الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/04/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ، مبحث الأوامر، الفور والتراخي

 

أنواع الفور والتراخي ومتمم الجعل في الغرض

دلالة لفظ العموم على كونه عموما بدليا او استغراقيا او مجموعيا. يعترف الأعلام أن بعض الألفاظ موضوعة لنوع من العموم مثل «أي» لكن لفظة «كل» يمكن أن يستخدم في الاستغراقي والبدلي وفيه ألفاظ يمكن ان يستخدم في المجموعي او الاستغراقي مثل «جميع» هنا أيضا نفس الكلام ذكروا أن تحديد العموم بأداة العموم التي لم توضع لنوع خاص من العموم بل إنما وضعت لمطلق العموم، تحديد نوع العموم المدلول عليه بالأدلة يكون بتوسط الغرض الذي مر بنا امس. فقضية الغرض ليس متكلفا بل منصوص عليه بتوسط العمومات الفوقانية والأصول التشريعية الفوقية. المحقق الحلي دائما يستدل بها يقول هذا موافق لأصول المذهب وليس مقصوده عقائد الدين بل الأصول التشريعية الفوقية. فعلى أي تقدير كيف هنا في العموم ذكروا الغرض مع ان الغرض ليس قيدا للوجوب ولا المتعلق ولا الواجب هذا يعزز ما مر بنا في التعبدي والتوصلي أن الأدلة الخاصة في المركب او في القضية الشرعية ليس بالضروري ان تكون متكفلة لكل شئون الشيء كم من دليل آخر لا صلة له بالقضية القانونية الشرعية الا انه يحدد لك شئونا في المركب شبيه متمم الجعل.

اذا فمن الضروري الالتفات الى ان طبيعة الأدلة وقضايا القانونية مترابطة لا أن مجرد خروجها عن قالب وإطار القضية القانونية للشيء فأجنبية بالمرة. ليس هكذا بالضرورة. مع انها خارجة لكن يربطها بالقضية وحدة الغرض وتحديد الغرض. فإذاً دأب الاعلام ليس فقط في التعبدي والتوصلي أيضا هنا ما يذكرون في تحديد نوع الواجب بالغرض واضح أن الجعل لا يستتم الا بمجموع متممات الجعل. فلا يستغرب الانسان أن الدليل العام يتصرف في جعل تشريعي خاص. يمكن من قبيل متمم الجعل او ترابط موجود في البين. هذا شاهد معزز لما مر بنا في بحث التعبدي التوصلي.

اما الفور والتراخي. طبعا الفور غير الواجب الموقت وان كان فيه تقارب جدا. لكن الاعلام دمجوا هنا الفور والتحديد في الوقت لكن الصحيح انهما مختلفان. اجمالا بعض الواجبات الفور فيها مع الواجب من قبيل وحدة المطلوب نظير الصوم من أول حده الى آخر حده. إذا حصل خلل ينتفي الصوم والقضاء يحتاج الى دليل آخر. طبيعة الصوم هكذا وحدة المطلوب. هناك فور وتراخي من دون وحدة المطلوب وهذا أيضا على اقسام. مثلا الحج حجة الإسلام تجب بمجرد الاستطاعة في سنتها لكن إذا عصى الفورية فأصل وجوب الحج لا يسقط وحتى الفورية لا تسقط فيجب فورا ففورا. الأعلام هنا مثلوا لوحدة المطلوب برد السلام. هو فوري إن لم يجيب الانسان يسقط بعد ذلك لا يسمى الجواب. طبعا هذا مدعى ويمكن الاستدراك. طبعا عدم الفور معصية لكن لو عصى او غفلة ما جاوب فورا لكن بعد ذلك يمكن رد سلامه ويعد عرفا جوابا.

