الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/

 

المرة والتكرار

كان الكلام في دلالة الامر على المرة والتكرار ومر بنا ان هذا البحث يختلف عن بحث الامتثال بعد الامتثال باعتبار ان هذا البحث على صعيد الحكم الفعلي او الانشائي بينما البحث في جواز الامتثال بعد الامتثال على صعيد مرحلة الامتثال في الحكم، فالتمييز بين مراحل الحكم وآثار كل مرحلة والتمييز بينها أمر دقيق مهم جدا ويؤثر على الاستنباط في الأبواب الفقهية وهو السبيل لكثير من موارد التعارض البدوي وأحد معاني هذه القاعدة عند القدماء الجمع مهما امكن اولي من الطرح هو التفاتهم وتركيزهم على كيفية حل التعارض او التنافي بين الأدلة بلحاظ العلاج او التدقيق في مراحل الحكم فيرون أنه لا تصل النوبة الى تكاذب الدليلين وإنما هو نوع من العلاج بين مدلولي الدليلين بلحاظ اختلاف مراحل الحكم اما النظرة الساذجة على الظاهر من دون التدقيق على المراحل يسبب التعارض. ربما يطعن على المشهور أن هذه القاعدة «الجمع مهما امكن أولى من الطرح» هي قاعدة تأويلية يرتكبها القدماء تكلفا وتحكما والحال انه ليس كذلك كثير من نظرهم الالتفات الى مراحل الحكم فاذا كانت هناك نوع من المعضلة بين الحكمين ودليلين في مرحلة معينة لماذا نؤدي المشكلة الى مرحل أسبق يعني المرحلة الانشائية؟ ولاحظتم ان المتقدمين في التخصيص لا يجعلون المخصص رافعا للعام في منطقة الخاص من رأس وانما يجعلون الخاص رافعا للعام في مرحلة ثالثة من الحكم الانشائي لا المرحلة الأولى والثانية وعندهم ثمرات كثيرة. فرق بين ان يكون للعموم تواجد في منطقة الخاص مجمدة بلحاظ المرحلة الأولى والثانية وإن كان مجمدا بلحاظ المرحلة الثالثة في الانشاء وهذا يثمر في تفسير الأدلة لبعضها البعض وجمع بين الأدلة أشياء كثيرة جدا. بينما مبنى متاخري الاعصار الخاص يرفع العام من رأس بمعنى أنه أصلا الدليل العام في منطقة الخاص لا وجود له. بينما معالجات القدماء دقيقة من هذه الزاوية. فهذه الأمور حتى في النسخ المنسوخ في القدماء هو الذي يشرحه السيد الخوئي في كتابه البيان عندما ينكر النسخ الذي عند المتأخرين ويثبت حالة أخرى. لأن النسخ عند المتاخرين كالخاص يرفع المنسوخ أما النسخ عند القدماء يجمد المرحلة الثالثة من المنسوخ. السيد الخوئي يصر أن هذا النسخ الذي ادعيتم في عشرات موارد ما رفع المرحلة الأولى والثانية لكن هذا ليس شاهدا على عدم النسخ بل حقيقة النسخ هو هذا وان كان السيد الخوئي يبنى على إنكار النسخ من راس. لكن اذا ندقق كلامه هو ينكر النسخ في المرحلة الثانية والأولى لا المرحلة الثالثة. بالدقة هو لم ينكر النسخ بلحاظ المرحلة الثالثة في الحكم الانشائي قبلها وإنما أنكر ارتفاع المنسوخ في المرحلة الثانية والأولى. فالمقصود هذا المطلب أن المتقدمين يدققون في المراحل وهي مهمة وهذا أحد تفاسير قاعدة الجمع. لاحظ التهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي وليس كتابا ادبيا لكن بحث علمي واحتمالات علمي في الفقه او المعارف لأجل بيان تعدد المراحل فلا نسارع ونظن ان منطقة الارتباط بين الدليلين سواء الارتباط التنافي او الارتباط التوافق لا نظن ان منطقة الارتباط واحدة بل تختلف من مورد الى مورد. مراحل الحكم مهمة. تأكيد على هذا المطلب ضروري ومراعاته جدا ضرورية. يحل كثيرا من العقد في العلوم الدينية.

اذا هناك فرق بين مسألة ان الامر يدل على المرة والتكرار وبين التكرار في منطقة الامتثال، هنا في أصل التنظير وما اشتغلت به الذمة أما هناك بعد الفراغ عن التنظير والاشتغال والكلام في الامتثال.

