44/04/28
الموضوع: باب الالفاظ، مبحث الأوامر، الإجزاء
جهات متعددة في الإجزاء
كنا في مبحث الإجزاء وهو على ثلاثة اقسام كما مر إجزاء المأمور به سواء الامر الواقعي او الاضطراري او الظاهري عن نفس أمره. هذا هو القسم الأول والقسم الثاني إجزاء الامر الاضطراري عن الواقعي والقسم الثالث إجزاء الامر الظاهري عن الواقعي.
هذه المسألة حيثية البحث فيها عقلية. قد يسائل أنه كيف عقلية والحال ان البحث في المقام الثاني الاضطراري عن الواقعي بحث ليس عقليا بل بحث تعبدي شرعي واستظهار في الأدلة فكيف يقال أنه عقلي؟ هل أدلة الاضطرار دالة على الإجزاء عن الواقعي أم لا؟ القسم الثالث أيضا هكذا هل أدلة التعبد بالأحكام الظاهرية دالة على الإجزاء عن الواقع أم لا؟ نعم في القسم الأول البحث عقلي. على كل صحيح أن البحث في القسم الثاني والثالث تعبدي وشرعي لكنه ينضم اليه بحث عقلي بمثابة البحث الكبروي كما سيتبين. البحث كبرويا عقلي. في القسم الثاني والثالث هناك تعبدي جدي لكنه ينضم كصغرى الى البحث الكبروي العقلي. لا ضير في البحث الواحد قد يكون حيثيات منه عقلية وحيثيات منه شرعية ولا مانع منه.
المهم في مباحث الألفاظ خمس مسائل عقلية بل هي أكثر طبعا. خمس مسائل عقلية يعبرون عنه الاحكام العقلية غير المستقلة الإجزاء والتضاد واجتماع الامر والنهي واقتضاء النهي الفساد ومقدمة الواجب. خمسة مسائل أساسية ذات عناوين وأبواب والا المسائل العقلية والاحكام العقلية في مباحث الالفاظ لا تقتصر على هذه الخمسة كما في بحث الصحيح والاعم أو المشتق وغيرها زوايا عقلية كثيرة حتى في دلالة الامر على الوجوب هناك من يذهب الى حكم العقل كما مر بنا او التعبدي والتوصلي بحكم العقل مثلا. فإذاً قصر الاحكام العقلية في الالفاظ على انها خمسة من باب أنه احكام ذات عناوين وابواب وفصول اما الاحكام العقلية المتناثرة في الالفاظ الى ما شاء الله كثيرة. يوميات الأصول في الالفاظ مشحونة بالاحكام العقلية بالانضمام الاحكام الشرعية.
مر بنا قاعدة تلازم حكم العقل النظري مع حكم العقل العملي وإن لم يتنبه بذلك كثير من الفلاسفة لكن فيهم من تنبه عليه ومن المتكلمين وهذا بحث طويل موطنه في الحجج وفيها تم التنبيه على أن كل ما حكم به العقل ليس خصوص العملي بل يشمل النظري. كثير من الأمور التي يبني على حجية العقل ليس المراد خصوص العقل العملي بل يشمل العقل النظري. الان مبحث مغايرة العقل النظري والعملي بحث طويل واجمالا هذا المقدار نكتفي به. طبعا الأصوليون ذكروا ان هذه الاحكام العقلية الخمسة في الالفاظ هي احكام عقلية غير مستقلة طبعا النائيني عندما يعبر عنها مراده العقل النظري. هذه الاحكام الخمسة بالدقة احكام للعقل النظري. مقدمة الواجب والإجزاء واجتماع الامر والنهي والضد واقتضاء النهي الفساد احكام العقل النظري. احكام العقل العملي حسب تصوير الميرزا النائيني هي ذاك الذي يبحث عن كلما حكم به العقل حكم به الشرع. لكن الذي ذكره النائيني عمدتا صحيح لكنه بشكل تام وكامل ليس بصحيح. لأنه في بحث مقدمة الواجب أقحم العقل العملي وكذلك باقي الخمسة استدل فيها بالعقل العملي. هذا هو الشاهد على ما مر بنا انه بين العقل العملي والنظري تزاوج وجهان لحقيقة واحدة.