فرق بين المضيق والموسع والفور والتراخي. المضيق والموسع الوقت أخذ قيدا أما طبيعة الفورية لم تأخذ قيدا. فرق المضيق عن الفوري هو هذا. الزمان لم يؤخذ قيد الواجب مثل الساتر او الطهارة او الاستقبال. حتى الموسع أخذ الوقت في موضوعها مثل صلاة الظهر حدها واسع. أما الفور والتراخي لا نظر لهما لأخذ الزمان قيدا لكن إما من باب وحدة المطلوب او تعدد المطلوب كما هو الأكثر وهذا على اقسام. إما تسقط الفورية مثل صلاة الايات يجب فورا. اذا اخرتها يجب الصلاة مع ذلك. هذا أيضا غير متفق عليه ويمكن النقاش عليه فقها ولا يبعد أن يقال فورا ففورا لا سيما في الوقت القريب للزلزلة. الخسوف والكسوف مثال للمضيق والموسع وليس مثالا لنا. في الحج يعصي لكن لا تسقط الفورية بل فورا ففورا في العام القادم وان لم يحج فالعام الثالث. على كل هي أقسام.

اجمالا قالوا ان الأدلة هيئة الأمر او مادة الامر ليست في نفسها دالة على الفورية ولا على التراخي فمقتضى النتيجة تكون تراخيا. نعم استدل بعض الاصوليون بآيتين «وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض» وآية أخرى «واستبقوا الخيرات» فاستدل على أن مقتضى القاعدة الأولية هي المسارعة والاستباق. هاتان الايتان أيضا اشكل على دلالتهما على الفورية ان الاستباق يعني الفورية بلحاظ المكلف الاخر له ذمة واجب آخر فنستبق في التقوى والصلاح والتكامل والورع والعلم ولا ربط له بان الفعل نفسه يستبق فيه. وإلا حتى لو كان الفعل يدل على التراخي يمكن أن يتقيد الانسان اكثر من غيره أو في الحرمات يعني يسبقوا. فاذا الاية ليس في صدد فورية الواجبات بل في صدد ان الانسان يتسابق يعني أن يكون نفسه من أهل الطاعة والورع لا السرعة الزمانية.

«سارعوا الى مغفرة» أشكل على دلالتها على الفورية بانها في مورد التوبة والتوبة عقلا ونقلا فورية وفوريتها لا تسقط بل فورا ففورا. لأن لا يكون العبد آبقا عن ساحة طاعة المولى. إذاً هي في باب التوبة وليست في باب الفور والتراخي

يمكن أن يناقش واحد ان المغفرة أسبابها الطاعات أنها يغفر السيئات والتوبة «ولو انهم اذا ظلموا انفسهم ... يجد الله توابا». التوبة لها معنى اعم ليس خصوص الرجوع عن المعصية بل معناها اعم بمعنى مطلق الرجوع والقربة والتقرب الى الله ولا يبعد أن هذه الأية «ولو انهم اذ ظلموا انفسهم...» اعم وليس في خصوص الاستغفار والتوبة سيما التوبة هي عبادة من العبادات. لكن دعوى تقرير «سارعوا الى مغفرة» في غير التوبة محل تأمل. على اية حال كونها للفورية محل تامل مع ذلك اعتمدوا على قرائن للخدشة في دلالة هاتين الآيتين على الفورية باعتبار ان اكثر الواجبات فيها تراخي وليس فيها فورية ومن جانب آخر بعضها مضيق وبعضها موسع فبالتالي لا يبقى إلا الأقل فتناسب الاستحباب لا الوجوب. حتى المستحبات أيضا ليست الفورية فيها واجبة. القول بأن المسابقة في كل بحسبه يعني في الواجبات واجبة وفي المستحبات مستحبة أيضا في محل تأمل. بعبارة أخرى هذه الاية إرشاد وليست مولوية يعني إرشاد عقلي للمرشد اليه يعني أن الاكمل للإنسان ان يكون سابقا في الخيرات والمسابق في أسباب المغفرة ولا بد ان يلاحظ المرشد اليه أمره فيه فورية او غير فورية. فإذاً هذه الاية شبيه «اطيعوا الله» اذا كانت بلحاظ اقم الصلاة والواجبات فالاطاعة واجبة لأن «اطيعوا الله» ارشاد. نعم اذا قلنا أن اطيعوا الله ليست خاصة بالارشاد الى ما قرر وجوبه بل هي يعني ولاية الله وولاية الرسول. أما إذا كان اطيعوا الله ارشاد لما قرر وجوبه فهو ارشاد فمرشد اليه يجب أن يلاحظ. مضيق او موسع او فوري او تراخي. هكذا في «سارعوا الى مغفرة» هذا تمام الكلام في قضية الفورية والتراخي.

بعد ذلك يأتي نوبة مبحث الإجزاء. مبحث الإجزاء يبحث عن أربعة اقسام.

