آخر الوقت فيقولون هذه في موارد عدم سوء الاختيار يعني اذا طرئت قهرا عليه لان الكلام انها امتنانية.
لكن المشهور لم يلتزموا بذلك أن الاضطرار خاص بسوء الاختيار. التزموا بأن العاجز عن بعض أجزاء المركب بسوء الاختيار مأثوم فيه من جهة التفريط في بعض الواجب لكن مع ذلك أدلة الرفع ليست في صدد رفع المؤاخذة امتنانا بل هي في صدد بيان أن الميسور لا تسقط بالمعسور. المشهور هكذا يعملون بالقواعد الثانوية. فحينئذ من ثم يبنون على ان الطهارة الترابية مشروعة وإن كان بسوء الاختيار مثل إتلاف الماء. مثلا في خصوص الصلاة السيد الخوئي يقبل أنه عندنا دليل ان الصلاة لا تسقط بحال لكن في باقي الموارد أيضا هكذا أنه يأثم في تعجيز نفسه لكن بقية موارد الواجب لا تسقط. بعبارة أخرى مبنى مشهور طبقات الفقهاء انهم ما أن يروا في باب معين مركبا شرعيا من العبادات او غير العبادات أنه ذو مراتب بأدلته الخاصة في الجملة لا بالجملة (اذا كان بالجملة فتتمسكون بها ولا نحتاج الى القواعد الثانوية) تتمة بتوسط القواعد الثانوية وإن كان هو مأثوم في التفريط في الجزء الالزامي. من ثم بهذا المعنى صح أن ادلة الرفع لا ترفع المؤاخذة بلحاظ التفريط في الجزء الذي فات في حين أنها تثبت التوسط في التنجيز.
أدلة الرفع كما ذكر النائيني لا تبعض متن الحكم لا الحكم الفعلي ولا الحكم الانشائي لكنهم قبلوا أنها تبعض التنجيز فهنا أيضا تبعض التنجيز. فليس سوء الاختيار خارجا منها. فالصحيح ما ذهب اليه المشهور أن الأدلة العامة للاضطرار او الحرج او النسيان وقاعدة الرفع دالة على تنجيز الباقي وان كان تفويت البعض لسوء الاختيار لكنه تدل على تنجيز الباقي سواء للادلة الخاصة للاضطرار او الأدلة العامة للاضطرار.
نرجع الى الصور الأربعة الاثباتية فذكر المرحوم الاخوند والشيخ الانصاري قبله في الرسائل لانه في بحث البرائة بحث الاضطرار والحرج. إما كل من دليل الكل الإجمالي لا التفصيلي ودليل العام له اطلاق «اقم الصلاة لدلوك الشمس» «اتموا الصيام» و«اتموا الحج والعمرة» ودليل الجزئية فيه اطلاق والصورة الثانية ان دليل الكل فيه اطلاق لكن دليل الجزئية او الشرطية ليس فيه الاطلاق والصورة الثالثة العكس أن دليل الجزئية والشرطية فيه الاطلاق ودليل الكل ليس فيه الاطلاق والصورة الرابعة ان كلا الدليلين لا اطلاق فيهما.
أما الصورة الأولى في ما اذا كان دليل الجزئية والشرطية فيه الاطلاق فقد يقرر ان مقتضى دليل الجزئية والشرطية مقدم على اطلاق دليل الكل بتقدم الخاص على العام. الكلام في الصور الأربعة على مقتضى القاعدة بحسب الأدلة الأولية لا بحسب قواعد الرفع. هذه الصور الأربعة بحثها صاحب الكفاية بحسب الأدلة الأولية لا بحسب قواعد الرفع. الدليل الاولي في الكل والعام ودليل الجزئية والشرطية او المانعية. نحن ومقتضى القاعدة في الأدلة الأولية ماذا تقتضي؟ بخلاف قواعد الرفع. هذا البحث غير مختص بالاضطرار بل في الحرج والنسيان والاكراه هكذا ان المعيار والضوابط واحدة. تختلف في بعض الخصوصيات لكن البحث اجمالا مطرد في هذه القواعد الخمسة. الذي ذكرنا قبل قليل كان بحسب الأدلة العامة في الاضطرار وما فيه تنافي أن الأدلة الأولية قد تقتضي شيء والأدلة العامة والثانوية قد تقتضي شيئا آخر محكمة على الأدلة الأولية. وإن اقتضت الأدلة الأولية شيئا معينا لكن الأدلة الثانوية حاكمة على الأدلة الأولية إذاً ما فيه تنافي بين الجهتين.
