الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/05/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الإجزاء

 

إشكالات الأدلة العامة على الاضطرار

كان الكلام في دلالة الأدلة العامة على مشروعية أو تشريع الاضطرار في بعض الوقت وكما مر بنا اختلاف الاعلام في هذا المبحث في الإجزاء في الأبواب الفقهية على وجود تشريع الاضطرار في بعض الوقت، فإذا وجد تشريع للاضطرار في البعض الأول من الوقت (اما الثاني الأخير لا كلام في دلالة الأدلة عليه) فيكون الاضطرار واقعيا وجواز البدار واقعيا. وإذا لم يوجد تشريع فيه فيتسمك باستصحاب بقاء العجز وإن الأدلة الشرعية اذا تدخل فيها دليل ظاهري في جانب الموضوع او جانب المحمول فالنتيجة تكون قضية شرعية ظاهرية فيكون الاضطرار ظاهريا لا يندرج في القسم الثاني بل يندرج في القسم الثالث. فالنزاع في الحقيقة يكون في كون الاضطرار واقعيا او ظاهريا.

مر بنا إشكالات السيد الخوئي: عنده إشكالات في الأدلة الخاصة واشكالات في الأدلة العامة. الاشكال الأول اشكال مشترك بين الأدلة العامة والخاصة وهو أن الاضطرار والعجز لا يصدق على المأمور به مع وجود القدرة على بعض الطبيعة ولو في آخر الوقت. الطبيعة الاختيارية مقدورة ولو في آخر الوقت فحينئذ لا يصدق هنا الاضطرار الموضوع في الأدلة الخاصة او الأدلة العامة. بعبارة أخرى إن ظاهر عنوان الاضطرار في الموضوع في الأدلة الخاصة او الأدلة العامة هو العجز المستوعب لكل الوقت وإلا لما صدق الاضطرار والعجز. نعم في الأدلة الخاصة اذا أتت معونة جديدة كما في أدلة التقية بحث آخر وكذلك في البعض الأخير يصدق الاضطرار لأنه سوف يسبب الفوت للمأمور به اما في البعض الأول فلا يصدق.

بل يقول السيد الخوئي إن ادلة الاضطرار «هذا بحث آخر غير اصل البحث» الخاصة او العامة لا تشمل الاضطرار بسوء الاختيار، يعني انه أوقع نفسه في الاضطرار. فإنها مختصة بغير الاختيار يعني شيء خارج عن اختياره لا انه أوقع نفسه في الاضطرار. هذه هي الجهة الثانية من البحث واختار السيد الخوئي أن ادلة الاضطرار العامة او الخاصة لا تشمل الاضطرار بسوء الاختيار إلا أدلة التقية. لانه لو أوقع نفسه في موقع تقية لا مانع من التقية. ادلة التقية شاملة وتشرع الاضطرار مطلقا أما في غير أدلة التقية فمجرد الأدلة العامة او الخاصة لا تدل على تشريع الاضطرار بسوء الاختيار ولو كان مستوعب الوقت. استثنى السيد الخوئي الصلاة لأنها عندنا لا تسقط بحال غاية الامر يأثم. خصوص الصلاة لها خصوصية أما غير الصلاة من ادلة الاضطرار لا تدل الأدلة على تشريع الاضطرار بسوء الاختيار. تأتي دلالة خاصة او معونة خاصة فنعم لكن نفس أدلة الاضطرار لا تدل.

الاشكال الثاني على ادلة الاضطرار أنها رافعة وليست مثبتة. طبعا كما مر بنا امس أن حديث الرفع الفقرة الأولى منه «ما لا يعلمون» اصل عملي أما الفقرات الأخرى قواعد فقهية وليست أصول عملية. وهذه القواعد الفقهية الخمس في حديث الرفع لكل قاعدة منها ألسن مختلفة في الروايات. حديث الرفع أحد الأدلة وألسن هذه القواعد الخمس. هذه نكتة لازم ان نلتفت اليه. مثلا حديث «لا ضرر ولا ضرار» لسان آخر من اثنتين من هذه القواعد وهلم جرا. المقصود هذه القواعد الفقهية لها ألسن مختلفة لكن المعنى واحد. هذه نكتة أخرى.

هل الرفع ظاهري في الفقرة الأولى وواقعي في الفقرات الأخرى او أن الرفع موحد في الفقرات السّتّ لسنا في صدد الدخول فيه. طبعا من طرق حديث الرفع رفع تسع فقرات والثلاث الأخرى أحكام شرعية وليست قواعد فقهية.