إجزاء المأمور به عن أمره سواء كان المأمور به واقعيا عن الواقعي او الاضطراري عن الاضطراري او الظاهري عن الظاهري. إجزاء المامور به أيا كان نوع المأمور به عن نفس الامر. هذا هو القسم الأول. هل يقتضي الإجزاء

القسم الثاني: إجزاء المأمور به الاضطراري عن الواقعي الأولي اما الاضطراري عن الاضطراري يدخل في القسم الأول. القسم الثاني الاضطراري عن الواقعي. باعتبار ان الاضطراري ناقص فهل يجزئ عن الواقعي؟

القسم الثالث إجزاء الظاهري عن الواقعي. القسم الرابع أضافه الميرزا النائيني في أجود التقريرات إجزاء الامر التخيلي عن الواقعي او عن الظاهري. سواء هذا التخيل من المجتهد او من المقلد لم يراعي ضوابط التقليد التخيلي ضابطه ما ظن انه امر شرعي سواء ظاهري او واقعي او اضطراري. لكن تخيل انه امر شرعي هل يجزئ عن الواقعي او الظاهري او الاضطراري. المبحث اذا ينقسم الى أربعة اقسام. أصل المسألة الإجزاء سيما البحث الكلي فيها المشترك لاسيما القسم الأول او الرابع او الجهة المشتركة بين الأقسام الأربعة أصل المبحث انه من المسائل العقلية الخمس.

يعني كما ذكر النائيني وقبله الشيخ الانصاري عندنا أحكام عقلية غير المستقلة تبع للحكم الشرعي وهي خمسة «لا بالحصر بل المعمول و المبحوث عنه خمسة» أما الأحكام العقلية المستقلة فلا تحصر في الخمسة او في شيء وهذه الاحكام العقلية المستقلة يبحثونها في مبحث حجية القطع. مثلا منجزية العلم الإجمالي مبحث عقلي مستقل او الانسداد على الحكومة مبحث عقلي والأصول العقلية العملية مبحث عقلي. فالاحكام العقلية المستقلة كثيرة. ربما ذكر المظفر تبعا للنائيني او الكمباني أن الاحكام العقلية غير المستقلة هي حكم العقل النظري أما الاحكام العقلية المستقلة فهي حكم العقل العملي. لا يبعد ان هذا كلام الكمباني او النائيني او الشيخ لكن الصحيح بحسب ارتكاز اغلب الأصوليين او اغلب الفقهاء واغلب المتكلمين النظري والعقلي جناحان يردان في مورد كل منهما. كل منهما يرد في مورد الاخر. يعني ليس عندنا موارد يحكم فيها العقل العملي من دون النظري. هكذا معروف حتى ربما عند الفلاسفة لكن التحقيقات العقلية الاخيرة ذكرناها في كتاب العقل العملي كل مورد حكم فيها العقل العملي يمكن ان يحكم فيه العقل النظري وكل مورد حكم فيه العقل النظري يمكن ان يحكم فيه العقل العملي. قد يقصر الباحث عن استكشاف الآخر ان يرى الحكم العقل العملي كقبح الظلم. أين النظري منه؟ النظري وجود وعدم علامة أن الحكم حكم العقل النظري هوالوجود والعدم. أما علامة الحكم العقل العملي هي القبح والحسن. هم ذكروا ان الحسن والقبح تارة بمعنى الكمال والنقص وهو النظري والملائم وغير ملائم نظري لكن ينبغي فعله ولا ينبغي فعله حكم العقل العملي. نفس الحسن والقبح له معاني نظرية وعملية. أحد ردود العدلية والامامية على الفلاسفة لأنهم بعد ابن سينا تأثروا بالأشعرية. أحد ردود علماء الامامية على الاشعرية والفلاسفة والصوفية أن الحسن العملي ليس شيئا وراء الكمال النظري. والقبح العملي ليس شيئا وراء النقص النظري. تلازم بينهما. المقصود كلمة مختصرة كل حكم عقلي نظري يلازمه حكم عقل عملي اكتشفه الباحث او لم يكتشفه. كل ما حكم به العقل العملي حكم به العقل النظري وبالعكس. الفيزيا حكم العقل النظري وفيه ربط بالعقل العملي.