الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الإجزاء

 

صور الاضطرار الواقعي واحكامها

كان الكلام في القسم الثاني وهو إجزاء المأمور به الاضطراري عن المأمور به الاولي الواقعي وأن الاضطرار هو كون المأمور به ناقصا ومر بنا أنه ربما يكون الاضطرار فيه حيثية ظاهرية وهو صورة اضطرار فبالتالي تلك الحيثية حيثية ظاهرية وليست حيثية الاضطرار.

من المسائل المهمة عند الفقهاء والاصوليين في بحث الاضطرار قضية جواز البدار والمبادرة والمسارعة للمجيء بالمأمور به الاضطراري الناقص في اول الوقت سواء في باب الصلاة او باب الحج او الأبواب الأخرى. فالبدار الواقعي يعني ان الامر الاضطراري واقعي وأما إن كان البدار ظاهريا لا محالة سوف يكون الامر الاضطراري ظاهريا يعني إذا أحرز موضوعه او محموله بتوسط الدليل الظاهري فلامحالة يكون واقعه ظاهريا. هذه نكتة مهمة تلازم جواز البدار مع الامر الاضطراري، إن كان الأمر الاضطراري واقعيا فيكون جواز البدار واقعيا وان كان الامر الاضطراري فيه حيثية ظاهري فيكون جواز البدار ظاهريا. فإذاً اصطلاح جواز البدار الظاهري عند الفقهاء في الأوامر الاضطرارية الناقصة يراد به انه لم يحرز الاضطرار الا بدليل ظاهري إما موضوعا او محمولا، فتمييز الاضطرار الظاهري عن الاضطرار الواقعي نكتة مهمة. الاضطرار الظاهري يرجع الى القسم الثالث هذه نكتة لابد ان نلتفت اليه وربما تتضح اكثر فاكثر من خلال البحث.

نكتة أخرى في هذا المجال أن الاعلام قسموا إجزاء الاضطراري عن الواقعي التام الى ان الاضطرار يرتفع في داخل الوقت وتتجدد لدى المكلف القدرة فهل الاضطرار الواقعي داخل الوقت يجزئ عن المأمور به الواقعي التام ام لا؟ هذا هو الشق الأول من القسم الثاني.

الشق الثاني من القسم الثاني هو الاضطرار المستوعب للوقت. هل المأمور به الاضطراري المستوعب الوقت هل يجزئ عن الواقعي بحيث لا يلزم المكلف القضاء او لا؟ فهنا شقان في الاضطراري الواقعي. الاضطرار في بعض الوقت ليس ممتنع فرضه أن يكون الاضطرار في بعض وقت الأداء هل يجزئ عن الامر الاولي التام في نفس الوقت وهل يسقطه ام لا يسقطه؟ هذا هو الشق الأول. كان غير واجد للماء وافترض ان عدم وجدان الماء ولو في بعض الوقت الأدلة دالة على جواز الطهارة الترابية فصلى بالتيمم فهل يجزئ عن الصلاة بالطهارة المائية او لا بد ان يعيد في داخل الوقت بعد ان تجدد القدرة وزال الاضطرار؟ والاضطرار واقعي. الصورة الثانية الاضطرار مستوعب لكل الوقت هل يجزى عن الامر الواقعي بحيث يرفع الفوت وموضوع القضاء. هذه هي الصورة الثاني في القسم الثاني من الاضطرار الواقعي.

هذا البحث في الصورتين سيما في الصورة الأولى يتصور على انحاء وصور. الشق الأول يتصور على أنحاء ثبوتا. لماذا يقحم الأصوليين او الفقهاء انفسهم في البحث الثبوتي ولماذا لا يعالجون اثباتا بالاطلاق او شيء آخر؟ لماذا يقدمون البحث الثبوتي ثم ينتقلون الى البحث الإثباتي؟ هذا هو دأب الأصوليين والفقهاء. مثلا في الصحيح والاعم وهو البحث في المركب الشرعي بحثوه ثبوتا وإمكانا وبعد ذلك يبحثون في الاطلاق وثمرة الصحيح والاعم هو التمسك او عدم التمسك بالاطلاق. يستقدم الاصوليون في كل مباحثهم البحث الثبوتي على البحث الاثباتي. لماذا؟ هذه نكتة صناعية لابد أن نلتفت اليها. الفائدة الصناعية ان التمسك بالاطلاق او التقييد وظاهر الأدلة فرع معرفة ماهية المعاني. الاطلاق حالة عارضة ذات المعنى هل هو مطلق او مقيد. فنفس المعاني إذا لم تكن واضحة تقررا يعني معاني الجنس والفصل والفصل الأخير وسلسلة الفصول وسلسلة الاجناس كيف يمكن القول بالاطلاق او عدم الاطلاق او الظهور؟