فالاشكال الثاني من السيد الخوئي أن حديث الرفع رافع وليس مثبتا. لم يبن السيد الخوئي على أن قاعدة الاضطرار اصل عملي بل يبني على أن لسان حديث الرفع رافع وليس مثبتا. هو يقول أن حديث الرفع مثل «لا ضرر» قاعدة فقهية رافعة وليست مثبتة. هذا هو البيان الذي يبنى فيه. هذا هو المشهور حتى الشيخ الانصاري تبنى عليه ومشهور القرنين الاخيرين. فحديث الرفع يرفع الحكم الأولي ولا يثبت الأمر بالناقص. مع الاضطرار الانسان سواء في كل الوقت او بعض الوقت لذلك هو يقول أن الاضطرار حتى في كل الوقت لا يشرع لنا الاضطرار والناقص. مثلا العاجز عن المأمور به الاختياري في كل الوقت لا تشرع أدلة الاضطرار المأمور به الناقص لأن أدلة الاضطرار رافعة وليست مثبتة واثباته تأتي من دليل أن الصلاة لاتترك بحال لا من هذه الجهة. فأدلة السيد الخوئي أيضا ثابت في الاضطرار المستوعب وليس في الاضطرار في بعض الوقت فقط.

الاشكال الثالث للسيد الخوئي أن قاعدة الميسور لم تثبت لدينا كي يثبت الامر بالاضطرار الناقص. لأن الاضطرار مأمور به ناقص. هذا مبنى ما ذكره السيد الخوئي وبنى عليه في الأبواب الفقهية كثيرا.

أما المشهور شهرة عظيمة حتى الى صاحب الجواهر والشيخ الانصاري وطبقات الفقهاء. عندهم ثلاث صور في الاضطرار لبعض الوقت فضلا عن الاضطرار المستوعب. الصورة الأولى لدى المكلف علم واعتقاد وجهل مركب انه عاجز في كل الوقت. التسمية بالعلم في هذه الصورة مسامحة أو عنده يأس واليأس حكمه حكم العلم. في هذه الصورة الاضطرار واقعي في بعض الوقت فضلا عن كل الوقت. يعني الاضطرار مشروع وواقعي ومجزئ. أما الصورة الثانية فإما ظن عنده او شك، الظن بالارتفاع او الظن بعدم الارتفاع. هذه الصورة عندهم الاختلاف لكن هناك جملة منهم يذهب الى أن الاضطرار واقعي وجملة يذهبون الى ظاهرية الاضطرار. الصورة الثالثة عند المكلف علم بارتفاع الاضطرار هنا لا يشمل الاضطرار عندهم لا واقعي ولا ظاهري.

إذاً يقسون حالات المكلف في الاضطرار الى ثلاث لا سيما في الصورة الأولى يجزمون على ان الاضطرار واقعي ومتفق عندهم سواء بالادلة الخاصة او الأدلة العامة. مشكلة المشهور كثيرا ما ان الوجه عندهم ليس مبيّنا.

