الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الإجزاء

 

الأدلة العامة والخاصة في الاضطرار لبعض الوقت

كنا في إجزاء المأمور به الاضطراري عن الواقعي في بعض الوقت. تقريبا في الاضطرار المستوعب لكل الوقت اتفاق على كونه مجزئا ووجهه سيأتي في القسم الثاني. إما يكون الاضطرار لبعض الوقت او مستوعبا لكل الوقت. الاضطرار المستوعب ذكروا أنه مجزئ وسيأتي والاضطرار في بعض الوقت وقع الاشكال وبالدقة ان الاشكال ليس في كون الاضطرار الواقعي لبعض الوقت مجزئا وانما الاشكال في كون الاضطرار في بعض الوقت ليس اضطرارا واقعيا بل اضطرارا ظاهريا. الخلاف بين الاعلام في القسم الأول بالدقة ليس في كون الاضطرار الواقعي في بعض الوقت مجزئا أو لا وان كانوا يبحثون عن الشاهد على إجزاء الاضطرار الواقعي في بعض الوقت ولكن النزاع المعروف عند الفقهاء او عند الأصوليين راجع الى ان هذا الاضطرار في بعض الوقت ليس واقعيا، غاية الامر يكون ظاهريا او تخيليا، لأن الأدلة الخاصة او العامة لا تدل على الاضطرار في بعض الوقت أنه واقعي الا في مورد التقية أو بعض الموارد الخاصة جدا والحج معروف وصحيح وعليه المشهور ولا يبعد أن السيد الخوئي في فتاواه يبني عليه.

فالمقصود هذا المطلب وهو ان النزاع في إجزاء الاضطرار في بعض الوقت بالدقة راجع الى اشكال في الأدلة الإثباتية هل الأدلة الإثباتية دالة على ان الاضطرار الواقعي موضوعه يكفي فيه العجز لبعض الوقت او لا. لا يخفى على الاخوان ان الكلام في بعض الوقت المتقدم وإلا الوقت المتأخر لا كلام في إجزائه، مثلا الانسان في بعض الوقت يقدر ان يتوضي الى أن مضى نصف الوقت وفقد الماء أو لا سامح الله عجز عن الركوع قائما لا كلام ان الصلاة او المركبات العبادية اذا كان الاضطرار في بعض الوقت المتأخر يجزئ لأن الأدلة تدل عليه. إنما الكلام والنزاع في أن الاضطرار في بعض الوقت واقعي او لا يكون في البعض الأول لا البعض الأخير. هذه النكات اثباتية يجب الالتفات اليها. الصور والتدقيقات يجب التدقيق فيها في الأبواب الفقهية. مثلا في الحج المرأة كانت متمكنة من الطواف وتوانت حتى فاجئتها الحيض فيجزئ أن تستنيب الطواف. الاضطرار إذا كان في البعض المتاخر لا كلام انه واقعي ويجزئ والاضطرار المستوعب لا كلام انه واقعي ويجزئ والنزاع وقع في الاضطرار في اول الوقت والبعض المتقدم. هل هذا الاضطرار واقعي او ظاهري؟ الواقعي يعني أن ادلة الاضطرار تشمله والظاهري يعني أن الأدلة لا تشمله وانما بالادلة الظاهرية ندرج هذا الاضطرار في الاضطرار المستوعب الى ان ينكشف الخلاف. نستصحب العجز الى آخر الوقت ويأتي المكلف بالعمل الناقص في أول الوقت ثم ينكشف وتتجدد القدرة في البعض الأخير. فيكون الاضطرار ظاهريا. جواز البدار أيضا ظاهري بناء على أننا لم نستظهر من أدلة الاضطرار انه شامل للاضطرار للبعض الأول من الوقت. إذاً هذا هو محل البحث

ما ذكره الاخوند وغيره من أربعة صور ثبوتية لتحليل البحث. ربما ذكرنا سابقا لماذا الاعلام بحثوا في الجانب الثبوتي في الاضطرار؟ هذه التحليلات من اين اتى بها الاعلام؟ لانه إذا تريد ان تقرأ متنا من متون الأدلة يجب ان تفهمه بالتفهم لا ان تأخذه على إبهامه. «ليتفقهوا» أي ليتفهموا. فرق بين من يكون حافظ السماع وبين حافظ المعنى. حفظ المعنى يعني تحليل المعنى. وفوق كل ذي فهم فهم وفوق كل ذي علم في الفهم. كما يقول ربما حامل فقه الى من هو افقه منه. يشير الى أن طبيعة المسير العلمية الى الافقه فالافقه. «الحكم ما حكم به أفقههما» أي أفهمهما. أما بدون الفهم يعني بدون التحليل. عجيب أن الجو صاعدة الى ان لا تعمل الفهم والتحليل. علم المعاني كله تحليل والبلاغيون ليسوا عرفاء او صوفية. لا يكفي ان تأخذ المفردة اللغوية من الكتب اللغوية بل لابد ان تحلحلها بالعلوم الأخرى كالنحو والصرف وعلم المعاني وبعده علم الأصول. لماذا اسسوا علم البلاغة؟ لهذا الجانب للتحليل. لابد من ذلك والا يكون مسلك الاخباري. التغمص كثير والحقيقة قليلة.

