الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ، مبحث الأوامر، المرة والتكرار

 

الأغراض الشرعية واصول التشريع

البحث كان في الغرض باعتبار انه قرينة مهمة في هذه التقسيمات ولابد من الالتفات الى جملة من النكات.

طبعا بالنسبة الى الامامية: ان العقول لا تصيب علل الاحكام وأن دين الله لا يصاب بالعقول في الفروع فكيف في أصول العقائد طبعا كما مر امس لا تصيبه العقول يعني من نفسها بقدرتها ومن ذاتها وبالإمكانيات الموجودة فيها، مثل أن الانسان لا يصيب علم الفيزيا إلا بالتعليم. كذلك العلم الوحياني الذي هو محيط بكل صغيرة وكبيرة لا يصيبه العقل الا بالوحي وتعليم الوحي فهذا ليس تجميدا او تحجيرا للعقل في الفهم وانما تنبيه وارشاد للعقل انه ليس بمكنته الذاتية لنفسه أن يحيط بالواقعيات كما هي، كل العقول البشرية حتى التجارب البشرية. هذه قاعدة مهمة في فلسفة التشريع لها تطبيقات او عمل بها في علم الفقه واصول الفقه والعلوم الدينية طرا حتى العقائد من ثم ذهب جملة كثيرة من المفسرين او المحدثين او المتكلمين الى أن أسماء الله توقيفية والشيخ الانصاري في تنبيهات القطع أشار الى أن استبداد العقل البشري عن التعلم من الوحي إذا ضل لا يعذر ولو ادعى القطع او الجزم وحتى يخلد في العذاب الابدي. هذا كلام الشيخ الانصاري في تنبيهات القطع. بل لابد له من التعلم ولا يستبد وإلا فحصه خاطئ وهذه مؤاخذة على الفلاسفة أنهم يدعون أن العقل ينفتح أمام كل شيء إلا الوحي. تنفتحون على بعضكم البعض ولا تنفتحون على الأنبياء؟ هذا تعصب والتعصب ليس سمة العقل بل سمة الجهالة. المقصود هذا المطلب أن دين الله لا يصاب بالعقول قاعدة من القواعد المعرفية تدّخل في العلوم الدينية بشكل عظيم ولها قالبها ولسانها في علم الكلام وقالبها ولسانها في علم الأصول وقالبها في علم الفقه والفروع .

على اية حال فمع كون دين الله لا يصاب بالعقول فمن أين يدّعي الفقهاء غرض الشارع في الحكم؟ او الاصوليون يدعون انهم يفتهمون الغرض من الواجب الكفائي او العيني او التخييري او التعييني؟ الجواب انه ليس المراد هنا أن الغرض يستكشفه العقل بنفسه وإنما بدلالة وإرشاد الوحي. هذا جواب إجمالي يعني بدلالة الدليل.

سوال آخر قد يقال أن هذه الدلالة من قبيل حكمة التشريع وليس من قبيل علة التشريع وفرق بين علة التشريع وحكمة التشريع. الجواب: ان حكمة التشريع قد ذكرنا في أواخر بحث الصلاة ربما فيه خمسة عشر فائدة صناعية التزم مشي المشهور في العلوم الدينية على البناء عليها. من الفوائد الصناعية لحكمة الحكم ما يبرزه علم أصول القانون في علم الأصول.

إن كثيرا مما يطلق عليه حكمة الحكم هي عبارة عن عمومات تشريعية فوقانية لم يدرجها الفقهاء والمفسرون في آيات الأحكام الفرعية واقتصروا في عدد آيات الاحكام الفرعية على خمس مأة مثلا بينما اذا نلاحظ عبارة «خلق لكم ما في الأرض جميعا» هذه ليست مذكورة في آيات الاحكام و«لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم» هذه الايات تبين كانما مسيرة تكوينية. بينما المتاخروا الاعصار كثير من الايات التي هي حول الخلقة استنبطوا منها الاحكام الشرعية. الايات قد تعد من الايات التكويينة او الإخبار عن مظاهر سنة التكوين لله عزوجل لكن استفادوا منها التشريعات والوجه في ذلك في الحقيقة أن جملة من الايات التي تعد من قبيل فلسفة التشريع وفلسفة التكوين جعلها المتاخرون عبارة عن أصول تشريعية فوقية شبيه الأصول الدستورية.