في الصورة الأولى إذا كان لكل من دليل الكل ودليل الجزء اطلاق يحكم دليل الجزء على الكل. أن دليل الجزء يقول ان الجزء جزء حتى مع العجز. هذا تقريبا ظاهر النائيني ومعروف عندهم ان اطلاق الخاص مقدم على اطلاق العام. او مثلا الاطلاق الاحوالي او الازماني للخاص مقدم على الاطلاق الاحوالي او الافرادي للعام. طبعا هذا ليس متسالم عليه لكنه معروف والأكثر او الكثير يتبنون عليه.
فيمن يقرر هذه الصورة الأولى يقول مقتضى القاعدة عدم السقوط لأنه مع العجز عن امتثال الخاص والفرض ان الخاص التخصيص بالمعنى الذي يذهب اليه القدماء وهم في التخصيص والتقييد يقولون ان الخاص لا يرفع مشروعية العام في منطقة الخاص. على هذا المبنى له وجه ان يقال ان العام اطلاقه باق اذا عجز عن الخاص. سيما معنى العام والخاص ولو ان الخاص يقيد العام لكن يقيد العام في مرتبة من الملاك لا في كل مراتب الملاك. مع العجز عن المرتبة الكاملة للخاص لم لا يقال بلزوم العام فيه وجه. هذا بالنسبة الى الصورة الأولى بحسب الأدلة الأولية لا بحسب القواعد الثانوية.
بعبارة أخرى ان التخصيص والتقييد عند القدماء تلقائيا مراتب، لأن القدماء يقولون ان العام لا يستأصل من جذوره في منطقة الخاص وانما العام يجمد وملاك الخاص مقدم عليه لا من باب التزاحم في مقام الامتثال بل من باب التزاحم في مقام الجعل فالأصل الاولي عند القدماء هكذا. أنها ذات مراتب ومن ثم لم يجزموا بسقوط الصلاة في فاقد الطهورين بل احتاطوا ان يصلي ثم يعيد. اكثرهم لم يجزموا بسقوط الصلاة.
الصورة الثانية أن دليل العام فيه الاطلاق ودليل الخاص لا اطلاق فيه. هذا واضح ان الخاص لا يشمل صورة العجز عن الخاص ودليل العام يشمل فتلقائيا يكون الاضطرار على مقتضى القاعدة. طبعا الاضطرار المستوعب او الاضطرار الغير المستوعب عند اليأس بالبيان الذي مر بنا. لان البيان الذي مر بنا حقيقة الاضطرار او الحرج ليس رافعة لمشروعية المأمور به الاختياري. هذه أنفس نقطة يذكرها المشهور حقيقة رفع الاضطرار وقاعدة الاضطرار ليس مخصصا والمخصص عندهم هكذا فكيف في الذي ليس مخصصا. إذاً مشروعية الاختياري على حاله ومشروعية الفعل الضررري على حاله لذلك يفتي المشهور انه لو نسي الضرر وغفل عنه واتى بالغسل الضرري يقولون انه صحيح بينما النايني استشكل. لأن موارد الضرر وقاعدة لاضرر ترفع مشروعية الامر الاختياري انشاء وفعلية بينما قاعدة لا ضرر والرفع عند القدماء تتصرف في مرحلة التنجيز في الحكم الاولي ولا تتصرف في المرحلة الفعلية والانشائية اذا حقيقة الاضطرار عند المشهور توسط في التنجيز وليست توسطا في التشريع. التشريع باق على حاله. الان كلامنا في الأدلة الأولية والصور الأربعة بحسب الأدلة الأولية.