ليس مرادنا كما ادعى ابن سينا وقرره المظفر وخواجة نصير الدين الطوسي أن العقل قوة واحدة وإنما تقسيمه الى العملي او النظري بلحاظ المدرَك لا بلحاظ القوة المدرِكة. طبعا ابن سينا في بداية حياته الفلسفية يقر ما يقر به ما تقدمه مثل فارابي ان العقل قوتان وهو الصحيح أن العقل قوتان. البحث طويل سبق ان حررناه بشكل مفصل في الدورتين السابقتين وفي كتاب العقل العملي.
فإذاً ماذا المقصود من التلازم؟ يعني أنها قوّتان زود الله الانسان بهما وعبرهما يستطيع الانسان ان يدرك الحقائق فكل حقيقة يمكن أن تدركها بالعقل العملي او العقل النظري. إمكانية موجودة لدى الانسان ان يدرك كل شيء بتوسط العقل العملي او النظري. الحديث طويل.
فإذًا مبحث الإجزاء مبحث من البحوث العقلية ولكن لندقق إتيان المأمور به يقتضي الإجزاء هذه المعادلة الأساس الأم الموجود في مبحث الإجزاء. هذه المعادلة اذا ندقق فيه هي في الحقيقة حكم عقلي وهذا الحكم العقلي بالدقة هو حكم أو أثر لمرحلة الامتثال، لأنه فرض فيه الإتيان. إذاً مبحث الإجزاء يقع في مراحل الحكم في مرحلة الامتثال. حجية الحكم الظاهري والحجج والامارات تقع في مرحلة التنجيز. حجية خبر الواحد وحجية الظنون والظهور في مرحلة التنجيز إذا قارنّا بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي. فبلحاظ الحكم الفقهي مثل وجوب الصلاة مبحث الحجج في الأمارات يقع في مرحلة التنجيز. هذا بمقايسة الحكم مع حكم آخر. مقايسة حكم عقلي مثلا إتيان المأمور به يقتضي الإجزاء مع الحكم الواقعي يكون هو في مرحلة الامتثال فالامتثال مرحلة الحكم الواقعي وحكم الإجزاء العقلي يقع في مرحلة الإمتثال في الحكم الواقعي وإلا فنفس الحكم العقلي له مراحل. هذه دقائق اذا لا يلتفت اليه يحصل الخلط في المباحث الأصولية. كذلك عندما يقال أن الحجج الظنية والحكم الظاهري تقع في مرحلة التنجيز بمعنى تنجيز الحكم الواقعي لا مرحلة تنجيز الحكم الظاهري. والا فنفس الامارات كحكم شرعي ظاهري أيضا لها مراحل. إنما قيل عن الاحكام الظاهرية والحجج أنها في مرحلة التنجيز بلحاظ الحكم الواقعي في مرحلة تنجيز الحكم الواقعي وإلا هي في نفسها كحكم شرعي لها مراحل كحكم شرعي ظاهري. حجية خبر الواحد في نفسه له مراحل انشائية ومراحل الفعلية والتنجيز والامتثال وبحثه الاعلام. إنما إذا قايسنا دليل الامارة ودليل حجية خبر الواحد والظهور نقول هو يدخل على الخط مع الحكم الواقعي في مرحلة تنجيز الحكم الواقعي وهذا هو الذي مر بنا من أسرار علم الأصول أن نلتفت الى الارتباط وأين الارتباط.
مثلا إتيان المأمور به يقتضي الإجزاء حكم عقلي يدخل على الخط في الحكم الواقعي في مرحلة الامتثال امتثال الحكم الواقعي لا امتثال الحكم العقلي. لأن نفس هذا الحكم العقلي له مراحل في نفسه. يجب ان نلتفت اليه. فاذا ترابط الاحكام الشرعية مع الشرعية او الواقعية مع الواقعية او الواقعية مع الظاهرية او الظاهرية مع الظاهرية او العقلية مع العقلية او العقلية مع الشرعية أحدها كيف يرتبط وفي أي مرحلة يرتبط والحكم في نفسه له مراحل.
لماذا عبر الاعلام إتيان المأمور به يقتضي الإجزاء عن الامر نفسه. المأمور به الواقعي عن الامر الواقعي والمأمور به الاضطراري عن الاضطراري او المأمور به الظاهري عن الظاهري؟ لماذا عبروا بالاتيان ولم يعبروا بالامتثال؟ نكتة فيه. الاتيان وجود خارجي والامتثال شيء آخر. فبحثوا في كلمة كلمة. الاتيان يقتضي الإجزاء. بعض أضاف «على وجهه» فبحثوا كلمة كلمة في هذه المعادلة العقلية.