من جانب آخر أن القضية الانشائية التي فيها نهي وأمر يمكن ان تتكثر الاحكام من زوايا عديدة، تارة من زاوية بعض الموضوع يعني المكلف الذي هو بعض قيود الوجود. فلاحظ قيود الوجوب بالنسبة الى الوجوب او الحرمة او الحكم الوضعي قيود الحكم يمكن أن تعطي للحكم عدة عمومات. بلحاظ هذا القيد الحكم عموم استغراقي وبلحاظ ذلك القيد عموم آخر. حكم تجهيز الميت بلحاظ نفس الميت لا يتكثر وبلحاظ المخاطبين للتجهيز الحكم يتكثر. يعني حكم واحد وقضية انشائية واحدة وقيود الحكم وقيود الوجوب بلحاظ كل قيد تكسب الحكم أنواعا من العموم بحاظ هذا القيد قد يكون استغراقيا وبلحاظ قيد آخر قد يكون صرف الوجود وقيد آخر يكون مجموعيا وهذا يبين نكتة لطيفة أن مرحلة واحدة بلحاظ تعدد قيود الحكم وتعدد أجزاء الحكم يمكن ان تكتسب الحكم أجزاء من العموم وهذا مما يحلحل كثيرا من العقد والابهامات في الأبواب الفقهية والهندسة صعبة. حتى بلحاظ القيد كل قيد وهذا أحد معضلات صلاة المسافر. لأن ثمان قيود في صلاة المسافر كل قيد يعطيك طابعة للحكم يختلف عن القيد الاخر وغفلة تصير عند الا علام بلحاظ أبرز القيد في صلاة المسافر وهو السفر ياترى علاقة المسافر مع وجوب القصر كعلاقة قصد الحلال وعدم المرور بالوطن؟ ثمان قيود هذه القيود طبيعة علاقتها بحكم وجوب القصر مختلفة ان لم يتنبه الباحث الى هذه الاختلاف سوف تتعقد كثير من قيود صلاة المسافر. الحيض أيضا هكذا قيود فيه ليس بارتباط واحد. كل قيد يفتح له ملف خاص مع أنها لموضوع واحد. مثل الركوع والسجود بشرط لا وبشرط شيء في الصلاة القرائة أيضا بشرط شيء وذكر السجود والركوع لا بشرط مركب واحد طبيعة كل جزء مأخوذ بنمط يجب الانسان أن يلتفت سواء في المتعلق وهو الواجب أو في قيود الحكم. بهذا المقدار نكتفي به لكن هذه الأمور تدقيقات جدا صناعية مهمة. هدف الميرزا النائيني في رسالة اللباس المشكوك هذا.

هل ياترى أن الأمر يدل على المرة والتكرار؟ هنا اذا قلنا ان الامر يدل على التكرار يعني ماذا؟ هل يدل على التكرار استغراقا او يدل علي التكرار مجموعا؟ إذا يدل على التكرار مجموعا يعين الوجوب الواحد وليس وجوبات وأما اذا قلنا يدل على الاستغراق فهنا وجوبات وليس وجوبا واحدا. لاحظوا من باب المثال «لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سيبلا» تارة نقول الاستطاعة الواحدة توجب الحج لكل عام. هذا احتمال لكن خلاف الظاهر. مثل البلوغ بعض القيود من قبيل الحيثية التعليلية إذا مرة واحدة حدثت تفيد الوجوب وبعض القيود من قبيل الحيثية التقييدية كل فرد من الوجوب يجب أن يكون له فرد من الموضوع. فلله على الناس حج البيت الاستطاعة الواحدة توجب تكرار الحج او الحج يكفي فيه صرف الوجود مرة واحدة ثم الاستطاعة مرة واحدة تولد الوجوبات او تولد الوجوب الواحد. أو إذا تكررت الاستطاعات تكرر الوجوب؟ عندنا صور واحتمالات نستطيع ان نستظهر كالاحتمال والا القرائن والشواهد غيرها. الصدوق يقول يجب على أهل الجدة والمال والتمكن الحج كل عام. فيه نصوص خاصة دالة عليه لكن المشهور حملوها على الوجوب لكفائي أن بيت الله الحرام لا يعطل باي سبب. لانه امان في الأرض للبشر. موجود في الروايات في نصوص الفريقين. قياما للناس دنيويا ودينيا. القيام يعني القوام يعني وجودهم ومعيشتهم. لو أن الناس تركوا بيت الله لما أمهلوا. المشهور حمل الروايات الواردة على الواجب الكفائي لا حجة الإسلام. لا يتكرر تكليفها في ذمة المكلف كما وردت روايات في زيارة مرقد النبي وكذلك مراقد اهل البيت. الشاهد فحمل المشهور هذه الروايات التي فيها انه يجب على اهل الجدةكل عام على واجب مستقل اما الاية الاستطاعة مرة واحدة في العمر يعني استطاعة واحدة في وجوب واحد. قرائن وشواهد طبعا. إذاً بحث المرة والتكرار على صعيد التنظير وليس على صعيد التطبيق. هذا فارق بين بحث المرة والتكرار والبحوث الاخرى زاوية البحث في الدلالة. فهل للامر دلالة؟ قوالب مختلفة في الاستظهار يجب الالتفات اليه.