لاحظ أن الاصوليين في مبحث الأجزاء قالوا إن الاضطرار سواء في كل الوقت او بعض الوقت مقسم الى الاقسام الأربعة. وان اوهم كلام جملة من الاعلام انها خاصة بالاضطرار لبعض الوقت. كما أن البحث الاثباتي السيد الخوئي خصصه لاستيعاب كل الوقت لكنه تسامح إما من المقرر او من السيد الخوئي. هذا البحث الاثباتي الذي ذكره الاخوند شامل لكلا البحثين. نفس البحث في الصور الأربعة ثبوتا سيان في الاضطرار لبعض الوقت او كل الوقت بلحاظ القضاء. فالصورة الأولى سواء لكل الوقت او بعض الوقت أن يفي بالغرض تماما ثبوتا والصورة الثانية ثبوتا أن يكون الاضطرار في بعض الوقت او كل الوقت يفي لبعض الملاك ويمتنع استيفاء البعض الاخر. والصورة الثالثة لا يمتنع لكن ما يبقى من الملاك مستحب والصورة الرابعة التي قال باستحالته السيد الخوئي والنائيني أن يبقى بعض الملاك بدرجة الإلزام وهو يقتضي ضميمة الاختياري داخل الوقت او خارج الوقت على ما بنينا. قال العلمان بأنها مستحيلة ومر بنا انها ليست مستحيلة. هذا بلحاظ الثبوت. الاضطرار الواقعي في بعض الوقت او كل الوقت ثبوتا اربع صور سواء الاضطرار لبعض الوقت او الاضطرار المستوعب لكل الوقت الادائي لان الاضطرار المستوعب لكل الوقت الادائي له لاحق وهو القضاء. إنما أعيد فهرسة البحث ليكون لدينا سيطرة على البحث.

أما الإثبات فإما بلحاظ الأدلة العامة او بلحاظ الأدلة الخاصة وهذا بحث ابتلائي في كل أبواب الفقه في العبادات وغيرها لاسيما العبادات. فعلى أية حالة السيد الخوئي في الأدلة الخاصة يقبلها في التقية لان التقية موسعة ويقبلها في خصوص الطهارة الترابية إذا كان عاجزا عن الطهارة المائية في الصلاة السابقة. مثلا صلى صلاة الظهرين بالطهارة الترابية ودخل على المغرب ولم ينقض تيممه هنا السيد الخوئي يقول يسوغ له المبادرة واقعا لصلاة المغربين. كان مضطرا في صلاة الظهرين الى الطهارة الترابية ودخل في المغرب وهو على عجزه هنا يسوغ له المبادرة الواقعية للنص الخاص. نفس الكلام بالنسبة الى صلاة الليل والفجر. ثم إذا صلى المغربين تجددت له القدرة على الماء السيد الخوئي يقول يجزئ. يقول السيد الخوئي هنا النص الخاص موجود. في التقية الامر واضح. في اول الوقت يدعم التقية أن يتوضئ وضوء العامة أمام العامة اذا كانوا مسيطرين مثل الضغط الأمني. يعني التقية المداراتية في الصلاة الجماعة معهم موجود لدينا. تقية مداراتية لا يشترط فيها الضغط الأمني. عندنا تقية مداراتية في مخالطتهم وتشييع جنائزهم وعيادة مرضاهم يعني الخلق الحسن لكن التكتف لاجل التقية المداراتية لم ترد أو قول لفظة آمين تبطل الصلاة. نعم إذا كانت التقية خوفية يعني الضغط الأمني التكتف او القول آمين او الوضوء بوضوء العامة عندنا نص وارد. أما التقية المداراتية للوضوء ما عندنا نص فيه. هذه نكتة مهمة في تشريع التقية المداراتية. في التقية الخوفية لا اشكال في أنك مع أن الوقت ليس ضيقة وفي اول الوقت تذهب الى المسجد وتوضؤ عندهم وتصلي عندهم للتقية. مع ان الوقت ليس ضيقة وتعلم ان التقية ليس مستوعبة لكل الوقت مع ذلك جائز ومجزئ. للنصوص الكثيرة فيه على ان التقية في بعض الوقت كاف حتى لا يشترط فيه عدم المندوحة يعني عدم السعة. يعني اذا كانت بإمكانك ان تتوضؤ في البيت او تصلي في البيت وبعده تصلي معهم ليس ضروريا ولو في الوضوء خلاف الاحتياط. إذاً في التقية نص خاص على تشريع الاضطرار في بعض الوقت. نصوص وافرة. هذه بالنسبة الى التقية إما بالنسبة الى الطهارة الترابية السيد الخوئي يقبل النصوص الخاصة فقط في هذه. لكن سبق انه بالنسبة الى الحج الأدلة في كل اعمال الحج يكفي الاضطرار لبعض الوقت. الان حملة جاء من الفندق وتريد ان تطوف وهذه المرأة صعب عليها هي بالتالي لما لا تستطيع يسوغ لها ان تستنيب. تحتاط وتشق على نفسها بحث آخر. لكنه تسوغ عليها. أعمال الحج عموما النيابة في الاضطرار في بعض الوقت كاف ولا يشترط في الحج ان يحرز بقاء الاضطرار في كل الوقت. لا سيما في أعمال الحج في فترة يشتد الطواف وفي فترة يشتد السعي او الجمرة. وهذا الشخص إذا يريد ان يطوف يمكن له السكتة القلبية. يمكن ان يستنيب. الاضطرار درجات والحمل أفضل من النيابة لأنه في الحج ست او سبع مراتب من الاضطرار في كل عمل الحج. المفروض ان الاخوان يدققون والاضطرار في بعض الوقت كاف وفيه نص خاص.