لماذا عبروا عنه بالاتيان؟ لأنه قد يأتي الانسان بالمأمور به لكنه ليس من الضروري ان يحصل الامتثال فيمكنه أن يبدل الاتيان بإتيان آخر فيكون الاتيان الآخر هو الامتثال. تبديل الاتيان شيء وإن عبر كثيرون بتبديل الامتثال بالامتثال. في الحقيقة بحثوا في نفس هذا القسم الأول عن حكم آخر ومسألة أخرى عقلية. الكلام في أن الاتيان على وجهه يقتضي الإجزاء هل يعدم إمكانية تبديل الامتثال؟ تبديل الامتثال او ما هو اعم من تبديل الامتثال يعني التكرر والامتثال بعد الامتثال او يقال تكرر الامتثال. فيه تبديل الامتثال وفيه الامتثال بعد الامتثال. هذان خياران. بحثوا في هذه الجهات. إذًا فيه فرق بين الاتيان والامتثال. البعض قال انه إذا حصل الامتثال يسقط الامر لأن الامتثال علة تامة لاسقاط الامر وانعدام الامر. هذه الدعوى صحيحة او لا بحث آخر لكن معروفة لدى جلمة من الباحثين. اما الاتيان اول الكلام. مثلا إذا طلب المولى الماء وشربه وبعده التفت العبد ان هناك ماء عذبا بنكهة ورائحة معينة فتأتي بكأس آخر بدل هذا الكأس هنا مثلا إتيان بعد الاتيان او الامتثال بعد الامتثال. فهنا أن البحث في أن الاتيان يقتضي الإجزاء جر البحث في مسألة أخرى وهي إمكانية بقاء الامتثال بعد الامتثال وهذا طبعا يثمر في الأبواب الفقهية كثيرا لا سيما في العبادات. فإذًا البحث في اتبان المأمور به على وجهه يقتضي الإجزاء. هل الاتيان هو الامتثال يسد الطريق على مجال تبديل الاتيان بالاتيان؟ او لا يسد؟ او قلنا انه امتثال هل الامتثال يسد الامتثالات الأخرى لنفس الامر؟ هذا له ثمرة في أبواب الفقه. المأمور به على وجهه. لماذا قيل على وجهه. قالوا ان المأمور به المركب ليس من الضروري ان يكون كل اجزائه وقيوده وشرائطه شرعيا بل بعضها عقلية او بعضها متمم الجعل وليس مأمورا به بالامر نفسه بل مأمور به لأمر آخر. ولا يسقط الغرض بالمأمور به الأول. لابد من ضميمة المأمورين مع بعضهما البعض كي يحصل الغرض. فإتيان المأمور به في الامر الأول في متمم الجعل لا يسقط ولا يقتضي الأجزاء اذا كان في البين متمم الجعل او اذا كان في البين حكم عقلي. صاحب الكفاية ذهب الى ان اعتبار قصد الامر عقلي. الان نقاش السيد الخوئي انه لا يبني هذا المبنى غير صحيح لأن المفروض ان يستوعب كل النظريات وكل المحتملات. يمكن أن يأخذ العقل قيدا آخر في المأمور وليس الكلام في قصد الامر. فلاحظ إتيان المأمور به على وجهه. أي مأمور به؟ المأمور به بالأمر الأول فقط او المأمور به بالجعل المركب ومتمم الجعل؟ او قل علي وجهه سواء على وجهه بالتعبد الاخر الشرعي او على وجهه الاحكام العقلية والقيود العقلية التي يأخذها العقل في المأمور به. اذا صرف المأمور به شرعيا ليس من الضروري ان يقتضي الإجزاء لابد على وجهه العقلي او الشرعي. فهذه عناوين كلها فيها مداقة. الاتيان والمأمور وعلى وجهه. الصلاة الأدلة الخاصة فيها ليس فيها التشهد بالشهادة الثالثة. وليكن. لكن فيه ادلة عامة أخرى تقول أن أي عمل بدون الشهادة الثالثة ليس بصحيح. إتيان المأمور به لا يكفي لابد من ضميمة ادلة أجنبية صورة لكن لبا الغرض واحد. نفس فكرة متمم الجعل. لاتكتف بالفحص عن الأدلة الخاصة في صحة الامر والمأمور به وفي سقوط الامر والإجزاء لا يكتفي. الأدلة الخاصة هي شطر من البحث أيضا لابد من الأدلة العامة وغيرها من الأدلة.