قالوا ان الصحيح أن الامر هيئة ومادة لا دلالة له في نفسه لا على المرة ولا على التكرار لكن نتيجته نتيجة المرة. النهي قالوا ان طبيعته اعدام الطبيعة فيقتضي الاستغراق. عكس الامر. النهي طبيعته سريانية. طبعا بسبب قرينة الغرض او قرينة نسبة النهي. ففيه الفرق بين مقتضى الامر ومقتضى النهي. مقتضى الامر صرف الوجود اما مقتضى النهي اعدام الطبيعة. حينئذ قد يكون عموما مجموعيا وقد يكون عموما استغراقيا . مثال النهي عن الاكل في الصيام عموم مجموعي اما النهي عن شرب الخمر عموم استغراقي. بعض قيود الحكم يجعل الحكم مجموعيا وبعض القيود يجعل الحكم استغراقيا. في جانب الامر يقولون هذا بحسب القرائن والشواهد وإلا الامر لا دلالة له عليه. لماذا قالوا ان الامر نتيجته المرة لكي يبينون أن دلالة الامر وهيئة الامر ليست على المرة لأن لا يصير نوع من التدافع إذا كانت هناك قرائن على التكرار. هيئة الامر ومادة الامر غير دالة لا على المرة ولا على التكرار. لكن مقتضى حكم العقل أن الطبيعة توجد بصرف الوجود. إجمالا أن الهيئة في جانب الامر غير دالة على المرة والتكرار ونتيجته هي المرة. وفي جانب النهي نتيجته هي التكرار مجموعا او استغراقا ومن أعظم القرائن على التكرار اعترف الاعلام الاصوليون نكتة لطيفة أن أهم قرينة خاصة في الموارد بعد عدم كون هذه الدلالات او المدلولات جزء الوضع اهم قرينة هي نمط الغرض. هذا مبحث الغرض حتى في العيني والكفائي ماذا المراد من الغرض؟ قد يسأل واحد مبحث الغرض ماهو؟ مقصود الاعلام من الغرض ؟ لا سيما الاعلام الذين يتبنون على مبنى اهل البيت على ان دين الله لا يصاب بالعقول. الغرض هو الغرض عند الشارع ما هو معنى الغرض في كلمات الامامية؟ مع اعترافهم بان علل الاحكام مخفية دين الله لا يصاب بالعقول في الفروع فكيف في العقائد. هذه المقولة لابد ان يتبين. دين الله لا يصاب بالعقول علمانيون يفكرون انه يعني حجر وردع العقل. ليس المعنى هكذا. ليس غلق لباب العقل بالمرة. دين الله لا يصاب بالعقول يعني ان العقل له أدوار عديدة العقل او قوة الفكر او قوة القلب ليس المراد أن العقول لا تفهم دين الله بعد تعليم الله. هذا ليس المراد. العقل اكبر متعلم في مدرسة الوحي واعظم تلميذ حسب بيانات الوحي هو العقل اذا غير مغلق الباب للعقل. إذاً ليس غلق لفهم العقل ودور العقل لنشاط الفهم بعد تعليم الله. إنما الذي يغلق ما هو؟ إنما المراد من غلق العقل هو ان يكون العقل معلما مطلقا أو يكون العقل حاكما مطلقا ومدركا بمفرده. هذا هو الذي مراد. إذاً ليس حجرا للعقل بل حجر على بعض أدوار العقل. بل المراد أن العقل قاصر والوحي يقول للعقل ان دورك متعلم وتتقمص. ولذلك العقل يحتاج الى التجربة مما يدل على أن العقل يتعلم من التجربة. عقل أي من الناس يحتاج الى جهود العلماء قبله. من يستبد بعقله مجنون. فما بال العقل إذا يحتاج الى مصادر أخرى لا يقر انه يحتاج الوحي. العقل متعلم وليس معلما. ليس حاكما مطلقا. عقول البشر تذهب الى الابتدائية. نفس التعلم احياء حيوية واحياء للعقل. هذه نكتة مهمة. تتمة ان شاء الله غدا.