النصوص العامة ما الدليل على ان الاضطرار في بعض الوقت كاف؟ السيد الخوئي الأدلة العامة يعني العناوين الثانوية. رفع النسيان ورفع ما اضطروا او قاعدة الميسور يدل على إجزاء الاضطرار في بعض الوقت. هذه الأدلة يشكل عليه السيد الخوئي بإشكالين. هذان الاشكالان اشكالان معروفان عند الأصوليين المعاصرين. الاشكال الأول ان الاضطرار لا يصدق على الاضطرار في بعض الوقت. هو أمر بما بين الحدين. فكيف يصدق الاضطرار او ما لا يطيقون او الحرج؟ لأنه لم يأمر بخصوص بعض الأول بل امر بصلاة ما بين الزوال والغروب. هذا اشكال وجيه وقوي. أصلا موضوع الأدلة الثانوية لا يصدق. لان المأمور به اقم الصلاة من دلوك الشمس الى غسق الليل وهو ليس مضطرا في كل الوقت ولا يصدق عليه العاجز. وإن صدق الاضطرار لبعض الوقت والعجز في بعض الوقت لكن هذا عجز عن بعض أفراد المأمور به. ما عجز عنه ليس مأمورا به. المأمور به طبيعي كلي ما بين الحدين ويصدق على الافراد الاختيارية. هو مأمور به كل الطبيعي وفي مقام المأمور به ليس عاجزا والمدار هو العجز عن المأمور به الكلي. اذا الأدلة الثانوية لا يمكن الاستناد اليه.

الاشكال الثاني عند السيد الخوئي أن أدلة الرفع أدلة ثانوية هي رافعة للحكم وليست مثبتة للحكم. يعني افترض انك عاجز فيرفع عنك وجوب الطواف والصلاة بالطهارة المائية فما الذي يثبت لك الطهارة الترابية؟ ادلة الرفع ليست مثبتة. الإخوان لا يخفى عليهم ان حديث الرفع أصل عملي او قاعدة فقهية؟ معروف في رفع ما لا يعلمون اصل عملي لكن في رفع الخطأ ورفع النسيان والاضطرار وغيرها قواعد فقهية وليست أصول عملية. هذه من بحوث اسرار علم الأصول عند الاعلام. حديث الرفع ليس كله على مستوى واحدة. إنما هو أصل عملي في ما لا يعلمون. أما في بقية الفقرات قواعد فقهية بل حديث الرفع ورد بمتون متعددة بفقرات متعددة. تارة فقرة واحدة وتارة فقرتان وتارة ست وتارة سبع وتارة تسع. كالطيرة والوسوسة في الخلق ليس قواعد فقهية أيضا. هي مسائل في الأحكام الشرعية. فحديث الرفع مزيج من المسائل الشرعية والقواعد الفقهية والاصل العملي في ما لا يعلمون. ليس على مستوى واحدة.تتمة ان شاء الله غدا.