طبعا الأصل الدستوري لا يحق للوزارة أن يستنبط منه القوانين ولا يحق قانونيا لبلديات أن تستنبط منه القوانين إنما يحق للبرلمان لأن أهلية البرلمان في الاستنباط من أصول التشريع تختلف عن أهلية دوائر قانونية في الوزارات او البلديات كما ان البلديات والمحافظات لا يحق لها ان تستنبط القوانين من قوانين البرلمان لابد أن تستنبط قوانين البلديات من قوانين الوزارة. هذه سلسلة المراتب طبعا أن لا يحق للوزارة أن تسنبط من الأصول الدستورية لا يعني أن الأصل الدستوري ليس قانونيا وليس تشريعيا وانما لا أهلية للقوانين الوزارية بهذا المعنى. لا أن الأصول الدستورية ليست أصول قانونية دستورية. او ان القوانين البرلمانية حيث لا يصح للبلديات ان تستند اليها هي ليست قوانين. قوانين لكن لا يصح للبلديات والمحافظات ان تستند الى قوانين البرلمان لابد ان تستند الى قوانين الوزارية.

لماذا مراعاة هذه السلسلة؟ هذه يسمونه الولاية التشريعية وهذه الولاية التشريعية لله وللرسول وللائمة ثم تأتي دور الفقهاء. كما أن العوام في الأمور غير الضروريات في غير البديهيات وغير المتسالمات لا يحق لهم ان يستنبطوا من الروايات. لا يحق للعامي بدون التخصص أن يستنبط الحكم الشرعي من الايات والروايات. سلسلة مراتب الاستنباط القانوني.

فمعنى الولاية التشريعية للنبي ليس في عرض الله كما ان البرلمان ليس في عرض الدستور بل في طوله. شارح ومبين لا الشارح والمبين اللغوي. هو يحيط بالدستور تماما وكمالا هناك مرتبة من التشريع والاحاطة بتشريع الله لا يحق الا بسيد الأنبياء خاصة. وعلى الائمة اهل البيت وفاطمة سلام الله عليهم إذا أرادوا ان يأخذوا من الله أن يأخذوا عن طريق رسول الله. هذه خاصية لرسول الله. اطيعوا الله واطيعوا الرسول. ولاية عامة سياسية تشريعية تكوينية أعم «انما وليكم» أيضا هكذا. هي سلسلة المراتب. انما مثلت هذا المطلب لتوضيح أمور متعددة في بيان واحد ولاية تشريعية لله وللرسول وللائمة بهذا المعنى. أيضا ذلك الفتيا من المفتي في الحقيقة سلطة تشريعية وليس فتوى وإخبارا. الفتوى ليست اخبارا محضا. ممارسة السلطة يعني نفوذ القدرة والولاية. «آلله اذن لكم ام على الله تفترون» اذا كان الفتوى اخبار محض يحتاج هل يحتاج اذنا من الله؟ هو يخبر عن واقعة وحقيقة. هذا يدل على أن ممارسة الإخبار عن الله في جانب التشريع هو نوع من ممارسة السلطة والولاية. في الحقيقة الفتيا وليتفقهوا ولينظروا نوع من الولاية التشريعية. لكن ليس ولاية تشريعية بمعنى أنهم مشرعون كما عند الحنفية. الاجتهاد عند الامامية ليس كالاجتهاد عند فقهاء العامة ان يبتدأ المجتهد حكما من نفسه وانما هو لاقطة شفافة أن الفقيه بفهمه يلتقط بفهمه من كلمة السر الخاص واسم المستخدم الموجود في الفاظ الكتاب والفاظ السنة يلتقط من هذا الجهاز. المقصود أيا ما كان الفتوى من الفقيه سلطة تشريعية ونفوذ كفتيا ضد الداعش وفتيا تحريم التنباكو هي سلطة تشريعية ونفوذ بين الأنظمة الوضعية وبين المرجعية حتى.

من ثم بنينا على حرمة تقليد الميت ابتداء. لأنه لما يموت الفقيه تنقطع الولايته النيابية عن المعصوم ولو كان الفتيا إخبارا محضا لجاز تقليد الميت ابتداء. ما الفرق فيها بين الحي والميت. على اية حال هذا غير الاحتياط. الاحتياط ليس اعتمادا على الفقهاء بما ان لهم ولاية فتيا. الاحتياط على مجموع فتاوى الفقهاء من باب انهم مخبرون فلا يفرق بين الحي ولميت. في باب الاجتهاد والتقليد لم يفرق الفقهاء في الاحتياط الكامل بين الموتى والاحياء لأن باب الاحتياط من باب جمع الطرق بخلاف التقليد انه عبارة عن استناد الى سلطة تشريعية للمفتي ولابد ان يكون حيا. أما البقاء بسبب ان الحي يعطي اذنا تشريعيا كسلطة تشريعي. مثل الحكومة التي تنفذ الحكومة السابقة.