نحن بنينا على ما بنى عليه المشهور بهذا الوجه. طبعا في مبحث البرائة في الدورتين السابقتين في الأصول وان شاء الله في هذه الدورة حديث الرفع نستفيد منه بحسب القواعد الثانوية قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور تماما ما بنى عليه المشهور. السيد محسن الحكيم في المستمسك يقول نبني على هذه القاعدة وإجماعية ولكن لا نبني على عمومها. لان الاجماع لبي فالموارد التي تمسك لها المشهور بقاعدة الميسور نتمسك والموارد التي لم يتمسكون بها لا يمكن لنا التمسك بها. لكن الصحيح ان قاعدة الميسور لسان آخر عن القواعد الخمس وسبب غفلة الاكابر ان تعدد الالسن مع وجود وحدة المعنى يسبب الغفلة. ما لا يطيقون عنوان آخر عن الحرج واختلاف العنوان قد يخادع كثيرا في القواعد الفقهية او المسائل الشرعية. الأدلة تحمل ألسن متعددة ولازم ان تنبه الفقيه الى وحدة المعنى ومنها هذه القواعد. قاعدة واحدة ربما لها خمسة أسماء. هذه نكات مهمة. هذه قدرة الوحي وبيانات المعصومين مثل بيان الامام الرضا ان البيان النبوي في الصلاة على النبي مقرونا بآله وجوب مسلم عند كل مذاهب المسلمين هو عبارة أخرى عن الشهادة الثالثة او اقتران الشهادة الأولى بالثانية بالثالثة. فيها ألوهية الله وفيها نبوة النبي وفيها إمامة الائمة لكن النبي أتاه بتحوير لفظي وهذا التحوير موجود الى ما شاء الله في اخبار الائمة علیهم‌السلام. المقصود هذه التحويرات نكتة مهمة سيما اذا كان المعنى المتحد ليس معنى استعماليا بل معنى تفهيمي وأكثر خفاء. المعنى المتحد ليس استمعاليا وليس تفهيميا بل معنى جدي والمعنى الجدي مستور بثلاث طبقات طبقة اللفظ وطبقة المعنى الاستعمالي وطبقة المعنى التفهيمي. من ثم الالتفات الى وحدة المعنى مثل التواتر المعنوي. تواتر لفظي واضح في اللفظ وتواتر معنى الاستعمالي سهل على كثير من الباحثين. الجموديون لا يرون حتى الاستعمالي لابد نفس القالب هيئة ومادة. فعندنا تواتر لفظي وعندنا تواتر معنوي في المعنى الاستعمالي وهذا سهل المأخذ وعندنا تواتر معنوي في المعنى التفهيمي وهو أكثر خفاء وعندنا تواتر واستفاضة معنوية في المعنى الجدي. فالتواتر المعنوي فيه أربع اقسام. مثل حديث صاحب العصر والزمان علیه‌السلام: «نحن حجج الله على خلقه وفاطمة حجة الله علينا» كتبه احد المجتهدين في كتابه التفسيري ولم يذكر مصدره. وإن كان الان يطبع في قم المقدسة لأحد علماء جبل عامل يذكر أن هذا الحديث له خمس طرق وهو من علماء عام الثامن او السابع ويذكر مصادره وبألفاظ متقاربة او متخالفة. هذا حديث هل له شبيه معنوي لا لفظي بالمعنى الاستعمالي او المعنى التفهيمي او المعنى الجدي؟ في الجزء الأول من كتاب مقامات فاطمة سلام الله عليها. قلنا ان هذا الحديث معنى تام ولا غبار عليه واعتمدت على طائفتين متواترتين او مستفيضتين معناهما نفس المعنى مثل الخلقة النورية لفاطمة سلام الله عليها. كيف هو معنى نفس المعنى؟ إن من نور فاطمة خلق احد عشر او الحسنين ثم التسعة ويدل على هيمنة كمال فاطمة سلام الله عليها على ولدها. بعض الأحيان الرواية الضعيفة هذا هو دورها. السيد محمد الروحاني. دائما يذكرنا على الفقه الرضوي وقلت هل تعتمد على الفقه الرضوي؟ قال هذا الكتاب ينبهني على كيفية الجمع بين طوائف الروايات. إثارة احتمال تصوري أقل فوائد الخبر الضعيف.

فعندنا تواتر او استفاضة لفظية وتواتر واستفاضة معنوية بالمعنى الاستعمالي وتواتر واستفاضة معنوي في المعنى التفهيمي وتواتر واستفاضة معنوي في المعنى الجدي وهذا أكثر خفاء. الاسفاضة أكثر خفاء من التواتر. هذه الشبكة المعنوية في عالم المعنى. فكيف بك اذا كان المعنى في مرحلة جد الجد وهو أخفى الأخفى كثير من الاستنباطات ليس من المعنى الجدي الأول بل هو من المعنى الجدي الثاني والثالث. انا اثبت هذا أن كثيرا من قيود وشرائط الاستصحاب مثل استصحاب العدم الازلي انه ليس استفادة من المعنى الجدي الأول. حتى الشهيد الصدر رفض استصحاب العدم الازلي وقال انه ليس عرفيا واشكاله ليس في محله لانه جدي ثالث. هذا الجدي الثالث بعد ألف سنة من الفقه استنبطه الفقهاء وصلوا اليه بسفن فهمهم. إذا كان المعنى الجدي الثالث وفيه تواتر معنوي فمن الذي يدركه الا المحققين. هذا هو طبيعة الاستنباط وهذا صعب للمترجلين. طبعا بالموازين. استصحاب العدم الازلي يقيم لها الميرزا القمي رسالة خاصة. أكثر الاستنباطات الأصولية تنظيرية متوغلة في التنظير لكن بالشواهد والأدلة. عندنا معنى جدي اول وثاني وثالث.