البحث الثبوتي او منهج التحليل متميز به المحقق الحلي والمحقق الكركي. هذان العلمان هما نجمان في هذا المنهج. عملية تحليل المعاني. انظر نكت النهاية تعليقة من المحقق الحلي على نهاية الشيخ الطوسي مع ان النهاية فتاوى بلفظ وقالب متون الروايات. يعني العلاجات الفقهية ليست كما في المبسوط. حالة أدلة خام مثلا بدون قولبة الأدلة مع بعضها البعض وبدون توليف الأدلة ليس بدرجة المبسوط. إن تلاحظ تعليقة المحقق الحلي نادرا ما يذكر السند او الطريق بل الكلام في المعنى ويحلل المعنى وفرض المسئلة وارتباط هذه المسألة بالمسألة الأخرى وتحليل المعاني. هذا منهج المحقق الحلي. هذا المنهج في الحقيقة يصب في نفس المطلب ان البحث الثبوتي مقدم على البحث الاثباتي وهذه نكتة مهمة أنها ليست هلوسة واستحسانات. مثلا هذا المعنى لغويا كم معنى فيه لابد ان تفحص كلمات اللغويين وتتدبر حتى يتضح لديك عناصر المعنى. فبالتالي إذاً منهج التحليل وتحليل المعاني الواحدة الى عشرة معان او أربعة معان بحث ثبوتي. هذه نكتة مهمة. ومر بنا أن الاطلاق ستة اقسام او سبعة؛ أحد معاني الاطلاق هو الاطلاق الثبوتي او يعبر عنه الاطلاق السعي الذاتي . يعني إطلاق سعة الذات نفسه. وهذا مقدم على الاطلاق اللحاظي والدلالي. لأن هذا هو الأصل، المعنى اذا لم يكن فيه سعة ذاتا فلا تصل النوبة الى سعة اللحاظ والسعة في الدلالة. فإذاً نكتة مهمة جدا ان البحث الثبوتي التحليلي مقدم على البحث الإثباتي.

نرجع الى بحث الاعلام. في الشق الأول من القسم الثاني هو الاضطرار في بعض الوقت. قالوا ان الاضطرار في بعض الوقت يتصور على أربعة صور ثبوتا. فيعينون إمكانية ثبوتية كي يرون ان الاثبات يشير الى أي صورة ثبوتية هذه أهمية البحث التحليلي العقلي ليستعين باللغة والشواهد الأخرى والعقل مثل باب الماهيات والكليات الخمس. نفس ابن سينا عنده في برهان الشفاء وحتى برهان الإشارات وبرهان منطق الظفر ان البرهان اهم خطوة فيه هي هذه الخطوة يعني تحليل المعاني الوحدانية بكلياتها المنطوية فيها. كي حينئذ تكون في وفرة من الاستظهار من الأدلة.

مثلا قاعدة الشعائر قليل من الفقهاء كتب فيها مع ذلك يتمسكون بها في أبواب فقهية كثيرة طبعا هناك موسوعة من احد عشر مجلدا لاربعين مجتهدا او فقيه او مرجعا كتبوا في الشعائر الحسينية في مجموعة رسائل في الشعائر الحسينية. هناك بحث قاعدة الشعائر بنحو الاستدلالي اجتهادي ومبسوط معمق كبير يعني وفرة بحمد الله تراكم جهود جيدة. هذه الرسائل كتبت في مأة سنة. بسبب تشنج علمي بين السيد محسن الأمين واطراف النجفية في قباله. والا قبله كان قليلا من كتب في الشعائر. أحد أسباب الغموض في قاعدة الشعائر أن هذه الخطوة التحليلية قليل الجهود في إنجازها وما هو التحليل الثبوتي لهذا المعنى. «من يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب» اول خطوة خطيرة هي هذه. بحيث انت تتوفر من هذا العنوان على خمس او ستة عناوين لها ادلة متوفرة بسبب تحليل المعنى. المقصود هذه الخطوة مهمة ولها أهمية في مراحل الاستنباط كمنهج.

نرجع الى الاضطرار في بعض الوقت ثبوتا أنه أربع صور. الصورة الأولى من الشق الأول أن يكون الاضطرار في بعض الوقت وافيا بكل الغرض. حينئذ اثباتا واضح انه مجزئ. فيكون الناقص في ظرف الاضطرار وافي بكل الغرض كالكامل. هذه بالنسبة الى الصورة الأولى. الصورة الثانية ان يكون الاضطرار غير واف لكل الملاك لكن الباقي غير ممكن الاستيفاء. ينسد الطريق إذا أتى المكلف بالاضطرار الواقعي في بعض الوقت عن استيفاء الباقي. هذه الصورة تقتضي الإجزاء وإن كان الملاك لم يستوفى بتمامه لكن الاستيفاء ممتنع. الصورة الثالثة ثبوتا ان الاضطرار في بعض الوقت لا يستوفي تمام الغرض ويبقى بعض الغرض غير لازم الاستيفاء هذه الصورة أيضا تقتضي الإجزاء. يبقى من الملاك شيء يسير ممكن الاستيفاء لكن استحبابي وبقدر المستحب. هذه تقتضي الإجزاء ولا تمنع الإعادة. الصورتان السابقتان تقتضيان الإجزاء لكن تمنعان الإعادة الا على البحث السابق. الصورة الرابعة وهي ان يبقى من لملاك ما يمكن استيفاءه ويكون بدرجة الالزام. واضح انها لا تقتضي الإجزاء فلازم أن يعيد في الوقت. هذه الصور ثبوتا. بعض الاعلام احصوا الصور ثبوتا اكثر لكن عمدته هذه الصور. كيف يبحث الجانب الاثباتي في الأدلة؟ في الشق الأول من الاضطرار وهو الاضطرار الواقعي في بعض الوقت لا الاضطرار المستوعب لكل الوقت.

كلمة ونختم: ان الاثبات بلحاظ الأدلة العامة في الاضطرار شأن والاضطرار في كلا الشقين بلحاظ الأدلة الخاصة شأن آخر. يجب ان لا يتوهم الباحث ان الاضطرار في الأدلة اثباتا على وتيرة واحدة. الأدلة الخاصة غير الأدلة العامة.