نرجع الى المطلب وهو ما كنا فيه قضية الغرض. فهناك أصول تشريعية فوقية قد لا يحق الا لسيد الرسل. مثلا عندنا حرم الله الخمر ثم حرم سيد الرسل كل مسكر بضرورة الدين. حتى البخاري يقول تشريع الركعة الثالثة والرابع من سنة النبي ولو قال قائل ان الثالثة والرابعة من تشريع الله لأبدع في الدين. بضرورة المسلمين الركعة لثالثة والرابعة من تشريع النبي. ولاية تشريعية من النبي كما ان الركعة الثالثة في المغرب من تشريع النبي كما أن عندنا متواترا تحريم كل مسكر من تشريع النبي. متواتر عندنا. ثم أئمة اهل البيت حرموا الفقاع. كثير من قوانين الحدود والقضاء والقصاص اكثرها بعد تشريع الله وتشريع سيد الأنبياء اكثرها ربما ثمانين بالمأة من تشريعات اميرالمؤمنين علیه‌السلام حتى عند العامة في كتبهم. هذه تشريعات سيد الاوصياء. لذلك ألّف عدة من أصحاب الائمة مثل محمد بن قيس من تلاميذ الباقر أقضية اميرالمؤمنين علیه‌السلام. لكن هذه التشريعات العلوية منشعبة من التشريع النبوي والتشريع الإلهي. على كل ليس كلامنا في البحث.

البحث في أن الفقيه كيف يستكشف الغرض؟ مرادنا من الغرض ان الأصل التشريع الفوقي وان كان من اختصاصات النبي او اختصاصات الائمة لكن هذا التشريع له دور يحدد الاحكام المنشعبة النازلة. مثلا الوزارة ليس لها حق ان تقنن من القوانين الدستورية لكن لأجل أن تفهم القانون البرلماني الذي تريد ان تستند اليه تستعين في فهم القانون البرلماني بالقانون الدستوري. صحيح وهذا ليس ممارسة التشريع بل هي ممارسة فهم القانون البرلماني. بالاستعانة بأصل تشريعي في الدستور. أو البلديات او المحافظات ليس لها حق ان تستند الى القانون البرلماني والقانون الدستوري وفقط لها حق ان تستند الى القوانين الوزارية لكن تفهم القوانين الوزارية بالاستعانة بالقوانين البرلمانية كقرينة او القوانين الدستورية. هذه ليس ممارسة التشريع والاستنباط من القوانين الدستورية. إن طبقات القانون الفوقية يستفاد منها في فهم القوانين النازلة وتحديدها فإذاً من ضوابط الأغراض هي أصول تشريعية باح بها الوحي يعني أظهرها. وإلا لماذا يخاطب الله عزوجل في الأصول التشريعية جميع المسلمين او المؤمنين ولا يخاطب النبي خاصة؟ لابد ان يكون هناك فائدة. لكن هذه التشريعات التي خاصة بالنبي او الأئمة نستطيع ان نفهم منها كقرينة للقوانين النازلة او المشرعة التحتانية. فإذاً الغرض يستفيده الاعلام من هذا الباب. هذا بالنسبة الى بحث الغرض. اجمالا أغلبها أصول تشريعية فوقية. نعم يحتاج الى يقظة فقهية استنباطية ان كل باب وكل فصل في أبواب الفقه ترتب وتنظم جدولة طبقات العموم.

طبعا المتاخرون حاولوا في كثير من الموارد ان يرسموا هذه الصناعة الاستنباطية الاستدلالية لكن هي مبادرات ابتدائية يجب ان تكثر اكثر اكثر. تعبير الفقهاء وكبار الفقهاء اللهم ارزقنا معرفة حقائق الاحكام. يعني أحد معانيها هي الأصول التشريعية. التشهد إقرار بالعقائد حينئذ أفهم التشهد في الاذان والإقامة وغيرها حقيقة واحدة شرعية. الصلاة في الحقيقة طقوس عقائدية. لما نفتهم أن الصلاة هكذا فمن ثم يصير واضحا عندي ان الصلاة معلم ايماني وليس معلما للاسلام الظاهري وفروع بدني محضا. ويترتب عليه بحوث كثيرة. أفهم لما يقول الامام انما الشهادتان ادنى ما يجزئ. واعظم مقولة العقائدية هي الولاية. ليس المعاد وغيرها. لأنه في المعاد سيحاسبنا سيد الرسل وسيد الاوصياء إياب الخلق اليهم عن الله. وهذا ليس تحدث ولا هلوسة هذه عبارة عن قوالب الالفاظ لكن تنظمها لا بنحو عشوائي كالرواة. الفقيه شغله ان ينظم المعادلات.